responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 131
وَضِيقُ الصَّدْرِ وَإِنْ كَانَ فِي إِخْفَاءِ كَلَامٍ يُسَمَّى: كِتْمَانَ النَّفْسِ وَيُسَمَّى صَاحِبُهُ: كَتُومًا، وَإِنْ كَانَ عَنْ فُضُولِ الْعَيْشِ سُمِّيَ زُهْدًا، وَيُضَادُّهُ الْحِرْصُ وَإِنْ كَانَ عَلَى قَدْرٍ يَسِيرٍ مِنَ الْمَالِ سُمِّيَ بِالْقَنَاعَةِ وَيُضَادُّهُ الشَّرَهُ وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى أَقْسَامَ ذَلِكَ وَسَمَّى الْكُلَّ صَبْرًا فقال: الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ أَيِ الْمُصِيبَةِ: وَالضَّرَّاءِ أَيِ الْفَقْرِ: وَحِينَ الْبَأْسِ أَيِ الْمُحَارِبَةِ: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الْبَقَرَةِ: 177] قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ الصَّبْرُ أَنْ لَا يَجِدَ الْإِنْسَانُ أَلَمَ الْمَكْرُوهِ وَلَا أَنْ لَا يَكْرَهَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إِنَّمَا الصَّبْرُ هُوَ حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى تَرْكِ إِظْهَارِ الْجَزَعِ، فَإِذَا كَظَمَ الْحُزْنَ وَكَفَّ النَّفْسَ عَنْ إِبْرَازِ آثَارِهِ كَانَ صَاحِبُهُ صَابِرًا، وَإِنْ ظَهَرَ دَمْعُ عَيْنٍ أَوْ تَغَيُّرُ لَوْنٍ،
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى»
وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَا يُعَدُّ مَعَهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ثُمَّ صَبَرَ، فَذَلِكَ يُسَمَّى سَلْوًا وَهُوَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ الْحَسَنُ: لَوْ كُلِّفَ النَّاسُ إِدَامَةَ الْجَزَعِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي فَضِيلَةِ الصَّبْرِ قَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّابِرِينَ بِأَوْصَافٍ وَذَكَرَ الصَّبْرَ فِي الْقُرْآنِ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ مَوْضِعًا وَأَضَافَ أَكْثَرَ الْخَيْرَاتِ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا [السَّجْدَةِ: 24] وَقَالَ: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [الْأَعْرَافِ: 137] وَقَالَ: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 96] وَقَالَ: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا [الْقَصَصِ: 54] وَقَالَ: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزُّمَرِ: 10] فَمَا مِنْ طَاعَةٍ إِلَّا وَأَجْرُهَا مُقَدَّرًا إِلَّا الصَّبْرَ، وَلِأَجْلِ كَوْنِ الصَّوْمِ مِنَ الصَّبْرِ قَالَ تَعَالَى: الصَّوْمُ لِي فَأَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَوَعَدَ الصَّابِرِينَ بِأَنَّهُ مَعَهُمْ فَقَالَ: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الْأَنْفَالِ: 46] وَعَلَّقَ النُّصْرَةَ عَلَى الصَّبْرِ فَقَالَ: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [آلِ عِمْرَانَ: 125] وَجَمَعَ لِلصَّابِرِينَ أُمُورًا لَمْ يَجْمَعْهَا لِغَيْرِهِمْ فَقَالَ: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [الْبَقَرَةِ: 157] . وَأَمَّا الْأَخْبَارُ
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ»
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بَعْدَ تَرْكِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالْعَقَائِدِ، وَبِحُصُولِ مَا يَنْبَغِي، فَالِاسْتِمْرَارُ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يَنْبَغِي هُوَ الصَّبْرُ وَهُوَ النِّصْفُ الْآخَرُ، فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ كُلُّهُ صَبْرًا إِلَّا أَنَّ تَرَكَ مَا لَا يَنْبَغِي وَفِعْلَ/ مَا يَنْبَغِي قَدْ يَكُونُ مُطَابِقًا لِلشَّهْوَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الصَّبْرِ، وَقَدْ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلشَّهْوَةِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الصَّبْرِ، فَلَا جَرَمَ جَعَلَ الصَّبْرَ نِصْفَ الْإِيمَانِ،
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مِنْ أَفْضَلِ مَا أُوتِيتُمُ الْيَقِينُ وَعَزِيمَةُ الصَّبْرِ وَمَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْهُمَا لَمْ يُبَالِ مَا فَاتَهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ»
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْإِيمَانُ هُوَ الصَّبْرُ»
وَهَذَا شَبَهُ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: في بيان أن الصبر أفضل الشُّكْرَ؟ قَالَ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: دَلَالَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى فَضِيلَةِ الصَّبْرِ أَشَدُّ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مِنْ أَفْضَلِ مَا أُوتِيتُمُ الْيَقِينُ وَعَزِيمَةُ الصَّبْرِ»
وَقَالَ: «يُؤْتَى بِأَشْكَرِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَيَجْزِيهِ اللَّهُ جَزَاءَ الشَّاكِرِينَ، وَيُؤْتَى بِأَصْبَرِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ نَجْزِيَكَ كَمَا جَزَيْنَا هَذَا الشَّاكِرَ؟
فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ فَشَكَرْتَ، وَابْتَلَيْتُكَ فَصَبَرْتَ، لَأُضَعِّفَنَّ لَكَ الْأَجْرَ فَيُعْطَى أَضْعَافَ جَزَاءِ الشَّاكِرِينَ»
وَأَمَّا
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ»
فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الصَّبْرِ، لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يُذْكَرُ فِي مَعْرِضِ الْمُبَالَغَةِ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَعْظَمَ دَرَجَةً مِنَ الْمُشَبَّهِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 131
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست