responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 98
الْجِنْسِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ [الإنشقاق: 7] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ [الِانْشِقَاقِ: 10] كَالنَّوْعَيْنِ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا كَانَ جِنْسًا، أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّكَ كادِحٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الْكَدْحَ جُهْدُ النَّاسِ فِي الْعَمَلِ وَالْكَدْحِ فِيهِ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهَا مِنْ كَدَحَ جِلْدَهُ إِذَا خَدَشَهُ، أَمَّا قَوْلُهُ: إِلى رَبِّكَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى لِقَاءِ رَبِّكَ وَهُوَ الْمَوْتُ أَيْ هَذَا الْكَدْحُ يَسْتَمِرُّ وَيَبْقَى إِلَى هَذَا الزَّمَانِ، وَأَقُولُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْفَكُّ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا عَنِ الْكَدْحِ وَالْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ، وَلَمَّا كَانَتْ كَلِمَةُ إِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ انْتِهَاءِ الْكَدْحِ وَالْمَشَقَّةِ بِانْتِهَاءِ هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ بَعْدَ هَذِهِ الدُّنْيَا مَحْضَ السَّعَادَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَذَلِكَ مَعْقُولٌ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الْآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا كَنِسْبَةِ الدُّنْيَا إِلَى رَحِمِ الْأُمِّ، فَكَمَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: يَا أَيُّهَا الْجَنِينُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى أَنْ تَنْفَصِلَ مِنَ الرَّحِمِ، فَكَانَ مَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ عَنِ الرَّحِمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قَبْلَهُ خَالِصًا عن الكدح والظلمة فنرجوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِيمَا بعد الموت كذلك وثانيهما: قَالَ الْقَفَّالُ: التَّقْدِيرُ إِنَّكَ كَادِحٌ فِي دُنْيَاكَ كَدْحًا تَصِيرُ بِهِ إِلَى رَبِّكَ فَبِهَذَا التَّأْوِيلِ حَسُنَ اسْتِعْمَالُ حَرْفِ إِلَى هَاهُنَا وَثَالِثُهَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ إِلَى عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْكَدْحَ هُوَ السَّعْيُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: سَاعٍ بِعَمَلِكَ إِلى رَبِّكَ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمُلاقِيهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: فَمُلَاقٍ رَبَّكَ أَيْ مُلَاقٍ حُكْمَهُ لَا مَفَرَّ لَكَ مِنْهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْكَدْحِ، إِلَّا أَنَّ الْكَدْحَ عَمَلٌ وَهُوَ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَمُلَاقَاتُهُ مُمْتَنِعَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُلَاقَاةَ الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ بَيَانُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا التَّأْوِيلُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ.
أما قوله تعالى:

[سورة الانشقاق (84) : الآيات 7 الى 9]
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9)
فَالْمَعْنَى فَأَمَّا مَنْ أُعْطِيَ كِتَابَ أَعْمَالِهِ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَسَوْفَ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: اتَّبِعْنِي فَسَوْفَ نَجِدُ خَيْرًا، فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ الشَّكَّ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ تَرْقِيقَ الْكَلَامِ. وَالْحِسَابُ الْيَسِيرُ هُوَ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ أَعْمَالُهُ، وَيَعْرِفَ أَنَّ الطَّاعَةَ مِنْهَا هَذِهِ، وَالْمَعْصِيَةَ هَذِهِ، ثُمَّ يُثَابُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَهَذَا هُوَ الْحِسَابُ الْيَسِيرُ لِأَنَّهُ لَا شِدَّةَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا مُنَاقَشَةَ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا وَلَا يُطَالَبُ بِالْعُذْرِ فِيهِ وَلَا بِالْحُجَّةِ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِذَلِكَ لَمْ يَجِدْ عُذْرًا وَلَا حُجَّةً فَيُفْتَضَحُ، ثُمَّ إِنَّهُ عِنْدَ هَذَا الْحِسَابِ الْيَسِيرِ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا فَائِزًا بِالثَّوَابِ آمِنًا مِنَ الْعَذَابِ، وَالْمُرَادُ مِنْ أَهْلِهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ أَوْ مِنْ زَوْجَاتِهِ وَذُرِّيَّاتِهِ إِذَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعَدَّ لَهُ وَلِأَهْلِهِ فِي الْجَنَّةِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ،
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، قُلْتُ وَمَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ؟ قَالَ: يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ وَيُتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، فَأَمَّا مَنْ نُوقِشَ فِي الْحِسَابِ فَقَدْ هَلَكَ»
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ فَقَدْ هَلَكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قَالَ: «ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنَّ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ»
وَفِي قَوْلِهِ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 98
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست