responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 409
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَنْعُ مِنَ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِبْلِيسَ، إِنَّمَا وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِسَبَبِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ، وَالْكَفَّارُ إِنَّمَا نَازَعُوا مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسَبَبِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ، فَاللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ القصة هاهنا لِيَصِيرَ سَمَاعُهَا زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ الْمَذْمُومَتَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى رَغَّبَ الْمُكَلَّفِينَ فِي النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَمَنَعَهُمْ عَنِ الْإِصْرَارِ وَالتَّقْلِيدِ وَذَكَرَ فِي تَقْرِيرِهِ أُمُورًا أَرْبَعَةً أَوَّلُهَا: أَنَّهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَالثَّانِي: أَنَّ قِصَّةَ سُؤَالِ الْمَلَائِكَةِ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي تَخْلِيقِ الْبَشَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ الْأَصْلِيَّةَ فِي تَخْلِيقِ آدَمَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَالطَّاعَةُ لَا الْجَهْلُ وَالتَّكَبُّرُ الثَّالِثُ: أَنَّ إِبْلِيسَ إِنَّمَا خَاصَمَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَجْلِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُمَا، فَهَذَا هُوَ وَجْهُ النَّظْمِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي سُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِيهَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ سُؤَالَاتٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا النَّظْمَ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ أَمْكَنَ خَلْقُ الْبَشَرِ لَا مِنَ الطِّينِ، كَمَا إِذَا قِيلَ أَنَا مُتَّخِذٌ سُوَارًا مِنْ ذَهَبٍ، فَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ لَوْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنَ الْفِضَّةِ.
الثاني: ذكر هاهنا أَنَّهُ خَلَقَ الْبَشَرَ مِنْ طِينٍ، وَفِي سَائِرِ الْآيَاتِ ذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آدَمَ إِنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ وَكَقَوْلِهِ: مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الْحِجْرِ: 26] وَكَقَوْلِهِ: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ [الْأَنْبِيَاءِ: 37] .
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ الْمَلَائِكَةَ بِأَنَّهُ خَلَقَ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ الَّتِي قَالَ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] بَيَّنَ أَنَّهُمْ أَوْرَدُوا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ فَبَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَفَ لَهُمْ أَوَّلًا أَنَّ الْبَشَرَ شَخْصٌ جَامِعٌ لِلْقُوَّةِ الْبَهِيمِيَّةِ وَالسَّبْعِيَّةِ وَالشَّيْطَانِيَّةِ وَالْمَلَكِيَّةِ، فَلَمَّا قَالَ: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُسْتَجْمِعُ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ، إِنَّمَا أَخْلُقُهُ مِنَ الطِّينِ، وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمَادَّةَ الْبَعِيدَةَ هُوَ التُّرَابُ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الطِّينُ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْحَمَأُ الْمَسْنُونُ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الصَّلْصَالُ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ يَخْلُقُ فِي الْأَرْضِ خليفة، وبالآية المذكورة هاهنا بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ بَشَرٌ مَخْلُوقٌ مِنَ الطِّينِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَخْلِيقَ الْبَشَرِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ التَّسْوِيَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ نَفْخُ الرُّوحِ ثَانِيًا، وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ جَسَدٍ وَنَفْسٍ.
أَمَّا الْجَسَدُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْمَنِيِّ، وَالْمَنِيُّ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ دَمِ الطَّمْثِ وَهُوَ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ إِنَّمَا تَتَوَلَّدُ مِنَ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا بُدَّ فِي حُصُولِ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ مِنْ رِعَايَةِ مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمِنْ رِعَايَةِ كَيْفِيَّةِ امْتِزَاجَاتِهَا وَتَرْكِيبَاتِهَا، وَمِنْ رِعَايَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي فِي مِثْلِهَا حَصَلَ ذَلِكَ الْمِزَاجُ الَّذِي لِأَجْلِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِعْدَادُ لِقَبُولِ النفس الناطقة.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 409
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست