responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 526
عَلَى جَبَلِ قَافٍ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا وَلَكِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهَا. وَهَذَا التَّأْوِيلُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرُوهُ لَمَا ثبتت الحجة لأنه يقال إن السموات لَمَّا كَانَتْ مُسْتَقِرَّةً عَلَى جَبَلِ قَافٍ فَأَيُّ دَلَالَةٍ لِثُبُوتِهَا عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ، وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَحْسَنُ مِنَ الْكُلِّ وَهُوَ أَنَّ الْعِمَادَ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَجْسَامَ إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاقِفَةً فِي الْجَوِّ الْعَالِي بِقُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى وَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَمَدُهَا هُوَ قُدْرَةُ اللَّه تَعَالَى فَنَتَجَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ رَفَعَ السَّمَاءَ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا أَيْ لَهَا عَمَدٌ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْعَمَدَ هِيَ قُدْرَةُ اللَّه تَعَالَى وَحِفْظُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَإِبْقَاؤُهُ إِيَّاهَا فِي الْجَوِّ الْعَالِي وَأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ التَّدْبِيرَ/ وَلَا يَعْرِفُونَ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ الْإِمْسَاكِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنَهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْعَرْشِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُشَاهَدًا مَعْلُومًا وَأَنَّ أَحَدًا مَا رَأَى أَنَّهُ تَعَالَى اسْتَقَرَّ عَلَى الْعَرْشِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا بِتَقْدِيرِ أَنْ يُشَاهَدَ كَوْنُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْعَرْشِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْعِرُ بِكَمَالِ حَالِهِ وَغَايَةِ جَلَالِهِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى احْتِيَاجِهِ إِلَى الْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ. وَأَيْضًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ صَارَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّغَيُّرَ وَأَيْضًا الِاسْتِوَاءُ ضِدُّ الِاعْوِجَاجِ فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُعْوَجًّا مُضْطَرِبًا ثُمَّ صَارَ مُسْتَوِيًا وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِوَاؤُهُ عَلَى عَالَمِ الْأَجْسَامِ بِالْقَهْرِ وَالْقُدْرَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَى مَا تَحْتَ الثَّرَى فِي حِفْظِهِ وَفِي تَدْبِيرِهِ وَفِي الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِأَحْوَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: فَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ اشْتَمَلَ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنَ الدَّلَالَةِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْقَادِرِ الْقَاهِرِ بِحَرَكَاتِ هَذِهِ الْأَجْرَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ فَهَذِهِ الْأَجْرَامُ قَابِلَةٌ لِلْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فَاخْتِصَاصُهَا بِالْحَرَكَةِ الدَّائِمَةِ دُونَ السُّكُونِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ. وَأَيْضًا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْحَرَكَاتِ مُخْتَصَّةٌ بِكَيْفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْبُطْءِ وَالسُّرْعَةِ فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ مُخَصِّصٍ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْحَرَكَةُ الْبَطِيئَةُ مَعْنَاهَا حَرَكَاتٌ مَخْلُوطَةٌ بِسَكَنَاتٍ وَهَذَا يُوجِبُ الِاعْتِرَافَ بِأَنَّهَا تَتَحَرَّكُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَازِ وَتَسْكُنُ فِي الْبَعْضِ فَحُصُولُ الْحَرَكَةِ فِي ذَلِكَ الْحَيِّزِ الْمُعَيَّنِ وَالسُّكُونُ فِي الْحَيِّزِ الْآخَرِ لَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ مُرَجِّحٍ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيرَ تِلْكَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ بِمَقَادِيرَ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ تَحْصُلُ عَوْدَاتُهَا وَأَدْوَارُهَا مُتَسَاوِيَةً بِحَسَبِ الْمُدَّةِ حَالَةٌ عَجِيبَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُقَدِّرٍ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ بَعْضَ تِلْكَ الْحَرَكَاتِ مَشْرِقِيَّةٌ وَبَعْضَهَا مَغْرِبِيَّةٌ وَبَعْضَهَا مَائِلَةٌ إِلَى الشَّمَالِ وَبَعْضَهَا مَائِلَةٌ إِلَى الْجَنُوبِ وَهَذَا أَيْضًا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَدْبِيرٍ كَامِلٍ وَحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مِنَ الدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِلشَّمْسِ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ مَنْزِلًا كُلَّ يَوْمٍ لَهَا مَنْزِلٌ وَذَلِكَ يَتِمُّ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ إِنَّهَا تَعُودُ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ لَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى هَذَا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ/ الْكَوَاكِبِ سَيْرًا خَاصًّا إِلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ بِمِقْدَارٍ خَاصٍّ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 526
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست