responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 525
[سورة الرعد (13) : آية 2]
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ التَّوْحِيدِ وَالْمَعَادِ وَهُوَ هَذِهِ الْآيَةُ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : اللَّه مبتدأ والذي رفع السموات خَبَرُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ [الرعد: 3] ويجوز أن يكون الذي رفع السموات صِفَةً وَقَوْلُهُ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْعَمَدُ الْأَسَاطِينُ وَهُوَ جَمْعُ عِمَادٍ يُقَالُ عِمَادٌ وَعُمُدٌ مِثْلُ إِهَابٍ وَأُهُبٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
الْعَمَدُ وَالْعُمُدُ جَمْعُ الْعَمُودِ مِثْلُ أَدِيمٍ وَأَدَمٍ وَأُدُمٍ، وَقَضِيمٍ وَقَضَمٍ وَقُضُمٍ، وَالْعِمَادُ وَالْعَمُودُ مَا يُعْمَدُ بِهِ الشَّيْءُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: فُلَانٌ عَمَدُ قَوْمِهِ إِذَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى استدل بأحوال السموات وَبِأَحْوَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَبِأَحْوَالِ الْأَرْضِ وَبِأَحْوَالِ النَّبَاتِ، أما الاستدلال بأحوال السموات بِغَيْرِ عَمْدٍ تَرَوْنَهَا فَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ الْأَجْسَامَ العظيمة بقيت وافقة فِي الْجَوِّ الْعَالِي وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهَا هُنَاكَ لِأَعْيَانِهَا وَلِذَوَاتِهَا لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ وَلَوْ وَجَبَ حُصُولُ جِسْمٍ فِي حَيِّزٍ مُعَيَّنٍ لَوَجَبَ حُصُولُ كُلِّ جِسْمٍ فِي ذَلِكَ الْحَيِّزِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَلَاءَ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَالْأَحْيَازُ الْمُعْتَرِضَةُ فِي ذَلِكَ/ الْخَلَاءِ الصِّرْفِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَهِيَ بِأَسْرِهَا مُتَسَاوِيَةٌ وَلَوْ وَجَبَ حُصُولُ جِسْمٍ فِي حَيِّزٍ مُعَيَّنٍ لَوَجَبَ حُصُولُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْيَازِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَحْيَازَ بِأَسْرِهَا مُتَشَابِهَةٌ فَثَبَتَ أَنَّ حُصُولَ الْأَجْرَامِ الْفَلَكِيَّةِ فِي أَحْيَازِهَا وَجِهَاتِهَا لَيْسَ أَمْرًا وَاجِبًا لِذَاتِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَصِّصٍ وَمُرَجِّحٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا بَقِيَتْ بِسِلْسِلَةٍ فَوْقَهَا وَلَا عَمَدَ تَحْتَهَا، وَإِلَّا لَعَادَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ الْحَافِظِ وَلَزِمَ الْمُرُورُ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَهُوَ مُحَالٌ فَثَبَتَ أَنْ يُقَالَ الْأَجْرَامُ الْفَلَكِيَّةُ فِي أَحْيَازِهَا الْعَالِيَةِ لِأَجْلِ أَنَّ مُدَبِّرَ الْعَالَمِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ أَوْقَفَهَا هُنَاكَ.
فَهَذَا بُرْهَانٌ قَاهِرٌ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَاهِرِ الْقَادِرِ. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا مُخْتَصٍّ بِحَيِّزٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاصِلًا فِي حَيِّزٍ مُعَيَّنٍ لَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ حُصُولُهُ فِي ذَلِكَ الْحَيِّزِ لِذَاتِهِ وَلِعَيْنِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَحْيَازَ بِأَسْرِهَا مُتَسَاوِيَةٌ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حُصُولُهُ فِي حَيِّزٍ مُعَيَّنٍ لِذَاتِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ وَكُلُّ مَا حَصَلَ بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ فَهُوَ مُحْدَثٌ فَاخْتِصَاصُهُ بِالْحَيِّزِ الْمُعَيَّنِ مُحْدَثٌ وَذَاتُهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصِ وَمَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاصِلًا فِي الْحَيِّزِ الْمُعَيَّنِ لَكَانَ حَادِثًا وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنِ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ، وَأَيْضًا كُلُّ مَا سَمَاكَ فَهُوَ سَمَاءٌ، فَلَوْ كَانَ تَعَالَى مَوْجُودًا فِي جِهَةٍ فَوْقِ جِهَةٍ لَكَانَ من جملة السموات فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فَكُلُّ مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِجِهَةٍ فَوْقَ جِهَةٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى حِفْظِ الْإِلَهِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ مُنَزَّهًا عَنْ جِهَةِ فَوْقُ. أَمَّا قَوْلُهُ: تَرَوْنَها فَفِيهِ أَقْوَالٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ والمعنى: رفع السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ. ثُمَّ قَالَ: تَرَوْنَها أَيْ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهَا أَيْ مَرْفُوعَةً بِلَا عِمَادٍ. الثَّانِي: قَالَ الْحَسَنُ فِي تَقْرِيرِ الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: رفع السموات تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ الْمَصِيرُ إِلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ غَيْرَ جَائِزٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: تَرَوْنَها صِفَةٌ لِلْعَمَدِ، وَالْمَعْنَى: بِغَيْرِ عَمَدٍ مَرْئِيَّةٍ، أَيْ لِلسَّمَوَاتِ عَمَدٌ. وَلَكِنَّا لَا نَرَاهَا قَالُوا: ولها عمد

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 525
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست