responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 300
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ كَثِيرُ غَرَضٍ فِي مَعْرِفَةِ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ بِأَعْيَانِهِمْ، بَلِ الْمَقْصُودُ هُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَكْثَرُوا مِنَ الْمَعَاصِي سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَقْوَامًا قَتَلُوهُمْ وَأَفْنَوْهُمْ.
ثم قال تَعَالَى: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ قَالَ اللَّيْثُ: الْجَوْسُ وَالْجَوَسَانُ التَّرَدُّدُ خِلَالَ الدِّيَارِ، وَالْبُيُوتِ فِي الْفَسَادِ، وَالْخِلَالُ هُوَ الِانْفِرَاجُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَالدِّيَارُ دِيَارُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، واختلفت عبارات المفسرين في تفسير جاسوا فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَّشُوا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: طَلَبُوا مَنْ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: عَاثُوا وَأَفْسَدُوا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
طَافُوا خِلَالَ الدِّيَارِ هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَمْ يَقْتُلُوهُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْجَوْسُ هُوَ التَّرَدُّدُ وَالطَّلَبُ وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ مَا قَالُوهُ.
ثم قال تَعَالَى: وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا أَيْ كَانَ قَضَاءُ اللَّهِ بِذَلِكَ قَضَاءً جَزْمًا حَتْمًا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَالنَّسْخَ، ثم قال تَعَالَى: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ أَيْ أَهْلَكْنَا أَعْدَاءَكُمْ وَرَدَدْنَا الدَّوْلَةَ وَالْقُوَّةَ عَلَيْكُمْ. وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً النَّفِيرُ الْعَدَدُ مِنَ الرِّجَالِ وَأَصْلُهُ مِنْ نَفَرَ مَعَ الرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ، وَالنَّفِيرُ وَالنَّافِرُ وَاحِدٌ، كَالْقَدِيرِ وَالْقَادِرِ، وَذَكَرْنَا مَعْنَى نَفَرَ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ [التَّوْبَةِ: 122] وَقَوْلِهِ: انْفِرُوا خِفافاً [التَّوْبَةِ: 41] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ:
أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً وَهَذَا الْقَضَاءُ أَقَلُّ احْتِمَالَاتِهِ الحكم الْجَزْمُ، وَالْخَبَرُ الْحَتْمُ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ سَيُقْدِمُونَ عَلَى الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي خَبَرًا جَزْمًا لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَعْنَاهُ الحكم الْجَزْمُ عَلَى مَا شَرَحْنَاهُ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ ذَلِكَ الْقَضَاءَ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ فَقَالَ: وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: عَدَمُ وُقُوعِ ذَلِكَ الْفَسَادِ عَنْهُمْ يَسْتَلْزِمُ انْقِلَابَ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّدْقِ كَذِبًا وَانْقِلَابَ حُكْمِهِ الْجَازِمِ بَاطِلًا، وَانْقِلَابَ عِلْمِهِ الْحَقِّ جَهْلًا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ، فَكَانَ عَدَمُ إِقْدَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْفَسَادِ مُحَالًا، فَكَانَ إِقْدَامُهُمْ عَلَيْهِ وَاجِبًا ضَرُورِيًّا لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ وَالرَّفْعَ، مَعَ أَنَّهُمْ كُلِّفُوا بِتَرْكِهِ وَلُعِنُوا عَلَى فِعْلِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ يَأْمُرُ بِشَيْءٍ وَيَصُدُّ عَنْهُ وَقَدْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ وَيَقْضِي بِتَحْصِيلِهِ، فَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ الِاسْتِدَلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
الوجه الثَّانِي: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْمُرَادُ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَسَلَّطُوا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالْأَسْرِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَعَثَهُمْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَهْبَ أَمْوَالِهِمْ وَأَسْرَ أَوْلَادِهِمْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الظُّلْمِ الْكَثِيرِ وَالْمَعَاصِي الْعَظِيمَةِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ كُلَّ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
أَجَابَ الْجُبَّائِيُّ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنْ بَعَثْنا عَلَيْكُمْ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ بِغَزْوِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا ظَهَرَ فِيهِمْ مِنَ الْفَسَادِ، فَأُضِيفَ ذَلِكَ الْفَعْلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خَلَّيْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَا أَلْقَيْنَا الْخَوْفَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قُلُوبِهِمْ. وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْبَعْثِ التَّخْلِيَةُ وَعَدَمُ الْمَنْعِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 300
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست