responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 384
أَحَدًا غَيْرَهُ مَا كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى كُلِّ الْخَلْقِ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، أُرْسِلْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَنُصِرْتُ عَلَى عَدُوِّي بِالرُّعْبِ يُرْعَبُ مِنِّي مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُطْعِمْتُ الْغَنِيمَةَ دُونَ مَنْ قَبْلِي. وَقِيلَ لِي سَلْ تُعْطَهُ فَاخْتَبَأْتُهَا شَفَاعَةً لِأُمَّتِي» .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْخَبَرُ لَا يَتَنَاوَلُ دَلَالَتَهُ عَلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْمَطْلُوبِ، لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَجْمُوعَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ مِنْ خَوَاصِّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ سِوَاهُ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْمَجْمُوعِ مِنْ خَوَاصِّهِ كَوْنُ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ هَذَا الْمَجْمُوعِ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَأَيْضًا قِيلَ إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى جَمِيعِ أَوْلَادِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَدْ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ، كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، مَعَ أَنَّ جَمِيعَ/ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَا كَانَ إِلَّا ذَلِكَ الْقَوْمُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [إلى قوله وَاتَّبِعُوهُ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ إِنِّي رَسُولُ اللَّه إِلَيْكُمْ أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا تَتِمُّ وَلَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا إِلَّا بِتَقْرِيرِ أُصُولٍ أَرْبَعَةٍ.
الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: إِثْبَاتُ أَنَّ لِلْعَالَمِ إِلَهًا حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وذلك لأن أجسام السموات وَالْأَرْضِ، تَدُلُّ عَلَى افْتِقَارِهَا إِلَى الصَّانِعِ الْحَيِّ الْعَالِمِ الْقَادِرِ، مِنْ جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَشَرْحُهَا وَتَقْرِيرُهَا مَذْكُورٌ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِنَّمَا افْتَقَرْنَا فِي حُسْنِ التَّكْلِيفِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ إِلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْأَصْلِ، لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَحْصُلَ لِلْعَالَمِ مُؤَثِّرٌ يُؤَثِّرُ فِي وُجُودِهِ، أَوْ إِنْ حَصَلَ لَهُ مُؤَثِّرٌ، لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُؤَثِّرُ مُوجِبًا بِالذَّاتِ لَا فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ لَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ بِبَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مُمْكِنًا.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: إِثْبَاتُ أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الشَّرِيكِ وَالضِّدِّ وَالنِّدِّ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَإِنَّمَا افْتَقَرْنَا فِي حُسْنِ التَّكْلِيفِ وَجَوَازِ بَعْثَةِ الرُّسُلِ إِلَى تَقْرِيرِ هَذَا الْأَصْلِ، لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ إِلَهَانِ، وَأَرْسَلَ أَحَدُ الْإِلَهَيْنِ نَبِيًّا إِلَى الْخَلْقِ فَلَعَلَّ هَذَا الْإِنْسَانَ الَّذِي يَدْعُوهُ الرَّسُولُ إِلَى عِبَادَةِ هَذَا الْإِلَهِ مَا كَانَ مَخْلُوقًا لَهُ، بَلْ كَانَ مَخْلُوقًا لِلْإِلَهِ الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى هَذَا الْإِنْسَانِ عِبَادَةُ هَذَا الْإِلَهِ وَطَاعَتُهُ، فكان بَعْثَةُ الرَّسُولِ إِلَيْهِ، وَإِيجَابُ الطَّاعَةِ عَلَيْهِ ظُلْمًا وَبَاطِلًا. أَمَّا إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ جَمِيعُ الْخَلْقِ عَبِيدًا لَهُ، وَيَكُونُ تَكْلِيفُهُ فِي الْكُلِّ نَافِذًا وَانْقِيَادُ الْكُلِّ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ لَازِمًا، فَثَبَتَ أَنَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْإِلَهِ تَعَالَى وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ إِرْسَالُ الرُّسُلِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّكَالِيفِ جَائِزًا.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: إِثْبَاتُ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَثْبُتَ ذَلِكَ، كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالطَّاعَةِ وَالِاحْتِرَازُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ عَبَثًا وَلَغْوًا، وَإِلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْأَصْلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: يُحيِي وَيُمِيتُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا أَوَّلًا، ثَبَتَ كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ ثَانِيًا، فَيَكُونُ قَادِرًا عَلَى الْإِعَادَةِ وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْإِحْيَاءُ الْأَوَّلُ إِنْعَامًا عَظِيمًا، فَلَا يَبْعُدُ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، لِيَكُونَ قِيَامُهُ بِتِلْكَ الطَّاعَةِ قَائِمًا مَقَامَ الشُّكْرِ عَنِ الْإِحْيَاءِ الْأَوَّلِ، وَأَيْضًا لَمَّا دَلَّ الْإِحْيَاءُ الْأَوَّلُ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِحْيَاءِ الثَّانِي، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى إِيصَالِ الْجَزَاءِ إِلَيْهِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست