responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 701
[الْحِجْرِ: 88] وَذَلِكَ لِأَنَّ طَلَبَ الدُّنْيَا لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ عَزِيزَةً، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْ لِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ الثَّانِي: أَنَّ مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ الْقَلِيلَ مِنَ الدُّنْيَا لِيَأْخُذَ الْكَثِيرَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَوَاضَعَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ وَيَتَضَرَّعَ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ دَنَاءَةَ الْآخِذِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ حَرُمَتِ الصَّدَقَاتُ عَلَيْهِ، وَتَنْفِيرَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ [الطُّورِ: 40] .
السُّؤَالُ الثَّانِي: هَذَا النَّهْيُ مُخْتَصٌّ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَمْ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ؟ الْجَوَابُ: ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ وَقَرِينَةُ الْحَالِ لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ تَنْزِيهًا لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأُمَّةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ/ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْأُمَّةِ هُوَ الرِّيَاءُ، وَاللَّهُ تَعَالَى مَنَعَ الْكُلَّ مِنْ ذَلِكَ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْيُ مُخْتَصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ أَوْ نَهْيُ تَنْزِيهٍ؟ وَالْجَوَابُ:
ظَاهِرُ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ الْوَجْهُ السَّادِسُ: فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ قَالَ الْقَفَّالُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصِدُ مِنَ الْآيَةِ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَ لِأَحَدٍ شَيْئًا لِطَلَبِ عِوَضٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعِوَضُ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا أَوْ مُسَاوِيًا، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: تَسْتَكْثِرُ أَيْ طَالِبًا لِلْكَثْرَةِ كَارِهًا أَنْ يَنْقُصَ الْمَالُ بسبب العطاء، فيكون الاستكثار هاهنا عِبَارَةً عَنْ طَلَبِ الْعِوَضِ كَيْفَ كَانَ، وَإِنَّمَا حَسُنَتْ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الثَّوَابَ يَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْعَطَاءِ، فَسُمِّيَ طَلَبُ الثَّوَابِ اسْتِكْثَارًا حَمْلًا لِلشَّيْءِ عَلَى أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّمَا تَتَزَوَّجُ وَلَهَا وَلَدٌ لِلْحَاجَةِ إِلَى مَنْ يُرَبِّي وَلَدَهَا فَسُمِّيَ الْوَلَدُ رَبِيبًا، ثُمَّ اتَّسَعَ الْأَمْرُ فَسُمِّيَ رَبِيبًا وَإِنْ كَانَ حِينَ تَتَزَوَّجُ أُمُّهُ كَبِيرًا، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ: السَّبَبُ فِيهِ أَنْ يَصِيرَ عَطَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِيًا عَنِ انْتِظَارِ الْعِوَضِ وَالْتِفَاتِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ خَالِصًا مُخْلَصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَلَا تَمْنُنْ عَلَى النَّاسِ بِمَا تُنْعِمُ عَلَيْهِمْ وَتُعْطِيهِمُ اسْتِكْثَارًا مِنْكَ لِتِلْكَ الْعَطِيَّةِ، بَلْ يَنْبَغِي أن تستقلها وتستحقرها وتكون كالمتعذر مِنْ ذَلِكَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْإِنْعَامِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا قَلِيلَةٌ، فَكَيْفَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الَّذِي هُوَ قَلِيلٌ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ كَالْمُرَتَّبَةِ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ كَوْنُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَمْنُوعًا مِنْ طَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْعِوَضِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مَعْنَاهُ كَوْنُهُ مَمْنُوعًا عَنْ طَلَبِ مُطْلَقِ الْعِوَضِ زَائِدًا كَانَ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ نَاقِصًا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَ وَيَنْسِبَ نَفْسَهُ إِلَى التَّقْصِيرِ وَيَجْعَلَ نَفْسَهُ تَحْتَ مِنَّةِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْإِنْعَامَ الْوَجْهُ الثَّامِنُ:
مَعْنَاهُ إِذَا أَعْطَيْتَ شَيْئًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّكَ تَسْتَكْثِرُ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ، فَإِنَّ الْمَنَّ مُحْبِطٌ لِثَوَابِ الْعَمَلِ، قَالَ تَعَالَى: لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ [الْبَقَرَةِ: 264] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ الْحَسَنُ: تَسْتَكْثِرُ بِالْجَزْمِ وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ أَبَوْا هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا وَذَكَرُوا فِي صِحَّتِهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَمْنُنْ لَا تَسْتَكْثِرْ وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ تَسْتَكْثِرُ فَأَسْكَنَ الرَّاءَ لِثِقَلِ الضَّمَّةِ مَعَ كَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ، كَمَا حَكَاهُ أَبُو زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَثَالِثُهَا: أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُ الْوَقْفِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: تَسْتَكْثِرُ بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ أَنْ كَقَوْلِهِ:
أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى ... [وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي]
وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَلَا تمنن أن تستكثر.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 701
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست