responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 223
وَالْأَمَلَ، وَالْحِرْصُ وَالْأَمَلُ يَسْتَلْزِمَانِ أَكْثَرَ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، وَهُمَا كَالْأَمْرَيْنِ اللَّازِمَيْنِ لِجَوْهَرِ الْإِنْسَانِ
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِبُّ مَعَهُ اثْنَانِ الْحِرْصُ وَالْأَمَلُ»
وَالْحِرْصُ يَسْتَلْزِمُ رُكُوبَ أَهْوَالِ الدُّنْيَا وَأَهْوَالِ الدِّينِ فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ حِرْصُهُ عَلَى الشَّيْءِ فَقَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ إِلَّا بِمَعْصِيَةِ اللَّه وَإِيذَاءِ الْخَلْقِ، وَإِذَا طَالَ أَمَلُهُ نَسِيَ الْآخِرَةَ وَصَارَ غَرِيقًا فِي الدُّنْيَا فَلَا يَكَادُ يُقْدِمُ عَلَى التَّوْبَةِ، وَلَا يَكَادُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْوَعْظُ فَيَصِيرُ قَلْبُهُ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدَّ قَسْوَةً.
وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ الْبَتْكُ الْقَطْعُ، وَسَيْفٌ بَاتِكٌ أَيْ قَاطِعٌ، وَالتَّبْتِيكُ التَّقْطِيعُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: التبتيك هاهنا هُوَ قَطْعُ آذَانِ الْبَحِيرَةِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشُقُّونَ آذَانَ النَّاقَةِ إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ وَجَاءَ الْخَامِسُ ذَكَرًا، وَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الِانْتِفَاعَ بِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُقَطِّعُونَ آذَانَ الْأَنْعَامِ نُسُكًا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ مَعَ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كُفْرٌ وَفِسْقٌ. خَامِسُهَا: قَوْلُهُ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وللمفسرين هاهنا: قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّه تَغْيِيرُ دِينِ اللَّه، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ، وَفِي تَقْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّه تَعَالَى فَطَرَ الْخَلْقَ عَلَى الْإِسْلَامِ يَوْمَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ كَالذَّرِّ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ رَبُّهُمْ وَآمَنُوا بِهِ، فَمَنْ كَفَرَ فَقَدْ غَيَّرَ فِطْرَةَ اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَهَذَا مَعْنَى
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»
وَلَكِنْ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِ اللَّه هُوَ تبديل الحلال حراما/ أو الحرام الْقَوْلُ الثَّانِي: حَمْلُ هَذَا التَّغْيِيرِ عَلَى تَغْيِيرِ أَحْوَالٍ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ، وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: قَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ مَا
رَوَى عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّه الْوَاصِلَاتِ وَالْوَاشِمَاتِ»
قَالَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَتَوَصَّلُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ إِلَى الزِّنَا. الثَّانِي: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي صَالِحٍ أَنَّ مَعْنَى تَغْيِيرِ خلق اللَّه هاهنا هُوَ الْإِخْصَاءُ وَقَطْعُ الْآذَانِ وَفَقْءُ الْعُيُونِ، وَلِهَذَا كَانَ أَنَسٌ يَكْرَهُ إِخْصَاءَ الْغَنَمِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا بَلَغَتْ إِبِلُ أَحَدِهِمْ أَلْفًا عَوَّرُوا عَيْنَ فَحْلِهَا. الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ هُوَ التَّخَنُّثُ، وَأَقُولُ: يَجِبُ إِدْخَالُ السَّحَّاقَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّ التَّخَنُّثَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَكَرٍ يُشْبِهُ الْأُنْثَى، وَالسَّحْقَ عِبَارَةٌ عَنْ أُنْثَى تُشْبِهُ الذَّكَرَ الرَّابِعُ: حَكَى الزَّجَّاجُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ الْأَنْعَامَ لِيَرْكَبُوهَا وَيَأْكُلُوهَا فَحَرَّمُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَالْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَالْوَصَائِلِ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَةً لِلنَّاسِ يَنْتَفِعُونَ بِهَا فَعَبَدَهَا الْمُشْرِكُونَ، فَغَيَّرُوا خَلْقَ اللَّه، هَذَا جُمْلَةُ كلام المفسرين في هذا الباب [قوله تعالى وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ إلى قوله فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً] ويخطر ببالي هاهنا وَجْهٌ آخَرُ فِي تَخْرِيجِ الْآيَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ دُخُولَ الضَّرَرِ وَالْمَرَضِ فِي الشَّيْءِ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: التَّشَوُّشُ، وَالنُّقْصَانُ، وَالْبُطْلَانُ.
فَادَّعَى الشَّيْطَانُ لَعَنَهُ اللَّه إِلْقَاءَ أَكْثَرِ الْخَلْقِ فِي مَرَضِ الدِّينِ، وَضَرَرُ الدِّينِ هُوَ قَوْلُهُ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَرَضَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ التَّشَوُّشُ وَالنُّقْصَانُ وَالْبُطْلَانُ، فَأَمَّا التَّشَوُّشُ فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَمَانِيِّ يَشْغَلُ عَقْلَهُ وَفِكْرَهُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ وَالْحِيَلِ وَالْوَسَائِلِ اللَّطِيفَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ، فَهَذَا مَرَضٌ رُوحَانِيٌّ مِنْ جِنْسِ التَّشَوُّشِ، وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ بَتْكَ الْآذَانِ نَوْعُ نُقْصَانٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا صَارَ مُسْتَغْرِقَ الْعَقْلِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا صَارَ فَاتِرَ الرَّأْيِ ضَعِيفَ الْحَزْمِ فِي طَلَبِ الْآخِرَةِ، وأما البطلان

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 223
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست