responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 605
وَإِلْفِهِمْ بِعِبَادَتِهِ أَشْرَبُوا قُلُوبَهُمْ حُبَّهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ: مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ، الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَشْرَبَ أَيْ زَيَّنَهُ عِنْدَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ كَالسَّامِرِيِّ وَإِبْلِيسَ وَشَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. أَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنِ الوجهين بأن كلا الوجهين صرف اللفظ عَنْ ظَاهِرِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِلَّا لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَلَمَّا أَقَمْنَا الدَّلَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ الْقَطْعِيَّةَ عَلَى أَنَّ مُحْدِثَ كُلِّ الْأَشْيَاءِ هُوَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إِلَى تَرْكِ هَذَا الظَّاهِرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: بِكُفْرِهِمْ فَالْمُرَادُ بِاعْتِقَادِهِمُ التَّشْبِيهَ عَلَى اللَّهِ وَتَجْوِيزِهِمُ الْعِبَادَةَ لِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أَمَّا قَوْلُهُ: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمُرَادُ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ عِبَادَةُ الْعِجْلِ وَإِضَافَةُ الْأَمْرِ إِلَى إِيمَانِهِمْ تَهَكُّمٌ كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ: أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ [هُودٍ: 87] وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْإِيمَانِ إِلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِيمَانُ عَرَضٌ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَكِنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الْفِعْلِ قَدْ يُشَبَّهُ بِالْآمِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [الْعَنْكَبُوتِ: 45] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَالْمُرَادُ التَّشْكِيكُ فِي إِيمَانِهِمْ والقدح في صحة دعواهم.

[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 95]
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ قَبَائِحِهِمْ وَهُوَ ادِّعَاؤُهُمْ أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون النَّاسِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْخَصْمِ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا فَافْعَلْ كَذَا إِلَّا وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُهُ لِيَصِحَّ إِلْزَامُ الثَّانِي عَلَيْهِ [1] . وَثَانِيهَا: مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَةِ: 111] وَفِي قَوْلِهِ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ/ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَةِ: 18] وَفِي قَوْلِهِ: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: 80] . وَثَالِثُهَا: اعْتِقَادُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُحِقُّونَ لِأَنَّ النَّسْخَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي شَرْعِهِمْ، وَأَنَّ سَائِرَ الْفِرَقِ مُبْطِلُونَ، وَرَابِعُهَا: اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ انْتِسَابَهُمْ إِلَى أَكَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَعْنِي يَعْقُوبَ وَإِسْحَاقَ وَإِبْرَاهِيمَ يُخَلِّصُهُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُوَصِّلُهُمْ إِلَى ثَوَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَظَّمُوا شَأْنَ أَنْفُسِهِمْ فَكَانُوا يَفْتَخِرُونَ عَلَى الْعَرَبِ وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ كَالْحُجَّةِ فِي أَنَّ النَّبِيَّ الْمُنْتَظَرَ الْمُبَشَّرَ بِهِ فِي التَّوْرَاةِ مِنْهُمْ لَا مِنَ الْعَرَبِ وَكَانُوا يَصْرِفُونَ النَّاسَ بِسَبَبِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ احْتَجَّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِ:
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ وَبَيَانُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ نِعَمَ الدُّنْيَا قَلِيلَةٌ حَقِيرَةٌ بِالْقِيَاسِ إِلَى نِعَمِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ إِنَّ نِعَمَ الدُّنْيَا عَلَى قِلَّتِهَا كَانَتْ مُنَغَّصَةً عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُنَازَعَتِهِ مَعَهُمْ بِالْجِدَالِ وَالْقِتَالِ، وَمَنْ كَانَ فِي النِّعَمِ الْقَلِيلَةِ الْمُنَغَّصَةِ، ثُمَّ إِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى تِلْكَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ رَاغِبًا فِي الْمَوْتِ لِأَنَّ تِلْكَ النِّعَمَ الْعَظِيمَةَ مَطْلُوبَةٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْمَوْتِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِنْسَانُ راضياً بالموت متمنياً

[1] في الأصل الذي أصحح عليه: (فافعل كذا لا والأول) والتقي على هذا لا معنى له فتعين الاستثناء ليستقيم الكلام.
(المصحح) .
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 605
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست