responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر نویسنده : الطبري، أبو جعفر    جلد : 6  صفحه : 288
يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ مَصِيرَ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْيَهُودِ الْمُكَذِّبِينَ بِرَسُولِهِ، الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ، وَأَخْبَرَ عَنْ جَرَاءَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، وَمَصِيرِ غَيْرِهِمْ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَمَرْجِعِ جَمِيعِهِمْ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ حَتَّمَ الْمَوْتَ عَلَى جَمِيعِهِمْ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُ مَنْ كَذَّبَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، وَافْتِرَاءُ مَنِ افْتَرَى عَلَيَّ، فَقَدْ كُذِّبَ قَبْلَكَ رُسُلٌ جَاءُوا مِنَ الْآيَاتِ وَالْحُجَجِ مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ بِمِثْلِ الَّذِي جِئْتَ مَنْ أُرْسِلْتَ إِلَيْهِ، فَلَكَ فِيهِمْ أُسْوَةٌ تَتَعَزَّى بِهِمْ، وَمَصِيرُ مَنْ كَذَّبَكَ، وَافْتَرَى عَلَيَّ وَغَيْرِهِمْ، وَمَرْجِعُهُمْ إِلَيَّ، فَأُوَفِّيَ كُلَّ نَفْسٍ مِنْهُمْ جَزَاءَ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 185] يَعْنِي أُجُورَ أَعْمَالِكُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} [آل عمران: 185] ، يَقُولُ: فَمَنْ نُحِّيَ عَنِ النَّارِ وَأُبْعِدَ مِنْهَا {فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] يَقُولُ: فَقَدْ نَجَا وَظَفِرَ بِحَاجَتِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: فَازَ فُلَانٌ بِطِلْبَتِهِ يَفُوزُ فَوْزًا وَمَفَازًا وَمَفَازَةً: إِذَا ظَفِرَ بِهَا. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنْ نُحِّيَ عَنِ النَّارِ فَأُبْعِدَ مِنْهَا، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ، فَقَدْ نَجَا وَظَفِرَ بِعَظِيمِ الْكَرَامَةِ {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] يَقُولُ: وَمَا لَذَّاتُ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ زِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا، إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ، يَقُولُ: إِلَّا مُتْعَةٌ يُمَتِّعُكُمُوهَا الْغُرُورُ وَالْخِدَاعُ الْمُضْمَحِلُّ، الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَ الِامْتِحَانِ، وَلَا صِحَّةَ لَهُ عِنْدَ الِاخْتِبَارِ، فَأَنْتُمْ تَلْتَذُّونَ بِمَا مَتَّعَكُمُ الْغُرُورُ مِنْ دُنْيَاكُمْ، ثُمَّ هُوَ عَائِدٌ عَلَيْكُمْ بِالْفَجَائِعِ وَالْمَصَائِبِ وَالْمَكَارِهِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا فَتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ مِنْهَا فِي غُرُورٍ تُمَتَّعُونَ، ثُمَّ أَنْتُمْ عَنْهَا بَعْدَ قَلِيلٍ رَاحِلُونَ

وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا -[289]- جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] قَالَ: «كَزَادِ الرَّاعِي، تُزَوِّدُهُ الْكَفَّ مِنَ التَّمْرِ، أَوِ الشَّيْءَ مِنَ الدَّقِيقِ، أَوِ الشَّيْءَ يَشْرَبُ عَلَيْهِ اللَّبَنَ» فَكَأَنَّ ابْنَ سَابِطٍ ذَهَبَ فِي تَأْوِيلِهِ هَذَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعٌ قَلِيلٌ، لَا يُبَلِّغُ مَنْ تَمَتُّعُهُ وَلَا يَكْفِيهِ لِسَفَرِهِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ هُوَ مَا قُلْنَا، لِأَنَّ الْغُرُورَ إِنَّمَا هُوَ الْخِدَاعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِصَرْفِهِ إِلَى مَعْنَى الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ قَلِيلًا وَصَاحِبُهُ مِنْهُ فِي غَيْرِ خِدَاعٍ وَلَا غُرُورٍ؛ وَأَمَّا الَّذِي هُوَ فِي غُرُورٍ فَلَا الْقَلِيلُ يَصِحُّ لَهُ وَلَا الْكَثِيرُ مِمَّا هُوَ مِنْهُ فِي غُرُورٍ. وَالْغُرُورُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: غَرَّنِي فُلَانٌ، فَهُوَ يَغُرُّنِي غُرُورًا بِضَمِّ الْغَيْنِ؛ وَأَمَّا إِذَا فُتِحَتُ الْغَيْنُ مِنَ الْغُرُورِ فَهُوَ صِفَةٌ لِلشَّيْطَانِ الْغَرُورِ الَّذِي يَغُرُّ ابْنَ آدَمَ حَتَّى يُدْخِلَهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فِيمَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ عُقُوبَتَهُ

نام کتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر نویسنده : الطبري، أبو جعفر    جلد : 6  صفحه : 288
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست