responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 389
أَنَّهُ ظَرْفٌ وَالتَّقْدِيرُ: مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِي لِلْإِصْلَاحِ وَمَا دُمْتُ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ لَا آلُو فِيهِ جُهْدًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الْإِصْلَاحِ، أَيِ الْمِقْدَارُ الَّذِي اسْتَطَعْتُ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ أَيْ مَا أُرِيدُ إِلَّا أَنْ أُصْلِحَ مَا اسْتَطَعْتُ إِصْلَاحَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بأنه حليم رشيد، وإما أَقَرُّوا لَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا فِيمَا بَيْنَ الْخَلْقِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُمْ إِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ مِنْ حَالِي أَنِّي لَا أَسْعَى إِلَّا فِي الْإِصْلَاحِ وَإِزَالَةِ الْفَسَادِ وَالْخُصُومَةِ، فَلَمَّا أَمَرْتُكُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَتَرْكِ إِيذَاءِ النَّاسِ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ دِينُ حَقٍّ وَأَنَّهُ لَيْسَ غَرَضِي مِنْهُ إِيقَاعَ الْخُصُومَةِ وَإِثَارَةَ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ أَنِّي أَبْغَضُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ وَلَا أَدُورُ إِلَّا عَلَى مَا يُوجِبُ الصُّلْحَ وَالصَّلَاحَ بِقَدْرِ طَاقَتِي، وَذَلِكَ هُوَ الْإِبْلَاغُ وَالْإِنْذَارُ، وَأَمَّا الْإِجْبَارُ عَلَى الطَّاعَةِ فَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ تَوَكُّلَهُ وَاعْتِمَادَهُ فِي تَنْفِيذِ كُلِّ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عَلَى تَوْفِيقِ اللَّه تَعَالَى وَهِدَايَتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَكَّلْتُ إِشَارَةٌ إِلَى مَحْضِ التَّوْحِيدِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَكَّلْتُ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى اللَّه تَعَالَى وَكَيْفَ وَكُلُّ مَا سِوَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ فَانٍ بِذَاتِهِ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِإِيجَادِهِ وَتَكْوِينِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزِ التَّوَكُّلُ إِلَّا عَلَى اللَّه تَعَالَى وَأَعْظَمُ مَرَاتِبِ مَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَعَادِ، وَهُوَ أَيْضًا يُفِيدُ الْحَصْرَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَيْهِ أُنِيبُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَرْجِعَ لِلْخَلْقِ إِلَّا إِلَى اللَّه تَعَالَى
وَعَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «ذَاكَ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ»
لِحُسْنِ مُرَاجَعَتِهِ فِي كَلَامِهِ بَيْنَ قَوْمِهِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ: مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ قَوْلُهُ: وَيا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : جَرَمَ مِثْلُ كَسَبَ فِي تَعْدِيَتِهِ تَارَةً إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَأُخْرَى إِلَى مَفْعُولَيْنِ يُقَالُ جَرَمَ ذَنْبًا وَكَسَبَهُ وَجَرَّمَهُ ذَنْبًا وَكَسَّبَهُ إِيَّاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ أَيْ لَا يُكْسِبَنَّكُمْ شِقَاقِي إِصَابَةَ الْعَذَابِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ يَجْرِمَنَّكُمْ بِضَمِّ الْيَاءِ مَنْ أَجْرَمْتُهُ ذَنْبًا إِذَا جَعَلْتَهُ جَارِمًا لَهُ أَيْ كَاسِبًا لَهُ.
وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ جَرَمَ الْمُتَعَدِّي إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَرَمْتُهُ ذَنْبًا وَأَجْرَمْتُهُ إِيَّاهُ، وَالْقِرَاءَتَانِ مُسْتَوِيَتَانِ فِي الْمَعْنَى لَا تَفَاوُتَ بَيْنِهِمَا إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَةَ أَفْصَحُ لَفْظًا كَمَا أَنَّ كَسَّبَهُ مَالًا أَفْصَحُ مَنْ أَكْسَبَهُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ لَا تُكْسِبَنَّكُمْ مُعَادَاتُكُمْ إِيَّايَ أي يُصِيبَكُمْ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ فِي الدُّنْيَا مِثْلَ مَا حَصَلَ لِقَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْغَرَقِ، وَلِقَوْمِ هُودٍ مِنَ الرِّيحِ الْعَقِيمِ وَلِقَوْمِ صَالِحٍ مِنَ الرَّجْفَةِ، وَلِقَوْمِ لُوطٍ مِنَ الْخَسْفِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْبُعْدِ فِي الْمَكَانِ لِأَنَّ بِلَادَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرِيبَةٌ مِنْ مَدْيَنَ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْبُعْدِ فِي الزَّمَانِ لِأَنَّ إِهْلَاكَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقْرَبُ الْإِهْلَاكَاتِ الَّتِي عَرَفَهَا النَّاسُ فِي زَمَانِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَى هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ فَإِنَّ الْقُرْبَ فِي الْمَكَانِ وَفِي الزَّمَانِ يُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَعْرِفَةِ وَكَمَالَ الْوُقُوفِ عَلَى الْأَحْوَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ اعْتَبِرُوا بِأَحْوَالِهِمْ وَاحْذَرُوا مِنْ مُخَالَفَةِ اللَّه تَعَالَى وَمُنَازَعَتِهِ حَتَّى لَا يَنْزِلَ بِكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَذَابِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 389
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست