responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 57
وَجَهْلًا، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا أَنَّ الله تعالى طلب التوبة منا. فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التَّحْرِيمِ: 8] وَلَوْ كَانَتْ فِعْلًا لِلَّهِ تَعَالَى، لَكَانَ طَلَبُهَا مِنَ الْعَبْدِ مُحَالًا وَجَهْلًا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ حُمِلَ قَوْلُهُ: وَتُبْ عَلَيْنا عَلَى التَّوْفِيقِ وَفِعْلِ الْأَلْطَافِ أَوْ عَلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الْعَبْدِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: التَّرْجِيحُ مَعَنَا لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ يُعَضِّدُ قَوْلَنَا مِنْ وُجُوهٍ. أَوَّلُهَا: أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى دَاعِيَةً مُوجِبَةً لِلتَّوْبَةِ اسْتَحَالَ حُصُولُ التَّوْبَةِ، فَكَانَتِ التَّوْبَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنَ الْعَبْدِ، وَتَقْرِيرُ دَلِيلِ الدَّاعِي قَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَثَانِيهَا: أَنَّ التَّوْبَةَ عَلَى مَا لَخَّصَهُ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مُرَتَّبَةٍ: علم وحال وعمل، فالعلم أول والحال ثان وَهُوَ مُوجِبُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلُ ثَالِثٌ وَهُوَ مُوجِبُ الْحَالِ، أَمَّا الْعِلْمُ فَهُوَ مَعْرِفَةُ عِظَمِ ضَرَرِ الذُّنُوبِ، يَتَوَلَّدُ مِنْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ تَأَلُّمُ الْقَلْبِ بِسَبَبِ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ وَحُصُولِ الْمَضَرَّةِ، وَهَذَا التَّأَلُّمُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالنَّدَمِ ثُمَّ يَتَوَلَّدُ مِنْ هَذَا النَّدَمِ صِفَةٌ تُسَمَّى: إِرَادَةً وَلَهَا تَعَلُّقٌ بِالْحَالِ وَالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْحَالِ فَهُوَ التَّرْكُ لِلذَّنْبِ الَّذِي كَانَ مُلَابِسًا لَهُ، وَأَمَّا بِالِاسْتِقْبَالِ فَبِالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُفَوِّتِ لِلْمَحْبُوبِ إِلَى آخِرِ الْعُمُرِ، وَأَمَّا فِي الْمَاضِي فَبِتَلَافِي مَا فَاتَ بِالْجَبْرِ وَالْقَضَاءِ إِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْجَبْرِ فَالْعِلْمُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَطْلَعُ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ وَأَعْنِي بِهَذَا الْعِلْمِ الْإِيمَانَ وَالْيَقِينَ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّصْدِيقِ بِأَنَّ الذُّنُوبَ سُمُومٌ مُهْلِكَةٌ وَالْيَقِينَ عِبَارَةٌ عَنْ تَأَكُّدِ هَذَا التَّصْدِيقِ وَانْتِفَاءِ الشَّكِّ عَنْهُ وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى الْقَلْبِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْيَقِينَ مَهْمَا اسْتَوْلَى عَلَى الْقَلْبِ اشْتَعَلَ نَارُ النَّدَمِ فَيَتَأَلَّمُ بِهِ الْقَلْبُ حَيْثُ يُبْصِرُ بِإِشْرَاقِ نُورِ الْإِيمَانِ، أَنَّهُ صَارَ مَحْجُوبًا عَنْ مَحْبُوبِهِ كَمَنْ يُشْرِقُ عَلَيْهِ نُورُ الشَّمْسِ وَقَدْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ فَرَأَى مَحْبُوبَهُ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَتَشْتَعِلُ نِيرَانُ الْحُبِّ فِي قَلْبِهِ فَيَتَوَلَّدُ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ إِرَادَتُهُ لِلِانْتِهَاضِ لِلتَّدَارُكِ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ تَرَتُّبَ الْفِعْلِ عَلَى الْإِرَادَةِ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ الْخَالِيَةَ عَنِ الْمُعَارِضِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْفِعْلُ وَتَرَتُّبُ الْإِرَادَةِ عَلَى تَأَلُّمِ الْقَلْبِ أَيْضًا ضَرُورِيٌّ، فَإِنَّ مَنْ تَأَلَّمَ قَلْبُهُ بِسَبَبِ مُشَاهَدَةِ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَحْصُلَ فِي قَلْبِهِ إِرَادَةُ الدَّفْعِ وَتَرَتُّبُ ذَلِكَ الْأَلَمِ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ جَالِبًا لِلْمَضَارِّ، وَدَفْعًا لِلْمَنَافِعِ أَيْضًا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، فَكُلُّ هَذِهِ المراتب ضرورية فكيف تحصل تحت الاختبار والتكليف.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: الدَّاخِلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْعِلْمُ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ أَيْضًا إِشْكَالًا، لِأَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا، فَإِنْ كَانَ ضَرُورِيًّا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ الِاخْتِبَارِ وَالتَّكْلِيفِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ نَظَرِيًّا فَهُوَ مُسْتَنْتَجٌ عَنِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ. فَمَجْمُوعُ تِلْكَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ الْمُنْتِجَةِ لِلْعِلْمِ النَّظَرِيِّ الْأَوَّلِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَافِيًا فِي ذَلِكَ الْإِنْتَاجِ أَوْ غيره كَافٍ، فَإِنْ كَانَ كَافِيًا كَانَ تَرَتُّبُ ذَلِكَ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ الْمُسْتَنْتَجِ أَوَّلًا عَلَى تِلْكَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَاجِبًا، وَالَّذِي يَجِبُ تَرَتُّبُهُ عَلَى مَا يَكُونُ/ خَارِجًا عَنِ الِاخْتِيَارِ، كَانَ أَيْضًا خَارِجًا عَنِ الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ، فَذَلِكَ الْآخَرُ إِنْ كَانَ مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ فَهُوَ إِنْ كَانَ حَاصِلًا فَالَّذِي فَرَضْنَاهُ غَيْرُ كَافٍ، وَقَدْ كَانَ كَافِيًا، هَذَا خُلْفٌ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ افْتَقَرَ أَوَّلُ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ إِلَى عِلْمٍ نَظَرِيٍّ آخَرَ قَبْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ أَوَّلُ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ أَوَّلًا لِلْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ، وَهَذَا خُلْفٌ. ثُمَّ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ الْأَوَّلِ كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا آخِرًا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَتُبْ عَلَيْنا مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ الْمُطَابِقُ لِلدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَأَنَّ سَائِرَ الْآيَاتِ الْمُعَارِضَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ أَوْلَى بِالتَّأْوِيلِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 57
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست