responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 161
إِنَّهَا مَا كَانَتْ مُتَحَرِّكَةً أَزَلًا سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ تِلْكَ الْحَرَكَةِ مَوْجُودَةً أَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً، أَوْ قُلْنَا: إِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ تِلْكَ الْحَرَكَةِ مَعْدُومَةً أَصْلًا، فَالِابْتِدَاءُ بِالْحَرَكَةِ بَعْدَ عَدَمِ الْحَرَكَةِ يَقْتَضِي الِافْتِقَارَ إِلَى مُدَبِّرٍ قَدِيمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُحَرِّكَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً، أَوْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً، وَهَذَا الْمَأْخَذُ أَحْسَنُ الْمَآخِذِ وَأَقْوَاهَا. وَتَاسِعُهَا: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ حَرَكَاتِهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ لَوَازِمِ جُسْمَانِيَّتِهَا المعينة، لكنا نرى جسمانيتها الْمُعَيَّنَةَ مُنْفَكَّةً عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الْحَرَكَةِ، فَإِذَنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَرَكَتِهِ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ، فَافْتَقَرَتِ الْأَفْلَاكُ فِي حَرَكَاتِهَا إِلَى مُحَرِّكٍ مِنْ خَارِجٍ، وَذَلِكَ هُوَ مُحَرِّكُ الْمُتَحَرِّكَاتِ، وَمُدَبِّرُ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَهُوَ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَعَاشِرُهَا: أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ الْعَجِيبَ فِي تَرْكِيبِ هَذِهِ الْأَفْلَاكِ وَائْتِلَافِ حَرَكَاتِهَا أَتُرَى أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى حِكْمَةٍ، أَمْ هِيَ وَاقِعَةٌ بِالْجُزَافِ وَالْعَبَثِ؟ أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فَبَاطِلٌ وَبَعِيدٌ عن العقل، فإن جوز فِي بِنَاءٍ رَفِيعٍ، وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أَنَّ التُّرَابَ وَالْمَاءَ انْضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، ثُمَّ تَوَلَّدَ منهما لبنات، ثم تركبها قصر مشيد وبناء عال، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْجُنُونِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ تَرْكِيبَ هَذِهِ الْأَفْلَاكِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ، وَمَا لَهَا مِنَ الْحَرَكَاتِ لَيْسَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْبِنَاءِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ حِكْمَةٍ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا أَحْيَاءٌ نَاطِقَةٌ فَهِيَ تَتَحَرَّكُ بِأَنْفُسِهَا أَوْ يُقَالُ: إِنَّهُ يُحَرِّكُهَا مُدَبِّرٌ قَاهِرٌ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ حَرَكَتَهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِطَلَبِ اسْتِكْمَالِهَا أَوْ لَا لِهَذَا الْغَرَضِ، فَإِنْ كَانَتْ طَالِبَةً بِحَرَكَتِهَا لِتَحْصِيلِ كَمَالٍ فَهِيَ نَاقِصَةٌ فِي ذَوَاتِهَا، طَالِبَةٌ لِلِاسْتِكْمَالِ أَوْ لَا لِهَذَا الْغَرَضِ، وَالنَّاقِصُ بِذَاتِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُكَمِّلٍ، فَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ مُحْتَاجَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَالِبَةً بِحَرَكَتِهَا لِلِاسْتِكْمَالِ، فَهِيَ عَابِثَةٌ فِي أَفْعَالِهَا، فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى أَنَّهُ يَبْعُدُ فِي الْعُقُولِ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ هَذِهِ الْأَجْرَامِ الْمُسْتَعْظَمَةِ، وَالْحَرَكَاتِ الدَّائِمَةِ، عَلَى الْعَبَثِ وَالسَّفَهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْعُقُولِ قِسْمٌ هُوَ الْأَلْيَقُ بِالذَّهَابِ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّ مُدَبِّرًا قَاهِرًا غَالِبًا عَلَى الدَّهْرِ وَالزَّمَانِ يُحَرِّكُهَا لِأَسْرَارٍ مَخْفِيَّةٍ، وَلِحِكَمٍ لَطِيفَةٍ هُوَ الْمُسْتَأْثِرُ بِهَا، وَالْمُطَّلِعُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا إِلَّا الْإِيمَانُ بِهَا عَلَى الْإِجْمَالِ عَلَى مَا قَالَ:
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلًا [آلِ عِمْرَانَ: 191] .
وَالْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّا نَرَاهَا مُخْتَلِفَةً فِي الْأَلْوَانِ، مِثْلَ صُفْرَةِ عُطَارِدٍ، وَبَيَاضِ الزُّهَرَةِ وَضَوْءِ/ الشَّمْسِ وَحُمْرَةِ الْمِرِّيخِ وَدُرِّيَّةِ الْمُشْتَرِي، وَكُمُودَةِ زُحَلَ وَاخْتِلَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَوَاكِبِ الثَّابِتَةِ بِعِظَمٍ خَاصٍّ وَلَوْنٍ خَاصٍّ وَتَرْكِيبٍ خَاصٍّ، وَنَرَاهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةً بِالسَّعَادَةِ وَالنُّحُوسَةِ، وَنَرَى أَعْلَى الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ أَنْحَسَهَا وَنَرَى مَا دُونَهَا أَسْعَدَهَا، وَنَرَى سُلْطَانَ الْكَوَاكِبِ سَعِيدًا فِي بَعْضِ الِاتِّصَالَاتِ نَحْسًا فِي بَعْضٍ وَنَرَاهَا مُخْتَلِفَةً فِي الْوُجُوهِ وَالْخُدُودِ وَاللِّثَاتِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَكَوْنِ بَعْضِهَا نَهَارِيًّا وَلَيْلِيًّا وَسَائِرًا وَرَاجِعًا وَمُسْتَقِيمًا وَصَاعِدًا وَهَابِطًا مَعَ اشْتِرَاكِهَا بِأَسْرِهَا فِي الشَّفَافِيَّةِ وَالصَّفَاءِ وَالنَّقَاءِ فِي الْجَوْهَرِ فَيَقْضِي الْعَقْلُ بِأَنَّ اخْتِصَاصَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمَا اخْتُصَّ بِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ.
وَالثَّانِيَ عَشَرَ: وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ وَكَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي هَذَا الْعَالَمِ فَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَدَافِعَةً أَوْ مُتَعَاوِنَةً، أَوْ لَا مُتَدَافِعَةً وَلَا مُتَعَاوِنَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُتَدَافِعَةً فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ أَوْ تَكُونَ مُتَسَاوِيَةً فِي الْقُوَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ كَانَ الْقَوِيُّ غَالِبًا أَبَدًا وَالضَّعِيفُ مَغْلُوبًا أَبَدًا، فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَمِرَّ أَحْوَالُ الْعَالَمِ عَلَى طَبِيعَةِ ذَلِكَ الْكَوْكَبِ لَكِنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي الْقُوَّةِ وَهِيَ مُتَدَافِعَةٌ وَجَبَ تَعَذُّرُ الْفِعْلِ عَلَيْهَا بِأَسْرِهَا فَتَكُونُ الْأَفْعَالُ الظَّاهِرَةُ فِي الْعَالَمِ صَادِرَةً عَنْ غَيْرِهَا فَلَا يَكُونُ مُدَبِّرُ الْعَالَمِ هُوَ هَذِهِ الْكَوَاكِبُ، بَلْ غَيْرُهَا وإن كانت متعاونة لزم بقاء العالم أيضا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ تَارَةً مُتَعَاوِنَةً وَتَارَةً مُتَدَافِعَةً كَانَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 161
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست