responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 548
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَالْمُرَادُ كَثْرَةُ مَا أُوتِيَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ الْكَثِيرَ يَشْتَرِكَانِ فِي صِفَةِ الْكَثْرَةِ، وَالْمُشَارَكَةُ سَبَبٌ لِجَوَازِ الِاسْتِعَارَةِ فَلَا جَرَمَ يُطْلَقُ لَفْظُ الْكُلِّ عَلَى الْكَثِيرِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النَّمْلِ: 23] .
أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ فَهُوَ تَقْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الشُّكْرُ وَالْمَحْمَدَةُ كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ»
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ: عُلِّمْنا ... وَأُوتِينا وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَبِّرِينَ؟ جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُرِيدَ نَفْسَهُ وَأَبَاهُ وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ النُّونَ يُقَالُ لَهَا نُونُ الْوَاحِدِ الْمُطَاعِ وَكَانَ مَلِكًا مُطَاعًا، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِتَعْظِيمِ الْمَلِكِ مَصَالِحُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ التَّعْظِيمُ وَاجِبًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَالْحَشْرُ هُوَ الْإِحْضَارُ وَالْجَمْعُ مِنَ الْأَمَاكِنِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى كُلَّ هَذِهِ الْأَصْنَافِ جُنُودَهُ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَى مُرَادِهِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا مَعَ الْعَقْلِ الَّذِي يَصِحُّ مَعَهُ التَّكْلِيفُ، أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَاهِقِ الَّذِي قَدْ قَارَبَ حَدَّ التَّكْلِيفِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ الطَّيْرَ فِي أَيَّامِهِ مِمَّا لَهُ عَقْلٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الطُّيُورِ فِي أَيَّامِنَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا قَدْ أَلْهَمَهُ اللَّه تَعَالَى الدَّقَائِقَ الَّتِي خُصَّتْ بِالْحَاجَةِ إِلَيْهَا أَوْ خَصَّهَا اللَّه بِهَا لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ كَالنَّحْلِ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهُمْ يُوزَعُونَ مَعْنَاهُ يُحْبَسُونَ وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي كُلِّ قَبِيلٍ مِنْهَا وَازِعٌ، وَيَكُونُ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى مَنْ يَرُدُّهُ وَيَكُفُّهُ وَيَصْرِفُهُ، فَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ بِهَذَا الْقَدْرِ وَالَّذِي جَاءَ فِي الْخَبَرِ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمْنَعُونَ مَنْ يَتَقَدَّمُ لِيَكُونَ مَسِيرُهُ مَعَ جُنُودِهِ عَلَى تَرْتِيبٍ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ فَقِيلَ هُوَ وَادٍ بِالشَّامِ كَثِيرُ النَّمْلِ، ويقال لِمَ عَدَّى أَتَوْا بِعَلَى؟ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ إِتْيَانَهُمْ كَانَ مِنْ فَوْقُ فَأَتَى بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ قَطْعُ الْوَادِي وَبُلُوغُ آخِرِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَتَى عَلَى الشَّيْءِ إذا [أنفذه و] [1] بَلَغَ آخِرَهُ كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَنْزِلُوا عِنْدَ مُنْقَطَعِ الْوَادِي، وَقُرِئَ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِضَمِّ النُّونِ وَالْمِيمِ وَكَانَ الْأَصْلُ النَّمُلَ بِوَزْنِ الرَّجُلِ وَالنَّمْلُ الَّذِي عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ تخفيف عنه [كقولهم السبع في السبع] [2] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَتْ نَمْلَةٌ فَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَكَلَّمَتْ بِذَلِكَ وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ فِيهَا الْعَقْلَ وَالنُّطْقَ. وَعَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ الْكُوفَةَ فَالْتَفَّ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه حَاضِرًا وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ فَقَالَ سَلُوهُ عَنْ نَمْلَةِ سُلَيْمَانَ أَكَانَتْ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى؟ فَسَأَلُوهُ فَأُفْحِمَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَتْ أُنْثَى فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَيْنَ عَرَفْتَ؟ فَقَالَ مِنْ كِتَابِ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ: قالَتْ نَمْلَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَكَرًا لَقَالَ (قَالَ نَمْلَةٌ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّمْلَةَ مِثْلُ الْحَمَامَةِ وَالشَّاةِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَيُمَيَّزُ بَيْنَهُمَا بِعَلَامَةٍ نَحْوُ قَوْلِهِمْ حَمَامَةٌ ذَكَرٌ وَحَمَامَةٌ أُنْثَى وَهُوَ وَهِيَ [3] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ فَاعْلَمْ أَنَّ النَّمْلَةَ لَمَّا قَارَبَتْ حَدَّ الْعَقْلِ، لَا جَرَمَ ذُكِرَتْ بِمَا يُذْكَرُ بِهِ الْعُقَلَاءُ فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ فَإِنْ قُلْتَ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ مَا هو؟ قلت يحتمل أن يكون جوابا

[1] زيادة من الكشاف.
[2] زيادة من الكشاف.
[3] مقتضى ما ذكره من أن النملة تقع على المذكر والمؤنث يبطل رد أبي حنيفة رحمه اللَّه تعالى.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 548
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست