responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 56
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَوْلُهُ: وَأَرِنا مَناسِكَنا أَيْ عَلِّمْنَا كَيْفَ نَعْبُدُكَ، وَأَيْنَ نَعْبُدُكَ وَبِمَاذَا نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ حَتَّى نَخْدُمَكَ بِهِ كَمَا يَخْدُمُ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَرِنا بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَوَافَقَهُمَا عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، فِي حم السَّجْدَةِ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا [فُصِّلَتْ: 29] وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ بِاخْتِلَاسِ كَسْرَةِ الرَّاءِ مِنْ غَيْرِ إِشْبَاعٍ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرَةِ مُشْبَعَةً، وَأَصْلُهُ أَرْئِنَا بِالْهَمْزَةِ الْمَكْسُورَةِ، نُقِلَتْ كَسْرَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى الرَّاءِ وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ سَقَطَتِ الْهَمْزَةُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْكُنَ الرَّاءُ لِئَلَّا يُجْحَفَ بِالْكَلِمَةِ وَتَذْهَبَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْهَمْزَةِ، وَأَمَّا التَّسْكِينُ فَعَلَى حَذْفِ الْهَمْزَةِ وَحَرَكَتِهَا وَعَلَى التَّشْبِيهِ بِمَا سَكَنَ كَقَوْلِهِمْ: فَخْذٌ وَكَبْدٌ، وَأَمَّا الِاخْتِلَاسُ فَلِطَلَبِ الْخِفَّةِ وَبَقَاءِ الدَّلَالَةِ عَلَى حَذْفِ الْهَمْزَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَتُبْ عَلَيْنا فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ الذَّنْبَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: لِأَنَّ التَّوْبَةَ مَشْرُوطَةٌ بِتَقَدُّمِ الذَّنْبِ، فَلَوْلَا تَقَدُّمُ الذَّنْبِ وَإِلَّا لَكَانَ طَلَبُ التَّوْبَةِ طَلَبًا لِلْمُحَالِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالُوا: إِنَّا نُجَوِّزُ الصَّغِيرَةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فَكَانَتْ هَذِهِ التَّوْبَةُ تَوْبَةً مِنَ الصَّغِيرَةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الصَّغَائِرَ قَدْ صَارَتْ مُكَفَّرَةً بِثَوَابِ فَاعِلِهَا وَإِذَا صَارَتْ مُكَفَّرَةً فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا مُحَالٌ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ التوبة في إزالتها وإزالة الزائل محال.
وهاهنا أجوبة أخر نصلح لِمَنْ جَوَّزَ الصَّغَائِرَ وَلِمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهَا، وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ. أَوَّلُهَا: يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِصُورَةِ التوبة تشديداً فِي الِانْصِرَافِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ مَنْ تَصَوَّرَ نَفْسَهُ بِصُورَةِ النَّادِمِ الْعَازِمِ عَلَى التَّحَرُّزِ الشَّدِيدِ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي، فَيَكُونُ ذَلِكَ لُطْفًا دَاعِيًا إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنِ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنِ التَّقْصِيرِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ: إِمَّا عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ تَرْكِ الْأَوْلَى، فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَعْلَمَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَكُونُ ظَالِمًا عاصياً، لا جرم سأل هاهنا أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ ذُرِّيَّتِهِ أُمَّةً مُسْلِمَةً، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُوَفِّقَ أُولَئِكَ الْعُصَاةَ الْمُذْنِبِينَ لِلتَّوْبَةِ فَقَالَ: وَتُبْ عَلَيْنا أَيْ عَلَى الْمُذْنِبِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِنَا، وَالْأَبُ الْمُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ إِذَا أَذْنَبَ وَلَدُهُ فَاعْتَذَرَ الْوَالِدُ عَنْهُ فَقَدْ يَقُولُ:
أَجْرَمْتُ وَعَصَيْتُ وَأَذْنَبْتُ فَاقْبَلْ عُذْرِي وَيَكُونُ مُرَادُهُ: إِنَّ وَلَدِي أَذْنَبَ فَاقْبَلْ عُذْرَهُ، لِأَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ يَجْرِي مَجْرَى نَفْسِهِ، وَالَّذِي يُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إِبْرَاهِيمَ: 35، 36] فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ تَتُوبَ عَلَيْهِ إِنْ تَابَ، وَتَغْفِرَ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ. الثَّانِي: ذَكَرَ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وَأَرِهِمْ مَنَاسِكَهُمْ وَتُبْ عَلَيْهِمْ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ عَطْفًا عَلَى هَذَا: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ. الرَّابِعُ: تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ [الْأَعْرَافِ: 11] بجعل خلقه إياه خلقاً لهم إذا كَانُوا مِنْهُ، فَكَذَلِكَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قوله: أَرِنا مَناسِكَنا أي أر ذُرِّيَّتَنَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ: وَتُبْ عَلَيْنا عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَتِ التَّوْبَةُ مَخْلُوقَةً لِلْعَبْدِ، لَكَانَ طَلَبُهَا مِنَ اللَّهِ تعالى محالًا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 56
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست