responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 536
[آلِ عِمْرَانَ: 59] فَكَمَا أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ تَامًّا كَامِلًا دَفْعَةً فَكَذَا الْقَوْلُ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ: مَا دُمْتُ حَيًّا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ زمان حيائه وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ الْقَوْمُ حِينَ رَأَوْهُ فَقَدْ رَأَوْهُ شَخْصًا كَامِلَ الْأَعْضَاءِ تَامَّ الْخِلْقَةِ وَصُدُورُ الْكَلَامِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الشَّخْصِ لَا يَكُونُ عَجَبًا فكان ينبغي أن لا يعجبوا فلعل الأول أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ مَعَ صِغَرِ جُثَّتِهِ قَوِيَّ التَّرْكِيبِ كَامِلَ الْعَقْلِ بِحَيْثُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ تَكْلِيفَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ حِينَ كَانَ فِي الْأَرْضِ وَحِينَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَحِينَ يَنْزِلُ مَرَّةً أُخْرَى. الصِّفَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَرًّا بِوالِدَتِي أَيْ جَعَلَنِي بَرًّا بِوَالِدَتِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا: أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ بَرًّا إِنَّمَا حَصَلَ بِجَعْلِ اللَّهِ وَخَلْقُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَلْطَافِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ ثُمَّ قَوْلُهُ: وَبَرًّا بِوالِدَتِي إِشَارَةٌ إِلَى تَنْزِيهِ أُمِّهِ عَنِ الزِّنَا إِذْ لَوْ كَانَتْ زَانِيَةً لَمَا كَانَ الرَّسُولُ الْمَعْصُومُ مَأْمُورًا بِتَعْظِيمِهَا. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» :
جَعَلَ ذَاتَهُ بَرًّا لِفَرْطِ بِرِّهِ وَنَصْبُهُ بِفِعْلٍ فِي مَعْنَى أَوْصَانِي وَهُوَ كَلَّفَنِي لِأَنَّ أَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَكَلَّفَنِي بِهَا وَاحِدٌ. الصِّفَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ جَعَلَهُ بَرًّا وَمَا جَعَلَهُ جَبَّارًا فَهَذَا إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ غَيْرَهُ جَبَّارًا وغيره بَارٍّ بِأُمِّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِكُلِّ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَزِيدُ تَخْصِيصٍ بِذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ التَّخْصِيصِ وَقَوْلُهُ:
وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً أَيْ مَا جَعَلَنِي مُتَكَبِّرًا بَلْ أَنَا خَاضِعٌ لِأَنِّي مُتَوَاضِعٌ لَهَا وَلَوْ كُنْتُ جَبَّارًا لَكُنْتُ عَاصِيًا شَقِيًّا.
وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَلْبِي لَيِّنٌ وَأَنَا صَغِيرٌ فِي نَفْسِي
وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَا تَجِدُ الْعَاقَّ إِلَّا جَبَّارًا شَقِيًّا وَتَلَا: وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا وَلَا تَجِدُ سَيِّئَ الْمِلْكَةِ إِلَّا مُخْتَالًا فَخُورًا وَقَرَأَ: وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً. الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ: هِيَ قَوْلُهُ: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا وَفِيهِ مسائل:
المسألة الأولى: قال بعضهم: لا التَّعْرِيفِ فِي السَّلَامِ مُنْصَرِفٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّتَيْ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ: وَسَلامٌ عَلَيْهِ
[مَرْيَمَ: 15] أَيِ السَّلَامُ الْمُوَجَّهُ إِلَيْهِ فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ مَوْجَّهٌ إِلَيَّ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّعْرِيفُ تَعْوِيضًا بِاللَّعْنِ عَلَى مَنِ اتَّهَمَ مَرْيَمَ بِالزِّنَا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِذَا قَالَ: وَالسَّلامُ عَلَيَّ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَكُلُّ السَّلَامِ عَلَيَّ وَعَلَى أَتْبَاعِي فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَعْدَاءِ إِلَّا اللَّعْنُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه: 47] بِمَعْنَى أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، وَكَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ اللَّجَاجِ وَالْعِنَادِ وَيَلِيقُ بِهِ مِثْلُ هَذَا التَّعْرِيضِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِيَحْيَى أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمْتُ عَلَى نَفْسِي
وَأَجَابَ الْحَسَنُ فَقَالَ: إِنَّ تَسْلِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِتَسْلِيمِ اللَّهِ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْقَاضِي: السَّلَامُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْأَمَانُ وَمِنْهُ السَّلَامَةُ فِي النِّعَمِ وَزَوَالُ الْآفَاتِ فَكَأَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ وَطَلَبَ مِنْهُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فَعَلَهُ بِيَحْيَى، وَلَا بُدَّ فِي الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُسْتَجَابِي الدَّعْوَةِ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ احْتِيَاجًا إِلَى السَّلَامَةِ هِيَ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ يَوْمُ الْوِلَادَةِ وَيَوْمُ الْمَوْتِ وَيَوْمُ الْبَعْثِ فَجَمِيعُ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى السَّلَامَةِ وَاجْتِمَاعِ السَّعَادَةِ مِنْ قِبَلِهِ تَعَالَى طَلَبَهَا لِيَكُونَ مَصُونًا عَنِ الْآفَاتِ وَالْمُخَافَاتِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُنْكِرُونَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تَكَلَّمَ فِي زَمَانِ الطُّفُولِيَّةِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 536
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست