responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 383
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ حُصُولِ الرَّحْمَةِ لِأُولَئِكَ الْمُتَّقِينَ، كَوْنَهُمْ مُتَّبِعِينَ لِلرَّسُولِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، حَقَّقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رِسَالَتَهُ إلى الخلق بالكلية. فقال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَبْعُوثٌ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ. وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُمُ الْعِيسَوِيَّةُ وَهُمْ أَتْبَاعُ عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ: إِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولٌ صَادِقٌ مَبْعُوثٌ إِلَى الْعَرَبِ. وَغَيْرُ مَبْعُوثٍ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَدَلِيلُنَا عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ هَذِهِ الآية. لأن قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ خِطَابٌ يَتَنَاوَلُ كُلَّ النَّاسِ.
ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَأَيْضًا فَمَا يُعْلَمُ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ دِينِهِ، أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى كُلِّ الْعَالَمِينَ. فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ رَسُولًا حَقًّا أَوْ مَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ رَسُولًا حَقًّا، امْتَنَعَ الْكَذِبُ عَلَيْهِ. وَوَجَبَ الْجَزْمُ بِكَوْنِهِ صَادِقًا فِي كُلِّ مَا يَدَّعِيهِ، فَلَمَّا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَبِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَجَبَ كَوْنُهُ صَادِقًا فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الْعَرَبِ فَقَطْ، لَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُ مَا كَانَ رَسُولًا حَقًّا، فَهَذَا يَقْتَضِي الْقَدْحَ فِي كَوْنِهِ رَسُولًا إِلَى الْعَرَبِ وَإِلَى غَيْرِهِمْ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ رَسُولٌ إِلَى بَعْضِ الْخَلْقِ دُونَ بَعْضٍ كَلَامٌ بَاطِلٌ مُتَنَاقِضٌ.
إِذَا ثبت هذا فنقول: قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ عَامٌّ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، أَمَّا الْأَوَّلُونَ فَقَالُوا: إِنَّهُ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ رَسُولٌ إِلَى النَّاسِ إِذَا كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ»
والثاني: أَنَّهُ رَسُولُ اللَّه إِلَى كُلِّ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ خَبَرُ وُجُودِهِ وَخَبَرُ مُعْجِزَاتِهِ وَشَرَائِعِهِ، حَتَّى يُمْكِنَهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُتَابَعَتُهُ، أَمَّا لَوْ قَدَّرْنَا حُصُولَ قَوْمٍ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْعَالَمِ لم يبلغهم خبر وجوده ولا خبر مُعْجِزَاتِهِ، فَهُمْ لَا يَكُونُونَ مُكَلَّفِينَ بِالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِدُخُولِ التَّخْصِيصِ فِي الْآيَةِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ:
أَمَّا الْأَوَّلُ: فتقريره أن قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ خِطَابٌ وَهَذَا الْخِطَابُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْمُكَلَّفِينَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالنَّاسُ الَّذِينَ دَخَلُوا تحت قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسُوا إِلَّا الْمُكَلَّفِينَ مِنَ النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ عَامٌّ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يُقَالَ: حَصَلَ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِ قَوْمٌ لَمْ يَبْلُغْهُمْ خَبَرُ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَخَبَرُ مُعْجِزَاتِهِ وَشَرَائِعِهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَالْمُسْتَبْعَدِ لَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إِلَى الْتِزَامِ هَذَا التَّخْصِيصِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَبْعُوثٌ إِلَى كُلِّ الْخَلْقِ فَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَا كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى كُلِّ الْخَلْقِ، بَلْ يَجِبُ الرُّجُوعُ فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى كُلِّ الْخَلْقِ أَمْ لَا؟ إِلَى سَائِرِ الدَّلَائِلِ. فَنَقُولُ: تَمَسَّكَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 383
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست