مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
علوم القرآن
التجويد والقراءات
التفاسير
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
9
صفحه :
680
القول في تأويل قوله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم يقول تعالى ذكره: صير الله الكعبة البيت الحرام قواما للناس الذين لا قوام لهم، من
5
وقوله: والشهر الحرام والهدي والقلائد يقول تعالى ذكره: وجعل الشهر الحرام والهدي والقلائد أيضا قياما للناس، كما جعل الكعبة البيت الحرام لهم قياما. والناس الذين جعل ذلك لهم قياما مختلف فيهم، فقال بعضهم: جعل الله ذلك في الجاهلية قياما للناس كلهم. وقال
7
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم يعني تعالى ذكره بقوله: ذلك تصييره الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد يقول تعالى ذكره: صيرت لكم أيها الناس ذلك قياما كي
11
القول في تأويل قوله تعالى: اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: اعلموا أيها الناس أن ربكم الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض، ولا يخف عليه شيء من سرائر أعمالكم وعلانيتها، وهو يحصيها عليكم ليجازيكم بها، شديد عقابه من عصاه
11
القول في تأويل قوله تعالى: ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون وهذا من الله تعالى ذكره تهديد لعباده ووعيد، يقول تعالى ذكره: ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم أيها الناس بإنذاركم عقابنا بين يدي عذاب شديد وإعذارنا إليكم بما فيه قطع
11
القول في تأويل قوله تعالى: قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي ولو أعجبك كثرة
12
القول في تأويل قوله تعالى: فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون يقول تعالى ذكره: واتقوا الله بطاعته فيما أمركم ونهاكم، واحذروا أن يستحوذ عليكم الشيطان بإعجابكم كثرة الخبيث، فتصيروا منهم يا أولي الألباب يعني بذلك: أهل العقول والحجا، الذين عقلوا
13
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام، امتحانا
13
القول في تأويل قوله تعالى: وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم يقول تعالى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه من فرائض لم يفرضها
23
وأما قوله: عفا الله عنها فإنه يعني به: عفا الله لكم عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كره الله لكم مسألتكم إياه عنها، أن يؤاخذكم بها، أو يعاقبكم عليها، إن عرف منها توبتكم وإنابتكم. والله غفور، يقول: والله
25
القول في تأويل قوله تعالى: قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين يقول تعالى ذكره: قد سأل الآيات قوم من قبلكم: فلما آتاهموها الله أصبحوا بها جاحدين منكرين أن تكون دلالة على حقيقة ما احتج بها عليهم، وبرهانا على صحة ما جعلت برهانا على تصحيحه، كقوم
25
القول في تأويل قوله تعالى: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون يقول تعالى ذكره: ما بحر الله بحيرة، ولا سيب سائبة، ولا وصل وصيلة، ولا حمى حاميا، ولكنكم الذين فعلتم ذلك أيها الكفرة
26
القول في تأويل قوله تعالى: ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون اختلف أهل التأويل في المعني بالذين كفروا في هذا الموضع والمراد بقوله: وأكثرهم لا يعقلون، فقال بعضهم: المعني بالذين كفروا: اليهود، وبالذين لا يعقلون: أهل الأوثان.
40
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يبحرون البحائر ويسيبون السوائب، الذين لا يعقلون أنهم بإضافتهم
42
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم فأصلحوها، واعملوا في خلاصها من عقاب الله تعالى، وانظروا لها فيما
43
القول في تأويل قوله تعالى: إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره للمؤمنين من عباده: اعملوا أيها المؤمنون بما أمرتكم به، وانتهوا عما نهيتكم عنه، ومروا أهل الزيغ والضلال وما حاد عن سبيلي بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، فإن قبلوا
55
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى
55
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ذوا عدل منكم، فقال بعضهم: عنى به: من أهل ملتكم
56
القول في تأويل قوله تعالى: أو آخران من غيركم يقول تعالى ذكره للمؤمنين: ليشهد بينكم إذا حضر أحدكم الموت عدلان من المسلمين، أو آخران من غير المسلمين. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: أو آخران من غيركم فقال بعضهم: معناه: أو آخران من غير أهل ملتكم
61
القول في تأويل قوله تعالى: إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت يقول تعالى ذكره للمؤمنين: صفة شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت وقت الوصية، أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم أيها المؤمنون أو رجلان آخران من غير أهل ملتكم، إن أنتم سافرتم ذاهبين وراجعين
71
القول في تأويل قوله تعالى: تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت، إن شهد اثنان ذوا عدل منكم، أو كان أوصى إليهما، أو آخران من غيركم، إن
74
القول في تأويل قوله تعالى: ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين اختلفت القراءة في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار: ولا نكتم شهادة الله بإضافة الشهادة إلى الله، وخفض اسم الله تعالى، يعني: لا نكتم شهادة الله عندنا وذكر عن الشعبي أنه كان يقرؤه
79
القول في تأويل قوله تعالى: فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين يعني تعالى ذكره بقوله: فإن عثر فإن اطلع منهما، أو ظهر. وأصل العثر:
81
وأما قوله: على أنهما استحقا إثما فإنه يقول تعالى ذكره: فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الآية بعد حلفهما بالله: لا نشتري بأيماننا ثمنا، ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله، على أنهما استحقا إثما، يقول: على أنهما استوجبا
82
القول في تأويل قوله تعالى: فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين يقول تعالى ذكره: فيقسم الآخران اللذان يقومان مقام اللذين عثر على أنهما استحقا إثما بخيانتهما مال الميت الأوليان باليمين والميت من الخائنين: لشهادتنا أحق
103
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين يعني تعالى ذكره بقوله: ذلك: هذا الذي قلت لكم في أمر الأوصياء إذا ارتبتم في أمرهم واتهمتموهم بخيانة
104
القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين يقول تعالى ذكره: وخافوا الله أيها الناس، وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبة، وأن تذهبوا بها مال من يحرم عليكم ماله، وأن تخونوا من ائتمنكم واسمعوا يقول: اسمعوا ما يقال
106
القول في تأويل قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب يقول تعالى ذكره: واتقوا الله أيها الناس، واسمعوا وعظه إياكم وتذكيره لكم، واحذروا يوم يجمع الله الرسل. ثم حذف (واحذروا) واكتفى بقوله: واتقوا الله
109
القول في تأويل قوله تعالى: إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه
112
القول في تأويل قوله تعالى: تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات
114
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون يقول تعالى ذكره: واذكر أيضا يا عيسى إذ ألقيت إلى الحواريين، وهم وزراء عيسى على دينه. وقد بينا معنى ذلك، ولم قيل لهم الحواريون فيما مضى بما أغنى عن
116
وقد اختلفت ألفاظ أهل التأويل في تأويل قوله: وإذ أوحيت وإن كانت متفقة المعاني، فقال بعضهم
116
القول في تأويل قوله تعالى: إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين يقول تعالى ذكره: واذكر يا عيسى أيضا نعمتي عليك، إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قالوا لعيسى ابن مريم
117
وأما قوله: قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، فإنه يعني: قال عيسى للحواريين القائلين له: هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء: راقبوا الله أيها القوم، وخافوا أن ينزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا، فإن الله لا يعجزه شيء أراده، وفي شككم في
122
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين يعني تعالى ذكره بذلك: قال الحواريون مجيبي عيسى على قوله لهم: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين في قولكم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء:
122
القول في تأويل قوله تعالى: قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم أنه أجاب القوم إلى ما سألوه من مسألة ربه مائدة
123
القول في تأويل قوله تعالى: قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وهذا جواب من الله تعالى القوم فيما سألوا نبيهم عيسى مسألة ربهم من إنزاله مائدة عليهم، فقال تعالى ذكره: إني منزلها عليكم أيها الحواريون
131
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب يقول تعالى ذكره: يوم يجمع
132
القول في تأويل قوله تعالى: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب يقول تعالى ذكره مخبرا عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرة من النصارى أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به، فقال: سبحانك ما يكون لي أن
136
القول في تأويل قوله تعالى: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول عيسى يقول: ما قلت لهم إلا الذي أمرتني به من القول أن
137
القول في تأويل قوله تعالى: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم يقول تعالى ذكره: إن تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة بإماتتك إياهم عليها، فإنهم عبادك، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرا ولا أمرا
139
القول في تأويل قوله تعالى: قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم اختلفت القراء في قراءة قوله: هذا يوم ينفع الصادقين، فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة: (هذا يوم
140
القول في تأويل قوله تعالى: رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم يقول تعالى ذكره: رضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه من العمل بطاعته واجتناب معاصيه، ورضوا عنه يقول: ورضوا هم عن الله تعالى في وفائه لهم بما وعدهم على
142
القول في تأويل قوله تعالى: لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير يقول تعالى ذكره: أيها النصارى لله ملك السموات والأرض يقول: له سلطان السموات والأرض، وما فيهن دون عيسى الذين تزعمون أنه إلهكم، ودون أمه، ودون جميع من في السموات ومن في
143
سورة الأنعام
144
القول في تأويل قوله تعالى: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون يعني تعالى ذكره بقوله الحمد لله: الحمد الكامل لله وحده لا شريك له، دون جميع الأنداد والآلهة، ودون ما سواه مما تعبده كفرة خلقه من الأوثان
144
القول في تأويل قوله تعالى: وجعل الظلمات والنور يقول تعالى ذكره: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وأظلم الليل وأنار النهار
144
القول في تأويل قوله تعالى: ثم الذين كفروا بربهم يعدلون يقول تعالى ذكره معجبا خلقه المؤمنين من كفرة عباده ومحتجا على الكافرين: إن الإله الذي يجب عليكم أيها الناس حمده هو الذي خلق السموات والأرض، الذي جعل منهما معايشكم وأقواتكم وأقوات أنعامكم التي بها
146
القول في تأويل قوله تعالى: هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون يعني تعالى ذكره بقوله: هو الذي خلقكم من طين أن الله الذي خلق السموات والأرض، وأظلم ليلهما وأنار نهارهم، فكفر به مع إنعامه عليهم الكافرون، وعدلوا به من لا
149
القول في تأويل قوله تعالى: ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى قوله: ثم قضى أجلا: ثم قضى لكم أيها الناس أجلا، وذلك ما بين أن يخلق إلى أن يموت، وأجل مسمى عنده: وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث
150
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أنتم تمترون يقول تعالى ذكره: ثم أنتم تشكون في قدرة من قدر على خلق السموات والأرض، وإظلام الليل وإنارة النهار، وخلقكم من طين حتى صيركم بالهيئة التي أنتم بها على إنشائه إياكم من بعد مماتكم وفنائكم، وإيجاده إياكم بعد عدمكم
154
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون يقول تعالى ذكره: إن الذي له الألوهة التي لا تنبغي لغيره، المستحق عليكم إخلاص الحمد له بآلائه عندكم أيها الناس، الذي يعدل به كفاركم من سواه، هو الله الذي هو في
155
القول في تأويل قوله تعالى: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين يقول تعالى ذكره: وما تأتي هؤلاء الكفار الذين بربهم يعدلون أوثانهم وآلهتهم آية من آيات ربهم يقول: حجة وعلامة ودلالة من حجج ربهم ودلالاته وأعلامه على وحدانيته وحقيقة نبوتك
155
القول في تأويل قوله تعالى: فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون يقول تعالى ذكره: فقد كذب هؤلاء العادلون بالله الحق لما جاءهم، وذلك الحق هو محمد صلى الله عليه وسلم، كذبوا به، وجحدوا نبوته لما جاءهم، قال الله لهم متوعدا
156
القول في تأويل قوله تعالى: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم ير
156
القول في تأويل قوله تعالى: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين وهذا إخبار من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء القوم الذين يعدلون بربهم الأوثان والآلهة والأصنام. يقول تعالى ذكره: وكيف
158
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المكذبون بآياتي العادلون بي الأنداد والآلهة يا محمد لك، لو دعوتهم إلى توحيدي والإقرار بربوبيتي، وإذا أتيتهم من الآيات والعبر بما
160
القول في تأويل قوله تعالى: ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون يقول تعالى ذكره: ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلاء العادلين بي، القائلين: لولا أنزل على محمد ملك بتصديقه، ملكا ينزل عليهم من السماء، ويشهد بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم
162
القول في تأويل قوله تعالى: وللبسنا عليهم ما يلبسون يعني تعالى ذكره بقوله: وللبسنا عليهم ولو أنزلنا ملكا من السماء مصدقا لك يا محمد، شاهدا لك عند هؤلاء العادلين بي الجاحدين آياتك على حقيقة نبوتك، فجعلناه في صورة رجل من بني آدم إذ كانوا لا يطيقون رؤية
163
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مسليا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الاستهزاء به والاستخفاف في ذات الله: هون عليك يا محمد
165
القول في تأويل قوله تعالى: قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بي الأوثان والأنداد المكذبين بك الجاحدين حقيقة ما جئتهم به من عندي: سيروا في الأرض يقول: جولوا في بلاد المكذبين رسلهم الجاحدين
166
القول في تأويل قوله تعالى: قل لمن ما في السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم: لمن ما في السموات والأرض
167
وقوله: كتب على نفسه الرحمة يقول: قضى أنه بعباده رحيم، لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم الإنابة والتوبة. وهذا من الله تعالى ذكره استعطاف للمعرضين عنه إلى الإقبال إليه بالتوبة، يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء العادلين بي الجاحدين نبوتك يا محمد، إن تابوا
167
القول في تأويل قوله تعالى: ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه وهذه اللام التي في قوله: ليجمعنكم لام قسم. ثم اختلف أهل العربية في جالبها، فكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلت الرحمة غاية كلام، ثم استأنفت بعدها: ليجمعنكم قال: وإن شئت جعلته في
171
وأما تأويل قوله لا ريب فيه فإنه لا يشك فيه، يقول: في أن الله يجمعكم إلى يوم القيامة فيحشركم إليه جميعا، ثم يؤتى كل عامل منكم أجر ما عمل من حسن أو سيئ
173
القول في تأويل قوله تعالى: الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون يعني تعالى ذكره بقوله: الذين خسروا أنفسهم: العادلين به الأوثان والأصنام، يقول تعالى ذكره: ليجمعن الله الذين خسروا أنفسهم، يقول: الذين أهلكوا أنفسهم وغبنوها بادعائهم لله الند والعديل،
173
القول في تأويل قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم يقول تعالى ذكره: لا يؤمن هؤلاء العادلون بالله الأوثان، فيخلصوا له التوحيد ويفردوا له الطاعة ويقروا بالألوهية جهلا وله ما سكن في الليل والنهار يقول: وله ملك كل شيء، لأنه لا شيء
174
القول في تأويل قوله تعالى: قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام،
175
فاطر السموات والأرض يقول أشيئا غير الله فاطر السموات والأرض أتخذ وليا؟ ففاطر السموات من نعت الله وصفته، ولذلك خفض. ويعني بقوله: فاطر السموات والأرض مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما
175
وأما قوله: وهو يطعم ولا يطعم فإنه يعني: وهو يرزق خلقه ولا يرزق
176
القول في تأويل قوله تعالى: قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله ويحثونك على عبادتها: أغير الله فاطر السموات والأرض، وهو يرزقني
177
القول في تأويل قوله تعالى: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين العادلين بالله الذين يدعونك إلى عبادة أوثانهم: إن ربي نهاني عن عبادة شيء سواه، وإني أخاف إن عصيت ربي، فعبدتها عذاب يوم
177
القول في تأويل قوله تعالى: من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والمدينة والبصرة: من يصرف عنه يومئذ بضم الياء وفتح الراء، بمعنى: من يصرف عنه العذاب يومئذ. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: (من
178
القول في تأويل قوله تعالى: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن يصبك الله بضر، يقول: بشدة وشظف في عيشك وضيق فيه، فلن يكشف ذلك عنك إلا الله الذي أمرك أن
179
القول في تأويل قوله تعالى: وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير يعني تعالى ذكره بقوله: وهو نفسه، يقول: والله القاهر فوق عباده. ويعني بقوله: القاهر المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم. وإنما قال: فوق عباده، لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم، ومن
180
القول في تأويل قوله تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل
180
القول في تأويل قوله تعالى: وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين الذين يكذبونك: الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به عقابه، وأنذر به من بلغه من سائر الناس غيركم، إن
181
القول في تأويل قوله تعالى: أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين الجاحدين نبوتك، العادلين بالله ربا غيره: أئنكم أيها المشركون لتشهدون
184
القول في تأويل قوله تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: الذين آتيناهم الكتاب التوراة والإنجيل، يعرفون أنما هو إله واحد لا جماعة الآلهة، وأن محمدا نبي مبعوث، كما يعرفون أبناءهم.
186
القول في تأويل قوله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون يقول تعالى ذكره: ومن أشد اعتداء، وأخطأ فعلا، وأخطل قولا ممن افترى على الله كذبا، يعني: ممن اختلق على الله قيل باطل، واخترق من نفسه عليه كذبا، فزعم أن
188
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المفترين على الله كذبا، والمكذبين بآياته، لا يفلحون اليوم في الدنيا، ولا يوم نحشرهم جميعا، يعني: ولا في الآخرة. ففي الكلام
188
القول في تأويل قوله تعالى: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين يقول تعالى ذكره: ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك إذ فتناهم فاختبرناهم، إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا
189
القول في تأويل قوله تعالى: انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر يا محمد فاعلم كيف كذب هؤلاء المشركون العادلون بربهم الأوثان والأصنام في الآخرة، عند لقاء الله، على أنفسهم بقيلهم: والله
192
القول في تأويل قوله تعالى: ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام
196
القول في تأويل قوله تعالى: وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين يقول تعالى ذكره: وإن هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام، الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك، كل آية يقول
199
القول في تأويل قوله تعالى: وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وهم ينهون عنه وينأون عنه فقال بعضهم: معناه: هؤلاء المشركون المكذبون بآيات الله، ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم
201
القول في تأويل قوله تعالى: ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو ترى يا محمد هؤلاء العادلين بربهم الأصنام والأوثان الجاحدين نبوتك الذين وصفت لك صفتهم، إذ
206
القول في تأويل قوله تعالى: بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون يقول تعالى ذكره: ما قصد هؤلاء العادلين بربهم الجاحدين نبوتك يا محمد في قيلهم إذ وقفوا على النار: يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين
211
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين العادلين به الأوثان والأصنام الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عنهم، يقول تعالى ذكره: وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا يخبر عنهم أنهم
212
القول في تأويل قوله تعالى: ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون يقول تعالى ذكره: لو ترى يا محمد هؤلاء القائلين: ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين إذ وقفوا يوم القيامة: أي حبسوا، على
213
القول في تأويل قوله تعالى: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون يعني تعالى ذكره بقوله: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله قد هلك ووكس في بيعهم الإيمان
214
القول في تأويل قوله تعالى: وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين كذبوا بلقاء الله يحملون أوزارهم على ظهورهم وقوله وهم من ذكرهم. يحملون أوزارهم يقول: آثامهم وذنوبهم، واحدها وزر، يقال منه: وزر الرجل يزر: إذا
216
وأما قوله تعالى: ألا ساء ما يزرون فإنه يعني: ألا ساء الوزر الذي يزرون: أي الإثم الذي يأثمونه بكفرهم بربهم
217
القول في تأويل قوله تعالى: وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون وهذا تكذيب من الله تعالى ذكره هؤلاء الكفار المنكرين البعث بعد الممات في قولهم إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين. يقول تعالى ذكره مكذبا لهم في
218
القول في تأويل قوله تعالى: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقول المشركون، وذلك قولهم له: إنه كذاب، فإنهم لا يكذبونك.
219
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين وهذا تسلية من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتعزية له عما ناله من المساءة بتكذيب قومه إياه على
223
القول في تأويل قوله تعالى: وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين يقول تعالى ذكره: إن كان عظم عليك يا محمد إعراض هؤلاء المشركين عنك وانصرافهم عن
225
القول في تأويل قوله تعالى: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين يقول تعالى ذكره: إن الذين يكذبونك من هؤلاء الكفار يا محمد فيحزنك تكذيبهم إياك، لو أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدين وصواب من محجة الإسلام حتى تكون كلمة جميعكم واحدة،
227
القول في تأويل قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يكبرن عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربهم والإقرار بنبوتك، فإنه لا يستجيب
229
وأما قوله: ثم إليه يرجعون فإنه يقول تعالى: ثم إلى الله يرجعون، المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول، والكفار الذين يحول الله بينهم وبين أن يفقهوا عنك شيئا، فيثيب هذا المؤمن على ما سلف من صالح عمله في الدنيا بما وعد أهل الإيمان به من الثواب، ويعاقب
231
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم المعرضون عن آياته: لولا نزل عليه آية من ربه يقول: قالوا: هلا نزل على محمد آية من ربه، كما
231
القول في تأويل قوله تعالى: وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المعرضين عنك المكذبين بآيات الله: أيها القوم، لا تحسبن الله
232
وأما قوله: ما فرطنا في الكتاب من شيء فإن معناه: ما ضيعنا إثبات شيء منه
234
وأما قوله: ثم إلى ربهم يحشرون، فإن أهل التأويل اختلفوا في معنى حشرهم الذي عناه الله تعالى في هذا الموضع. فقال بعضهم: حشرها: موتها
234
القول في تأويل قوله تعالى: والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم يقول تعالى ذكره: والذين كذبوا بحجج الله وأعلامه وأدلته، صم عن سماع الحق، بكم عن القيل به، في الظلمات يعني: في ظلمة الكفر حائر فيها،
237
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين اختلف أهل العربية في معنى قوله: أرأيتكم، فقال بعض نحويي البصرة: الكاف التي بعد التاء من قوله: أرأيتكم إنما جاءت للمخاطبة، وتركت التاء مفتوحة كما
239
القول في تأويل قوله تعالى: بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون يقول تعالى ذكره مكذبا لهؤلاء العادلين به الأوثان: ما أنتم أيها المشركون بالله الآلهة والأنداد إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدة
241
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون يقول تعالى ذكره متوعدا لهؤلاء العادلين به الأصنام، ومحذرهم أن يسلك بهم إن هم تمادوا في ضلالهم سبيل من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم في تعجيل الله عقوبته لهم في
241
القول في تأويل قوله تعالى: فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون وهذا أيضا من الكلام الذي فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما ترك، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر عن الأمم التي كذبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضراء
243
القول في تأويل قوله تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون يعني تعالى ذكره بقوله: فلما نسوا ما ذكروا به: فلما تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن رسلنا
244
وأما قوله: فإذا هم مبلسون فإنهم هالكون، منقطعة حججهم، نادمون على ما سلف منهم من تكذيبهم رسلهم
247
القول في تأويل قوله تعالى: فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين يعني تعالى ذكره بقوله: فقطع دابر القوم الذين ظلموا فاستؤصل القوم الذين عتوا على ربهم وكذبوا رسله وخالفوا أمره عن آخرهم، فلم يترك منهم أحد إلا أهلك بغتة، إذ جاءهم عذاب الله
250
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بي الأوثان والأصنام المكذبين بك:
251
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، المكذبين بأنك لي رسولي إليهم: أخبروني إن أتاكم عذاب الله وعقابه
253
القول في تأويل قوله تعالى: وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون يقول تعالى ذكره: وما نرسل رسلنا إلا ببشارة أهل الطاعة لنا بالجنة والفوز المبين يوم القيامة، جزاء منا لهم على طاعتنا، وبإنذار من عصانا وخالف
254
القول في تأويل قوله تعالى: والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون يقول تعالى ذكره: وأما الذين كذبوا بمن أرسلنا إليه من رسلنا وخالفوا أمرنا ونهينا ودافعوا حجتنا، فإنهم يباشرهم عذابنا وعقابنا على تكذيبهم ما كذبوا به من حججنا بما كانوا يفسقون
255
القول في تأويل قوله تعالى: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون يقول تعالى ذكره: قل لهؤلاء المنكرين نبوتك: لست أقول لكم إني الرب الذي له خزائن السموات والأرض
255
القول في تأويل قوله تعالى: وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر يا محمد بالقرآن الذي أنزلناه إليك القوم الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم علما منهم بأن ذلك
257
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين، قال
258
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين يعني تعالى ذكره بقوله: وكذلك فتنا بعضهم ببعض: وكذلك اختبرنا وابتلينا
270
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله تعالى بهذه الآية: فقال بعضهم: عنى بها الذين نهى الله
272
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين يعني تعالى ذكره بقوله: وكذلك نفصل الآيات: وكما فصلنا لك في هذه السورة من ابتدائها وفاتحتها يا محمد إلى هذا الموضع حجتنا على المشركين من عبدة الأوثان وأدلتنا، وميزناها لك وبيناها،
276
القول في تأويل قوله تعالى: قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم من قومك، العادلين به الأوثان والأنداد، الذين
278
القول في تأويل قوله تعالى: قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم، الداعين لك إلى الإشراك بربك: إني على بينة من ربي
278
القول في تأويل قوله تعالى: قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الآلهة والأوثان، المكذبيك فيما جئتهم به، السائليك أن تأتيهم بآية
281
القول في تأويل قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين يقول: وعنده مفاتح الغيب والمفاتح: جمع مفتح، يقال فيه: مفتح ومفتاح، فمن قال
282
القول في تأويل قوله تعالى: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين يقول تعالى ذكره: ولا تسقط ورقة في الصحاري والبراري ولا في الأمصار والقرى إلا الله يعلمها. ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في
283
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وقل لهم يا محمد، والله أعلم بالظالمين: والله هو الذي يتوفى
284
القول في تأويل قوله تعالى: ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون يعني تعالى ذكره: ثم يبعثكم، يثيركم ويوقظكم من منامكم فيه، يعني في النهار. والهاء التي في: (فيه) راجعة على النهار. ليقضى أجل مسمى يقول: ليقضي الله
287
القول في تأويل قوله تعالى: وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون يقول تعالى ذكره: وهو القاهر والله الغالب خلقه العالي عليهم بقدرته، لا المقهور من أوثانهم وأصنامهم المذلل المغلوب عليه لذلته. ويرسل
288
القول في تأويل قوله تعالى: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين يقول تعالى ذكره: ثم ردت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحق ألا له الحكم يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه وهو أسرع
293
القول في تأويل قوله تعالى: قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الداعين لك إلى عبادة أوثانهم: من الذي ينجيكم من ظلمات البر
294
القول في تأويل قوله تعالى: قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم سواه من الآلهة إذا أنت استفهمتهم عمن به يستعينون عند نزول الكرب بهم في البر والبحر: الله القادر على فرجكم
295
القول في تأويل قوله تعالى: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم غيره من الأصنام والأوثان
296
القول في تأويل قوله تعالى: أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض يقول تعالى ذكره: أو يخلطكم شيعا: فرقا، واحدتها شيعة
298
وأما قوله: يلبسكم فهو من قولك: لبست عليه الأمر، إذا خلطت، فأنا ألبسه. وإنما قلت إن ذلك كذلك، لأنه لا خلاف بين القراء في ذلك بكسر الباء، ففي ذلك دليل بين على أنه من لبس يلبس، وذلك هو معنى الخلط. وإنما عنى بذلك: أو يخلطكم أهواء مختلفة وأحزابا
299
وأما قوله: ويذيق بعضكم بأس بعض فإنه يعني: بقتل بعضكم بيد بعض، والعرب تقول للرجل ينال الرجل بسلام فيقتله به: قد أذاق فلان فلانا الموت وأذاقه بأسه. وأصل ذلك من ذوق الطعام وهو يطعمه، ثم استعمل ذلك في كل ما وصل إلى الرجل من لذة وحلاوة أو مرارة ومكروه
300
القول في تأويل قوله تعالى: انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر يا محمد بعين قلبك إلى ترديدنا حججنا على هؤلاء المكذبين بربهم الجاحدين نعمه، وتصريفناها فيهم. لعلهم يفقهون يقول: ليفقهوا ذلك ويعتبروه،
310
القول في تأويل قوله تعالى: وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل. لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون يقول تعالى ذكره: وكذب يا محمد قومك بما تقول وتخبر وتوعد من الوعيد. وهو الحق يقول: والوعيد الذي أوعدناهم على مقامهم على شركهم من بعث العذاب من فوقهم أو من
310
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رأيت يا محمد المشركين الذين يخوضون في آياتنا
312
وأما قوله: وإما ينسينك الشيطان يقول: نسيت فتقعد معهم، فإذا ذكرت فقم
314
القول في تأويل قوله تعالى: وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون يقول تعالى ذكره: ومن اتقى الله فخافه فأطاعه فيما أمره به، واجتنب ما نهاه عنه، فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات الله في حال خوضهم في آيات الله شيء من
316
القول في تأويل قوله تعالى: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون يقول
318
وأما قوله: وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت فإنه يعني به: وذكر يا محمد بهذا القرآن هؤلاء المولين عنك وعنه، أن تبسل نفس بمعنى: أن لا تبسل كما قال: يبين الله لكم أن تضلوا بمعنى: أن لا تضلوا، وإنما معنى الكلام: وذكر به ليؤمنوا ويتبعوا ما جاءهم من عند
320
القول في تأويل قوله تعالى: وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها يقول تعالى ذكره: وإن تعدل النفس التي أبسلت بما كسبت، يعني: وإن تعدل كل عدل يعني: كل فداء، يقال منه: عدل يعدل: إذا فدى، عدلا. ومنه قول الله تعالى ذكره: أو عدل ذلك صياما، وهو ما عادله من
323
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين إن فدوا أنفسهم من عذاب الله يوم القيامة كل فداء لم يؤخذ منهم، هم الذين أبسلوا بما كسبوا يقول: أسلموا لعذاب الله،
325
القول في تأويل قوله تعالى: قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وهذا تنبيه من الله تعالى
326
وأما قوله: ائتنا، فإن معناه: يقولون: ائتنا، هلم إلينا، فحذف القول لدلالة الكلام عليه. وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك: (يدعونه إلى الهدى بينا)
332
القول في تأويل قوله تعالى: قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان القائلين لأصحابك: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، فإنا على هدى: ليس الأمر كما زعمتم إن
333
القول في تأويل قوله تعالى: وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون يقول تعالى ذكره: وأمرنا أن أقيموا الصلاة. وإنما قيل: وأن أقيموا الصلاة فعطف ب (أن) على اللام من (لنسلم) لأن قوله: لنسلم معناه: أن نسلم، فرد قوله: وأن أقيموا على معنى: (
333
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد،
335
وأما قوله: ويوم يقول كن فيكون فإن أهل العربية اختلفوا في العامل في يوم يقول، وفي معنى ذلك، فقال بعض نحويي البصرة: (اليوم) مضاف إلى (يقول كن فيكون) ، قال: وهو نصب وليس له خبر ظاهر، والله أعلم، وهو على ما فسرت لك، كأنه يعني بذلك أن نصبه على: (
336
وأما قوله: وله الملك يوم ينفخ في الصور فإنه خص بالخبر عن ملكه يومئذ، وإن كان الملك له خالصا في كل وقت في الدنيا والآخرة، لأنه عنى تعالى ذكر أنه لا منازع له فيه يومئذ ولا مدعي له، وأنه المنفرد به دون كل من كان ينازعه فيه في الدنيا من الجبابرة فأذعن
339
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد لحجاجك الذي تحاج به قومك وخصومتك إياهم في آلهتهم وما تراجعهم فيها، مما نلقيه إليك ونعلمكه
342
القول في تأويل قوله تعالى: أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل إبراهيم لأبيه آزر، أنه قال: أتتخذ أصناما آلهة تعبدها وتتخذها ربا دون الله الذي خلقك فسواك ورزقك، والأصنام: جمع صنم، التمثال من حجر أو خشب أو
346
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين يعني تعالى ذكره بقوله: وكذلك: وكما أريناه البصيرة في دينه، والحق في خلاف ما كانوا عليه من الضلال، نريه ملكوت السموات والأرض، يعني ملكه، وزيدت فيه التاء كما زيدت
347
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض فقال بعضهم: معنى ذلك: نريه خلق السموات والأرض.
347
وأما قوله: وليكون من الموقنين فإنه يعني: أنه أراه ملكوت السموات والأرض ليكون ممن يتوحد بتوحيد الله، ويعلم حقية ما هداه له وبصره إياه من معرفة وحدانيته وما عليه قومه من الضلالة من عبادتهم واتخاذهم آلهة دون الله تعالى. وكان ابن عباس يقول في تأويل ذلك
353
القول في تأويل قوله تعالى: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين يقول تعالى ذكره: فلما واراه الليل وجنه، يقال منه: جن عليه الليل، وجنه الليل، وأجنه، وأجن عليه، وإذا ألقيت (على) كان الكلام بالألف أفصح منه بغير
354
وأما قوله فلما أفل فإن معناه: فلما غاب وذهب
361
القول في تأويل قوله تعالى: فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين يقول تعالى ذكره: فلما طلع القمر فرآه إبراهيم طالعا، وهو بزوغه، يقال منه: بزغت الشمس تبزغ بزوغا، إذا طلعت، وكذلك القمر. قال هذا ربي
361
القول في تأويل قوله تعالى: فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون يعني تعالى ذكره بقوله: فلما رأى الشمس بازغة: فلما رأى إبراهيم الشمس طالعة، قال هذا الطالع ربي هذا أكبر يعني: هذا أكبر من الكوكب والقمر،
362
القول في تأويل قوله تعالى: إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن خليله إبراهيم عليه السلام، أنه لما تبين له الحق وعرفه، شهد شهادة الحق، وأظهر خلاف قومه أهل الباطل وأهل الشرك بالله، ولم يأخذه
362
القول في تأويل قوله تعالى: وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون يقول تعالى ذكره: وجادل إبراهيم قومه في توحيد الله وبراءته من الأصنام، وكان جدالهم إياه قولهم: إن آلهتهم
364
القول في تأويل قوله تعالى: وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون وهذا جواب إبراهيم لقومه حين خوفوه من آلهتهم أن تمسه لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: وكيف أخاف
365
القول في تأويل قوله تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون اختلف أهل التأويل في الذي أخبر تعالى ذكره عنه أنه قال هذا القول، أعني: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الآية، فقال بعضهم: هذا فصل القضاء من الله بين
367
وأما قوله: أولئك لهم الأمن وهم مهتدون فإنه يعني: هؤلاء الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشرك، لهم الأمن يوم القيامة من عذاب الله، وهم مهتدون يقول: وهم المصيبون سبيل الرشاد، والسالكون طريق النجاة
378
القول في تأويل قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم يعني تعالى ذكره بقوله: وتلك حجتنا قول إبراهيم لمخاصميه من قومه المشركين: أي الفريقين أحق بالأمن، أمن يعبد ربا واحدا مخلصا له الدين والعبادة أم من يعبد
379
وأما قوله: إن ربك حكيم عليم فإنه يعني: إن ربك يا محمد حكيم في سياسته خلقه، وتلقينه أنبياءه الحجج على أممهم المكذبة لهم الجاحدة توحيد ربهم، وفي غير ذلك من تدبيره، عليم بما يئول إليه أمر رسله والمرسل إليهم من ثبات الأمم على تكذيبهم إياهم، وهلاكهم على
380
القول في تأويل قوله تعالى: ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين يقول تعالى ذكره: فجزينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم على طاعته إيانا، وإخلاصه توحيد ربه، ومفارقته دين
381
القول في تأويل قوله تعالى: وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضا لمثل الذي هدينا له نوحا من الهدى والرشاد من ذريته زكريا بن أزن بن بركيا، ويحيى بن زكريا، وعيسى ابن مريم ابنة عمران بن أشيم بن أمور بن حزقيا، وإلياس.
382
القول في تأويل قوله تعالى: وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضا من ذرية نوح إسماعيل، وهو إسماعيل بن إبراهيم، واليسع: هو اليسع بن أخطوب بن العجوز. واختلف القراء في قراءة اسمه، فقرأته عامة قراء الحجاز
384
القول في تأويل قوله تعالى: ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضا من آباء هؤلاء الذين سماهم تعالى ذكره ومن ذرياتهم وإخوانهم آخرين سواهم لم يسمهم للحق والدين الخالص الذي لا شرك فيه، فوفقناهم له.
385
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون يعني تعالى ذكره بقوله: ذلك هدى الله: هذا الهدى الذي هديت به من سميت من الأنبياء والرسل فوفقتهم به لإصابة الدين الحق، الذي نالوا بإصابتهم إياه رضا
386
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين يعني تعالى ذكره بقوله: أولئك: هؤلاء الذين سميناهم من أنبيائه ورسله نوحا وذريته الذين هداهم لدين الإسلام واختارهم لرسالته إلى
387
القول في تأويل قوله تعالى: فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين يقول تعالى ذكره: فإن يكفر يا محمد بآيات كتابي الذي أنزلته إليك، فيجحد هؤلاء المشركون العادلون بربهم
388
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين يقول تعالى ذكره: أولئك هؤلاء القوم الذين وكلنا بآياتنا وليسوا بها بكافرين، هم الذين هداهم الله لدينه الحق، وحفظ ما وكلوا بحفظه من آيات كتابه
391
القول في تأويل قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الذين أمرتك أن تذكرهم بآياتي أن تبسل نفس بما كسبت من مشركي قومك يا محمد: لا أسألكم على تذكيري إياكم، والهدى الذي أدعوكم
393
القول في تأويل قوله تعالى: وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون يقول تعالى
393
القول في تأويل قوله تعالى: قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك القائلين لك: ما أنزل على بشر من شيء، قل: من أنزل الكتاب الذي جاء
398
القول في تأويل قوله تعالى: وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون يقول تعالى ذكره: وعلمكم الله جل ثناؤه الكتاب الذي أنزله إليكم ما لم تعلموا أنتم من أخبار من قبلكم ومن أنباء من بعدكم وما هو كائن في معادكم يوم القيامة، ولا
399
وأما قوله: قل الله فإنه أمر من الله جل ثناؤه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يجيب استفهامه هؤلاء المشركين عما أمره باستفهامهم عنه بقوله: قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا بقيله: الله، كأمره إياه
400
وأما قوله: ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فإنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ثم ذر هؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام بعد احتجاجك عليهم في قيلهم: ما أنزل الله على بشر من شيء بقولك من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس، وإجابتك
401
القول في تأويل قوله تعالى: وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون يقول تعالى ذكره: وهذا القرآن يا محمد كتاب وهو اسم من أسماء القرآن قد بينته وبينت معناه فيما مضى قبل
401
وأما قوله: ولتنذر أم القرى ومن حولها فإنه يقول: أنزلنا إليك يا محمد هذا الكتاب مصدقا ما قبله من الكتب، ولتنذر به عذاب الله وبأسه من في أم القرى وهي مكة ومن حولها شرقا وغربا من العادلين بربهم غيره من الآلهة والأنداد، والجاحدين برسله وغيرهم من أصناف
402
القول في تأويل قوله تعالى: والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون يقول تعالى ذكره: ومن كان يؤمن بقيام الساعة والمعاد في الآخرة إلى الله، ويصدق بالثواب والعقاب، فإنه يؤمن بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد، ويصدق به ويقر بأن الله
404
القول في تأويل قوله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق
404
القول في تأويل قوله تعالى: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو ترى يا محمد حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين، العادلين بربهم الآلهة والأنداد، والقائلين: ما
408
القول في تأويل قوله تعالى: اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما تقول رسل الله التي تقبض أرواح هؤلاء الكفار لها، يخبر عنها أنها تقول لأجسامها ولأصحابها: أخرجوا أنفسكم إلى سخط
411
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به
413
وأما قوله: وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم فإنه يقول: خلفتم أيها القوم ما مكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به فيها خلفكم في الدنيا، فلم تحملوه معكم. وهذا تعيير من الله جل ثناؤه لهؤلاء المشركين بمباهاتهم التي كانوا يتباهون بها في الدنيا بأموالهم، وكل
415
القول في تأويل قوله تعالى: وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء يقول تعالى ذكره لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد يوم القيامة: ما نرى معكم شفعاءكم الذين كنتم في الدنيا تزعمون أنهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في
416
القول في تأويل قوله تعالى: لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون يقول تعالى مخبرا عن قيله يوم القيامة لهؤلاء المشركين به الأنداد: لقد تقطع بينكم يعني: تواصلهم الذي كان بينهم في الدنيا ذهب ذلك اليوم، فلا تواصل بينهم ولا تواد ولا تناصر، وقد كانوا في
417
وأما قوله: وضل عنكم ما كنتم تزعمون فإنه يقول: وحاد عن طريقكم ومنهاجكم ما كنتم من آلهتكم تزعمون أنه شريك ربكم، وأنه لكم شفيع عند ربكم، فلا يشفع لكم اليوم
420
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون وهذا تنبيه من الله جل ثناؤه هؤلاء العادلين به الآلهة والأوثان على موضع حجته عليهم، وتعريف منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في
420
القول في تأويل قوله تعالى: يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون يقول تعالى ذكره: يخرج السنبل الحي من الحب الميت، ومخرج الحب الميت من السنبل الحي، والشجر الحي من النوى الميت، والنوى الميت من الشجر الحي. والشجر ما دام قائما
423
القول في تأويل قوله تعالى: فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم
424
يعني بقوله: فالق الإصباح: شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده. والإصباح: مصدر من قول القائل: أصبحنا إصباحا وبنحو ما قلنا في ذلك قال عامة أهل التأويل
424
وأما قوله: (وجاعل الليل سكنا) فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والمدينة وبعض البصريين: (وجاعل الليل) بالألف، على لفظ الاسم ورفعه عطفا على (فالق) وخفض (الليل) بإضافة (جاعل) إليه، ونصب (الشمس) و (القمر) عطفا على
427
القول في تأويل قوله تعالى: والشمس والقمر حسبانا قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وجعل الشمس والقمر يجريان في أفلاكهما بحساب
428
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك تقدير العزير العليم يقول تعالى ذكره: وهذا الفعل الذي وصفه أنه فعله، وهو فلقه الإصباح، وجعله الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، تقدير الذي عز سلطانه، فلا يقدر أحد أراده بسوء وعقاب أو انتقام من الامتناع منه، العليم
431
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون يقول تعالى ذكره: والله الذي جعل لكم أيها الناس النجوم أدلة في البر والبحر إذا ضللتم الطريق، أو تحيرتم فلم تهتدوا فيها ليلا تستدلون بها على
431
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون يقول تعالى ذكره: وإلهكم أيها العادلون بالله غيره الذي أنشأكم يعني: الذي ابتدأ خلقكم من غير شيء فأوجدكم بعد أن لم تكونوا شيئا، من نفس واحدة يعني: من
432
وأما قوله: فمستقر ومستودع، فإن أهل التأويل في تأويله مختلفون، فقال بعضهم: معنى ذلك: وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمنكم مستقر في الرحم، ومنكم مستودع في القبر حتى يبعثه الله لنشر القيامة
433
وأما قوله: قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون، يقول تعالى: قد بينا الحجج، وميزنا الأدلة والأعلام وأحكمناها لقوم يفقهون مواقع الحجج ومواضع العبر، ويفهمون الآيات والذكر، فإنهم إذا اعتبروا بما نبهتهم عليه من إنشائي من نفس واحدة ما عاينوا من البشر، وخلقي ما
443
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم
444
القول في تأويل قوله تعالى: ومن النخل من طلعها قنوان دانية يقول تعالى ذكره: ومن النخل من طلعها قنوان دانية، ولذلك رفعت (القنوان) . والقنوان: جمع قنو، كما الصنوان: جمع صنو، وهو العذق، يقال للواحد: هو قنو وقنو وقنا: يثنى قنوان، ويجمع قنوان
445
القول في تأويل قوله تعالى: وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه يقول تعالى ذكره: وأخرجنا أيضا جنات من أعناب، يعني: بساتين من أعناب. واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأه عامة القراء: وجنات نصبا، غير أن التاء كسرت لأنها تاء جمع المؤنث،
448
القول في تأويل قوله تعالى: انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل البصرة: انظروا إلى ثمره بفتح الثاء والميم، وقرأه بعض قراء أهل مكة وعامة قراء الكوفيين: (إلى ثمره) بضم الثاء والميم. فكأن
449
وأما قوله: وينعه فإنه: نضجه وبلوغه حين يبلغ. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول في ينعه: إذا فتحت ياؤه: هو جمع يانع، كما التجر: جمع تاجر، والصحب: جمع صاحب. وكان بعض أهل الكوفة ينكر ذلك ويرى أنه مصدر من قولهم: ينع الثمر فهو يينع
450
القول في تأويل قوله تعالى: إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون يقول تعالى ذكره: إن في إنزال الله تعالى من السماء الماء الذي أخرج به نبات كل شيء، والخضر الذي أخرج منه الحب المتراكب، وسائر ما عدد في هذه الآية من صنوف خلقه، لآيات يقول: في ذلكم أيها الناس إذا
452
القول في تأويل قوله تعالى: وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون يعني بذلك جل ثناؤه: وجعل هؤلاء العادلون بربهم الآلهة والأنداد لله شركاء الجن كما قال جل ثناؤه: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا. وفي الجن وجهان
453
وأما قوله: وخرقوا له بنين وبنات بغير علم، فإنه يعني بقوله: خرقوا اختلقوا، يقال: اختلق فلان على فلان كذبا واخترقه: إذا افتعله وافتراه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
454
القول في تأويل قوله تعالى: سبحانه وتعالى عما يصفون يقول تعالى ذكره: تنزه الله وعلا فارتفع عن الذي يصفه به هؤلاء الجهلة من خلقه في ادعائهم له شركاء من الجن، واختراقهم له بنين وبنات، وذلك لا ينبغي أن يكون من صفته، لأن ذلك من صفة خلقه الذين يكون منهم
456
القول في تأويل قوله تعالى: بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم يقول تعالى ذكره: الله الذي جعل هؤلاء الكفرة به له الجن شركاء، وخرقوا له بنين وبنات بغير علم، بديع السموات والأرض: يعني مبتدعها ومحدثها
457
القول في تأويل قوله تعالى: وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم يقول تعالى ذكره: والله خلق كل شيء ولا خالق سواه، وكل ما تدعون أيها العادلون بالله الأوثان من دونه خلقه وعبيده، ملكا كان الذي تدعونه ربا وتزعمون أنه له ولد، أو جنيا أو إنسيا. وهو بكل شيء عليم
458
القول في تأويل قوله تعالى: ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل يقول تعالى ذكره: الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم، هو الله ربكم أيها العادلون بالله الآلهة والأوثان، والجاعلون له الجن شركاء، وآلهتكم التي لا تملك نفعا
458
القول في تأويل قوله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير
459
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، فقال بعضهم: معناه: لا تحيط به الأبصار، وهو يحيط بها
459
وأما قوله: وهو اللطيف الخبير، فإنه يقول: والله تعالى ذكره الميسر له من إدراك الأبصار، والمتأتي له من الإحاطة بها رؤية ما يعسر على الأبصار من إدراكها إياه وإحاطتها به ويتعذر عليها. الخبير يقول: العليم بخلقه وأبصارهم، والسبب الذي له تعذر عليها
468
القول في تأويل قوله تعالى: قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ وهذا أمر من الله جل ثناؤه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الذين نبههم بهذه الآيات من قوله: إن الله فالق الحب والنوى إلى قوله: وهو اللطيف
469
وأما قوله: وما أنا عليكم بحفيظ يقول: وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والله الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم
470
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون يقول تعالى ذكره: كما صرفت لكم أيها الناس الآيات والحجج في هذه السورة وبينتها، فعرفتكموها في توحيدي وتصديق رسولي وكتابي، ووصيتكم عليها، فكذلك أبين لكم آياتي وحججي في كل ما
471
وأما تأويل قوله: ولنبينه لقوم يعلمون يقول تعالى ذكره: كما صرفنا الآيات والعبر والحجج في هذه السورة لهؤلاء العادلين بربهم الآلهة والأنداد، كذلك نصرف لهم الآيات في غيرها، كيلا يقولوا لرسولنا الذي أرسلناه إليهم: إنما تعلمت ما تأتينا به تتلوه علينا من
478
القول في تأويل قوله تعالى: اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اتبع يا محمد ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك،
478
القول في تأويل قوله تعالى: ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أعرض عن هؤلاء المشركين بالله، ودع عنك جدالهم وخصومتهم ومسابتهم. ولو شاء الله ما أشركوا يقول: لو أراد ربك
479
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به: ولا تسبوا الذين يدعو المشركون من دون
480
القول في تأويل قوله تعالى: كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: كما زينا لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام عبادة الأوثان وطاعة الشيطان بخذلاننا إياهم عن طاعة الرحمن، كذلك زينا لكل جماعة اجتمعت على
483
القول في تأويل قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: حلف بالله هؤلاء العادلون بالله جهد حلفهم، وذلك أوكد ما قدروا عليه من الأيمان وأصعبها وأشدها:
484
القول في تأويل قوله تعالى: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون اختلف أهل التأويل في المخاطبين بقوله: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون فقال بعضهم: خوطب بقوله: وما يشعركم المشركون المقسمون بالله لئن جاءتهم آية ليؤمنن، وانتهى الخبر عند قوله: وما
486
القول في تأويل قوله تعالى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لو أنا جئناهم بآية كما سألوا ما آمنوا كما لم يؤمنوا بما قبلها أول مرة، لأن الله
490
القول في تأويل قوله تعالى: ونذرهم في طغيانهم يعمهون يقول تعالى ذكره: ونذر هؤلاء المشركين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها عند مجيئها في تمردهم على الله واعتدائهم في حدوده، يترددون لا يهتدون لحق، ولا يبصرون صوابا، قد غلب عليهم
492
القول في تأويل قوله تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ايئس من فلاح هؤلاء العادلين بربهم الأوثان
492
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مسليه بذلك عما لقي من كفرة قومه في ذات الله،
497
وأما قوله: يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا فإنه يعني: أنه يلقي الملقي منهم القول الذي زينه وحسنه بالباطل إلى صاحبه، ليغتر به من سمعه فيضل عن سبيل الله. ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: شياطين الإنس والجن فقال بعضهم: معناه: شياطين الإنس التي
497
وأما قوله: زخرف القول غرورا فإنه المزين بالباطل كما وصفت قبل، يقال منه: زخرف كلامه وشهادته إذا حسن ذلك بالباطل ووشاه،
501
القول في تأويل قوله تعالى: ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون يقول تعالى ذكره: ولو شئت يا محمد أن يؤمن الذين كانوا لأنبيائي أعداء من شياطين الإنس والجن، فلا ينالهم مكرهم ويأمنوا غوائلهم وأذاهم، فعلت ذلك، ولكني لم أشأ ذلك لأبتلي بعضهم ببعض فيستحق
503
القول في تأويل قوله تعالى: ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون يقول تعالى ذكره: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ولتصغى إليه يقول جل ثناؤه: يوحي بعض هؤلاء الشياطين
503
القول في تأويل قوله تعالى: وليقترفوا ما هم مقترفون يقول تعالى ذكره: وليكتسبوا من الأعمال ما هم مكتسبون. حكي عن العرب سماعا منها: خرج يقترف لأهله، بمعنى يكسب لهم، ومنه قيل: قارف فلان هذا الأمر: إذا واقعه وعمله. وكان بعضهم يقول: هو التهمة
505
القول في تأويل قوله تعالى: أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بالله الأوثان والأصنام،
506
القول في تأويل قوله تعالى: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين يقول تعالى ذكره: إن أنكر هؤلاء العادلون بالله الأوثان من قومك توحيد الله، وأشركوا معه الأنداد، وجحدوا ما أنزلته إليك، وأنكروا أن يكون حقا، وكذبوا به
506
القول في تأويل قوله تعالى: وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم يقول تعالى ذكره: وكملت كلمة ربك، يعني القرآن. سماه كلمة كما تقول العرب للقصيدة من الشعر يقولها الشاعر: هذه كلمة فلان. صدقا وعدلا يقول: كملت كلمة ربك من الصدق
507
وأما قوله: وهو السميع العليم فإن معناه: والله السميع لما يقول هؤلاء العادلون بالله، المقسمون بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، وغير ذلك من كلام خلقه، العليم بما تئول إليه أيمانهم من بر وصدق، وكذب وحنث، وغير ذلك من أمور عباده
509
القول في تأويل قوله تعالى: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد يا محمد فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم، وأهلوا به
509
القول في تأويل قوله تعالى: إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثان، لئلا يضلوك عن سبيله، هو أعلم منك ومن جميع خلقه، أي خلقه يضل
509
القول في تأويل قوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين به وبآياته، فكلوا أيها المؤمنون مما ذكيتم من ذبائحكم وذبحتموه الذبح الذي بينت لكم أنه تحل به الذبيحة لكم، وذلك
511
القول في تأويل قوله تعالى: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين اختلف أهل العلم بكلام العرب في تأويل قوله: وما لكم ألا تأكلوا، فقال بعض نحويي
512
وأما قوله: إلا ما اضطررتم إليه فإنه يعني تعالى ذكره: أن ما اضطررنا إليه من المطاعم المحرمة التي بين تحريمها لنا في غير حال الضرورة لنا حلال ما كنا إليه مضطرين، حتى تزول الضرورة
514
القول في تأويل قوله تعالى: وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين يقول تعالى ذكره: وإن كثيرا من الناس الذين يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم أيها المؤمنون بالله من الميتة ليضلون أتباعهم بأهوائهم بغير علم منهم بصحة ما يقولون، ولا
515
القول في تأويل قوله تعالى: وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون يقول تعالى ذكره: ودعوا أيها الناس علانية الإثم، وذلك ظاهره، وسره، وذلك باطنه
516
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون يقول تعالى ذكره: إن الذين يعملون بما نهاهم الله عنه، ويركبون معاصي الله، ويأتون ما حرم الله، سيجزون يقول: سيثيبهم الله يوم القيامة بما كانوا في الدنيا يعملون من معاصيه
519
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون يعني بقوله جل ثناؤه: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه: لا تأكلوا أيها المؤمنون مما مات فلم تذبحوه أنتم
520
وأما قوله لفسق فإنه يعني: وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة وما أهل به لغير الله لفسق. واختلف أهل التأويل في معنى الفسق في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: المعصية. فتأويل الكلام على هذا: وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لمعصية لله وإثم
529
وأما قوله: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم، فقد ذكرنا اختلاف المختلفين في المعني بقوله: وإن الشياطين ليوحون، والصواب من القول فيه. وأما إيحاؤهم إلى أوليائهم، فهو إشارتهم إلى ما أشاروا لهم إليه، إما بقول، وإما برسالة، وإما بكتاب. وقد بينا معنى
530
وأما قوله: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون فإنه يعني: وإن أطعتموهم في أكل الميتة وما حرم عليكم ربكم
531
وأما قوله: إنكم لمشركون يعني: إنكم إذا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالا، فإذا أنتم أكلتموها كذلك فقد صرتم مثلهم مشركين. واختلف أهل العلم في هذه الآية: هل نسخ من حكمها شيء أم لا؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شيء، وهي محكمة فيما عنيت به،
531
القول في تأويل قوله تعالى: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون وهذا الكلام من الله جل ثناؤه يدل على نهيه المؤمنين برسوله يومئذ عن طاعة بعض المشركين الذين جادلوهم في
532
القول في تأويل قوله تعالى: كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: كما خذلت هذا الكافر الذي يجادلكم أيها المؤمنون بالله ورسوله في أكل ما حرمت عليكم من المطاعم عن الحق، فزينت له سوء عمله، فرآه حسنا ليستحق به ما أعددت له من أليم العقاب،
536
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون يقول جل ثناؤه: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكل قرية عظماءها مجرميها، يعني: أهل الشرك بالله والمعصية له، ليمكروا فيها
537
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون يقول تعالى ذكره: وإذا جاءت هؤلاء المشركين الذين يجادلون المؤمنين بزخرف القول
539
القول في تأويل قوله تعالى: سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، معلمه ما هو صانع بهؤلاء المتمردين عليه: سيصيب يا محمد الذي اكتسبوا الإثم بشركهم بالله وعبادتهم غيره صغار يعني: ذلة
540
وأما قوله: صغار عند الله فإن معناه: سيصيبهم صغار من عند الله، كقول القائل: سيأتيني رزقي عند الله، بمعنى: من عند الله، يراد بذلك: سيأتيني الذي لي عند الله. وغير جائز لمن قال: (سيصيبهم صغار عند الله) أن يقول: (جئت عند عبد الله) بمعنى: جئت
540
القول في تأويل قوله تعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: فمن يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه فيوفقه
541
القول في تأويل قوله تعالى: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا يقول تعالى ذكره: ومن أراد الله إضلاله عن سبيل الهدى يشغله بكفره وصده عن سبيله، ويجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه حرجا. والحرج: أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذ من شدة ضيقه، وهو ههنا الصدر
544
القول في تأويل قوله تعالى: كأنما يصعد في السماء وهذا مثل من الله تعالى ذكره ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه، لأن ذلك ليس في وسعه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
549
القول في تأويل قوله تعالى: كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء من ضيقه عن الإيمان، فيجزيه بذلك، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله
551
القول في تأويل قوله تعالى: وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون يقول تعالى ذكره: وهذا الذي بينا لك يا محمد في هذه السورة وغيرها من سور القرآن، هو صراط ربك، يقول: طريق ربك ودينه الذي ارتضاه لنفسه دينا وجعله مستقيما لا اعوجاج فيه، فاثبت
553
القول في تأويل قوله تعالى: لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون يعني تعالى ذكره بقوله: لهم: للقوم الذين يذكرون آيات الله فيعتبرون بها ويوقنون بدلالتها على ما دلت عليه من توحيد الله، ومن نبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك،
554
وأما قوله: وهو وليهم فإنه يقول: والله ناصر هؤلاء القوم الذين يذكرون آيات الله. بما كانوا يعملون يعني: جزاء بما كانوا يعملون من طاعة الله، ويتبعون رضوانه
554
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم يعني تعالى ذكره بقوله: ويوم يحشرهم
554
وعنى بقوله: قد استكثرتم من الإنس: استكثرتم من إضلالهم وإغوائهم
555
القول في تأويل قوله تعالى: وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض يقول تعالى ذكره: فيجيب أولياء الجن من الإنس فيقولون: ربنا استمتع بعضنا ببعض في الدنيا. فأما استمتاع الإنس بالجن فكان
556
القول في تأويل قوله تعالى: وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا يقول تعالى ذكره: قالوا: وبلغنا الوقت الذي وقت لموتنا. وإنما يعني جل ثناؤه بذلك أنهم قالوا: استمتع بعضنا ببعض أيام حياتنا إلى حال موتنا
556
القول في تأويل قوله تعالى: قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم وهذا خبر من الله تعالى ذكره عما هو قائل لهؤلاء الذين يحشرهم يوم القيامة من العادلين به في الدنيا الأوثان، ولقرنائهم من الجن، فأخرج الخبر عما هو كائن مخرج الخبر
557
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون
558
اختلف أهل التأويل في تأويل نولي، فقال بعضهم: معناه: نجعل بعضهم لبعض وليا على الكفر بالله
558
القول في تأويل قوله تعالى: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء
559
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قول مشركي الجن والإنس عند تقريعه إياهم بقوله لهم: ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟
562
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون يقول تعالى ذكره: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم: أي إنما أرسلنا الرسل يا محمد إلى من وصفت أمره، وأعلمتك خبره من مشركي الإنس والجن يقصون عليهم آياتي وينذرونهم لقاء معادهم
562
القول في تأويل قوله تعالى: ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون يقول تعالى ذكره: ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله، يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. وما ربك بغافل عما يعملون يقول جل ثناؤه: وكل
564
القول في تأويل قوله تعالى: وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين يقول جل ثناؤه: وربك يا محمد الذي أمر عباده بما أمرهم به، ونهاهم عما نهاهم عنه، وأثابهم على الطاعة وعاقبهم على المعصية، الغني عن عباده
564
وأما قوله: إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء فإنه يقول: إن يشأ ربك يا محمد الذي خلق خلقه لغير حاجة منه إليهم وإلى طاعتهم إياه يذهبكم يقول: يهلك خلقه هؤلاء الذين خلقهم من ولد آدم ويستخلف من بعدكم ما يشاء يقول: ويأت بخلق غيركم وأمم سواكم يخلفونكم
565
القول في تأويل قوله تعالى: إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين يقول تعالى ذكره للمشركين به: أيها العادلون بالله الأوثان والأصنام، إن الذي يوعدكم به ربكم من عقابه على إصراركم على كفركم واقع بكم، وما أنتم بمعجزين يقول: لن تعجزوا ربكم هربا منه في الأرض
566
القول في تأويل قوله تعالى: قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لقومك من قريش، الذين يجعلون مع الله إلها آخر: اعملوا على مكانتكم يقول:
567
القول في تأويل قوله تعالى: من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون يعني بقوله جل ثناؤه: من تكون له عاقبة الدار: فسوف تعلمون أيها الكفرة بالله عند معاينتكم العذاب، من الذي تكون له عاقبة الدار منا ومنكم، يقول: من الذي يعقب دنياه ما هو خير له منها
568
القول في تأويل قوله تعالى: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام لربهم
568
وأما قوله: ساء ما يحكمون، فإنه خبر من الله جل ثناؤه عن فعل هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم. يقول جل ثناؤه: وقد أساءوا في حكمهم إذ أخذوا من نصيبي لشركائهم، ولم يعطوني من نصيب شركائهم. وإنما عنى بذلك تعالى ذكره الخبر عن جهلهم وضلالتهم وذهابهم عن سبيل
573
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون يقول تعالى ذكره: وكما زين شركاء هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام لهم ما زينوا لهم، من تصييرهم لربهم من
573
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الجهلة من المشركين أنهم كانوا يحرمون ويحللون
577
القول في تأويل قوله تعالى: وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون يقول تعالى ذكره: وحرم هؤلاء الجهلة من المشركين ظهور بعض أنعامهم، فلا يركبون ظهورها، وهم ينتفعون برسلها ونتاجها، وسائر الأشياء منها غير
581
وأما قوله: افتراء على الله، فإنه يقول: فعل هؤلاء المشركون ما فعلوا من تحريمهم ما حرموا، وقالوا ما قالوا من ذلك، كذبا على الله، وتخرصا الباطل عليه، لأنهم أضافوا ما كانوا يحرمون من ذلك على ما وصفه عنهم جل ثناؤه في كتابه إلى أن الله هو الذي حرمه،
583
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: ما في بطون هذه الأنعام، فقال بعضهم: عنى بذلك اللبن
584
وأما قوله: ومحرم على أزواجنا، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني بالأزواج، فقال بعضهم: عنى بها النساء
587
وأما قوله: وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء فاختلفت القراء في قراءة ذلك
588
القول في تأويل قوله تعالى: سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم يقول جل ثناؤه: سيجزي: أي سيثيب ويكافئ هؤلاء المفترين عليه الكذب في تحريمهم ما لم يحرمه الله، وتحليلهم ما لم يحلله الله، وإضافتهم كذبهم في ذلك إلى الله. وقوله: وصفهم يعني بوصفهم الكذب على الله
589
وأما قوله: حكيم عليم، فإنه يقول جل ثناؤه: إن الله في مجازاتهم على وصفهم الكذب وقيلهم الباطل عليه، حكيم في سائر تدبيره في خلقه، عليم بما يصلحهم وبغير ذلك من أمورهم
590
القول في تأويل قوله تعالى: قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين يقول تعالى ذكره: قد هلك هؤلاء المفترون على ربهم الكذب، العادلون به الأوثان والأصنام، الذين زين لهم شركاؤهم قتل أولادهم،
590
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وهذا إعلام من الله تعالى ذكره ما أنعم به عليهم من
593
القول في تأويل قوله تعالى: والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر يقول جل ثناؤه: وأنشأ النخل والزرع مختلفا أكله، يعني بالأكل: الثمر، يقول: وخلق النخل والزرع مختلفا ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحب
594
القول في تأويل قوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: هذا أمر من الله بإيتاء الصدقة المفروضة من الثمر والحب
595
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين اختلف أهل التأويل في الإسراف الذي نهى الله عنه بهذه الآية، ومن المنهي عنه. فقال بعضهم: المنهي عنه: رب النخل والزرع والثمر، والسرف الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطية إلى
614
القول في تأويل قوله تعالى: ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين يقول تعالى ذكره: وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا، مع ما أنشأ من الجنات المعروشات وغير المعروشات. والحمولة: ما حمل عليه من الإبل وغيرها،
618
القول في تأويل قوله تعالى: كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين يقول جل ثناؤه: كلوا ممارزقكم الله أيها المؤمنون، فأحل لكم ثمرات حروثكم وغروسكم ولحوم أنعامكم، إذ حرم بعض ذلك على أنفسهم المشركون بالله، فجعلوا لله مما ذرأ من
623
القول في تأويل قوله تعالى: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين وهذا تقريع من الله جل ثناؤه العادلين به الأوثان من عبدة الأصنام الذين بحروا البحائر وسيبوا
623
القول في تأويل قوله تعالى: ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين وتأويل قوله: ومن
629
وأما قوله: أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم فإنه أمر من الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الجهلة من المشركين الذين قص قصصهم في هذه الآيات التي مضت، يقول له عز ذكره: قل لهم يا محمد
629
القول في تأويل قوله تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد
631
وأما قوله: أو دما مسفوحا فإن معناه: أو دما مسالا مهراقا، يقال منه: سفحت دمه: إذا أرقته، أسفحه سفحا، فهو دم مسفوح، كما قال طرفة بن العبد: إني وجدك ما هجوتك وال أنصاب يسفح فوقهن دم وكما قال عبيد بن الأبرص: إذا ما عاده منا نساء سفحن الدمع من بعد
633
القول في تأويل قوله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: فمن اضطر غير باغ ولا عاد والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأن معناه:
637
القول في تأويل قوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون يقول تعالى ذكره: وحرمنا على اليهود كل ذي ظفر، وهو من البهائم والطير ما لم
638
القول في تأويل قوله تعالى: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما اختلف أهل التأويل في الشحوم التي أخبر الله تعالى أنه حرمها على اليهود من البقر والغنم، فقال بعضهم: هي شحوم الثروب خاصة
641
وأما قوله: إلا ما حملت ظهورهما فإنه يعني: إلا شحوم الجنب وما علق بالظهر، فإنها لم تحرم عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
643
القول في تأويل قوله تعالى: أو الحوايا قال أبو جعفر: والحوايا جمع، واحدها حاوياء وحاوية وحوية: وهي ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي المباعر، وتسمى المرابض، وفيها الأمعاء. ومعنى الكلام: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا
643
القول في تأويل قوله تعالى: أو ما اختلط بعظم يقول تعالى ذكره: ومن البقر والغنم حرمنا على الذين هادوا شحومهما سوى ما حملت ظهورهما، أو ما حملت حواياهما، فإنا أحللنا ذلك لهم، وإلا ما اختلط بعظم فهو لهم أيضا حلال. فرد قوله: أو ما اختلط بعظم على قوله:
646
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون يقول تعالى ذكره: فهذا الذي حرمنا على الذين هادوا من الأنعام والطير، ذوات الأظافير غير المنفرجة، ومن البقر والغنم، ما حرمنا عليهم من شحومهما الذي ذكرنا في هذه الآية، حرمناه عليهم عقوبة منا
647
القول في تأويل قوله تعالى: فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإن كذبوك يا محمد هؤلاء اليهود فيما أخبرناك أنا حرمنا عليهم وحللنا لهم كما بينا في هذه الآية، فقل: ربكم ذو رحمة
647
القول في تأويل قوله تعالى: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون يقول جل ثناؤه: سيقول الذين أشركوا وهم العادلون
649
القول في تأويل قوله تعالى: قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام المحرمين ما هم له محرمون من الحروث والأنعام، القائلين:
652
القول في تأويل قوله تعالى: قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، القائلين على ربهم الكذب في تحريمهم ما حرموا من الحروث والأنعام، إن عجزوا عن إقامة
652
القول في تأويل قوله تعالى: قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المفترين على
654
القول في تأويل قوله تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون يقول
656
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم يعني تعالى ذكره بقوله: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق: ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإن الله هو رازقكم وإياهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافوا بحياتهم
657
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظاهر من الأشياء المحرمة عليكم التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطن منها الذي تأتونه سرا في خفاء لا تجاهرون به، فإن كل ذلك حرام. وقد قيل: إنما
659
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون يقول تعالى ذكره: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، يعني بالنفس التي حرم الله قتلها: نفس مؤمن
661
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون يعني جل ثناؤه بقوله: ولا تقربوا مال
662
وأما قوله: حتى يبلغ أشده فإن الأشد جمع شد، كما الأضر جمع ضر، وكما الأشر جمع شر. والشد: القوة، وهو استحكام قوة شبابه وسنه، كما شد النهار ارتفاعه وامتداده، يقال: أتيته شد النهار ومد النهار، وذلك حين امتداده وارتفاعه، وكان المفضل فيما بلغني ينشد
663
القول في تأويل قوله تعالى: وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها يقول تعالى ذكره: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وأن أوفوا الكيل والميزان، يقول: لا تبخسوا الناس الكيل إذا كلتوهم، والوزن إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم
665
وأما قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها، فإنه يقول: لا نكلف نفسا من إيفاء الكيل والوزن إلا ما يسعها، فيحل لها، ولا تحرج فيه. وذلك أن الله جل ثناؤه علم من عباده أن كثيرا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجب عليها له، فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقه
666
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون يعني تعالى ذكره بقوله: وإذا قلتم فاعدلوا وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم، فقولوا الحق بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا ولو كان الذي يتوجه الحق عليه
666
وأما قوله: ذلكم وصاكم به يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للعادلين بالله الأوثان والأصنام من قومك: هذه الأمور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الأشياء التي عهد إلينا ربنا ووصاكم بها ربكم وأمركم بالعمل بها، لا بالبحائر والسوائب
666
القول في تأويل قوله تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم وأمركم بالوفاء به، هو
669
القول في تأويل قوله تعالى: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون يعني جل ثناؤه بقوله: ثم آتينا موسى الكتاب، ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتاب. فترك ذكر (قل) ، إذ كان قد تقدم في أول
673
وأما قوله: وتفصيلا لكل شيء فإنه يعني: وتبيينا لكل شيء من أمر الدين الذي أمروا به. فتأويل الكلام إذن: ثم آتينا موسى التوراة تماما لنعمنا عنده وأيادينا قبله، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربه وقيامه بما كلفه من شرائع دينه، وتبيينا لكل ما
678
القول في تأويل قوله تعالى: وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تماما وتفصيلا لكل شيء. وهدى يعني بقوله (وهدى) : تقويما لهم على الطريق المستقيم، وبيانا لهم سبل الرشاد لئلا يضلوا. ورحمة يقول: ورحمة منا بهم ورأفة،
678
وأما قوله: لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون فإنه يعني: إيتائي موسى الكتاب تماما لكرامة الله موسى على إحسان موسى، وتفصيلا لشرائع دينه، وهدى لمن اتبعه ورحمة لمن كان منهم ضالا، لينجيه الله به من الضلالة، وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي وعظ بها خلقه
679
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
9
صفحه :
680
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir