responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 491
أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْزِلَ آيَةً يَذِلُّونَ عِنْدَهَا وَيَخْضَعُونَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ مَجِيءُ خاضِعِينَ خَبَرًا عَنِ الْأَعْنَاقِ؟
قُلْنَا أَصْلُ الْكَلَامِ: فَظَلُّوا لَهَا خَاضِعِينَ، فَذُكِرَتِ الْأَعْنَاقُ لِبَيَانِ مَوْضِعِ الْخُضُوعِ، ثُمَّ تُرِكَ الْكَلَامُ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَمَّا وُصِفَتْ بِالْخُضُوعِ الَّذِي هُوَ لِلْعُقَلَاءِ، قِيلَ خاضِعِينَ كَقَوْلِهِ: لِي ساجِدِينَ [يُوسُفَ: 4] ، وَقِيلَ أَعْنَاقُ النَّاسِ رُؤَسَاؤُهُمْ وَمُقَدَّمُوهُمْ شُبِّهُوا بِالْأَعْنَاقِ كَمَا يُقَالُ هُمُ الرؤوس وَالصُّدُورُ، وَقِيلَ هُمْ جَمَاعَاتُ النَّاسِ، يُقَالُ جَاءَنَا عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ لِفَوْجٍ مِنْهُمْ.
المسألة الرَّابِعَةُ: نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [6] : فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ وَقَوْلُهُ: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ [فاطر: 8] .

[سورة الشعراء (26) : الآيات 5 الى 9]
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)
وفيه مسائل:
المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِ:
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ [الشُّعَرَاءِ: 4] فَنَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْإِلْجَاءِ رَحِيمٌ بِهِمْ مِنْ حَيْثُ يَأْتِيهِمْ حَالًا بَعْدَ حَالٍ بِالْقُرْآنِ، وَهُوَ الذِّكْرُ وَيُكَرِّرُهُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الْإِعْرَاضِ وَالتَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، ثُمَّ عِنْدَ ذَلِكَ زَجَرَ وَتَوَعَّدَ لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ فَلَيْسَ يَنْفَعُ فِيهِ إِلَّا الزَّجْرُ الشَّدِيدُ فَلِذَلِكَ قَالَ: فَقَدْ كَذَّبُوا أَيْ بَلَغُوا النِّهَايَةَ/ فِي رَدِّ آيَاتِ اللَّه تعالى فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وَذَلِكَ إِمَّا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا أَوْ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص: 88] وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِيمَنْ يُسِيءُ أَنْ يُقَالَ لَهُ سَتَرَى حَالَكَ مِنْ بَعْدُ عَلَى وَجْهِ الْوَعِيدِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ مَعَ إِنْزَالِهِ الْقُرْآنَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ قَدْ أَظْهَرَ أَدِلَّةً تَحْدُثُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ فَقَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ وَالزَّوْجُ هُوَ الصِّنْفُ [مِنَ النَّبَاتِ] [1] وَالْكَرِيمُ صِفَةٌ لِكُلِّ مَا يُرْضَى وَيُحْمَدُ فِي بَابِهِ، يُقَالُ وَجْهٌ كَرِيمٌ إِذَا كَانَ مَرْضِيًّا فِي حُسْنِهِ وَجَمَالِهِ. وَكِتَابٌ كَرِيمٌ إِذَا كَانَ مَرْضِيًّا فِي فَوَائِدِهِ وَمَعَانِيهِ، وَالنَّبَاتُ الْكَرِيمُ هُوَ الْمَرْضِيُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَفِي وَصْفِ الزَّوْجِ بِالْكَرِيمِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبَاتَ عَلَى نَوْعَيْنِ نَافِعٍ وَضَارٍّ، فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ كَثْرَةَ مَا أَنْبَتَ فِي الْأَرْضِ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ النَّبَاتِ النَّافِعِ وَتَرَكَ ذِكْرَ الضَّارِّ وَالثَّانِي: أنه يعم جَمِيعَ النَّبَاتِ نَافِعِهِ وَضَارِّهِ وَوَصَفَهُمَا جَمِيعًا بِالْكَرَمِ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ مَا أَنْبَتَ شَيْئًا إِلَّا وفيه فائدة إن غَفَلَ عَنْهَا الْغَافِلُونَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَةِ: 2] وَالْمَعْنَى أَنَّ فِي ذَلِكَ دَلَالَةً لِمَنْ يَتَفَكَّرُ وَيَتَدَبَّرُ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أَيْ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ أكثرهم على كفرهم، فأما

[1] زيادة من الكشاف 3/ 105 ط. دار الفكر.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 491
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست