responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 383
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ قَدْ وَصَفَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْوَصْفِ فَالْأَوَّلُ: قَوْلُهُ:
جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها
رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَدْخَلَ جَنَاحَهُ الْوَاحِدَ تَحْتَ مَدَائِنِ قَوْمِ لُوطِ وَقَلَعَهَا وَصَعِدَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نَهِيقَ الْحَمِيرِ وَنُبَاحَ الْكِلَابِ وَصِيَاحَ الدُّيُوكِ، وَلَمْ تَنْكَفِئْ لَهُمْ جَرَّةٌ وَلَمْ يَنْكَبَّ لَهُمْ إِنَاءٌ، ثُمَّ قَلَبَهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَضَرَبَهَا عَلَى الْأَرْضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ كَانَ مُعْجِزَةً قَاهِرَةً مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَلْعَ الْأَرْضِ وَإِصْعَادَهَا إِلَى قَرِيبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِعْلٌ خَارِقٌ لِلْعَادَاتِ. وَالثَّانِي: أَنَّ ضَرْبَهَا مِنْ ذَلِكَ الْبُعْدِ الْبَعِيدِ عَلَى الْأَرْضِ بِحَيْثُ لَمْ تَتَحَرَّكْ سَائِرُ الْقُرَى الْمُحِيطَةِ بِهَا أَلْبَتَّةَ، وَلَمْ تَصِلِ الْآفَةُ إِلَى لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَهْلِهِ مَعَ قُرْبِ مَكَانِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُعْجِزَةٌ قَاهِرَةٌ أَيْضًا. الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ وَاخْتَلَفُوا فِي السِّجِّيلِ عَلَى وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ فَارِسِيٌّ معرب وأصله سنگ گل وَأَنَّهُ شَيْءٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الْحَجَرِ وَالطِّينِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي غَايَةِ الصَّلَابَةِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ:
لَمَّا عَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ صَارَ عَرَبِيًّا وَقَدْ عَرَّبَتْ حُرُوفًا كَثِيرَةً كَالدِّيبَاجِ وَالدِّيوَانِ وَالْإِسْتَبْرَقِ. وَالثَّانِي: سِجِّيلٌ، أَيْ مِثْلُ السَّجْلِ وَهُوَ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ. وَالثَّالِثُ: سِجِّيلٌ، أَيْ شَدِيدٌ مِنَ الْحِجَارَةِ. الرَّابِعُ: مُرْسَلَةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ أَسْجَلْتُهُ إِذَا أَرْسَلْتَهُ وَهُوَ فَعِيلٌ مِنْهُ. الْخَامِسُ: مِنْ أَسْجَلْتُهُ، أَيْ أَعْطَيْتُهُ تَقْدِيرُهُ مِثْلُ الْعَطِيَّةِ فِي الْإِدْرَارِ، وَقِيلَ: كَانَ كُتِبَ عَلَيْهَا أَسَامِي الْمُعَذَّبِينَ. السَّادِسُ: وَهُوَ مِنَ السِّجِلِّ وَهُوَ الْكِتَابُ تَقْدِيرُهُ مِنْ مَكْتُوبٍ فِي الْأَزَلِ أَيْ كَتَبَ اللَّه أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا، وَالسِّجِّيلُ أُخِذَ مِنَ السَّجْلِ وَهُوَ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَحْكَامًا كَثِيرَةً، وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُسَاجَلَةِ وَهِيَ الْمُفَاخِرَةُ. وَالسَّابِعُ: مِنْ سِجِّيلٍ أَيْ مِنْ جَهَنَّمَ أُبْدِلَتِ النُّونُ لَامًا، وَالثَّامِنُ: مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَتُسَمَّى سِجِّيلًا عَنْ أَبِي زَيْدٍ، وَالتَّاسِعُ: السِّجِّيلُ الطِّينُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: حِجارَةً مِنْ طِينٍ [الذَّارِيَاتِ: 33] وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ. قَالَ الْحَسَنُ كَانَ أَصْلُ الْحَجَرِ هُوَ مِنَ الطِّينِ، إِلَّا أَنَّهُ صَلُبَ بِمُرُورِ الزَّمَانِ، وَالْعَاشِرُ: سِجِّيلٌ مَوْضِعُ الْحِجَارَةِ، وَهِيَ جِبَالٌ مَخْصُوصَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النُّورِ: 43] .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ تِلْكَ الْحِجَارَةَ بِصِفَاتٍ:
فَالصِّفَةُ الْأُولَى: كَوْنُهَا مِنْ سِجِّيلٍ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْضُودٍ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُوَ مَفْعُولٌ مِنَ النَّضْدِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الشَّيْءِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ تِلْكَ الْحِجَارَةَ كَانَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ فِي النُّزُولِ فَأُتِيَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ حَجَرٍ فَإِنَّ مَا فِيهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ مَنْضُودٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَمُلْتَصِقٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ قَدْ خَلَقَهَا فِي مَعَادِنِهَا وَنَضَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَأَعَدَّهَا لِإِهْلَاكِ الظَّلَمَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: مَنْضُودٍ صِفَةٌ لِلسِّجِّيلِ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: مُسَوَّمَةً، وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةٌ لِلْأَحْجَارِ وَمَعْنَاهَا الْمُعَلَّمَةُ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ [آلِ عِمْرَانَ: 14] وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْعَلَامَةِ عَلَى وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ عَلَيْهَا أَمْثَالُ الْخَوَاتِيمِ. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ صَالِحٍ: رَأَيْتُ مِنْهَا عِنْدَ أُمِّ هَانِئٍ حِجَارَةً فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ عَلَى هَيْئَةِ الْجِزْعِ. الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ عَلَيْهَا سِيمَا لَا تُشَارِكُ حِجَارَةَ الْأَرْضِ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهَا لِلْعَذَابِ. الرَّابِعُ: قَالَ الرَّبِيعُ: مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ مَنْ رُمِيَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: عِنْدَ رَبِّكَ أَيْ فِي خَزَائِنِهِ الَّتِي لَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا هُوَ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 383
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست