responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 219
وَالْخَبَرُ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ [عَبَسَ: 17] وَهَذَا الحكم عَامٌّ فِي الْإِنْسَانِ، وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ أَنْ تَكُونَ طَبِيعَةُ الْإِنْسَانِ مُقْتَضِيَةً لِهَذِهِ الْأَحْوَالِ الذَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا مِنَّا إِلَّا وَقَدْ عَصَى أَوْ هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا»
وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمُبَرَّأَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالْهَمِّ بِهَا أَفْضَلُ مِمَّنْ عَصَى أَوْ هَمَّ بِهَا.
الوجه الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ قَبْلَ الْبَشَرِ بِأَدْوَارٍ مُتَطَاوِلَةٍ وَأَزْمَانٍ مُمْتَدَّةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ وَصَفَهُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَطُولُ الْعُمُرِ مَعَ الطَّاعَةِ يُوجِبُ مَزِيدَ الْفَضِيلَةِ لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ:
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الشَّيْخُ فِي قَوْمِهِ كَالنَّبِيِّ فِي أُمَّتِهِ»
فَضَّلَ الشَّيْخَ عَلَى الشَّابِّ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عُمُرُهُ أَطْوَلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ طَاعَتَهُ أَكْثَرُ فَكَانَ أَفْضَلَ. وَالثَّانِي:
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَلَمَّا كَانَ شُرُوعُ الْمَلَائِكَةِ فِي الطَّاعَاتِ قَبْلَ شُرُوعِ الْبَشَرِ فِيهَا لَزِمَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ سَنُّوا هَذِهِ السُّنَّةَ الْحَسَنَةَ، وَهِيَ طَاعَةُ الْخَالِقِ الْقَدِيمِ الرَّحِيمِ، وَالْبَشَرُ إِنَّمَا جَاءُوا بَعْدَهُمْ وَاسْتَنُّوا سُنَّتَهُمْ، فَوَجَبَ بِمُقْتَضَى هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ كُلَّ مَا حَصَلَ لِلْبَشَرِ مِنَ الثَّوَابِ فَقَدْ حَصَلَ مِثْلُهُ لِلْمَلَائِكَةِ وَلَهُمْ ثَوَابُ الْقَدْرِ الزَّائِدِ مِنَ الطَّاعَةِ فَوَجَبَ كَوْنُهُمْ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ.
الوجه الرَّابِعُ: فِي دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَقَدْ بَيَّنَّا بِالدَّلِيلِ أَنَّ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْفَوْقِيَّةِ بِالرُّتْبَةِ وَالشَّرَفِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ، فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فَوْقَهُمْ فِي الشَّرَفِ وَالرُّتْبَةِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كونهم أفضل المخلوقات والله أعلم.

[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]
وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَالَمِ الْأَرْوَاحِ أَوْ مِنْ عَالَمِ الْأَجْسَامِ، فَهُوَ مُنْقَادٌ خَاضِعٌ لِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِبْرِيَائِهِ، أَتْبَعَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ وَبِالْأَمْرِ بِأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَهُوَ مُلْكُهُ وَمِلْكُهُ وَأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنِ الْكُلِّ فَقَالَ: لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْإِلَهَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ.
وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَالَ صَاحِبُ «النَّظْمِ» : فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَتَّخِذُوا اثْنَيْنِ إِلَهَيْنِ.
وَثَانِيهَا: وَهُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ مُسْتَنْكَرًا مُسْتَقْبَحًا، فَمَنْ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ كَثِيرَةٍ لِيَصِيرَ تَوَالِي تِلْكَ الْعِبَارَاتِ سَبَبًا لِوُقُوفِ الْعَقْلِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْقُبْحِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْقَوْلُ بِوُجُودِ الْإِلَهَيْنِ قَوْلٌ مُسْتَقْبَحٌ فِي الْعُقُولِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُقَلَاءِ لَمْ يَقُلْ بِوُجُودِ إِلَهَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْوُجُوبِ وَالْقِدَمِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ، فَقَوْلُهُ: لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ الْمَقْصُودُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 219
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست