responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 492
قَوْلُهُ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَزِيزِ عَلَى ذِكْرِ الرَّحِيمِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ لَكَانَ رُبَّمَا قِيلَ إِنَّهُ رَحِمَهُمْ لِعَجْزِهِ عَنْ عُقُوبَتِهِمْ، فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِذِكْرِ الْعَزِيزِ وَهُوَ الْغَالِبُ الْقَاهِرُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ إِذَا كَانَتْ عَنِ الْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ كَانَتْ أَعْظَمَ وَقْعًا. وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ مَعَ كُفْرِهِمْ وَقُدْرَةِ اللَّه عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ عِقَابَهُمْ لَا يَتْرُكُ رَحْمَتَهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ خَلْقِ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ مِنَ النَّبَاتِ، ثُمَّ مِنْ إِعْطَاءِ الصِّحَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْهِدَايَةِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْكُفَّارَ بِالْإِعْرَاضِ أَوَّلًا وَبِالتَّكْذِيبِ ثَانِيًا وَبِالِاسْتِهْزَاءِ ثَالِثًا وَهَذِهِ دَرَجَاتُ مَنْ أَخَذَ يَتَرَقَّى فِي الشَّقَاوَةِ، فَإِنَّهُ يُعَرِّضُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصَرِّحُ بِالتَّكْذِيبِ وَالْإِنْكَارِ إِلَى حَيْثُ يَسْتَهْزِئُ بِهِ ثَالِثًا.
المسألة الثَّالِثَةُ: فَإِنْ قُلْتَ مَا مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ كَمْ وَكُلٍّ، وَلِمَ لَمْ يَقُلْ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مَنْ زَوْجٍ كَرِيمٍ؟ قُلْتُ:
قَدْ دَلَّ كُلٌّ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِأَزْوَاجِ النَّبَاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ وَكَمْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُحِيطَ مُتَكَاثِرٌ مُفْرِطُ الْكَثْرَةِ، فَهَذَا مَعْنَى الْجَمْعِ (رَتَّبَهُ) [1] عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَحِينَ ذَكَرَ الْأَزْوَاجَ وَدَلَّ عَلَيْهَا بِكَلِمَتَيِ الْكَثْرَةِ وَالْإِحَاطَةِ وَكَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا عَالِمُ الْغَيْبِ فَكَيْفَ قَالَ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَهَلَّا قَالَ لَآيَاتٍ؟ قُلْتُ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُشَارًا بِهِ إِلَى مَصْدَرِ أَنْبَتْنَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنَّ فِي ذَلِكَ الْإِنْبَاتِ لَآيَةً أَيَّ آيَةٍ وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَزْوَاجِ لَآيَةً.
المسألة الرَّابِعَةُ: احْتَجَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى خَلْقِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ فَقَالُوا الذِّكْرُ هُوَ الْقُرْآنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ [الْأَنْبِيَاءِ: 50] وَبَيَّنَ في الْآيَةِ أَنَّ الذِّكْرَ مُحْدَثٌ فَيَلْزَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ نَزَّلَ/ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً [الزُّمَرِ: 23] وَبِقَوْلِهِ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
[الْمُرْسَلَاتِ: 50] وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ فَلَهُ خَالِقٌ فَيَكُونُ مَخْلُوقًا لَا مَحَالَةَ وَالْجَوَابُ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ حُدُوثَهَا إِنَّمَا نَدَّعِي قِدَمَ أَمْرٍ آخَرَ وَرَاءَ هَذِهِ الْحُرُوفِ، وليس في الآية دلالة على ذلك.

[سورة الشعراء (26) : الآيات 10 الى 11]
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11)
[القول في القصص التي ذكر في هذه السورة]
[القصة الأولى قصة موسى عليه السلام]
[في قوله تعالى وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى] اخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي النِّدَاءِ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ اللَّه تَعَالَى، هَلْ هُوَ كَلَامُهُ الْقَدِيمُ أَوْ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: الْمَسْمُوعُ هُوَ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ، وَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى لَا تُشْبِهُ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ، مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَعْلُومَةٌ وَمُرَتَّبَةٌ فَكَذَا كَلَامُهُ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ مَعَ أَنَّهُ مَسْمُوعٌ، وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ: الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ نِدَاءً مِنْ جِنْسِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّا رَأَيْنَا الْجَوْهَرَ وَالْعَرَضَ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِلَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا لِصِحَّةِ الرُّؤْيَةِ، وَلَا عِلَّةَ إِلَّا الْوُجُودُ، حَكَمْنَا بِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يَصِحُّ أَنْ يُرَى، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّا نَسْمَعُ الْأَصْوَاتَ وَالْأَجْسَامَ حَتَّى يَحْكُمَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْجِسْمِ وَالصَّوْتِ، فَلَمْ يَلْزَمْ صِحَّةُ كَوْنِ كُلِّ مَوْجُودٍ مَسْمُوعًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ، أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَسْمُوعَ مَا كَانَ إِلَّا حُرُوفًا وَأَصْوَاتًا، فَعِنْدَ هَذَا قَالُوا إِنَّ ذَلِكَ النِّدَاءَ، وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ عَلِمَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّه تَعَالَى، فَصَارَ مُعْجِزًا عَلِمَ بِهِ أَنَّ اللَّه مُخَاطِبٌ لَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ مع ذلك إلى واسطة،

[1] في الكشاف (بينهما وبه نبه ... ) 3/ 105 ط. دار الفكر.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 492
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست