responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 138
هَذَا يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْمُحْدَثَاتِ وَالْإِبْدَاعِيَّاتِ غَائِبَةٌ عَنْ عَتَبَةِ عُلُوِّ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَعَرَفَ أَنَّ هَذِهِ الْغَيْبَةَ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِسَبَبِ الْمُفَارَقَةِ فِي النُّقْصَانِ وَالْكَمَالِ وَالْحَاجَةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ، فَعِنْدَ هَذَا يَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَقَّ مَوْصُوفٌ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْكَمَالِ متعالية عن مشابهة هذه/ هذه الكمالات ومقدسة عن مناسبة هذه المحادثات، وَاعْتَقَدَ أَنَّ تَصَوُّرَهُ غَائِبٌ عَنِ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ وَالذِّكْرِ، فَصَارَتْ تِلْكَ الْكَمَالَاتُ مَشْعُورًا بِهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالشُّعُورُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ يُشَوِّقُ إِلَى الشُّعُورِ بِدَرَجَاتِهَا وَمَرَاتِبِهَا، وَإِذَا كَانَ لَا نِهَايَةَ لِتِلْكَ الْمَرَاتِبِ وَالدَّرَجَاتِ فَكَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لِمَرَاتِبِ هَذَا الشَّوْقِ، وَكُلَّمَا كَانَ وَصُولُ الْعَبْدِ إِلَى مَرْتَبَةٍ أَعْلَى مِمَّا كَانَ، أَسْهَلَ كَانَ شَوْقُهُ إِلَى التَّرَقِّي عَنْ تِلْكَ الدَّرَجَةِ أَقْوَى وَأَكْمَلَ، فَثَبَتَ أَنَّ لَفْظَ «هُوَ» يُفِيدُ الشَّوْقَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ الشَّوْقَ إِلَى اللَّهِ أَعْظَمُ الْمَقَامَاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّوْقَ يُفِيدُ حُصُولَ آلَامٍ وَلَذَّاتٍ مُتَوَالِيَةٍ مُتَعَاقِبَةٍ، لِأَنَّ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ يَلْتَذُّ وَبِقَدْرِ مَا يَمْتَنِعُ وُصُولُهُ إِلَيْهِ يَتَأَلَّمُ، وَالشُّعُورُ بِاللَّذَّةِ حَالَ زَوَالِ الْأَلَمِ يُوجِبُ مَزِيدَ الِالْتِذَاذِ وَالِابْتِهَاجِ وَالسُّرُورِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقَامَ الشَّوْقِ إِلَى اللَّهِ أَعْظَمُ الْمَقَامَاتِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى ذِكْرِ كَلِمَةِ «هُوَ» تُورِثُ الشَّوْقَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَثَبَتَ أَنَّ الشَّوْقَ إِلَى اللَّهِ أَعْظَمُ الْمَقَامَاتِ وَأَكْثَرُهَا بَهْجَةً وَسَعَادَةً فَيَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ تُفِيدُ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَأَسْنَى الدَّرَجَاتِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: فِي شَرْحِ جَلَالَةِ هَذَا الذِّكْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِذِكْرِ مُقَدِّمَتَيْنِ: الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: أَنَّ الْعِلْمَ عَلَى قِسْمَيْنِ: تَصَوُّرٍ، وَتَصْدِيقٍ، أَمَّا التَّصَوُّرُ فَهُوَ أَنْ تَحْصُلَ فِي النَّفْسِ صُورَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحْكُمَ النَّفْسُ عَلَيْهَا بِحُكْمٍ الْبَتَّةَ لَا بِحُكْمٍ وُجُودِيٍّ وَلَا بِحُكْمٍ عَدَمِيٍّ، أَمَّا التَّصْدِيقُ فَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ فِي النَّفْسِ صُورَةٌ مَخْصُوصَةٌ، ثُمَّ إِنَّ النَّفْسَ تَحْكُمُ عَلَيْهَا إِمَّا بِوُجُودِ شَيْءٍ أَوْ عَدَمِهِ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: التَّصَوُّرُ مَقَامُ التَّوْحِيدِ، وَأَمَّا التَّصْدِيقُ فَإِنَّهُ مَقَامُ التَّكْثِيرِ. الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ التَّصَوُّرَ عَلَى قِسْمَيْنِ: تَصَوُّرٍ يَتَمَكَّنُ الْعَقْلُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَتَصَوُّرٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ: أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ تَصَوُّرُ الْمَاهِيَّاتِ الْمُرَكَّبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَصَوُّرُ الْمَاهِيَّاتِ الْمُرَكَّبَةِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ اسْتِحْضَارِ مَاهِيَّاتِ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْمُرَكَّبِ، وَهَذَا التَّصَرُّفُ عَمَلٌ وَفِكْرٌ، وَتَصَرُّفٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فَهُوَ تَصَوُّرُ الْمَاهِيَّاتِ الْبَسِيطَةِ الْمُنَزَّهَةِ عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْكِيبَاتِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّصْدِيقَ يَجْرِي مَجْرَى التَّكْثِيرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّصَوُّرِ، وَأَنَّ التَّصَوُّرَ تَوْحِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّصْدِيقِ وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ تَصَوُّرَ الْمَاهِيَّةِ الْبَسِيطَةِ هُوَ النِّهَايَةُ فِي التَّوْحِيدِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْكَثْرَةِ، وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُنَا فِي الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «يَا هُوَ» هَذَا تَصَوُّرٌ مَحْضٌ خَالٍ عَنِ التَّصْدِيقِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّصَوُّرَ تَصَوُّرٌ لِحَقِيقَةٍ مُنَزَّهَةٍ عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْكِيبِ وَالْكَثْرَةِ، فَكَانَ قَوْلُنَا: «يَا هُوَ» نِهَايَةً فِي التَّوْحِيدِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْكَثْرَةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمَقَامَاتِ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ تَعْرِيفَ الشَّيْءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِالْأَجْزَاءِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ، أَوْ بِالْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عنه، أما القسم الأول- وهو تعريف بِنَفْسِهِ- فَهُوَ مُحَالٌ، لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ سَابِقٌ عَلَى الْمُعَرِّفِ، فَتَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: - وَهُوَ تَعْرِيفُهُ بِالْأُمُورِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ- فَهَذَا فِي حَقِّ الْحَقِّ مُحَالٌ، لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَجْرِي فِي الْمَاهِيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَقِّ مُحَالٌ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: - وَهُوَ تَعْرِيفُهُ بِالْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ- فَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ مُحَالٌ، لِأَنَّ أَحْوَالَ الْخَلْقِ لَا يُنَاسِبُ شَيْءٌ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى مُخَالِفٌ بِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ وَبِهُوِيَّتِهِ الْمُعَيَّنَةِ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست