responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 207
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ أَمْرٌ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَخْذُ السِّلَاحِ وَاجِبًا ثُمَّ تَأَكَّدَ هَذَا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ فَخَصَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ فِي وَضْعِ السِّلَاحِ بِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ فِيمَا وَرَاءَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يَكُونُ الْإِثْمُ وَالْجُنَاحُ حَاصِلًا بِسَبَبِ وَضْعِ السِّلَاحِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَالْأَصَحُّ مَا بَيَّنَّاهُ/ ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَحْمِلَ سِلَاحًا نَجِسًا إِنْ أَمْكَنَهُ، وَلَا يَحْمِلَ الرُّمْحَ إِلَّا فِي طَرَفِ الصَّفِّ، وَبِالْجُمْلَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ صَاحِبُ النَّظْمِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى جِهَةٍ يَكُونُ بِهَا حَاذِرًا غَيْرَ غَافِلٍ عَنْ كَيْدِ الْعَدُوِّ. وَالَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ وَجْهُ الْحِذْرِ، لِأَنَّ الْعَدُوَّ يَوْمَئِذٍ بِذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا مُسْتَدْبِرِينَ الْقِبْلَةَ، وَمَتَى اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ صَارُوا مُسْتَدْبِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، فَلَا جَرَمَ أُمِرُوا بِأَنْ يَصِيرُوا طَائِفَتَيْنِ: طَائِفَةً فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةً مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا حِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ وَبِبَطْنِ نَخْلٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابَهُ طَائِفَتَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدُوَّ كَانَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، وَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا مُسْتَقْبِلِينَ لَهَا، فَكَانُوا يَرَوْنَ الْعَدُوَّ حَالَ كَوْنِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى الِاحْتِرَاسِ إِلَّا عِنْدَ السُّجُودِ، فَلَا جَرَمَ لَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ بَقِيَ الصَّفُّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ السُّجُودِ وَقَامُوا تَأَخَّرُوا وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي وَسَجَدُوا وَكَانَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ حَالَ قِيَامِهِمْ يَحْرُسُونَ الصَّفَّ الثَّانِيَ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: خُذُوا حِذْرَكُمْ يدل على جواز كل هَذِهِ الْوُجُوهِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّا لَوْ لَمْ نَحْمِلْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَصَارَ تَكْرَارًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَلَوَقَعَ فِعْلُ الرَّسُولِ بِعُسْفَانَ وَبِبَطْنِ نَخْلٍ عَلَى خِلَافِ نَصِّ الْقُرْآنِ وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالْحِذْرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى التَّرْكِ وَعَلَى جَمِيعِ وُجُوهِ الْحِذْرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً للَّه تَعَالَى، وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُعَارَضَةِ بِالْعِلْمِ وَالدَّاعِي واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ الْحِذْرِ عَنِ الْعَدُوِّ، فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْحِذْرِ عَنْ جَمِيعِ الْمَضَارِّ الْمَظْنُونَةِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعِلَاجِ بِالدَّوَاءِ وَالْعِلَاجِ بِالْيَدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْوَبَاءِ وَعَنِ الْجُلُوسِ تَحْتَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ وَاجِبًا واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وَفِيهِ سُؤَالٌ، أَنَّهُ كَيْفَ طَابَقَ الْأَمْرُ بِالْحِذْرِ قَوْلَهُ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْحِذْرِ عَنِ الْعَدُوِّ أَوْهَمَ ذَلِكَ قُوَّةَ الْعَدُوِّ وَشِدَّتَهُمْ، فَأَزَالَ اللَّه تَعَالَى هَذَا الْوَهْمَ بِأَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُهِينُهُمْ وَيَخْذُلُهُمْ وَلَا يَنْصُرُهُمُ الْبَتَّةَ حَتَّى يُقَوِّيَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحِذْرِ لَيْسَ لِمَا لَهُمْ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْهَيْبَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ أَنْ يَحْصُلَ الْخَوْفُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِينَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُونَ مُتَضَرِّعِينَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي أَنْ يَمُدَّهُمْ بِالنَّصْرِ/ وَالتَّوْفِيقِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الْأَنْفَالِ: 45] .

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست