responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 139
أَنْ تَكُونَ أَحْوَالُ الْخَلْقِ كَاشِفَةً عَنْ مَاهِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِيقَتِهِ الْمَخْصُوصَةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدِ انْسَدَّتْ أَبْوَابُ التَّعْرِيفَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هُوِيَّتِهِ الْمَخْصُوصَةِ وَمَاهِيَّتِهِ الْمُعَيَّنَةِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَنْ يُوَجِّهَ الْإِنْسَانُ حَدَقَةَ عَقْلِهِ وَرُوحِهِ إِلَى مَطْلَعِ نُورِ تِلْكَ الْهُوِيَّةِ عَلَى رَجَاءِ أَنَّهُ رُبَّمَا أَشْرَقَ ذَلِكَ النُّورُ حَالَ مَا كَانَتْ حَدَقَةُ عَقْلِهِ مُتَوَجِّهَةً إِلَيْهَا فَيَسْتَسْعِدُ بِمُطَالَعَةِ ذَلِكَ النُّورِ، فَقَوْلُ الذَّاكِرِ «يَا هُوَ» تَوْجِيهٌ لِحَدَقَةِ الْعَقْلِ وَالرُّوحِ إِلَى الْحَضْرَةِ الْقُدْسِيَّةِ عَلَى رَجَاءِ أَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَتْ لَهُ تِلْكَ السَّعَادَةُ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ الْمَهِيبِ وَالسُّلْطَانِ الْقَاهِرِ وَوَقَفَ بِعَقْلِهِ عَلَى كَمَالِ تِلْكَ الْمَهَابَةِ وَعَلَى جَلَالِ تِلْكَ السَّلْطَنَةِ فَقَدْ يَصِيرُ بِحَيْثُ تستولي عليه تلك المهابة وتلك السلطنة فَيَصِيرُ غَافِلًا عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ جَائِعًا فَيَنْسَى جُوعَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ بِهِ أَلَمٌ شَدِيدٌ فَيَنْسَى ذَلِكَ الْأَلَمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَرُبَّمَا رَأَى أَبَاهُ أَوِ ابْنَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَا يَعْرِفُهُمَا، وَكُلُّ ذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِيلَاءَ تِلْكَ الْمَهَابَةِ عَلَيْهِ أَذْهَلَهُ عَنِ الشُّعُورِ بِغَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إِذَا قَالَ: «يَا هُوَ» وَتَجَلَّى لِعَقْلِهِ وَرُوحِهِ ذَرَّةٌ مِنْ نُورِ جَلَالِ تِلْكَ الْهُوِيَّةِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى قَلْبِهِ الدَّهْشَةُ وَعَلَى رُوحِهِ الْحَيْرَةُ، وَعَلَى فِكْرِهِ الْغَفْلَةُ، فَيَصِيرُ غَائِبًا عَنْ كُلِّ مَا سِوَى تِلْكَ الْهُوِيَّةِ، مَعْزُولًا عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى شَيْءٍ سِوَاهَا، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ بِعَقْلِهِ: «هُوَ» وَبِلِسَانِهِ «هُوَ» فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ «هُوَ» وَوَاظَبَ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ فَهَذَا مِنْهُ تَشَبُّهٌ بِتِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى رَجَاءِ أَنَّهُ رُبَّمَا وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْكَرِيمَ أَنْ يُسْعِدَنَا بِهَا.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الذِّكْرِ الْعَالِي
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَعَلَ هُمُومَهُ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللَّهُ هُمُومَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»
فَكَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: هُمُومِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالْحَاجَاتُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا الْمَوْصُوفُ بِقُدْرَةٍ/ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ، وَرَحْمَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ، وَحِكْمَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ، فَعَلَى هَذَا أَنَا لَا أَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ حَاجَاتِي وَلَا عَلَى تَحْصِيلِ مُهِمَّاتِي، بَلْ لَيْسَ الْقَادِرُ عَلَى دَفْعِ تِلْكَ الْحَاجَاتِ وَعَلَى تَحْصِيلِ تِلْكَ الْمُهِمَّاتِ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَأَنَا أَجْعَلُ هَمِّيَ مَشْغُولًا بِذِكْرِهِ فَقَطْ، وَلِسَانِي مَشْغُولًا بِذِكْرِهِ فَقَطْ فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَهُوَ بِرَحْمَتِهِ يَكْفِينِي مُهِمَّاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أَنَّ الْعَقْلَ لَا يُمْكِنُهُ الِاشْتِغَالُ بِشَيْءٍ حَالَةَ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعِلْمِ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَإِذَا وَجَّهَ فِكْرَهُ إِلَى شَيْءٍ يَبْقَى مَعْزُولًا عَنْ غَيْرِهِ، فَكَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: كُلَّمَا اسْتَحْضَرْتُ فِي ذِهْنِي الْعِلْمَ بِشَيْءٍ فَاتَنِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْعِلْمُ بِغَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا لَازِمًا فَالْأَوْلَى أَنْ أَجْعَلَ قَلْبِي وَفِكْرِي مَشْغُولًا بِمَعْرِفَةِ أَشْرَفِ الْمَعْلُومَاتِ، وَأَجْعَلَ لِسَانِي مَشْغُولًا بِذِكْرِ أَشْرَفِ الْمَذْكُورَاتِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ أُوَاظِبُ عَلَى قَوْلِهِ: «يَا هُوَ» .
الْفَائِدَةُ الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ: أَنَّ الذِّكْرَ أَشْرَفُ الْمَقَامَاتِ،
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: «إِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِذَا ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْ مَلَئِهِ»
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ ذِكْرُ اللَّهِ بِالثَّنَاءِ الْخَالِي عَنِ السُّؤَالِ،
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ،
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ: الْعَبْدُ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ، وَالْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ إِذَا نَادَى مَخْدُومَهُ بِخِطَابٍ يُنَاسِبُ الطَّلَبَ وَالسُّؤَالَ كَانَ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى السُّؤَالِ، فَإِذَا قَالَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ «يَا كَرِيمُ» كَانَ مَعْنَاهُ أَكْرِمْ وَإِذَا قَالَ لَهُ: «يَا نَفَّاعُ» كَانَ مَعْنَاهُ طَلَبَ النَّفْعِ، وَإِذَا قَالَ: «يَا رَحْمَنُ» كَانَ مَعْنَاهُ ارْحَمْ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَذْكَارُ جَارِيَةً مَجْرَى السُّؤَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الذِّكْرَ إِنَّمَا يَعْظُمُ شَرَفُهُ إِذَا كَانَ خَالِيًا عَنِ السُّؤَالِ وَالطَّلَبِ، أَمَّا إذا قال:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست