responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 388
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي إِشَارَةٌ إِلَى مَا آتَاهُ اللَّه تَعَالَى مِنَ الْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالدِّينِ وَالنُّبُوَّةِ وَقَوْلُهُ: وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً إِشَارَةٌ إِلَى مَا آتَاهُ اللَّه مِنَ الْمَالِ الْحَلَالِ، فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَابَ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا آتَانِي جَمِيعَ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَالسَّعَادَاتِ الْجُسْمَانِيَّةَ وَهِيَ الْمَالُ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ فَهَلْ يَسَعُنِي مَعَ هَذَا الْإِنْعَامِ الْعَظِيمِ أَنْ أَخُونَ فِي وَحْيِهِ وَأَنْ أُخَالِفَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ شَدِيدُ الْمُطَابَقَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكَ مَعَ حِلْمِكَ وَرُشْدِكَ أَنْ تَنْهَانَا عَنْ دِينِ آبَائِنَا فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا أَقْدَمْتُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ، لِأَنَّ نِعَمَ اللَّه تَعَالَى عِنْدِي كَثِيرَةٌ وَهُوَ أَمَرَنِي بِهَذَا التَّبْلِيغِ وَالرِّسَالَةِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِي مَعَ كَثْرَةِ نِعَمِ اللَّه تَعَالَى عَلَيَّ أَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ وَتَكْلِيفَهُ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمَّا ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّه وَالِاشْتِغَالَ بِالْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ عَمَلٌ مُنْكَرٌ، ثُمَّ أَنَا رَجُلٌ أُرِيدُ إِصْلَاحَ أَحْوَالِكُمْ وَلَا أَحْتَاجُ إِلَى أَمْوَالِكُمْ لِأَجْلِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى آتَانِي رِزْقًا حَسَنًا فَهَلْ يَسَعُنِي مَعَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنْ أَخُونَ فِي وَحْيِ اللَّه تَعَالَى وَفِي حُكْمِهِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أَيْ مَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُعْجِزَةِ وَقَوْلُهُ: وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُهُمْ أَجْرًا وَلَا جُعْلًا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قولهم: ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرِّزْقَ إِنَّمَا حَصَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّه تَعَالَى وَبِإِعَانَتِهِ وَأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْكَسْبِ فِيهِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْإِعْزَازَ مِنَ اللَّه تَعَالَى وَالْإِذْلَالَ مِنَ اللَّه تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ مِنَ اللَّه تَعَالَى فَأَنَا لَا أُبَالِي بِمُخَالَفَتِكُمْ وَلَا أَفْرَحُ بِمُوَافَقَتِكُمْ، وَإِنَّمَا أَكُونُ عَلَى تَقْرِيرِ دِينِ اللَّه تَعَالَى وَإِيضَاحِ شَرَائِعِ اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَوْلُهُ: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : يُقَالُ خَالَفَنِي فُلَانٌ إِلَى كَذَا إِذَا قَصَدَهُ وَأَنْتَ مُوَلٍّ عَنْهُ وَخَالَفَنِي عَنْهُ إِذَا وَلَّى عَنْهُ وَأَنْتَ قَاصِدُهُ، وَيَلْقَاكَ الرَّجُلُ صَادِرًا عَنِ الْمَاءِ فَتَسْأَلُهُ عَنْ صَاحِبِهِ. فَيَقُولُ: خَالَفَنِي إِلَى الْمَاءِ، يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ وَارِدًا وَأَنَا ذَاهِبٌ عَنْهُ صَادِرًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ يَعْنِي أَنْ أَسْبِقَكُمْ إِلَى شَهَوَاتِكُمُ الَّتِي نَهَيْتُكُمْ عَنْهَا لِأَسْتَبِدَّ بِهَا دُونَكُمْ فَهَذَا بَيَانُ اللُّغَةِ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْقَوْمَ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُ حَلِيمٌ رَشِيدٌ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْعَقْلِ، وَكَمَالُ الْعَقْلِ يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى اخْتِيَارِ الطَّرِيقِ الْأَصْوَبِ الْأَصْلَحِ، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُمْ لَمَّا اعْتَرَفْتُمْ بِكَمَالِ عَقْلِي فَاعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ عَقْلِي لِنَفْسِي لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ أَصْوَبَ الطُّرُقِ وَأَصْلَحَهَا وَالدَّعْوَةُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّه تَعَالَى وَتَرْكُ الْبَخْسِ وَالنُّقْصَانِ يَرْجِعُ حَاصِلُهُمَا إِلَى جُزْأَيْنِ، التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّه تَعَالَى وَأَنَا مُوَاظِبٌ عَلَيْهِمَا غَيْرُ تَارِكٍ لَهُمَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَلْبَتَّةَ فَلَمَّا اعْتَرَفْتُمْ لِي بِالْحِلْمِ وَالرُّشْدِ وَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أَتْرُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ خَيْرُ الطُّرُقِ، وَأَشْرَفُ الْأَدْيَانِ وَالشَّرَائِعِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ قَوْلُهُ: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَالْمَعْنَى مَا أُرِيدُ إِلَّا أَنْ أُصْلِحَكُمْ بِمَوْعِظَتِي وَنَصِيحَتِي، وَقَوْلُهُ: مَا اسْتَطَعْتُ فِيهِ وُجُوهٌ: الأول:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 388
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست