responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 564
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْعُبَّادِ أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنْكِرُونَ أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَامِ: 23] أَمَّا قَوْلُهُ: وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي مقابلة قوله: لَهُمْ عِزًّا [مريم: 81] وَالْمُرَادُ ضِدُّ الْعِزِّ وَهُوَ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ أَيْ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا لَمَّا قَصَدُوهُ وَأَرَادُوهُ كَأَنَّهُ قيل: ويكونون عليهم ذلالهم لَا عِزًّا أَوْ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ عَوْنًا وَالضِّدُّ الْعَوْنُ، يُقَالُ مِنْ أَضْدَادِكُمْ أَيْ مِنْ أَعْوَانِكُمْ وَكَأَنَّ الْعَوْنَ يُسَمَّى ضِدًّا/ لِأَنَّهُ يُضَادُّ عَدُوَّكَ وَيُنَافِيهِ بِإِعَانَتِهِ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: وَلِمَ وَحَّدَ؟ قُلْنَا: وَحَّدَ تَوْحِيدَ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ»
لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ لِفَرْطِ انْتِظَامِهِمْ وَتَوَافُقِهِمْ، وَمَعْنَى كَوَنِ الْآلِهَةِ عَوْنًا عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ وَقُودُ النَّارِ وَحَصَبُ جَهَنَّمَ وَلِأَنَّهُمْ عُذِّبُوا بِسَبَبِ عِبَادَتِهَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ حَالَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مَعَ الْأَصْنَامِ فِي الْآخِرَةِ ذَكَرَ بَعْدَهُ حَالَهُمْ مَعَ الشَّيَاطِينِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يَسْأَلُونَهُمْ وَيَنْقَادُونَ لَهُمْ فَقَالَ: أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فَقَالُوا قَوْلُ الْقَائِلِ:
أَرْسَلْتُ فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ لِإِرَادَةِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَأَرْسِلْ كَلْبَكَ عَلَيْهِ
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ: أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَالَى سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِمْ لِإِرَادَةِ أَنْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ يُفِيدُ الْمَقْصُودَ ثُمَّ يَتَأَكَّدُ هَذَا بِقَوْلِهِ: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا فَإِنَّ مَعْنَاهُ إِنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ لِتَؤُزَّهُمْ أَزًّا وَيَتَأَكَّدُ بِقَوْلِهِ: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ [الْإِسْرَاءِ: 64] قَالَ الْقَاضِي: حَقِيقَةُ اللَّفْظِ تُوجِبُ أَنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ الشَّيَاطِينَ إِلَى الْكُفَّارِ كَمَا أَرْسَلَ الْأَنْبِيَاءَ بِأَنْ حَمَّلَهُمْ رِسَالَةً يُؤَدُّونَهَا إِلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ إِلَّا مَا أَرْسَلَ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينَ مِنَ الْإِغْوَاءِ فَكَانَ يَجِبُ فِي الْكُفَّارِ أَنْ يَكُونُوا بِقَبُولِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ مُطِيعِينَ وَذَلِكَ كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ، وَلِأَنَّ مِنَ الْعَجَبِ تَعَلُّقَ الْمُجَبِّرَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ ضَلَالَ الْكُفَّارِ مِنْ قِبَلِهِ تَعَالَى بِأَنْ خَلَقَ فِيهِمُ الْكُفْرَ وَقَدَّرَ الْكُفْرَ فَلَا تَأْثِيرَ لِمَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِذَا بَطَلَ حَمْلُ اللَّفْظِ فِي ظَاهِرِهِ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَلَّى بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ وَمَا مَنَعَهُمْ مِنْ إِغْوَائِهِمْ وَهَذِهِ التَّخْلِيَةُ تُسَمَّى إِرْسَالًا فِي سِعَةِ اللُّغَةِ.
كَمَا إِذَا لَمْ يَمْنَعِ الرَّجُلُ كَلْبَهُ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ جِيرَانِهِ يُقَالُ: أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ أَذَى النَّاسِ، وَهَذِهِ التَّخْلِيَةُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَشْدِيدٌ لِلْمِحْنَةِ عَلَيْهِمْ فَهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ أَنْ لَا يَقْبَلُوا مِنْهُمْ وَيَكُونُ ثَوَابُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْقَبُولِ أَعْظَمَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إِبْرَاهِيمَ: 22] هَذَا تَمَامُ كَلَامِهِ وَنَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ لَوْ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ إِلَى الْكُفَّارِ لَكَانَ الْكُفَّارُ مُطِيعِينَ لَهُ بِقَبُولِ قَوْلِ الشَّيَاطِينِ، قُلْنَا اللَّهُ تَعَالَى مَا أَرْسَلَ الشَّيَاطِينَ إِلَى الْكُفَّارِ بَلْ أَرْسَلَهَا عَلَيْهِمْ وَالْإِرْسَالُ عَلَيْهِمْ هُوَ التَّسْلِيطُ لِإِرَادَةِ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنَ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِمْ، قَوْلُهُ: ضَلَالُ الْكَافِرِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَيُّ تَأْثِيرٍ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ؟ قُلْنَا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ إِسْمَاعَ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ تِلْكَ الْوَسْوَسَةَ يُوجِبُ فِي قَلْبِهِ ذَلِكَ الضَّلَالَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ فَهْمِ السَّامِعِ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْطَانِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ ذَلِكَ الضَّلَالُ الْحَاصِلُ فِي قَلْبِ الْكَافِرِ مُنْتَسِبًا إِلَى الشَّيْطَانِ وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، قَوْلُهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِرْسَالِ التَّخْلِيَةَ قُلْنَا: كَمَا خَلَّى بَيْنَ الشَّيْطَانِ وَالْكَفَرَةِ فَقَدْ خَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الْكَافِرَ بِأَنَّهُ أَرْسَلَ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِ فَلَا بد من فائدة زائدة هاهنا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ:
تَؤُزُّهُمْ أَزًّا أَيْ تُحَرِّكُهُمْ تَحْرِيكًا شَدِيدًا كَالْغَرَضِ مِنْ ذَلِكَ الْإِرْسَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَزُّ مُرَادًا/ لِلَّهِ تَعَالَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 564
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست