responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 549
لِلْأَمْرِ وَأَنْ يَكُونَ نَهْيًا بَدَلًا مِنَ الْأَمْرِ، وَالْمَعْنَى لَا تَكُونُوا حَيْثُ أَنْتُمْ فَيَحْطِمَنَّكُمْ عَلَى طريقة: لا أرينك هاهنا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ يَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ التَّحَرُّزُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ فِي الطَّرِيقِ التَّحَرُّزُ وَثَانِيهَا: أَنَّ النَّمْلَةَ قَالَتْ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ كَأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّ النَّبِيَّ مَعْصُومٌ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ قَتْلُ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلَى وُجُوبِ الْجَزْمِ بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَثَالِثُهَا: مَا رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ تِلْكَ النَّمْلَةَ إِنَّمَا أَمَرَتْ غَيْرَهَا بِالدُّخُولِ لِأَنَّهَا خَافَتْ عَلَى قَوْمِهَا أَنَّهَا إِذَا رَأَتْ سُلَيْمَانَ فِي جَلَالَتِهِ، فَرُبَّمَا وَقَعَتْ فِي كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّه تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَا يَحْطِمَنَّكُمْ/ سُلَيْمانُ فَأَمَرَتْهَا بِالدُّخُولِ فِي مَسَاكِنِهَا لِئَلَّا تَرَى تِلْكَ النِّعَمِ فَلَا تَقَعُ فِي كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّه تَعَالَى، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مُجَالَسَةَ أَرْبَابِ الدُّنْيَا مَحْذُورَةٌ وَرَابِعُهَا: قُرِئَ (مَسْكَنَكُمْ) وَ (لَا يَحْطِمَنْكُمْ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَقُرِئَ (لَا يَحْطَمَنَّكُمْ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا وَأَصْلُهَا (يَحْطِمَنَّكُمْ) [1] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها يَعْنِي تَبَسَّمَ شَارِعًا فِي الضحك [وآخذا فيه] [2] ، بمعنى أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ حَدَّ التَّبَسُّمِ إِلَى الضَّحِكِ، وَإِنَّمَا ضَحِكَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِعْجَابُهُ بِمَا دَلَّ مِنْ قَوْلِهَا عَلَى ظُهُورِ رَحْمَتِهِ وَرَحْمَةِ جُنُودِهِ [وشفقتهم] [3] وَعَلَى شُهْرَةِ حَالِهِ وَحَالِهِمْ فِي بَابِ التَّقْوَى، وَذَلِكَ قَوْلُهَا: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَالثَّانِي: سُرُورُهُ بِمَا آتَاهُ اللَّه مِمَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا من سماعه لكلام النملة وإحاطته بمعناه.
وأما قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبِّ أَوْزِعْنِي فَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : حَقِيقَةُ أَوْزِعْنِي: اجْعَلْنِي أَزَعُ شُكْرَ نِعْمَتِكَ عِنْدِي وَأَكُفُّهُ عَنْ أَنْ يَنْقَلِبَ عَنِّي، حَتَّى أَكُونَ شاكرا لك أبدا، وهذا يدل على مذهبا فَإِنَّ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ كُلَّ مَا أَمْكَنَ فِعْلُهُ مِنَ الْأَلْطَافِ فَقَدْ صَارَتْ مَفْعُولَةً وَطَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ عَبَثٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلى والِدَيَّ فَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَدَّ نِعَمَ اللَّه تَعَالَى عَلَى وَالِدَيْهِ نِعْمَةً عَلَيْهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ:
وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي الشُّكْرِ وَفِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، ثم قال: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا طَلَبَ فِي الدُّنْيَا الْإِعَانَةَ عَلَى الْخَيْرَاتِ طَلَبَ أَنْ يُجْعَلَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَقَوْلُهُ:
بِرَحْمَتِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ لَا بِاسْتِحْقَاقٍ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ وَاعْلَمْ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَلَبَ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إِلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ طَلَبَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ ثَانِيًا، أَمَّا وَسِيلَةُ الثَّوَابِ فَهِيَ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: شُكْرُ النِّعْمَةِ السَّالِفَةِ وَالثَّانِي: الِاشْتِغَالُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخِدْمَةِ، أَمَّا الِاشْتِغَالُ بِشُكْرِ النِّعْمَةِ السَّالِفَةِ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَلَمَّا كَانَ الْإِنْعَامُ عَلَى الْآبَاءِ إِنْعَامًا عَلَى الْأَبْنَاءِ لِأَنَّ انْتِسَابَ الِابْنِ إِلَى أَبٍ شَرِيفٍ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّه تَعَالَى عَلَى الِابْنِ، لَا جَرَمَ اشْتَغَلَ بِشُكْرِ نِعَمِ اللَّه عَلَى الْآبَاءِ بِقَوْلِهِ:
وَعَلى والِدَيَّ وَأَمَّا الِاشْتِغَالُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخِدْمَةِ، فَقَوْلُهُ: وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَمَّا طَلَبُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَقَوْلُهُ: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ فَإِنْ قِيلَ دَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ أَعْظَمُ مِنْ دَرَجَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَمَا السَّبَبُ فِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَطْلُبُونَ جَعْلَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ فقال يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وقال سليمان: أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ؟ جَوَابُهُ: الصَّالِحُ الْكَامِلُ هو الذي لا يعصي اللَّه وَلَا يَهُمُّ بِمَعْصِيَةٍ وَهَذِهِ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ، واللَّه أعلم.

[1] في الكشاف (يحتطمنكم) .
[2] زيادة من الكشاف. [.....]
[3] زيادة من الكشاف.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 549
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست