responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 224
فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ يُوجِبُ بُطْلَانَ الصِّفَةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْمُدَّةِ الْأُولَى، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ بَقِيَ مُوَاظِبًا عَلَى طَلَبِ اللَّذَّاتِ الْعَاجِلَةِ مُعْرِضًا عَنِ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ فَلَا يَزَالُ يَزِيدُ فِي قَلْبِهِ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالنُّفْرَةُ عَنِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَزَالُ تَتَزَايَدُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ إِلَى أَنْ يَتَغَيَّرَ الْقَلْبُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ ذِكْرُ الْآخِرَةِ الْبَتَّةَ، وَلَا يَزُولُ عَنْ خَاطِرِهِ حُبُّ الدُّنْيَا الْبَتَّةَ، فَتَكُونُ حَرَكَتُهُ وَسُكُونُهُ وَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ لِأَجْلِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ تَغْيِيرَ الْخِلْقَةِ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ الْبَشَرِيَّةَ إِنَّمَا دَخَلَتْ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْجُسْمَانِيِّ عَلَى سَبِيلِ السَّفَرِ، وَهِيَ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَى عَالَمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا نَسِيَتْ مَعَادَهَا وَأَلِفَتْ هَذِهِ الْمَحْسُوسَاتِ/ الَّتِي لَا بُدَّ مِنَ انْقِضَائِهَا وَفَنَائِهَا كَانَ هَذَا بِالْحَقِيقَةِ تَغْيِيرًا لِلْخِلْقَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الْحَشْرِ: 19] وَقَالَ فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الْحَجِّ: 46] .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الشَّيْطَانِ دَعَاوِيَهِ فِي الْإِغْوَاءِ وَالضَّلَالِ حَذَّرَ النَّاسَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ فَقَالَ: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً وَاعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا لَا يَخْتَارُ أَنْ يَتَّخِذَ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّه، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ مَا أَمَرَهُ الشَّيْطَانُ بِهِ وَتَرَكَ مَا أَمَرَهُ الرَّحْمَنُ بِهِ صَارَ كَأَنَّهُ اتَّخَذَ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ وَتَرَكَ وِلَايَةَ اللَّه تَعَالَى، وَإِنَّمَا قَالَ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً لِأَنَّ طَاعَةَ اللَّه تُفِيدُ الْمَنَافِعَ الْعَظِيمَةَ الدَّائِمَةَ الْخَالِصَةَ عَنْ شَوَائِبِ الضَّرَرِ، وَطَاعَةَ الشَّيْطَانِ تُفِيدُ الْمَنَافِعَ الثَّلَاثَةَ الْمُنْقَطِعَةَ الْمَشُوبَةَ بِالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَالْآلَامِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ عَقْلًا، فَمَنْ رَغِبَ فِي وِلَايَتِهِ فَقَدْ فَاتَهُ أَشْرَفُ الْمَطَالِبِ وَأَجَلُّهَا بِسَبَبِ أَخَسِّ الْمَطَالِبِ وَأَدْوَنِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْخَسَارُ الْمُطْلَقُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً وَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ عُمْدَةَ أَمْرِ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا هُوَ بِإِلْقَاءِ الْأَمَانِيِّ فِي الْقَلْبِ، وَأَمَّا تَبْتِيكُ الْآذَانِ وَتَغْيِيرُ الْخِلْقَةِ فَذَاكَ مِنْ نَتَائِجِ إِلْقَاءِ الْأَمَانِيِّ فِي الْقَلْبِ وَمِنْ آثَارِهِ، فَلَا جَرَمَ نَبَّهَ اللَّه تَعَالَى عَلَى مَا هُوَ الْعُمْدَةُ فِي دَفْعِ تِلْكَ الْأَمَانِيِّ وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الْأَمَانِيَّ لَا تُفِيدُ إِلَّا الْغُرُورَ، وَالْغُرُورُ هُوَ أَنْ يَظُنَّ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ أَنَّهُ نَافِعٌ وَلَذِيذٌ، ثُمَّ يَتَبَيَّنَ اشْتِمَالُهُ عَلَى أَعْظَمِ الْآلَامِ وَالْمَضَارِّ، وَجَمِيعُ أَحْوَالِ الدُّنْيَا كَذَلِكَ، وَالْعَاقِلُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَمِثَالُ هَذَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يُلْقِي فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ سَيَطُولُ عُمُرُهُ وَيَنَالُ مِنَ الدُّنْيَا أَمَلَهُ وَمَقْصُودَهُ، وَيَسْتَوْلِي عَلَى أَعْدَائِهِ، وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّ الدُّنْيَا دُوَلٌ فَرُبَّمَا تَيَسَّرَتْ لَهُ كَمَا تَيَسَّرَتْ لِغَيْرِهِ، إِلَّا أَنَّ كل ذلك غرور فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ فِي أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْغَمِّ وَالْحَسْرَةِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ كُلَّمَا كَانَ أَلَذَّ وَأَشْهَى وَكَانَ الْإِلْفُ مَعَهُ أَدْوَمَ وَأَبْقَى كَانَتْ مُفَارَقَتُهُ أَشَدَّ إِيلَامًا وَأَعْظَمَ تَأْثِيرًا فِي حُصُولِ الْغَمِّ وَالْحَسْرَةِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُنَبِّهَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْعُمْدَةُ وَالْقَاعِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُهُمْ بِأَنَّهُ لَا قِيَامَةَ وَلَا جَزَاءَ فَاجْتَهَدُوا فِي اسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَاعْلَمْ أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْغُرُورَ عِبَارَةٌ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ وِجْدَانِ مَا يُسْتَحْسَنُ ظَاهِرُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَعْظُمُ تَأَذِّيهِ عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَالِ فِيهِ، وَالِاسْتِغْرَاقُ/ فِي طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا وَالِانْهِمَاكُ فِي مَعَاصِي اللَّه سُبْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ لَذِيذًا إِلَّا أَنَّ عَاقِبَتَهُ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَسُخْطُ اللَّه وَالْبُعْدُ عَنْ رَحْمَتِهِ، فَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يُقَوِّي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا الْغُرُورُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً الْمَحِيصُ الْمَعْدِلُ وَالْمَفَرُّ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: هَذِهِ الْآيَةُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 224
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست