responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 233
لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ لَا يَقَعُ فِي مَوْقِعِ الْقَبُولِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْقَلْبِ إِلَّا عِنْدَ/ الْقَطْعِ بِغَايَةِ كَمَالِ مَنْ صَدَرَ عَنْهُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ أَحْسَنُ التَّرْتِيبَاتِ اللَّائِقَةِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الشَّرَائِعِ وَالتَّكَالِيفِ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاسْتَقْصَى فِي ذَلِكَ، ثُمَّ خَتَمَ تِلْكَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَةِ جَلَالِ اللَّه وَكَمَالِ كِبْرِيَائِهِ، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ فَقَالَ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: الِاسْتِفْتَاءُ طَلَبُ الْفَتْوَى يقال: استفتيت الرجل في المسألة فأفتاني إفتاء وَفُتْيًا وَفَتْوًى، وَهُمَا اسْمَانِ مَوْضُوعَانِ مَوْضِعَ الْإِفْتَاءِ، وَيُقَالُ: أَفْتَيْتُ فُلَانًا فِي رُؤْيَا رَآهَا إِذَا عَبَرَهَا قَالَ تَعَالَى: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ [يُوسُفَ: 46] وَمَعْنَى الْإِفْتَاءِ إِظْهَارُ الْمُشْكِلِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَتَى وَهُوَ الشَّابُّ الَّذِي قَوِيَ وَكَمُلَ، فَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ يَقْوَى بِبَيَانِهِ مَا أُشْكِلَ وَيَصِيرُ قَوِيًّا فَتِيًّا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تُوَرِّثُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ شَيْئًا مِنَ الْمِيرَاثِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَوْرِيثِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تَوْفِيَةِ الصَّدَاقِ لَهُنَّ، وَكَانَتِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَإِذَا كَانَتْ جَمِيلَةً وَلَهَا مَالٌ تَزَوَّجَ بِهَا وَأَكَلَ مَالَهَا، وَإِذَا كَانَتْ دَمِيمَةً مَنَعَهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِفْتَاءَ لَا يَقَعُ عَنْ ذَوَاتِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حالة من أحوالهن وصفة من صفاتهن، وَتِلْكَ الْحَالَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْآيَةِ فَكَانَتْ مُجْمَلَةً غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي وَقَعَ عَنْهُ الِاسْتِفْتَاءُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَفِيهِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالتَّقْدِيرُ: قُلِ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي النِّسَاءِ، وَالْمَتْلُوُّ فِي الْكِتَابِ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ أَيْضًا، وَذَلِكَ الْمَتْلُوُّ فِي الْكِتَابِ هُوَ قَوْلِهِ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى [النِّسَاءِ: 3] .
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ سَأَلُوا عَنْ أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مُبَيَّنِ الْحُكْمِ ذَكَرَ أَنَّ اللَّه يُفْتِيهِمْ فِيهَا، وَمَا كَانَ مِنْهَا مُبَيَّنَ الْحُكْمِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذَكَرَ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةَ تُفْتِيهِمْ فِيهَا.
وَجَعَلَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ إِفْتَاءً مِنَ الْكِتَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمَجَازِ الْمَشْهُورِ: إِنَّ كِتَابَ اللَّه بَيَّنَ لَنَا هَذَا الْحُكْمَ، وَكَمَا جَازَ هَذَا جَازَ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ/ كِتَابَ اللَّه أَفْتَى بِكَذَا.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ مبتدأ وفِي الْكِتابِ خَبَرُهُ، وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَعْظِيمُ حَالِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي تُتْلَى عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الْعَدْلَ وَالْإِنْصَافَ فِي حُقُوقِ الْيَتَامَى مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى الَّتِي يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، وَالْمُخِلُّ بِهَا ظَالِمٌ مُتَهَاوِنٌ بِمَا عَظَّمَهُ اللَّه. وَنَظِيرُهُ فِي تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ قَوْلِهِ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزُّخْرُفِ: 4] .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى الْقَسَمِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: قُلِ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَأُقْسِمُ بِمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ، وَالْقَسَمُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 233
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست