responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 403
الخبر، تقول: إِنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ وَعَمْرًا وَعَمْرٌو بِالنَّصْبِ عَلَى اللَّفْظِ، وَالرَّفْعِ عَلَى مَوْضِعِ (إِنَّ) وَاسْمِهَا، لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ تَقَدَّمَ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ الْخَبَرِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّا لَوْ رَفَعْنَاهُ عَلَى مَحَلِّ (إِنَّ وَاسْمِهَا) لَكَانَ الْعَامِلُ فِي خَبَرِهِمَا هُوَ الْمُبْتَدَأُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْعَامِلُ فِي خَبَرِهِمَا هُوَ الِابْتِدَاءُ، لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ مَعًا، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ في الْخَبَرُ الْمُتَأَخِّرُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِحَرْفِ (إِنَّ) وَبِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْمَرْفُوعِ الْوَاحِدِ رَافِعَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَإِنَّهُ مُحَالٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ ضَعِيفٌ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النَّحْوِيُّونَ: رَافِعَةً وَنَاصِبَةً لَيْسَ مَعْنَاهَا أَنَّهَا كَذَلِكَ لِذَوَاتِهَا أَوْ لِأَعْيَانِهَا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهَا مُعَرِّفَاتٌ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ لِهَذِهِ الْحَرَكَاتِ، وَاجْتِمَاعُ الْمُعَرِّفَاتِ الْكَثِيرَةِ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مُحَالٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْمُحْدَثَاتِ دَالَّةٌ عَلَى وُجُودِ اللَّه تَعَالَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي ضَعْفِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ (إِنَّ) مُؤَثِّرَةٌ فِي نَصْبِ الِاسْمِ وَرَفْعِ الْخَبَرِ، وَالْكُوفِيُّونَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْحَرْفِ فِي رَفْعِ الْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ أَحْكَمْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْكَثِيرَةَ إِذَا عُطِفَ بَعْضُهَا عَلَى الْبَعْضِ فَالْخَبَرُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ خَبَرًا عَنْهَا، لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنِ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْرِيفِ حَالِهِ وَبَيَانِ صِفَتِهِ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ حَالُ الشَّيْءِ وَصِفَتُهُ عَيْنَ حَالِ الْآخَرِ وَصِفَتِهِ، لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ بِالذَّوَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدًا إِلَّا أَنَّهُ فِي التَّقْدِيرِ مُتَعَدِّدٌ، وَهُوَ لَا مَحَالَةَ مَوْجُودٌ بِحَسَبِ التَّقْدِيرِ وَالنِّيَّةِ، وَإِذَا حَصَلَ التَّعَدُّدُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ كَوْنُ الْبَعْضِ مُرْتَفِعًا بِالْحَرْفِ وَالْبَعْضِ بِالِابْتِدَاءِ، وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ يَلْزَمِ اجْتِمَاعُ الرَّافِعَيْنِ عَلَى مَرْفُوعٍ وَاحِدٍ. وَالَّذِي يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّمَ أَنَّ بَعْدَ ذِكْرِ الِاسْمِ وَخَبَرِهِ جَازَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْطُوفَ إِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِيهِ لِأَنَّا نُضْمِرُ لَهُ خَبَرًا، وَحَكَمْنَا بِأَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ الْمُضْمَرَ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنْ قُبِلَ ذِكْرُ الْخَبَرِ إِذَا عَطَفْنَا اسْمًا عَلَى اسْمٍ حَكَمَ صَرِيحُ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْحُكْمِ بِتَقْدِيرِ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِإِضْمَارِ الْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَسْقُطُ مَا ذُكِرَ مِنَ الِالْتِزَامِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مَا لَمْ يُؤْمِنُوا، بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَامٌّ فِي الْكُلِّ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِأَحَدٍ فَضِيلَةٌ وَلَا مَنْقَبَةٌ إِلَّا إِذَا آمَنَ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ قُوَّتَانِ: الْقُوَّةُ النَّظَرِيَّةُ، وَالْقُوَّةُ الْعَمَلِيَّةُ، أَمَّا كَمَالُ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ فَلَيْسَ إِلَّا بِأَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ، وَأَمَّا كَمَالُ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فَلَيْسَ إِلَّا بِأَنْ يَعْمَلَ الْخَيْرَ، وَأَعْظَمُ الْمَعَارِفِ شَرَفًا مَعْرِفَةُ أَشْرَفِ الْمَوْجُودَاتِ وَهُوَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ فَلَا جَرَمَ كَانَ أَفْضَلُ الْمَعَارِفِ هُوَ الْإِيمَانَ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخَرِ، وَأَفْضَلُ الْخَيْرَاتِ فِي الْأَعْمَالِ أَمْرَانِ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُشْعِرَةِ بِتَعْظِيمِ الْمَعْبُودِ، وَالسَّعْيُ فِي إِيصَالِ النَّفْعِ إِلَى الْخَلْقِ/ كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّه وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّه»
ثُمَّ بَيَّنَ تعالى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 403
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست