responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 420
فَكَذَا الْعَقْلُ عَلَى مِثَالِ مِرْآةٍ يَنْطَبِعُ فِيهَا صورة الْمَعْقُولَاتِ وَأَعْنِي بِصُورَةِ الْمَعْقُولَاتِ حَقَائِقَهَا وَمَاهِيَّاتِهَا فَفِي الْمِرْآةِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ: الْحَدِيدُ وَصِقَالَتُهُ وَالصُّورَةُ الْمُنْطَبِعَةُ فِيهِ فَكَذَا جَوْهَرُ الْآدَمِيِّ كَالْحَدِيدِ وَعَقْلُهُ كَالصِّقَالَةِ وَالْمَعْلُومُ كَالصُّورَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ سَاقِطٌ جِدًّا أَمَّا قَوْلُهُ لَا مَعْنَى لِلْبَصَرِ الظَّاهِرِ إلا انطباع صورة المرئي في القوة الباصرة فَبَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ فِي تَعْرِيفِ الْإِبْصَارِ الْمُبْصَرَ وَالْبَاصِرَ وَهُوَ دَوْرٌ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِبْصَارُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِ هَذَا الِانْطِبَاعِ لَمَا أَبْصَرْنَا إِلَّا بِمِقْدَارِ نُقْطَةِ النَّاظِرِ لِاسْتِحَالَةِ انْطِبَاعِ الْعَظِيمِ فِي الصَّغِيرِ فَإِنْ قِيلَ الصُّورَةُ الصَّغِيرَةُ الْمُنْطَبِعَةُ شَرْطٌ لِحُصُولِ إِبْصَارِ الشَّيْءِ الْعَظِيمِ فِي الْخَارِجِ قُلْنَا الشَّرْطُ مُغَايِرٌ لِلْمَشْرُوطِ فَالْإِبْصَارُ مُغَايِرٌ لِلصُّورَةِ الْمُنْطَبِعَةِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّا نَرَى الْمَرْئِيَّ حَيْثُ هُوَ، وَلَوْ كَانَ الْمَرْئِيُّ هُوَ الصُّورَةَ الْمُنْطَبِعَةَ لَمَا رَأَيْتَهُ فِي حَيِّزِهِ وَمَكَانِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَكَذَا الْعَقْلُ يَنْطَبِعُ فِيهِ صُوَرُ الْمَعْقُولَاتِ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ الصُّورَةَ الْمُرْتَسِمَةَ مِنَ الْحَرَارَةِ فِي الْعَقْلِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لِلْحَرَارَةِ فِي الْمَاهِيَّةِ أَوْ لَا تَكُونَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ الْعَقْلُ حَارًّا عِنْدَ تَصَوُّرِ الْحَرَارَةِ لِأَنَّ الْحَارَّ لَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا الْمَوْصُوفَ بِالْحَرَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ تَعَقُّلُ الْمَاهِيَّةِ إِلَّا عِبَارَةً عَنْ حُصُولِ شَيْءٍ فِي الذِّهْنِ مُخَالِفٍ لِلْحَرَارَةِ فِي الْمَاهِيَّةِ وَذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَهُ، وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَ مِنِ انْطِبَاعِ الصُّوَرِ فِي الْمِرْآةِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَرْئِيِّ لَا تَنْطَبِعُ فِي الْمِرْآةِ فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيرِ قَوْلِهِمْ لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ وَلَا يُلَائِمُ أُصُولَهُمْ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ التَّعْرِيفَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّاسُ بَاطِلَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَجْزَ عَنِ التَّعْرِيفِ قَدْ يَكُونُ لِخَفَاءِ الْمَطْلُوبِ جِدًّا وَقَدْ يَكُونُ لِبُلُوغِهِ فِي الْجَلَاءِ إِلَى حَيْثُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ أَعْرَفُ مِنْهُ لِيُجْعَلَ مُعَرِّفًا لَهُ، وَالْعَجْزُ عَنْ تَعْرِيفِ الْعِلْمِ لِهَذَا الْبَابِ وَالْحَقُّ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْعِلْمِ مُتَصَوَّرَةٌ تَصَوُّرًا بَدِيهِيًّا جَلِيًّا، فَلَا حَاجَةَ فِي مَعْرِفَتِهِ إِلَى مُعَرِّفٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ يَعْلَمُ وُجُودَ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى السَّمَاءِ وَلَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِلْمٌ بِاتِّصَافِ ذَاتِهِ بِهَذِهِ الْعُلُومِ وَالْعَالِمُ بِانْتِسَابِ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ عَالِمٌ لَا مَحَالَةَ بِكِلَا الطَّرَفَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِهَذِهِ الْمَنْسُوبِيَّةِ حَاصِلًا كَانَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِمَاهِيَّةِ الْعِلْمِ حَاصِلًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ تَعْرِيفُهُ مُمْتَنِعًا فَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ هاهنا وَسَائِرُ التَّدْقِيقَاتِ مَذْكُورَةٌ فِي «الْكُتُبِ الْعَقْلِيَّةِ» وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: فِي الْبَحْثِ عَنْ أَلْفَاظٍ يُظَنُّ بِهَا أَنَّهَا مُرَادِفَةٌ لِلْعِلْمِ وَهِيَ ثَلَاثُونَ: أَحَدُهَا: / الْإِدْرَاكُ وَهُوَ اللِّقَاءُ وَالْوُصُولُ يُقَالُ أَدْرَكَ الْغُلَامُ وَأَدْرَكَتِ الثَّمَرَةُ قَالَ تَعَالَى: قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشُّعَرَاءِ: 61] فَالْقُوَّةُ الْعَاقِلَةُ إِذَا وَصَلَتْ إِلَى مَاهِيَّةِ الْمَعْقُولِ وَحَصَّلَتْهَا كَانَ ذَلِكَ إِدْرَاكًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَثَانِيهَا:
الشُّعُورُ وَهُوَ إِدْرَاكٌ بِغَيْرِ اسْتِثْبَاتٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ وُصُولِ الْمَعْلُومِ إِلَى الْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ وَكَأَنَّهُ إِدْرَاكٌ مُتَزَلْزِلٌ وَلِهَذَا يُقَالُ فِي اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُ يَشْعُرُ بِكَذَا كَمَا يُقَالُ إِنَّهُ يَعْلَمُ كَذَا، وَثَالِثُهَا: التَّصَوُّرُ إِذَا حَصَلَ وُقُوفُ الْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ عَلَى الْمَعْنَى وَأَدْرَكَهُ بِتَمَامِهِ فَذَلِكَ هُوَ التَّصَوُّرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ التَّصَوُّرَ لَفْظٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الصُّورَةِ وَلَفْظُ الصُّورَةِ حَيْثُ وُضِعَ فَإِنَّمَا وُضِعَ لِلْهَيْئَةِ الْجُسْمَانِيَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْجِسْمِ الْمُتَشَكِّلِ إِلَّا أَنَّ النَّاسَ لَمَّا تَخَيَّلُوا أَنَّ حَقَائِقَ الْمَعْلُومَاتِ تَصِيرُ حَالَةً فِي الْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ كَمَا أَنَّ الشَّكْلَ وَالْهَيْئَةَ يَحُلَّانِ فِي الْمَادَّةِ الْجُسْمَانِيَّةِ أَطْلَقُوا لَفْظَ التَّصَوُّرِ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّأْوِيلِ.
وَرَابِعُهَا: الْحِفْظُ فَإِذَا حَصَلَتِ الصُّورَةُ فِي الْعَقْلِ وَتَأَكَّدَتْ وَاسْتَحْكَمَتْ وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَوْ زَالَتْ لَتَمَكَّنَتِ الْقُوَّةُ الْعَاقِلَةُ مِنِ اسْتِرْجَاعِهَا وَاسْتِعَادَتِهَا سُمِّيَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ حِفْظًا وَلَمَّا كَانَ الْحِفْظُ مُشْعِرًا بِالتَّأَكُّدِ بَعْدَ الضَّعْفِ لَا جَرَمَ لَا يُسَمَّى عِلْمُ اللَّهِ حِفْظًا وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْحِفْظِ مَا يَجُوزُ زَوَالُهُ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالًا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 420
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست