responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 248
[في قوله تعالى وَبَيْنَهُما حِجابٌ] اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَبَيْنَهُما حِجابٌ يَعْنِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَوْ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَهَذَا الْحِجَابُ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ [الْحَدِيدِ: 13] .
فَإِنْ قِيلَ: وَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى ضَرْبِ هَذَا السُّورِ بَيْنَ الْجَنَّةِ والنار؟ وقد ثبت ان الجنة فوق السموات/ وَأَنَّ الْجَحِيمَ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ.
قُلْنَا: بُعْدُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى لَا يَمْنَعُ أَنْ يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا سُورٌ وَحِجَابٌ وَأَمَّا الْأَعْرَافُ فَهُوَ جَمْعُ عُرْفٍ وَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ عَالٍ مُرْتَفِعٍ وَمِنْهُ عُرْفُ الْفَرَسِ وَعُرْفُ الدِّيكِ وَكُلُّ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ عُرْفٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ ارْتِفَاعِهِ يَصِيرُ اعرف مما انخفض منه.
[في قوله تعالى وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ] إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي تَفْسِيرِ لَفْظِ الْأَعْرَافِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَعْرَافِ أَعَالِي ذَلِكَ السُّورِ الْمَضْرُوبِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: الْأَعْرَافُ شَرَفُ الصِّرَاطِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَوْلُ الزَّجَّاجِ: فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَعَلَى الْأَعْرافِ أَيْ وَعَلَى مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِسِيمَاهُمْ. فَقِيلَ لِلْحَسَنِ: هُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ فَضَرَبَ عَلَى فَخْذَيْهِ ثُمَّ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَعَرُّفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ يُمَيِّزُونَ الْبَعْضَ مِنَ الْبَعْضِ وَاللَّهِ لَا أَدْرِي لَعَلَّ بَعْضَهُمُ الْآنَ مَعَنَا! أَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الَّذِينَ هُمْ عَلَى الْأَعْرَافِ مَنْ هُمْ؟ وَلَقَدْ كَثُرَتِ الْأَقْوَالُ فِيهِمْ وَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمُ الْأَشْرَافُ مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ وَأَهْلِ الثَّوَابِ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ أَقْوَامٌ يَكُونُونَ فِي الدَّرَجَةِ السَّافِلَةِ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ هُمْ مَلَائِكَةٌ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ فَقِيلَ لَهُ:
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ وَتَزْعُمُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ؟ فَقَالَ الْمَلَائِكَةُ ذُكُورٌ لَا إِنَاثٌ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَصْفُ بِالرُّجُولِيَّةِ إِنَّمَا يَحْسُنُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْصُلُ فِي مُقَابَلَةِ الرَّجُلِ مَنْ يَكُونُ أُنْثَى وَلَمَّا امْتَنَعَ كَوْنُ الْمَلَكِ أُنْثَى امْتَنَعَ وَصْفُهُمْ بِالرُّجُولِيَّةِ. وَثَانِيَهَا: قَالُوا إِنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَجْلَسَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَعَالِي ذَلِكَ السُّورِ تَمْيِيزًا لَهُمْ عَنْ سَائِرِ أَهْلِ الْقِيَامَةِ وَإِظْهَارًا لِشَرَفِهِمْ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ وَأَجْلَسَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الْعَالِي لِيَكُونُوا مُشْرِفِينَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ مُطَّلِعِينَ عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَمَقَادِيرِ ثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ.
وَثَالِثُهَا: قَالُوا: إِنَّهُمْ هُمُ الشُّهَدَاءُ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ ثُمَّ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِكَوْنِ وُجُوهِهِمْ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً وَأَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ وَزُرْقَةِ عُيُونِهِمْ وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ أَهْلَ الْأَعْرَافِ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرُوهُ لَمَا بَقِيَ لِأَهْلِ الْأَعْرَافِ/ اخْتِصَاصٌ بِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يَعْرِفُونَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلَمَّا بَطَلَ هَذَا الْوَجْهُ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ فِي الدُّنْيَا أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ وَأَهْلَ الشَّرِّ وَالْكُفْرِ وَالْفَسَادِ وَهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا شُهَدَاءَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَعَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ فَهُوَ تَعَالَى يُجْلِسُهُمْ عَلَى الْأَعْرَافِ وَهِيَ الْأَمْكِنَةُ الْعَالِيَةُ الرَّفِيعَةُ لِيَكُونُوا مُطَّلِعِينَ عَلَى الْكُلِّ يَشْهَدُونَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 248
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست