responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 260
الْأَشْيَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِيهِ فَنَقُولُ: الْأَحْوَالُ الَّتِي وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِهَا إِمَّا الِاعْتِقَادَاتُ وَإِمَّا أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ. أَمَّا الِاعْتِقَادَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي كُلِّهَا وَاجِبُ الرِّعَايَةِ فَأَحَدُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ هُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ نَفْيَ الْإِلَهِ تَعْطِيلٌ مَحْضٌ وَإِثْبَاتَ أَكْثَرِ مِنْ إِلَهٍ وَاحِدٍ تَشْرِيكٌ وَتَشْبِيهٌ وَهُمَا مَذْمُومَانِ، وَالْعَدْلُ هُوَ إِثْبَاتُ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ وَهُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِلَهَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَلَا شَيْءَ تَعْطِيلٌ مَحْضٌ، والقول بأنه جسم وجوهر ومركب مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَمُخْتَصٌّ بِالْمَكَانِ تَشْبِيهٌ مَحْضٌ، وَالْعَدْلُ إِثْبَاتُ إِلَهٍ مَوْجُودٍ مُتَحَقِّقٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُنَزَّهًا عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ وَالْمَكَانِ، وَثَالِثُهَا:
أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِلَهَ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالصِّفَاتِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ تَعْطِيلٌ مَحْضٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ صِفَاتَهُ حَادِثَةٌ مُتَغَيِّرَةٌ تَشْبِيهٌ مَحْضٌ. وَالْعَدْلُ هُوَ إِثْبَاتُ أَنَّ الْإِلَهَ عَالِمٌ قَادِرٌ حَيٌّ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ صِفَاتَهُ لَيْسَتْ حَادِثَةً وَلَا مُتَغَيِّرَةً.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ وَلَا اخْتِيَارٌ جَبْرٌ مَحْضٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَبْدَ مُسْتَقِلٌّ بِأَفْعَالِهِ قَدَرٌ مَحْضٌ وَهُمَا مَذْمُومَانِ، وَالْعَدْلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَفْعَلُ الْفِعْلَ لَكِنْ بِوَاسِطَةِ قُدْرَةٍ وَدَاعِيَةٍ يَخْلُقُهُمَا اللَّهُ تعالى فيه، وخامسها: القول بأن اللَّهَ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُ عَبْدَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ مُسَاهَلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَعَالَى يُخَلِّدُ فِي النَّارِ عَبْدَهُ الْعَارِفَ بِالْمَعْصِيَةِ الْوَاحِدَةِ تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ، وَالْعَدْلُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ كُلَّ مَنْ قَالَ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي رِعَايَةِ مَعْنَى الْعَدْلِ فِي الِاعْتِقَادَاتِ، وَأَمَّا رِعَايَةُ الْعَدْلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، فَنَذْكُرُ سِتَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْهَا: أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْمًا مِنْ نُفَاةِ التَّكَالِيفِ يَقُولُونَ: لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الِاشْتِغَالُ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَعَاصِي، وَلَيْسَ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَكْلِيفٌ أَصْلًا وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْهِنْدِ، وَمِنَ الْمَانَوِيَّةِ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْ كُلِّ الطَّيِّبَاتِ وَأَنْ يُبَالِغَ فِي تَعْذِيبِ نَفْسِهِ وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ كُلِّ مَا يَمِيلُ الطَّبْعُ إِلَيْهِ حَتَّى أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ يُخْصُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَحْتَرِزُونَ عَنِ التَّزَوُّجِ وَيَحْتَرِزُونَ عَنْ أَكْلِ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ وَالْهِنْدُ يَحْرِقُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَرْمُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ شَاهِقِ الْجِبَلِ، فَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ مَذْمُومَانِ، وَالْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ هُوَ هَذَا الشَّرْعُ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَثَانِيهَا: أَنَّ التَّشْدِيدَ فِي دِينِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ غَالِبٌ جِدًّا، وَالتَّسَاهُلَ فِي دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ غَالِبٌ جِدًّا وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ شَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: كَانَ شَرْعُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ اسْتِيَفَاءَ الْقَصَاصِ لَا مَحَالَةَ، وَفِي شَرْعِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْعَفْوُ. أَمَّا فِي شَرْعِنَا فَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الْقَصَاصَ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الدِّيَةَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا، وَأَيْضًا شَرْعُ مُوسَى يَقْتَضِي/ الِاحْتِرَازَ الْعَظِيمَ عَنِ الْمَرْأَةِ حَالَ حَيْضِهَا وَشَرْعُ عِيسَى يَقْتَضِي حِلَّ وَطْءِ الْحَائِضِ، وَالْعَدْلُ مَا حَكَمَ بِهِ شَرْعُنَا وَهُوَ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا احْتِرَازًا عَنِ التَّلَطُّخِ بِتِلْكَ الدِّمَاءِ الْخَبِيثَةِ أَمَّا لَا يَجِبُ إِخْرَاجُهَا عَنِ الدَّارِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَةِ: 143] يَعْنِي مُتَبَاعِدِينَ عَنْ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَقَالَ: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً [الْفُرْقَانِ: 67] وَقَالَ: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [الْإِسْرَاءِ: 29] وَلَمَّا بَالَغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الْعِبَادَاتِ قَالَ تَعَالَى: طه مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [طه: 1، 2] وَلَمَّا أَخَذَ قَوْمٌ فِي الْمُسَاهَلَةِ قَالَ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [الْمُؤْمِنُونَ: 115] وَالْمُرَادُ مِنَ الْكُلِّ رِعَايَةُ الْعَدْلِ وَالْوَسَطِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ شَرِيعَتَنَا أَمَرَتْ بِالْخِتَانِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ رَأْسَ الْعُضْوِ جِسْمٌ شَدِيدُ الْحِسِّ وَلِأَجْلِهِ عَظُمَ الالتذاذ عند الوقاع، فلو بقيت تلك الْجِلْدَةُ عَلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ بَقِيَ ذَلِكَ الْعُضْوُ عَلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ وَشِدَّةِ الْإِحْسَاسِ فَيَعْظُمُ الِالْتِذَاذُ أما إذا قطعت تلك الجلدة بقي ذَلِكَ الْعُضْوُ عَارِيًا فَيَلْقَى الثِّيَابَ وَسَائِرَ الْأَجْسَامِ فَيَتَصَلَّبُ وَيَضْعُفُ حِسُّهُ وَيَقِلُّ شُعُورُهُ فَيَقِلُّ الِالْتِذَاذُ بِالْوِقَاعِ فَتَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ، فَكَأَنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا أمرت

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 260
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست