responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 586
عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ بِعِبَادَتِهِ وَالنَّهْيَ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ مَسْبُوقٌ بِالْعِلْمِ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ، وَجَمِيعُ مَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ وَبِالْعِلْمِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَبَرَاءَتِهِ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ وَالْبَرَاءَةِ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ، وَمَسْبُوقٌ أَيْضًا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا إِلَّا بِالْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، فَقَوْلُهُ: لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ يَتَضَمَّنُ كُلَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ عِلْمُ الْكَلَامِ وَعِلْمُ الْفِقْهِ وَالْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَتَّى إِلَّا مَعَهَا.
التَّكْلِيفُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُقَالُ: بِمَ يَتَّصِلُ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَعَلَامَ انْتَصَبَ؟ قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: انْتَصَبَ عَلَى مَعْنَى أَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. وَالثَّانِي: قِيلَ عَلَى مَعْنَى وَصَّيْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا لِأَنَّ اتِّصَالَ الْبَاءِ بِهِ أَحْسَنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكَانَ وَإِلَى الْوَالِدَيْنِ كَأَنَّهُ قِيلَ:
وَأَحْسِنُوا إِلَى الْوَالِدَيْنِ. الثَّالِثُ: قِيلَ: بَلْ هُوَ عَلَى الْخَبَرِ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَعْنِي أَنْ تَعْبُدُوا وَتُحْسِنُوا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّمَا أَرْدَفَ عِبَادَةَ اللَّهِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ لِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ أَعْظَمُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ شُكْرِهِ عَلَى شُكْرِ غَيْرِهِ ثُمَّ بَعْدَ نِعْمَةِ اللَّهِ فَنِعْمَةُ الْوَالِدَيْنِ أَعَمُّ النِّعَمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ هُمَا الْأَصْلُ وَالسَّبَبُ فِي كَوْنِ الْوَلَدِ وَوُجُودِهِ كَمَا أَنَّهُمَا مُنْعِمَانِ عَلَيْهِ بِالتَّرْبِيَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْوَالِدَيْنِ فَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ الْإِنْعَامُ بِأَصْلِ الْوُجُودِ، بَلْ بِالتَّرْبِيَةِ فَقَطْ، فَثَبَتَ أَنَّ إِنْعَامَهُمَا أَعْظَمُ وُجُوهِ الْإِنْعَامِ بَعْدَ إِنْعَامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَثَانِيهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُودِ الْإِنْسَانِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْوَالِدَانِ هُمَا الْمُؤَثِّرَانِ فِي وُجُودِهِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الظَّاهِرِ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْمُؤَثِّرَ الْحَقِيقِيَّ أَرْدَفَهُ بِالْمُؤَثِّرِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الظَّاهِرِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَطْلُبُ بِإِنْعَامِهِ عَلَى الْعَبْدِ عِوَضًا الْبَتَّةَ بَلِ الْمَقْصُودُ إِنَّمَا هُوَ مَحْضُ الْإِنْعَامِ وَالْوَالِدَانِ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمَا لَا يَطْلُبَانِ عَلَى الْإِنْعَامِ عَلَى الْوَلَدِ عِوَضًا مَالِيًّا وَلَا ثَوَابًا، فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ الْمِيعَادَ يُحْسِنُ إِلَى وَلَدِهِ وَيُرَبِّيهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَشْبَهَ إِنْعَامُهُمَا إِنْعَامَ اللَّهِ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمَلُّ مِنَ الْإِنْعَامِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَوْ أَتَى الْعَبْدُ بِأَعْظَمِ الْجَرَائِمِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ عَنْهُ مَوَادَّ نِعَمِهِ وَرَوَادِفَ كَرَمِهِ، وَكَذَا الْوَالِدَانِ لَا يَمَلَّانِ الْوَلَدَ وَلَا يَقْطَعَانِ عَنْهُ مَوَادَّ مَنْحِهِمَا وَكَرَمِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُسِيئًا إِلَى الْوَالِدَيْنِ. الْخَامِسُ: كَمَا أَنَّ الْوَالِدَ الْمُشْفِقَ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ وَلَدِهِ بِالِاسْتِرْبَاحِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ وَيَصُونُهُ عَنِ الْبَخْسِ وَالنُّقْصَانِ، فَكَذَا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَصَرِّفٌ فِي طَاعَةِ الْعَبْدِ فَيَصُونُهَا عَنِ الضَّيَاعِ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْعَلُ أَعْمَالَهُ الَّتِي لَا تَبْقَى كَالشَّيْءِ الْبَاقِي أَبَدَ الْآبَادِ كَمَا قَالَ: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [الْبَقَرَةِ: 261] . السَّادِسُ: أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْظَمَ مِنْ نِعْمَةِ الْوَالِدَيْنِ وَلَكِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ مَعْلُومَةٌ بِالِاسْتِدْلَالِ وَنِعْمَةَ الْوَالِدَيْنِ مَعْلُومَةٌ بِالضَّرُورَةِ، إِلَّا أَنَّهَا قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نِعَمِ اللَّهِ فَاعْتَدَلَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَالرُّجْحَانِ لِنِعَمِ اللَّهِ فَلَا جَرَمَ جَعَلْنَا نِعَمَ الْوَالِدَيْنِ كَالتَّالِيَةِ لِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَعْظِيمُ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ.
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِمَا مُؤْمِنَيْنِ أَمْ لَا، وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِتَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ لِمَحْضِ كَوْنِهِمَا وَالِدَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَهَكَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَقُلْ لَهُما/ أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما الْآيَةَ، وَهَذَا نِهَايَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ إِيذَائِهِمَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آخِرِ الآية: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 586
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست