responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 221
مُفَعْوِلَةٌ لِلَّهِ لِأَجْلِهِ وَلِغَرَضِ طَاعَتِهِ، لِأَنَّ فِيهَا الْمُبَاحَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا لِغَرَضِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ، لَا لِغَرَضِ الطَّاعَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا إِنَّهَا لِلَّهِ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ بِتَكْوِينِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
ثم قال بَعْدَهُ: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً الدين هاهنا الطَّاعَةُ، وَالْوَاصِبُ الدَّائِمُ. يُقَالُ: وَصَبَ الشَّيْءُ يَصِبُ وُصُوبًا إِذَا دَامَ، قَالَ تَعَالَى: وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ [الصَّافَّاتِ: 9] وَيُقَالُ: وَاظَبَ عَلَى الشَّيْءِ وَوَاصَبَ عَلَيْهِ إِذَا دَاوَمَ، وَمَفَازَةٌ وَاصِبَةٌ أَيْ بَعِيدَةٌ لَا غَايَةَ لَهَا. وَيُقَالُ لِلْعَلِيلِ وَاصِبٌ، لِيَكُونَ ذَلِكَ الْمَرَضُ لَازِمًا لَهُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ:
لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يُدَانُ لَهُ وَيُطَاعُ، إِلَّا انْقَطَعَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بِالْمَوْتِ إِلَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ طَاعَتَهُ وَاجِبَةٌ أَبَدًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: واصِباً حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَا فِي الظَّرْفِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ. وَأَقُولُ: الدِّينُ قَدْ يَعْنِي بِهِ الِانْقِيَادُ. يُقَالُ: يَا مَنْ دَانَتْ لَهُ الرِّقَابُ أَيِ انْقَادَتْ. فَقَوْلُهُ: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَيِ انْقِيَادُ كُلِّ مَا سِوَاهُ لَهُ لَازِمٌ أَبَدًا، لِأَنَّ انْقِيَادَ غَيْرِهِ لَهُ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ غَيْرَهُ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَى السَّبَبِ فِي طَرَفَيِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَالْمَاهِيَّاتُ يَلْزَمُهَا الْإِمْكَانُ لُزُومًا ذَاتِيًّا، وَالْإِمْكَانُ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ لُزُومًا ذَاتِيًّا، يَنْتِجُ أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ لُزُومًا ذَاتِيًّا فَهَذِهِ الْمَاهِيَّاتُ مَوْصُوفَةٌ بِالِانْقِيَادِ لِلَّهِ تَعَالَى اتِّصَافًا دَائِمًا وَاجِبًا لَازِمًا مُمْتَنِعَ التَّغَيُّرِ. وَأَقُولُ: فِي الْآيَةِ دَقِيقَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْعُقَلَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَ حَالَ حُدُوثِهِ مُحْتَاجٌ إِلَى السَّبَبِ الْمُرَجِّحِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُمْكِنِ حَالَ بَقَائِهِ هَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى السَّبَبِ؟ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إِنَّهُ مُحْتَاجٌ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَاجَةِ هِيَ/ الْإِمْكَانُ وَالْإِمْكَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْمَاهِيَّةِ فَيَكُونُ حَاصِلًا لِلْمَاهِيَّةِ حَالَ حُدُوثِهَا وَحَالَ بَقَائِهَا فَتَكُونُ عِلَّةَ الْحَاجَةِ حَالَ حُدُوثِ الْمُمْكِنِ وَحَالَ بَقَائِهِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْحَاجَةُ حَاصِلَةً حَالَ حُدُوثِهَا وَحَالَ بَقَائِهَا.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَوْلُهُ: وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَعْنَاهُ: أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى الْحَقِّ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ فِي انْقِلَابِهِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ أَوْ مِنَ الْوُجُودِ إِلَى الْعَدَمِ إِلَى مُرَجِّحٍ وَمُخَصِّصٍ، وَقَوْلُهُ: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الِانْقِيَادَ وَهَذَا الِاحْتِيَاجَ حَاصِلٌ دَائِمًا أَبَدًا، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُمْكِنَ حَالَ بَقَائِهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْمُرَجِّحِ وَالْمُخَصِّصِ، وَهَذِهِ دَقَائِقُ مِنْ أَسْرَارِ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ مُودَعَةٌ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْفَائِضَةِ مِنْ عَالَمِ الْوَحْيِ وَالنُّبُوَّةِ.
ثم قال تَعَالَى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ والمعنى: أنكم بعد ما عَرَفْتُمْ أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ وَعَرَفْتُمْ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فِي وَقْتِ حُدُوثِهِ، وَمُحْتَاجٌ إِلَيْهِ أَيْضًا فِي وَقْتِ دَوَامِهِ وَبَقَائِهِ، فَبَعْدَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأُصُولِ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ رَغْبَةٌ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَهْبَةٌ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ:
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ.
ثم قال: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: أنه لما بين بالآية الأولى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَّقِيَ غَيْرَ اللَّهِ، بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْكُرَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى، لِأَنَّ الشُّكْرَ إِنَّمَا يَلْزَمُ عَلَى النِّعْمَةِ، وَكُلُّ نِعْمَةٍ حَصَلَتْ لِلْإِنْسَانِ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْعَاقِلَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخَافَ وَأَنْ لَا يَتَّقِيَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَأَنْ لَا يَشْكُرَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست