مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
علوم القرآن
التجويد والقراءات
التفاسير
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
24
صفحه :
757
سورة النبإ
5
القول في تأويل قوله تعالى: عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون يقول تعالى ذكره: عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون بالله ورسوله من قريش يا محمد؟ وقيل ذلك له صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشا جعلت فيما ذكر عنها
5
وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين ينكرون بعث الله إياهم أحياء بعد مماتهم، وتوعدهم جل ثناؤه على هذا القول منهم، فقال: سيعلمون يقول: سيعلم هؤلاء الكفار المنكرون وعيد الله أعداءه، ما الله فاعل بهم يوم القيامة , ثم أكد
7
القول في تأويل قوله تعالى: ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا يقول تعالى ذكره معددا على هؤلاء المشركين نعمه وأياديه عندهم، وإحسانه إليهم، وكفرانهم ما أنعم به عليهم، ومتوعدهم
8
والجبال أوتادا يقول: والجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم.
9
وخلقناكم أزواجا ذكرانا وإناثا، وطوالا وقصارا، أو ذوي دمامة وجمال، مثل قوله: الذين ظلموا وأزواجهم يعني به: صيرناهم.
9
وجعلنا نومكم سباتا يقول: وجعلنا نومكم لكم راحة ودعة، تهدءون به وتسكنون، كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح؛ والسبت والسبات: هو السكون، ولذلك سمي السبت سبتا، لأنه يوم راحة ودعة.
9
وجعلنا الليل لباسا يقول تعالى ذكره: وجعلنا الليل لكم غشاء يتغشاكم سواده، وتغطيكم ظلمته، كما يغطي الثوب لابسه، لتسكنوا فيه عن التصرف لما كنتم تتصرفون له نهارا؛ ومنه قول الشاعر: فلما لبسن الليل أو حين نصبت له من خذا آذانها وهو دالح يعني بقوله لبسن
9
وقوله: وجعلنا النهار معاشا يقول: وجعلنا النهار لكم ضياء لتنتشروا فيه لمعاشكم، وتتصرفوا فيه لمصالح دنياكم، وابتغاء فضل الله فيه، وجعل جل ثناؤه النهار إذ كان سببا لتصرف عباده لطلب المعاش فيه معاشا، كما في قول الشاعر: وأخو الهموم إذا الهموم تحضرت جنح
9
القول في تأويل قوله تعالى: وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا يقول تعالى ذكره: وبنينا فوقكم وسقفنا فوقكم، فجعل السقف بناء، إذ كانت العرب تسمي سقوف البيوت، وهي سماؤها بناء، وكانت السماء للأرض سقفا، فخاطبهم
10
وقوله: وجعلنا سراجا وهاجا يقول تعالى ذكره: وجعلنا سراجا، يعني بالسراج: الشمس. وقوله وهاجا يعني: وقادا مضيئا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
10
وقوله: وأنزلنا من المعصرات اختلف أهل التأويل في المعني بالمعصرات، فقال بعضهم: عني بها الرياح التي تعصر في هبوبها.
11
وأما قوله: ماء ثجاجا يقول: ماء منصبا يتبع بعضه بعضا، كثج دماء البدن، وذلك سفكها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
14
القول في تأويل قوله تعالى: لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا يقول تعالى ذكره: لنخرج بالماء الذي ننزله من المعصرات إلى الأرض حبا؛ والحب كل ما
16
وقوله: وجنات ألفافا يقول: ولنخرج بذلك الغيث جنات وهي البساتين؛ وقال: وجنات، والمعنى: وثمر جنات، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره
16
وقوله: ألفافا يعني: ملتفة مجتمعة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
16
وقوله: إن يوم الفصل كان ميقاتا يقول تعالى ذكره: إن يوم يفصل الله فيه بين خلقه، فيأخذ فيه من بعضهم لبعض، كان ميقاتا لما أنفذ الله لهؤلاء المكذبين بالبعث، ولضربائهم من الخلق وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
18
وقوله: يوم ينفخ في الصور ترجم ب يوم ينفخ عن يوم الفصل، فكأنه قيل: يوم الفصل كان أجلا لما وعدنا هؤلاء القوم، يوم ينفخ في الصور. وقد بينت معنى الصور فيما مضى قبل، وذكرت اختلاف أهل التأويل فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، وهو قرن ينفخ فيه
18
وقوله: فتأتون أفواجا يقول: فيجيئون زمرا زمرا، وجماعة جماعة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
19
وقوله: وفتحت السماء فكانت أبوابا يقول تعالى ذكره: وشققت السماء فصدعت، فكانت طرقا، وكانت من قبل شدادا لا فطور فيها ولا صدوع. وقيل: معنى ذلك: وفتحت السماء فكانت قطعا كقطع الخشب المشققة لأبواب الدور والمساكن قالوا: ومعنى الكلام: وفتحت السماء فكانت
19
وقوله: وسيرت الجبال فكانت سرابا يقول: ونسفت الجبال فاجتثت من أصولها، فصيرت هباء منبثا، لعين الناظر، كالسراب الذي يظن من يراه من بعد ماء، وهو في الحقيقة هباء
20
القول في تأويل قوله تعالى: إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا يعني تعالى ذكره بقوله: إن جهنم كانت ذات رصد لأهلها، الذين كانوا يكذبون في الدنيا بها، وبالمعاد إلى الله في الآخرة، ولغيرهم
20
وقوله: للطاغين مآبا يقول تعالى ذكره: إن جهنم للذين طغوا في الدنيا، فتجاوزوا حدود الله، استكبارا على ربهم، كانت منزلا مرجعا يرجعون إليه، ومصيرا يصيرون إليه يسكنونه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
21
وقوله: لابثين فيها أحقابا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الطاغين في الدنيا لابثون في جهنم، فماكثون فيها أحقابا واختلفت القراء في قراءة قوله: لابثين فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة: لابثين بالألف. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: (لبثين)
22
وقوله: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا يقول: لا يطعمون فيها بردا يبرد حر السعير عنهم، إلا الغساق، ولا شرابا يرويهم من شدة العطش الذي بهم، إلا الحميم. وقد زعم بعض أهل العلم بكلام العرب أن البرد في هذا الموضع النوم، وأن معنى الكلام: لا يذوقون فيها
27
وقوله: إلا حميما وغساقا يقول تعالى ذكره: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما قد أغلي حتى انتهى حره، فهو كالمهل يشوي الوجوه، ولا برد إلا غساقا واختلف أهل التأويل في معنى الغساق، فقال بعضهم: هو ما سال من صديد أهل جهنم
28
القول في تأويل قوله تعالى: جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا يقول تعالى ذكره: هذا العقاب الذي عوقب له هؤلاء الكفار في الآخرة، فعله بهم ربهم جزاء، يعني: ثوابا لهم على أفعالهم
32
وقوله: إنهم كانوا لا يرجون حسابا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الكفار كانوا في الدنيا لا يخافون محاسبة الله إياهم في الآخرة على نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، وسوء شكرهم له على ذلك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
34
وقوله: وكذبوا بآياتنا كذابا يقول تعالى ذكره: وكذب هؤلاء الكفار بحججنا وأدلتنا تكذيبا. وقيل: كذابا ولم يقل تكذيبا، تصديرا على فعله وكان بعض نحويي البصرة يقول: قيل ذلك لأن فعل منه على أربعة، فأراد أن يجعله مثل باب أفعلت، ومصدر أفعلت إفعالا، فقال:
35
وقوله: وكل شيء أحصيناه كتابا يقول تعالى ذكره: وكل شيء أحصيناه فكتبناه كتابا، كتبنا عدده ومبلغه وقدره، فلا يغرب عنا علم شيء منه؛ ونصب كتابا، لأن في قوله: أحصيناه مصدر أثبتناه وكتبناه، كأنه قيل: وكل شيء كتبناه كتابا
36
وقوله: فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا يقول جل ثناؤه: يقال لهؤلاء الكفار في جهنم إذا شربوا الحميم والغساق: ذوقوا أيها القوم من عذاب الله الذي كنتم به في الدنيا تكذبون، فلن نزيدكم إلا عذابا على العذاب الذي أنتم فيه لا تخفيفا منه، ولا ترفها
36
القول في تأويل قوله تعالى: إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا يقول: إن للمتقين منجى من النار إلى الجنة، ومخلصا منهم لهم إليها، وظفرا بما طلبوا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
37
وقوله: حدائق والحدائق: ترجمة وبيان عن المفاز، وجاز أن يترجم بها عنه، لأن المفاز مصدر من قول القائل: فاز فلان بهذا الشيء: إذا طلبه فظفر به، فكأنه قيل: إن للمتقين ظفرا بما طلبوا من حدائق وأعناب؛ والحدائق: جمع حديقة. وهي البساتين من النخل
38
وقوله: وأعنابا يعني: وكروم أعناب، واستغنى بذكر الأعناب عن ذكر الكروم
38
وقوله: وكواعب أترابا يقول: ونواهد في سن واحد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
38
وقوله: وكأسا دهاقا يقول: وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء؛ وأصله من الدهق: وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
39
وقوله: لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا يقول تعالى ذكره: لا يسمعون في الجنة لغوا، يعني باطلا من القول، ولا كذابا، يقول: ولا مكاذبة، أي لا يكذب بعضهم بعضا وقرأت القراء في الأمصار بتشديد الذال على ما بينت في قوله: وكذبوا بآياتنا كذابا سوى الكسائي فإنه
42
القول في تأويل قوله تعالى: جزاء من ربك عطاء حسابا رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا يعني بقوله جل ثناؤه: جزاء من ربك عطاء أعطى الله هؤلاء المتقين ما وصف في
43
وقوله: حسابا يقول: محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
44
وقوله: رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن يقول جل ثناؤه: جزاء من ربك رب السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلق واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة: (رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن) بالرفع في كليهما. وقرأ ذلك بعض أهل البصرة
45
وقوله: الرحمن لا يملكون منه خطابا يقول تعالى ذكره: الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة، إلا من أذن له منهم، وقال صوابا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
45
وقوله: يوم يقوم الروح اختلف أهل العلم في معنى الروح في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو ملك من أعظم الملائكة خلقا
46
وقوله: لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن قيل: إنهم يؤذن لهم في الكلام، حين يؤمر بأهل النار إلى النار، وبأهل الجنة إلى الجنة
51
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا يقول تعالى ذكره: ذلك اليوم يعني: يوم القيامة، وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفا. الحق يقول: إنه
52
وقوله: فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا يقول: فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحق، والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله مآبا يعني: مرجعا؛ وهو مفعل، من قولهم: آب فلان من سفره، كما قال عبيد: وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
52
وقوله: إنا أنذرناكم عذابا قريبا يقول: إنا حذرناكم أيها الناس عذابا قد دنا منكم وقرب. وذلك يوم ينظر المرء المؤمن ما قدمت يداه من خير اكتسبه في الدنيا، أو شرك سلفه، فيرجو ثواب الله على صالح أعماله، ويخاف عقابه على سيئها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
53
وقوله: ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا يقول تعالى ذكره: ويقول الكافر يومئذ تمنيا لما يلقى من عذاب الله الذي أعده لأصحابه الكافرين به: يا ليتني كنت ترابا، كالبهائم التي جعلت ترابا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
54
سورة النازعات
57
القول في تأويل قوله تعالى: والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة أقسم ربنا جل جلاله بالنازعات، واختلف أهل التأويل فيها، وما هي؟ وما تنزع؟ فقال بعضهم
57
وقوله: والناشطات نشطا اختلف أهل التأويل أيضا فيهن، وما هن، وما الذي ينشط، فقال بعضهم: هم الملائكة، تنشط نفس المؤمن فتقبضها، كما ينشط العقال من البعير إذا حل عنه
59
وقوله: والسابحات سبحا يقول تعالى ذكره: واللواتي تسبح سبحا واختلف أهل التأويل في التي أقسم بها جل ثناؤه من السابحات، فقال بعضهم: هي الموت تسبح في نفس ابن آدم
62
وقوله: فالسابقات سبقا اختلف أهل التأويل فيها، فقال بعضهم: هي الملائكة
63
وقوله: فالمدبرات أمرا يقول: فالملائكة المدبرة ما أمرت به من أمر الله، وكذلك قال أهل التأويل
64
وقوله: يوم ترجف الراجفة يقول تعالى ذكره: يوم ترجف الأرض والجبال للنفخة الأولى تتبعها الرادفة تتبعها أخرى بعدها، وهي النفخة الثانية التي ردفت الأولى، لبعث يوم القيامة
65
وقوله: قلوب يومئذ واجفة يقول تعالى ذكره: قلوب خلق من خلقه يومئذ خائفة من عظيم الهول النازل
68
وقوله: أبصارها خاشعة يقول: أبصار أصحابها ذليلة مما قد علاها من الكآبة والحزن من الخوف والرعب الذي قد نزل بهم، من عظيم هول ذلك اليوم، كما:
69
القول في تأويل قوله تعالى: يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المكذبون بالبعث من مشركي قريش إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون من بعد الموت: أئنا
69
وقوله: أئذا كنا عظاما نخرة اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والحجاز والبصرة نخرة بمعنى: بالية. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: (ناخرة) بألف، بمعنى: أنها مجوفة، تنخر الرياح في جوفها إذا مرت بها. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من
72
قالوا تلك إذا كرة خاسرة يقول جل ثناؤه عن قيل هؤلاء المكذبين بالبعث، قالوا: تلك، يعنون تلك الرجعة، أحياء بعد الممات، إذا: يعنون الآن، كرة: يعنون رجعة خاسرة، يعنون غابنة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
73
وقوله: فإنما هي زجرة واحدة يقول تعالى ذكره: فإنما هي صيحة واحدة، ونفخة تنفخ في الصور، وذلك هو الزجرة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
73
وقوله: فإذا هم بالساهرة يقول تعالى ذكره: فإذا هؤلاء المكذبون بالبعث، المتعجبون من إحياء الله إياهم من بعد مماتهم، تكذيبا منهم بذلك، بالساهرة، يعني بظهر الأرض. والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض: ساهرة، وأراهم سموا ذلك بها، لأن فيه نوم الحيوان وسهرها
74
القول في تأويل قوله تعالى: هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران، وهل سمعت خبره حين ناجاه ربه بالواد المقدس،
78
وقوله: اذهب إلى فرعون إنه طغى يقول تعالى ذكره: نادى موسى ربه: أن اذهب إلى فرعون، فحذفت أن، إذ كان النداء قولا، فكأنه قيل لموسى قال ربه: اذهب إلى فرعون وقوله: إنه طغى يقول: عتا وتجاوز حده في العدوان، والتكبر على ربه
80
وقوله: فقل هل لك إلى أن تزكى يقول: فقل له: هل لك إلى أن تتطهر من دنس الكفر، وتؤمن بربك؟ كما:
80
القول في تأويل قوله تعالى: وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى يقول تعالى ذكره لنبيه موسى: قل لفرعون: هل لك إلى أن أرشدك إلى ما يرضي ربك عنك، وذلك الدين القيم فتخشى يقول: فتخشى عقابه بأداء
81
وقوله: فأراه الآية الكبرى يقول تعالى ذكره: فأرى موسى فرعون الآية الكبرى، يعني الدلالة الكبرى على أنه لله رسول أرسله إليه، فكانت تلك الآية يد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين، وعصاه إذ تحولت ثعبانا مبينا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
82
وقوله: فكذب وعصى يقول: فكذب فرعون موسى فيما أتاه من الآيات المعجزة، وعصاه فيما أمره به من طاعته ربه، وخشيته إياه
83
وقوله: ثم أدبر يسعى يقول: ثم ولى معرضا عما دعاه إليه موسى من طاعته ربه، وخشيته وتوحيده يسعى يقول: يعمل في معصية الله، وفيما يسخطه عليه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
83
وقوله: فحشر فنادى يقول: فجمع قومه وأتباعه فنادى فيهم فقال لهم: أنا ربكم الأعلى الذي كل رب دوني، وكذب الأحمق وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
83
القول في تأويل قوله تعالى: فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها يعني تعالى ذكره بقوله: فأخذه الله فعاقبه الله نكال الآخرة والأولى يقول عقوبة الآخرة من كلمتيه، وهي قوله: أنا ربكم
83
وقوله: إن في ذلك لعبرة لمن يخشى يقول تعالى ذكره: إن في العقوبة التي عاقب الله بها فرعون في عاجل الدنيا، وفي أخذه إياه، نكال الآخرة والأولى: عظة ومعتبرا لمن يخاف الله. ويخشى عقابه، وأخرج نكال الآخرة مصدرا من قوله فأخذه الله لأن قوله: فأخذه الله
88
وقوله: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها يقول تعالى ذكره للمكذبين بالبعث من قريش، القائلين أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة: أنتم أيها الناس أشد خلقا، أم السماء بناها ربكم؟ فإن من بنى السماء فرفعها سقفا، هين عليه خلقكم وخلق أمثالكم،
88
وقوله: رفع سمكها فسواها يقول تعالى ذكره: فسوى السماء، فلا شيء أرفع من شيء، ولا شيء أخفض من شيء، ولكن جميعها مستوي الارتفاع والامتداد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
88
القول في تأويل قوله تعالى: وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها
89
وقوله: وأغطش ليلها يقول تعالى ذكره: وأظلم ليل السماء، فأضاف الليل إلى السماء، لأن الليل غروب الشمس، وغروبها وطلوعها فيها، فأضيف إليها لما كان فيها، كما قيل نجوم الليل، إذ كان فيه الطلوع والغروب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
89
وقوله: وأخرج ضحاها يقول: وأخرج ضياءها، يعني: أبرز نهارها فأظهره، ونور ضحاها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
91
وقوله: والأرض بعد ذلك دحاها اختلف أهل التأويل في معنى قوله بعد ذلك فقال بعضهم: دحيت الأرض من بعد خلق السماء
92
وقوله: أخرج منها ماءها يقول: فجر فيها الأنهار ومرعاها يقول: أنبت نباتها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
96
وقوله: والجبال أرساها يقول: والجبال أثبتها فيها، وفي الكلام متروك استغنى بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو فيها، وذلك أن معنى الكلام: والجبال أرساها فيها
96
القول في تأويل قوله تعالى: متاعا لكم ولأنعامكم فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى يعني تعالى ذكره بقوله: متاعا لكم ولأنعامكم أنه خلق هذه الأشياء، وأخرج من الأرض ماءها ومرعاها، منفعة لنا، ومتاعا إلى حين
97
وقوله: فإذا جاءت الطامة الكبرى يقول تعالى ذكره: فإذا جاءت التي تطم على كل هائلة من الأمور، فتغمر ما سواها بعظيم هولها، وقيل: إنها اسم من أسماء يوم القيامة
97
وقوله: يوم يتذكر الإنسان ما سعى يقول: إذا جاءت الطامة يوم يتذكر الإنسان ما عمل في الدنيا من خير وشر، وذلك سعيه
97
وبرزت الجحيم يقول: وأظهرت الجحيم، وهي نار الله لمن يراها. يقول: لأبصار الناظرين
98
القول في تأويل قوله تعالى: فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى يقول تعالى ذكره: فأما من عتا على ربه، وعصاه واستكبر عن عبادته
98
قوله: وآثر الحياة الدنيا يقول: وآثر متاع الحياة الدنيا على كرامة الآخرة، وما أعد الله فيها لأوليائه، فعمل للدنيا، وسعى لها، وترك العمل للآخرة
98
فإن الجحيم هي المأوى يقول: فإن نار الله التي اسمها الجحيم، هي منزله ومأواه، ومصيره الذي يصير إليه يوم القيامة
98
وقوله: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى يقول: وأما من خاف مسألة الله إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه، فاتقاه، بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه ونهى النفس عن الهوى يقول: ونهى نفسه عن هواها فيما يكرهه الله، ولا يرضاه منها، فزجرها عن ذلك،
98
فإن الجنة هي المأوى يقول: فإن الجنة هي مأواه ومنزله يوم القيامة وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في معنى قوله: ولمن خاف مقام ربه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع
98
القول في تأويل قوله تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يسألك يا محمد هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة
99
وقوله: إلى ربك منتهاها يقول: إلى ربك منتهى علمها، أي إليه ينتهي علم الساعة، لا يعلم وقت قيامها غيره
100
وقوله: إنما أنت منذر من يخشاها يقول تعالى ذكره لمحمد: إنما أنت رسول مبعوث بإنذار الساعة من يخاف عقاب الله فيها على إجرامه، ولم تكلف علم وقت قيامها، يقول: فدع ما لم تكلف علمه، واعمل بما أمرت به، من إنذار من أمرت بإنذاره واختلف القراء في قراءة قوله
100
وقوله: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها يقول جل ثناؤه: كأن هؤلاء المكذبين بالساعة، يوم يرون أن الساعة قد قامت، من عظيم هولها، لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم، أو ضحى تلك العشية؛ والعرب تقول: آتيك العشية أو غداتها، وآتيك الغداة أو
101
سورة عبس
102
القول في تأويل قوله تعالى: عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى يعني تعالى ذكره بقوله: عبس: قبض وجهه تكرها وتولى يقول: وأعرض أن جاءه الأعمى يقول: لأن جاءه الأعمى. وقد ذكر عن بعض القراء أنه كان يطول الألف ويمدها من أن
102
وقوله: وما يدريك لعله يزكى يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا محمد، لعل هذا الأعمى الذي عبست في وجهه يزكى: يقول: يتطهر من ذنوبه
105
قوله: أو يذكر فتنفعه الذكرى يقول: أو يتذكر فتنفعه الذكرى: يعني يعتبر فينفعه الاعتبار والاتعاظ، والقراءة على رفع: فتنفعه عطفا به على قوله: يذكر وقد روي عن عاصم النصب فيه والرفع، والنصب على أن تجعله جوابا بالفاء للعل، كما قال الشاعر: على صروف
106
القول في تأويل قوله تعالى: أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أما من استغنى بماله. فأنت له تتعرض، رجاء أن يسلم
107
وما عليك ألا يزكى يقول: وأي شيء عليك أن لا يتطهر من كفره فيسلم؟
107
وأما من جاءك يسعى وهو يخشى يقول: وأما هذا الأعمى الذي جاءك سعيا وهو يخشى الله ويتقيه
107
فأنت عنه تلهى يقول: فأنت عنه تعرض، وتشاغل عنه بغيره وتغافل
107
القول في تأويل قوله تعالى: كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة قتل الإنسان ما أكفره يقول تعالى ذكره: كلا ما الأمر كما تفعل يا محمد، من أن تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدى لمن استغنى
107
إنها تذكرة يقول: إن هذه العظة وهذه السورة تذكرة يقول: عظة وعبرة.
107
فمن شاء ذكره يقول: فمن شاء من عباد الله ذكره، يقول: ذكر تنزيل الله ووحيه، والهاء في قوله إنها للسورة، وفي قوله ذكره للتنزيل والوحي
107
في صحف يقول إنها تذكرة في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة. يعني في اللوح المحفوظ، وهو المرفوع المطهر عند الله
108
وقوله: بأيدي سفرة يقول: الصحف المكرمة بأيدي سفرة، جمع سافر واختلف أهل التأويل فيهم ما هم؟ فقال بعضهم: هم كتبة
108
وقوله: كرام بررة والبررة: جمع بار، كما الكفرة جمع كافر، والسحرة جمع ساحر، غير أن المعروف من كلام العرب إذا نطقوا بواحدة أن يقولوا: رجل بر، وامرأة برة، وإذا جمعوا ردوه إلى جمع فاعل، كما قالوا: رجل سري، ثم قالوا في جمعه: قوم سراة، وكان القياس
109
قوله: قتل الإنسان ما أكفره يقول تعالى ذكره: لعن الإنسان الكافر ما أكفره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد
110
القول في تأويل قوله تعالى: من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقض ما أمره يقول تعالى ذكره: من أي شيء خلق الإنسان الكافر ربه حتى يتكبر. ويتعظم عن طاعة ربه، والإقرار بتوحيده ثم بين جل ثناؤه الذي
110
وقوله: ثم أماته فأقبره يقول: ثم قبض روحه، فأماته بعد ذلك. يعني بقوله: أقبره: صيره ذا قبر، والقابر: هو الدافن الميت بيده، كما قال الأعشى: لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر والمقبر: هو الله، الذي أمر عباده أن يقبروه بعد وفاته،
113
وقوله: ثم إذا شاء أنشره يقول: ثم إذا شاء الله أنشره بعد مماته وأحياه، يقال: أنشر الله الميت، بمعنى: أحياه، ونشر الميت بمعنى حيي هو بنفسه؛ ومنه قول الأعشى: حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
114
وقوله: كلا لما يقض ما أمره يقول تعالى ذكره: كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر، من أنه قد أدى حق الله عليه، في نفسه وماله لما يقض ما أمره: لم يؤد ما فرض عليه من الفرائض ربه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
114
القول في تأويل قوله تعالى: فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا يقول تعالى ذكره: فلينظر هذا الإنسان الكافر المنكر توحيد الله إلى طعامه كيف دبره؟
114
وقوله: أنا صببنا الماء صبا يقول: أنا أنزلنا الغيث من السماء إنزالا، وصببناه عليها صبا
115
ثم شققنا الأرض شقا يقول: ثم فتقنا الأرض، فصدعناها بالنبات
116
فأنبتنا فيها حبا يعني حب الزرع، وهو كل ما أخرجته الأرض من الحبوب، كالحنطة والشعير وغير ذلك
116
وعنبا يقول: وكرم عنب
116
وقضبا يعني بالقضب: الرطبة، وأهل مكة يسمون القت القضب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
116
وقوله: وزيتونا وهو الزيتون الذي منه الزيت
116
ونخلا وحدائق غلبا وقد بينا أن الحديقة البستان المحوط عليه
116
وقوله: غلبا يعني: غلاظا ويعني بقوله: غلبا أشجارا في بساتين غلاظ والغلب: جمع أغلب، وهو الغليظ الرقبة من الرجال؛ ومنه قول الفرزدق: عوى فأثار أغلب ضيغميا فويل ابن المراغة ما استثارا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، على اختلاف منهم في البيان
116
القول في تأويل قوله تعالى: وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة يقول تعالى
119
وقوله: متاعا لكم يقول: أنبتنا هذه الأشياء التي يأكلها بنو آدم متاعا لكم أيها الناس، ومنفعة تتمتعون بها وتنتفعون، والتي يأكلها الأنعام لأنعامكم، وأصل الأنعام الإبل، ثم تستعمل في كل راعية. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
123
وقوله: فإذا جاءت الصاخة ذكر أنها اسم من أسماء القيامة، وأحسبها مأخوذة من قولهم: صاخ فلان لصوت فلان: إذا استمع له، إلا أن هذا يقال منه: هو مصيخ له، ولعل الصوت هو الصاخ، فإن يكن ذلك كذلك، فينبغي أن يكون قيل ذلك لنفخة الصور ذكر من قال: هو اسم من
124
وقوله: يوم يفر المرء من أخيه يقول: فإذا جاءت الصاخة في هذا اليوم الذي يفر فيه المرء من أخيه. ويعني بقوله: يفر من أخيه يفر عن أخيه وأمه وأبيه وصاحبته يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا وبنيه حذرا من مطالبتهم إياه، بما بينه وبينهم من التبعات
124
لكل امرئ منهم يعني من الرجل وأخيه وأمه وأبيه. وسائر من ذكر في هذه الآية يومئذ يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخة يوم القيامة شأن يغنيه يقول: أمر يغنيه، ويشغله عن شأن غيره
125
وقوله: وجوه يومئذ مسفرة يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ مشرقة مضيئة، وهي وجوه المؤمنين الذين قد رضي الله عنهم. يقال: أسفر وجه فلان: إذا حسن، ومنه أسفر الصبح: إذا أضاء، وكل مضيء فهو مسفر؛ وأما سفر بغير ألف، فإنما يقال للمرأة إذا ألقت نقابها عن
126
وقوله: ووجوه يومئذ عليها غبرة يقول تعالى ذكره: ووجوه وهي وجوه الكفار يومئذ عليها غبرة. ذكر أن البهائم التي يصيرها الله ترابا يومئذ بعد القضاء بينها، يحول ذلك التراب غبرة في وجوه أهل الكفر
127
ترهقها قترة يقول: يغشى تلك الوجوه قترة، وهي الغبرة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
127
وقوله: أولئك هم الكفرة الفجرة يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم يوم القيامة هم الكفرة بالله، كانوا في الدنيا الفجرة في دينهم، لا يبالون ما أتوا به من معاصي الله، وركبوا من محارمه، فجزاهم الله بسوء أعمالهم ما أخبر به عباده
127
سورة التكوير
128
القول في تأويل قوله تعالى: إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إذا الشمس كورت فقال بعضهم: معنى ذلك: إذا الشمس ذهب ضوءها
128
وقوله: وإذا النجوم انكدرت يقول: وإذا النجوم تناثرت من السماء فتساقطت، وأصل الانكدار: الانصباب، كما قال العجاج: أبصر خربان فضاء فانكدر يعني بقوله: انكدر: انصب
132
وقوله: وإذا الجبال سيرت يقول: وإذا الجبال سيرها الله، فكانت سرابا، وهباء منبثا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
133
قوله: وإذا العشار عطلت والعشار: جمع عشراء، وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر من حملها. يقول تعالى ذكره: وإذا هذه الحوامل التي يتنافس أهلها فيها أهملت فتركت، من شدة الهول النازل بهم، فكيف بغيرها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
134
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت وإذا النفوس زوجت وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت وإذا الصحف نشرت اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وإذا الوحوش حشرت فقال بعضهم: معنى ذلك: ماتت
135
وقوله: وإذا البحار سجرت اختلفت أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وإذا البحار اشتعلت نارا وحميت
137
وقوله: وإذا النفوس زوجت اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: ألحق كل إنسان بشكله، وقرن بين الضرباء والأمثال
141
وقوله: وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه أبو الضحى مسلم بن صبيح: (وإذا الموءودة سألت بأي ذنب قتلت) بمعنى: سألت الموءودة الوائدين: بأي ذنب قتلوها
145
وقوله: وإذا الصحف نشرت يقول تعالى ذكره: وإذا صحف أعمال العباد نشرت لهم، بعد أن كانت مطوية على ما فيها مكتوب، من الحسنات والسيئات وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
148
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا السماء كشطت وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس يقول تعالى ذكره: وإذا السماء نزعت وجذبت، ثم طويت وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
149
وقوله وإذا الجحيم سعرت يقول تعالى ذكره: وإذا الجحيم أوقد عليها فأحميت
150
وقوله: وإذا الجنة أزلفت يقول تعالى ذكره: وإذا الجنة قربت وأدنيت وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
150
وقوله: علمت نفس ما أحضرت يقول تعالى ذكره: علمت نفس عند ذلك ما أحضرت من خير، فتصير به إلى الجنة، أو شر فتصير به إلى النار، يقول: يتبين له عند ذلك ما كان جاهلا به، وما الذي كان فيه صلاحه من غيره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
151
وقوله: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس اختلف أهل التأويل في الخنس الجوار الكنس. فقال بعضهم: هي النجوم الدراري الخمسة، تخنس في مجراها فترجع، وتكنس فتستتر في بيوتها، كما تكنس الظباء في المغار، والنجوم الخمسة: بهرام، وزحل، وعطارد، والزهرة، والمشتري
152
القول في تأويل قوله تعالى: واليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين أقسم ربنا جل ثناؤه بالليل إذا عسعس، يقول: وأقسم بالليل إذا عسعس واختلف أهل التأويل في قوله والليل إذا عسعس فقال بعضهم: عنى بقوله: إذا عسعس إذا أدبر
159
وقوله: والصبح إذا تنفس يقول: وضوء النهار إذا أقبل وتبين وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
162
وقوله: إنه لقول رسول كريم يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن لتنزيل رسول كريم، يعني جبريل، نزله على محمد بن عبد الله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
163
وقوله: ذي قوة عند ذي العرش مكين يقول تعالى ذكره: ذي قوة، يعني جبرائيل على ما كلف من أمر غير عاجز
163
عند ذي العرش مكين يقول: هو مكين عند رب العرش العظيم
163
القول في تأويل قوله تعالى: مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون يقول تعالى ذكره: مطاع ثم يعني جبريل صلى الله عليه وسلم، مطاع في السماء تطيعه الملائكة أمين يقول: أمين عند الله
163
وقوله: وما صاحبكم بمجنون يقول تعالى ذكره: وما صاحبكم أيها الناس محمد بمجنون، فيتكلم عن جنة، ويهذي هذيان المجانين، بل جاء بالحق، وصدق المرسلين وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
165
وقوله: ولقد رآه بالأفق المبين يقول تعالى ذكره: ولقد رآه أي محمد جبريل صلى الله عليه وسلم في صورته بالناحية التي تبين الأشياء، فترى من قبلها، وذلك من ناحية مطلع الشمس من قبل المشرق وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
166
وقوله: وما هو على الغيب بضنين اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة بضنين بالضاد، بمعنى أنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علمه الله، وأنزل إليه من كتابه. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين: (بظنين) بالظاء، بمعنى أنه غير متهم
167
وقوله: وما هو بقول شيطان رجيم يقول تعالى ذكره: وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون مطرود، ولكنه كلام الله ووحيه
171
وقوله: فأين تذهبون يقول تعالى ذكره: فأين تذهبون عن هذا القرآن، وتعدلون عنه؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
171
القول في تأويل قوله تعالى: إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن، وقوله: هو من ذكر القرآن إلا ذكر للعالمين يقول: إلا تذكرة وعظة للعالمين من الجن والإنس. لمن شاء منكم أن
171
وقوله: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين يقول تعالى ذكره: وما تشاءون أيها الناس الاستقامة على الحق، إلا أن يشاء الله ذلك لكم
172
سورة الانفطار
174
القول في تأويل قوله تعالى: إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت يقول تعالى ذكره: إذا السماء انفطرت: انشقت وإذا كواكبها انتثرت منها فتساقطت. وإذا البحار فجرت يقول: فجر الله بعضها في بعض،
174
وقوله: وإذا القبور بعثرت يقول: وإذا القبور أثيرت، فاستخرج من فيها من الموتى أحياء. يقال: بعثر فلان حوض فلان: إذا جعل أسفله أعلاه، يقال: بعثره وبحثره: لغتان وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
175
وقوله: علمت نفس ما قدمت وأخرت يقول تعالى ذكره: علمت كل نفس ما قدمت لذلك اليوم من عمل صالح ينفعه، وأخرت وراءه من شيء سنه فعمل به واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك
175
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك يقول تعالى ذكره: يا أيها الإنسان الكافر، أي شيء غرك بربك الكريم، غر الإنسان به عدوه المسلط عليه
177
وقوله: الذي خلقك فسواك يقول: الذي خلقك أيها الإنسان فسوى خلقك فعدلك واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والشام والبصرة: (فعدلك) بتشديد الدال، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بتخفيفها؛ وكأن من قرأ ذلك بالتشديد، وجه معنى الكلام
178
القول في تأويل قوله تعالى: كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم يقول تعالى ذكره: ليس الأمر أيها الكافرون كما تقولون، من أنكم على الحق في عبادتكم غير الله، ولكنكم تكذبون بالثواب والعقاب؛ والجزاء
180
وقوله: وإن عليكم لحافظين يقول: وإن عليكم رقباء حافظين يحفظون أعمالكم، ويحصونها عليكم
181
كراما كاتبين يقول: كراما على الله كاتبين، يكتبون أعمالكم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
181
وقوله: يعلمون ما تفعلون يقول: يعلم هؤلاء الحافظون ما تفعلون من خير أو شر، يحصون ذلك عليكم
182
وقوله: إن الأبرار لفي نعيم يقول جل ثناؤه: إن الذين بروا بأداء فرائض الله، واجتناب معاصيه لفي نعيم الجنان ينعمون فيها
182
القول في تأويل قوله تعالى: وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله يقول تعالى ذكره: وإن الفجار الذين كفروا بربهم لفي جحيم
182
وقوله: يصلونها يوم الدين يقول جل ثناؤه: يصلى هؤلاء الفجار الجحيم يوم القيامة، يوم يدان العباد بالأعمال، فيجازون بها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
182
وقوله: وما هم عنها بغائبين يقول تعالى ذكره: وما هؤلاء الفجار من الجحيم بخارجين أبدا فغائبين عنها، ولكنهم فيها مخلدون ماكثون، وكذلك الأبرار في النعيم، وذلك نحو قوله: وما هم منها بمخرجين
182
وقوله: وما أدراك ما يوم الدين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أدراك يا محمد، أي وما أشعرك ما يوم الدين؟ يقول: أي شيء يوم الحساب والمجازاة، معظما شأنه جل ذكره، بقيله ذلك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
183
وقوله: ثم ما أدراك ما يوم الدين يقول: ثم أي شيء أشعرك أي شيء يوم المجازاة والحساب يا محمد، تعظيما لأمره. ثم فسر جل ثناؤه بعض شأنه فقال: يوم لا تملك نفس لنفس شيئا يقول: ذلك اليوم، يوم لا تملك نفس، يقول: يوم لا تغني نفس عن نفس شيئا، فتدفع عنها
183
سورة المطففين
185
القول في تأويل قوله تعالى: ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين يطففون، يعني:
185
وقوله: الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون يقول تعالى ذكره: الذين إذا اكتالوا من الناس ما لهم قبلهم من حق، يستوفون لأنفسهم فيكتالونه منهم وافيا؛ وعلى ومن في هذا الموضع يتعاقبان غير أنه إذا قيل: اكتلت منك، يراد: استوفيت منك
186
وقوله: وإذا كالوهم أو وزنوهم يقول: وإذا هم كالوا للناس أو وزنوا لهم. ومن لغة أهل الحجاز أن يقولوا: وزنتك حقك، وكلتك طعامك، بمعنى: وزنت لك وكلت لك. ومن وجه الكلام إلى هذا المعنى، جعل الوقف على هم، وجعل هم في موضع نصب. وكان عيسى بن عمر فيما ذكر
186
وقوله: يخسرون يقول: ينقصونهم
187
وقوله: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يقول تعالى ذكره: ألا يظن هؤلاء المطففون الناس في مكاييلهم وموازينهم، أنهم مبعوثون من قبورهم بعد مماتهم، ليوم عظيم شأنه، هائل أمره، فظيع هوله
187
وقوله: يوم يقوم الناس لرب العالمين فيوم يقوم تفسير عن اليوم الأول المخفوض، ولكنه لما لم يعد عليه اللام، رد إلى مبعوثون، فكأنه قال: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس؟ وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض، لأنها إضافة غير محضة، ولو خفض ردا على
187
القول في تأويل قوله تعالى: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين يقول تعالى ذكره: كلا، أي ليس الأمر كما يظن هؤلاء الكفار، أنهم غير مبعوثين ولا معذبين، إن كتابهم الذي كتب فيه أعمالهم التي
193
وقوله: وما أدراك ما سجين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأي شيء أدراك يا محمد، أي شيء ذلك الكتاب. ثم بين ذلك تعالى ذكره، فقال: كتاب مرقوم وعني بالمرقوم: المكتوب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
197
وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذبين بهذه الآيات
198
الذين يكذبون بيوم الدين يقول: الذين يكذبون بيوم الحساب والمجازاة
198
القول في تأويل قوله تعالى: وما يكذب به إلا كل معتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون يقول تعالى ذكره: وما يكذب بيوم الدين إلا كل معتد اعتدى على الله في قوله، فخالف أمره أثيم بربه:
198
إذا تتلى عليه آياتنا يقول تعالى ذكره: إذا قرئ عليه حججنا وأدلتنا التي بيناها في كتابنا الذي أنزلناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم
199
قال أساطير الأولين يقول: قال: هذا ما سطره الأولون فكتبوه، من الأحاديث والأخبار
199
وقوله: كلا بل ران على قلوبهم يقول تعالى ذكره مكذبا لهم في قيلهم ذلك: كلا، ما ذلك كذلك، ولكنه ران على قلوبهم يقول: غلب على قلوبهم وغمرها، وأحاطت بها الذنوب فغطتها؛ يقال منه: رانت الخمر على عقله، فهي ترين عليه رينا، وذلك إذا سكر، فغلبت على عقله
199
القول في تأويل قوله تعالى: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يقول هؤلاء المكذبون بيوم الدين، من أن لهم عند الله زلفة، إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون، فلا يرونه، ولا يرون
204
وقوله: ثم إنهم لصالو الجحيم يقول تعالى ذكره: ثم إنهم لواردو الجحيم، فمشويون فيها
206
ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون يقول جل ثناؤه: ثم يقال لهؤلاء المكذبين بيوم الدين: هذا العذاب الذي أنتم فيه اليوم، هو العذاب الذي كنتم في الدنيا تخبرون أنكم ذائقوه، فتكذبون به، وتنكرونه، فذوقوه الآن، فقد صليتم به
206
القول في تأويل قوله تعالى: كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون إن الأبرار لفي نعيم يقول تعالى ذكره: كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين والأبرار: جمع بر، وهم الذين بروا الله بأداء فرائضه، واجتناب محارمه وقد كان الحسن
206
وقوله: لفي عليين اختلف أهل التأويل في معنى عليين، فقال بعضهم: هي السماء السابعة
206
وقوله: وما أدراك ما عليون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، معجبه من عليين: وأي شيء أشعرك يا محمد ما عليون؟
211
وقوله: كتاب مرقوم يقول جل ثناؤه: إن كتاب الأبرار لفي عليين، كتاب مرقوم: أي مكتوب بأمان من الله إياه من النار يوم القيامة، والفوز بالجنة، كما قد ذكرناه قبل عن كعب الأحبار والضحاك بن مزاحم
211
وقوله: يشهده المقربون يقول: يشهد ذلك الكتاب المكتوب بأمان الله للبر من عباده من النار، وفوزه بالجنة، المقربون من ملائكته من كل سماء من السموات السبع وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
211
وقوله: إن الأبرار لفي نعيم يقول تعالى ذكره: إن الأبرار الذين بروا باتقاء الله، وأداء فرائضه، لفي نعيم دائم، لا يزول يوم القيامة، وذلك نعيمهم في الجنان
212
القول في تأويل قوله تعالى: على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون يعني تعالى ذكره بقوله: على الأرائك ينظرون على السرر في الحجال، من اللؤلؤ والياقوت، ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة
212
وقوله: تعرف في وجوههم نضرة النعيم يقول تعالى ذكره: تعرف في الأبرار الذين وصف الله صفتهم نضرة النعيم، يعني حسنه وبريقه وتلألؤه. واختلفت القراء في قراءة قوله: تعرف فقرأته عامة قراء الأمصار سوى أبي جعفر القارئ تعرف في وجوههم بفتح التاء من تعرف على وجه
213
وقوله: يسقون من رحيق مختوم يقول: يسقى هؤلاء الأبرار من خمر صرف لا غش فيها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
214
وقوله: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون يقول تعالى ذكره: وفي هذا النعيم الذي وصف جل ثناؤه أنه أعطى هؤلاء الأبرار في القيامة، فليتنافس المتنافسون. والتنافس: أن ينفس الرجل على الرجل بالشيء يكون له، ويتمنى أن يكون له دونه، وهو مأخوذ من الشيء النفيس، وهو
220
القول في تأويل قوله تعالى: ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون يقول تعالى ذكره: ومزاج هذا الرحيق من تسنيم؛ والتسنيم: التفعيل من قول القائل: سنمتهم العين تسنيما: إذا أجريتها عليهم من فوقهم، فكان معناه
220
وقوله: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون يقول تعالى ذكره: إن الذين اكتسبوا المآثم، فكفروا بالله في الدنيا، كانوا فيها من الذين أقروا بوحدانية الله، وصدقوا به، يضحكون، استهزاء منهم بهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
225
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء الذين أجرموا إذا مر الذين آمنوا بهم يتغامزون؛ يقول: كان بعضهم يغمز بعضا
226
وقوله: وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين يقول: وكان هؤلاء المجرمون إذا انصرفوا إلى أهلهم من مجالسهم انصرفوا ناعمين معجبين وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
226
وقوله: وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المجرمون المؤمنين قالوا لهم: إن هؤلاء لضالون، عن محجة الحق، وسبيل القصد
227
وما أرسلوا عليهم حافظين يقول جل ثناؤه: وما بعث هؤلاء الكفار القائلون للمؤمنين إن هؤلاء لضالون، حافظين عليهم أعمالهم يقول: إنما كلفوا الإيمان بالله، والعمل بطاعته، ولم يجعلوا رقباء على غيرهم يحفظون عليهم أعمالهم ويتفقدونها
227
القول في تأويل قوله تعالى: فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون يقول تعالى ذكره: فاليوم وذلك يوم القيامة الذين آمنوا بالله في الدنيا من الكفار فيها يضحكون على الأرائك ينظرون يقول: على سررهم التي في
227
وقوله: هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون يقول تعالى ذكره: هل أثيب الكفار وجزوا ثواب ما كانوا في الدنيا يفعلون بالمؤمنين من سخريتهم منهم، وضحكهم بهم، بضحك المؤمنين منهم في الآخرة، والمؤمنون على الأرائك ينظرون، وهم في النار يعذبون وثوب فعل من الثواب
229
سورة الانشقاق
230
القول في تأويل قوله تعالى: إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يقول تعالى ذكره: إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبوابا
230
قوله: وأذنت لربها وحقت يقول: وسمعت السموات في تصدعها وتشققها لربها، وأطاعت له في أمره إياها. والعرب تقول: أذن لك في هذا الأمر إذنا بمعنى: استمع لك، ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن "
230
وقوله: وحقت يقول: وحقق الله عليها الاستماع بالانشقاق، والانتهاء إلى طاعته في ذلك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
232
وقوله: وإذا الأرض مدت يقول تعالى ذكره: وإذا الأرض بسطت، فزيد في سعتها؛ كالذي:
232
وقوله: وألقت ما فيها وتخلت يقول جل ثناؤه: وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلت منهم إلى الله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
233
وقوله: وأذنت لربها وحقت يقول: وسمعت الأرض في إلقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء، أمر ربها وأطاعت وحقت يقول: وحققها الله للاستماع لأمره في ذلك، والانتهاء إلى طاعته واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله: إذا السماء انشقت، وقوله: وإذا
233
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا يقول تعالى ذكره: يا أيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به: خيرا كان عملك ذلك أو شرا؛ يقول: فليكن
235
وقوله: فأما من أوتي كتابه بيمينه يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا بأن ينظر في أعماله، فيغفر له سيئها، ويجازى على حسنها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
236
وقوله: وينقلب إلى أهله مسرورا يقول: وينصرف هذا المحاسب حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
239
القول في تأويل قوله تعالى: وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا يقول تعالى ذكره: وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذ وراء ظهره، وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه،
239
وقوله: فسوف يدعو ثبورا يقول: فسوف ينادي بالهلاك، وهو أن يقول: واثبوراه، واويلاه، وهو من قولهم: دعا فلان لهفه: إذا قال: والهفاه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وقد ذكرنا معنى الثبور فيما مضى بشواهده، وما فيه من الرواية
240
وقوله: ويصلى سعيرا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والشام: (ويصلى) بضم الياء وتشديد اللام، بمعنى: أن الله يصليهم تصلية بعد تصلية، وإنضاجة بعد إنضاجة، كما قال تعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها واستشهدوا لتصحيح
241
وقوله: إنه كان في أهله مسرورا يقول تعالى ذكره: إنه كان في أهله في الدنيا مسرورا، لما فيه من خلافه أمر الله، وركوبه معاصيه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
241
وقوله: إنه ظن أن لن يحور بلى يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة، ظن في الدنيا أن لن يرجع إلينا، ولن يبعث بعد مماته، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم، لأنه لم يكن يرجو ثوابا، ولم يكن يخشى عقابا؛ يقال منه: حار فلان عن هذا
242
وقوله: بلى يقول تعالى ذكره: بلى ليحورن وليرجعن إلى ربه حيا، كما كان قبل مماته
243
وقوله: إن ربه كان به بصيرا يقول جل ثناؤه: إن رب هذا الذي ظن أن لن يحور، كان به بصيرا، إذ هو في الدنيا، بما كان يعمل فيها من المعاصي، وما إليه يصير أمره في الآخرة، عالم بذلك كله
243
القول في تأويل قوله تعالى: فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق لتركبن طبقا عن طبق فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون وهذا قسم أقسم ربنا بالشفق، والشفق: الحمرة في الأفق من ناحية المغرب من الشمس في قول بعضهم واختلف أهل التأويل
243
وقوله: والليل وما وسق يقول: والليل وما جمع، مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير، أو يدب نهارا، يقال منه: وسقته أسقه وسقا، ومنه: طعام موسوق، وهو المجموع في غرائر أو وعاء، ومنه الوسق، وهو الطعام المجتمع الكثير، مما يكال أو يوزن، يقال: هو ستون
245
وقوله: والقمر إذا اتسق يقول: وبالقمر إذا تم واستوى وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
248
وقوله: فما لهم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين لا يصدقون بتوحيد الله، ولا يقرون بالبعث بعد الموت، وقد أقسم لهم ربهم بأنهم راكبون طبقا عن طبق، مع ما قد عاينوا من حججه بحقيقة توحيده
256
وقوله: وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون يقول تعالى ذكره: وإذا قرئ عليهم كتاب ربهم لا يخضعون ولا يستكينون؛ وقد بينا معنى السجود قبل بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته
257
القول في تأويل قوله تعالى: بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون
257
قوله: بل الذين كفروا يكذبون يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا يكذبون بآيات الله وتنزيله. وقوله: والله أعلم بما يوعون يقول تعالى ذكره: والله أعلم بما توعيه صدور هؤلاء المشركين، من التكذيب بكتاب الله ورسوله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
257
وقوله: فبشرهم بعذاب أليم يقول جل ثناؤه: فبشر يا محمد هؤلاء المكذبين بآيات الله، بعذاب أليم لهم عند الله موجع
258
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات يقول: إلا الذين تابوا منهم وصدقوا، وأقروا بتوحيده، ونبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبالبعث بعد الممات وعملوا الصالحات يقول: وأدوا فرائض الله، واجتنبوا ركوب ما حرم الله عليهم ركوبه
258
وقوله: لهم أجر غير ممنون يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثواب غير محسوب ولا منقوص وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
258
سورة البروج
260
القول في تأويل قوله تعالى: والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود قال أبو جعفر رحمه الله: قوله: والسماء ذات البروج أقسم الله جل ثناؤه بالسماء ذات البروج. واختلف أهل التأويل في معنى البروج في هذا الموضع،
260
وقوله: واليوم الموعود يقول تعالى ذكره: وأقسم باليوم الذي وعدته عبادي، لفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
262
وقوله: وشاهد ومشهود اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأقسم بشاهد، قالوا: وهو يوم الجمعة، ومشهود، قالوا: وهو يوم عرفة
263
وقوله: قتل أصحاب الأخدود يقول: لعن أصحاب الأخدود. وكان بعضهم يقول: معنى قوله: قتل أصحاب الأخدود خبر من الله عن النار أنها قتلتهم. وقد اختلف أهل العلم في أصحاب الأخدود من هم؟ فقال بعضهم: قوم كانوا أهل كتاب من بقايا المجوس
270
وقوله: النار ذات الوقود فقوله النار: رد على الأخدود، ولذلك خفضت، وإنما جاز ردها عليه وهي غيره، لأنها كانت فيه، فكأنها إذ كانت فيه هو، فجرى الكلام عليه لمعرفة المخاطبين به بمعناه وكأنه قيل: قتل أصحاب النار ذات الوقود. ويعني بقوله: ذات الوقود ذات
278
القول في تأويل قوله تعالى: إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد يقول تعالى ذكره: النار ذات الوقود، إذ هؤلاء الكفار من أصحاب الأخدود عليها، يعني على النار، فقال عليها، والمعنى أنهم قعود
278
وقوله: وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود يعني: حضور وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
279
وقوله: وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد يقول تعالى ذكره: وما وجد هؤلاء الكفار الذين فتنوا المؤمنين على المؤمنين والمؤمنات بالنار في شيء، ولا فعلوا بهم ما فعلوا بسبب إلا من أجل أنهم آمنوا بالله، وقال: إلا أن يؤمنوا بالله، لأن المعنى
279
العزيز يقول: الشديد في انتقامه ممن انتقم منه
279
الحميد يقول: المحمود بإحسانه إلى خلقه
279
القول في تأويل قوله تعالى: الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق يقول تعالى ذكره: الذي له سلطان السموات السبع والأرضين وما فيهن
279
والله على كل شيء شهيد يقول تعالى ذكره: والله على فعل هؤلاء الكفار من أصحاب الأخدود بالمؤمنين الذين فتنوهم شاهد، وعلى غير ذلك من أفعالهم وأفعال جميع خلقه، وهو مجازيهم جزاءهم
279
وقوله: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات يقول: إن الذين ابتلوا المؤمنين والمؤمنات بالله بتعذيبهم، وإحراقهم بالنار وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
280
وقوله: ثم لم يتوبوا يقول: ثم لم يتوبوا من كفرهم وفعلهم الذي فعلوا بالمؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم بالله فلهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا
281
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير إن بطش ربك لشديد يقول تعالى ذكره: إن الذين أقروا بتوحيد الله، وهم هؤلاء القوم الذين حرقهم أصحاب الأخدود وغيرهم من سائر أهل التوحيد
281
وعملوا الصالحات يقول: وعملوا بطاعة الله، وائتمروا لأمره، وانتهوا عما نهاهم عنه
281
لهم جنات تجري من تحتها الأنهار يقول: لهم في الآخرة عند الله بساتين تجري من تحتها الأنهار والخمر واللبن والعسل
281
ذلك الفوز الكبير يقول: هذا الذي هو لهؤلاء المؤمنين في الآخرة، هو الظفر الكبير بما طلبوا والتمسوا بإيمانهم بالله في الدنيا، وعملهم بما أمرهم الله به فيها ورضيه منهم
281
وقوله: إن بطش ربك لشديد يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن بطش ربك يا محمد لمن بطش به من خلقه، وهو انتقامه ممن انتقم منه لشديد، وهو تحذير من الله لقوم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أن يحل بهم من عذابه ونقمته، نظير الذي حل بأصحاب
281
القول في تأويل قوله تعالى: إنه هو يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود اختلف أهل التأويل في معنى قوله: إنه هو يبدئ ويعيد فقال بعضهم: معنى ذلك: إن الله أبدى خلقه، فهو يبتدئ، بمعنى: يحدث خلقه
282
وقوله: وهو الغفور الودود يقول تعالى ذكره. وهو ذو المغفرة لمن تاب إليه من ذنوبه، وذو المحبة له وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
283
وقوله: ذو العرش المجيد يقول تعالى ذكره: ذو العرش الكريم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
284
وقوله: فعال لما يريد يقول: هو غفار لذنوب من شاء من عباده إذا تاب وأناب منها، معاقب من أصر عليها وأقام، لا يمنعه مانع من فعل أراد أن يفعله، ولا يحول بينه وبين ذلك حائل، لأن له ملك السموات والأرض، وهو العزيز الحكيم
284
وقوله: هل أتاك حديث الجنود يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هل جاءك يا محمد حديث الجنود، الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروههم؛ يقول: قد أتاك ذلك وعلمته، فاصبر لأذى قومك إياك، لما نالوك به من مكروه، كما صبر الذين تجند هؤلاء
285
القول في تأويل قوله تعالى: بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء القوم الذين يكذبون بوعيد الله، أنهم لم يأتهم أنباء من قبلهم من الأمم المكذبة رسل الله، كفرعون وقومه، وثمود وأشكالهم، وما
285
وقوله: بل هو قرآن مجيد يقول، تكذيبا منه جل ثناؤه للقائلين للقرآن هو شعر وسجع: ما ذلك كذلك، بل هو قرآن كريم
286
وقوله: في لوح محفوظ يقول تعالى ذكره: هو قرآن كريم، مثبت في لوح محفوظ. واختلفت القراء في قراءة قوله: محفوظ فقرأ ذلك من قرأه من أهل الحجاز، أبو جعفر القارئ، وابن كثير. ومن قرأه من قراء الكوفة عاصم والأعمش وحمزة والكسائي، ومن البصريين أبو عمرو
286
سورة الطارق
288
القول في تأويل قوله تعالى: والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب إن كل نفس لما عليها حافظ فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر أقسم ربنا بالسماء وبالطارق
288
وما أدراك ما الطارق يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمت به؟ ثم بين ذلك جل ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب، يعني: يتوقد ضياؤه ويتوهج وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
289
وقوله: فلينظر الإنسان مم خلق يقول تعالى ذكره: فلينظر الإنسان المكذب بالبعث بعد الممات، المنكر قدرة الله على إحيائه بعد مماته مم خلق يقول: من أي شيء خلقه ربه؟ ثم أخبر جل ثناؤه عما خلقه منه، فقال: خلق من ماء دافق يعني: من ماء مدفوق، وهو مما أخرجته
292
وقوله: يخرج من بين الصلب والترائب يقول: يخرج من بين ذلك، ومعنى الكلام منهما، كما يقال: سيخرج من بين هذين الشيئين خير كثير، بمعنى يخرج منهما. واختلف أهل التأويل في معنى الترائب وموضعها، فقال بعضهم: الترائب: موضع القلادة من صدر المرأة
292
وقوله: إنه على رجعه لقادر يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق، فجعلكم بشرا سويا، بعد أن كنتم ماء مدفوقا، على رجعه لقادر. واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: على رجعه على ما هي عائدة، فقال بعضهم: هي عائدة على
297
وعني بقوله: يوم تبلى السرائر يوم تختبر سرائر العباد، فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفيا عن أعين العباد، من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها، وكلفه العمل بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
300
وقوله: فما له من قوة ولا ناصر يقول تعالى ذكره: فما للإنسان الكافر يومئذ من قوة يمتنع بها من عذاب الله، وأليم نكاله، ولا ناصر ينصره، فيستنقذه ممن ناله بمكروه، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوة من عشيرته، يمتنع بهم ممن أراده بسوء، وناصر من حليف ينصره
301
القول في تأويل قوله تعالى: والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا يقول تعالى ذكره: والسماء ذات الرجع ترجع بالغيوم وأرزاق العباد كل عام؛ ومنه قول المتنخل في صفة سيف: أبيض
302
وقوله: والأرض ذات الصدع يقول تعالى ذكره: والأرض ذات الصدع بالنبات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
304
وقوله: إنه لقول فصل يقول تعالى ذكره: إن هذا القول وهذا الخبر لقول فصل: يقول: لقول يفصل بين الحق والباطل ببيانه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عنه، فقال بعضهم: لقول حق وقال بعضهم: لقول حكم
306
وقوله: وما هو بالهزل يقول: وما هو باللعب ولا الباطل وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
306
وقوله: إنهم يكيدون كيدا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المكذبين بالله ورسوله والوعد والوعيد يمكرون مكرا
307
وقوله: وأكيد كيدا يقول: وأمكر مكرا؛ ومكره جل ثناؤه بهم: إملاؤه إياهم على معصيتهم وكفرهم به. وقوله: فمهل الكافرين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فمهل يا محمد الكافرين ولا تعجل عليهم.
307
أمهلهم رويدا يقول: أمهلهم آنا قليلا، وأنظرهم للموعد الذي هو وقت حلول النقمة بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
307
سورة الأعلى
309
القول في تأويل قوله تعالى: سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: سبح اسم ربك الأعلى فقال بعضهم: معناه: عظم ربك الأعلى
309
وقوله: الذي خلق فسوى يقول: الذي خلق الأشياء فسوى خلقها وعدلها؛ والتسوية: التعديل 1
311
وقوله: والذي قدر فهدى يقول تعالى ذكره: والذي قدر خلقه فهدى. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عني بقوله: فهدى، فقال بعضهم: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والبهائم للمراتع
311
وقوله: والذي أخرج المرعى يقول: والذي أخرج من الأرض مرعى الأنعام، من صنوف النبات وأنواع الحشيش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
312
وقوله: فجعله غثاء أحوى يقول تعالى ذكره: فجعل ذلك المرعى غثاء، وهو ما جف من النبات ويبس، فطارت به الريح؛ وإنما عني به هاهنا أنه جعله هشيما يابسا متغيرا إلى الحوة، وهي السواد، من البياض أو الخضرة، من شدة اليبس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
313
وقوله إنه يعلم الجهر وما يخفى يقول تعالى ذكره: إن الله يعلم الجهر يا محمد من عملك، ما أظهرته وأعلنته وما يخفى يقول: وما يخفى منه فلم تظهره، مما كتمته، يقول: هو يعلم جميع أعمالك، سرها وعلانيتها؛ يقول: فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من
316
القول في تأويل قوله تعالى: ونيسرك لليسرى فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا يقول تعالى ذكره: ونسهلك يا محمد لعمل الخير، وهو اليسرى؛ واليسرى: هو الفعلى من اليسر
316
وقوله: فذكر إن نفعت الذكرى يقول تعالى ذكره: فذكر عباد الله يا محمد عظمته، وعظهم، وحذرهم عقوبته إن نفعت الذكرى يقول: إن نفعت الذكرى الذين قد آيستك من إيمانهم، فلا تنفعهم الذكرى. وقوله فذكر أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير جميع الناس، ثم
317
وقوله: الذي يصلى النار الكبرى يقول: الذي يرد نار جهنم، وهي النار الكبرى، ويعني بالكبرى لشدة الحر والألم
318
وقوله: ثم لا يموت فيها ولا يحيا يقول: ثم لا يموت في النار الكبرى ولا يحيا، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا. وقيل: لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه. وقال آخرون: قيل ذلك،
318
القول في تأويل قوله تعالى: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى يقول تعالى ذكره: قد نجح وأدرك طلبته من تطهر من الكفر ومعاصي الله، وعمل بما أمره الله به، فأدى فرائضه.
318
وقوله: وذكر اسم ربه فصلى اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وذكر اسم ربه فصلى فقال بعضهم: معنى ذلك: وحد الله
321
وقوله: فصلى اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عني به: فصلى الصلوات الخمس
321
وقوله: بل تؤثرون الحياة الدنيا يقول للناس: بل تؤثرون أيها الناس زينة الحياة الدنيا على الآخرة والآخرة خير لكم وأبقى يقول: وزينة الآخرة خير لكم أيها الناس وأبقى بقاء، لأن الحياة الدنيا فانية، والآخرة باقية، لا تنفد ولا تفنى. وبنحو الذي قلنا في ذلك
322
وقوله: إن هذا لفي الصحف الأولى اختلف أهل التأويل في الذي أشير إليه بقوله هذا، فقال بعضهم: أشير به إلى الآيات التي في سبح اسم ربك الأعلى
323
سورة الغاشية
326
القول في تأويل قوله تعالى: هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هل أتاك يا محمد حديث الغاشية يعني: قصتها
326
وقوله: وجوه يومئذ خاشعة يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ، وهي وجوه أهل الكفر به. خاشعة: يقول: ذليلة
327
وقوله: عاملة يعني: عاملة في النار وقوله: ناصبة يقول: ناصبة فيها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
328
وقوله: تصلى نارا حامية يقول تعالى ذكره: ترد هذه الوجوه نارا حامية قد حميت واشتد حرها. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة تصلى بفتح التاء، بمعنى: تصلى الوجوه. وقرأ ذلك أبو عمرو: (تصلى) بضم التاء اعتبارا بقوله: تسقى من عين آنية
329
وقوله: تسقى من عين آنية يقول: تسقى أصحاب هذه الوجوه من شراب عين قد أنى حرها، فبلغ غايته في شدة الحر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
329
وقوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع يقول: ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة، طعام إلا ما يطعمونه من ضريع. والضريع عند العرب: نبت يقال له الشبرق، وتسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس، ويسميه غيرهم: الشبرق، وهو سم. وبنحو الذي
331
وقوله: لا يسمن ولا يغني من جوع يقول: لا يسمن هذا الضريع يوم القيامة أكلته من أهل النار ولا يغني من جوع يقول: ولا يشبعهم من جوع يصيبهم
333
القول في تأويل قوله تعالى: وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ يعني: يوم القيامة ناعمة يقول: هي ناعمة بتنعيم الله أهلها في
333
وقوله: لسعيها راضية يقول: لعملها الذي عملت في الدنيا من طاعة ربها راضية. وقيل: لسعيها راضية والمعنى: لثواب سعيها في الآخرة راضية وقوله: في جنة عالية وهي بستان. عالية: يعني رفيعة.
334
وقوله: لا تسمع فيها لاغية يقول: لا تسمع هذه الوجوه، المعنى لأهلها، فيها في الجنة العالية لاغية. يعني باللاغية: كلمة لغو. واللغو: الباطل، فقيل للكلمة التي هي لغو لاغية، كما قيل لصاحب الدرع: دارع، ولصاحب الفرس: فارس، ولقائل الشعر شاعر؛ وكما
334
وقوله: فيها عين جارية يقول: في الجنة العالية عين جارية في غير أخدود
336
وقوله: فيها سرر مرفوعة والسرر: جمع سرير، مرفوعة ليرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما خوله ربه من النعيم والملك فيها، ويلحق جميع ذلك بصره. وقيل: عني بقول مرفوعة: موضونة
336
وقوله: وأكواب موضوعة وهي جمع كوب، وهي الأباريق التي لا آذان لها. وقد بينا ذلك فيما مضى، وذكرنا ما فيه من الرواية، بما أغنى عن إعادته. وعنى بقوله: موضوعة أنها موضوعة على حافة العين الجارية، كلما أرادوا الشرب، وجدوها ملأى من الشراب
336
وقوله: ونمارق مصفوفة يعني بالنمارق: الوسائد والمرافق؛ والنمارق: واحدها نمرقة، بضم النون. وقد حكي عن بعض كلب سماعا نمرقة، بكسر النون والراء. وقيل: مصفوفة لأن بعضها بجنب بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
336
وقوله: وزرابي مبثوثة يقول تعالى ذكره: وفيها طنافس وبسط كثيرة مبثوثة مفروشة، والواحدة: زربية، وهي الطنفسة التي لها خمل رقيق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
337
القول في تأويل قوله تعالى: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت يقول تعالى ذكره لمنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة، من العقاب والنكال الذي أعده لأهل عداوته، والنعيم والكرامة التي أعدها لأهل
338
وقوله: وإلى السماء كيف رفعت يقول جل ثناؤه: أفلا ينظرون أيضا إلى السماء كيف رفعها الذي أخبركم أنه معد لأوليائه ما وصف، ولأعدائه ما ذكر، فيعلموا أن قدرته القدرة التي لا يعجزه فعل شيء أراد فعله. وقوله: وإلى الجبال كيف نصبت يقول: وإلى الجبال كيف أقيمت
339
وقوله: وإلى الأرض كيف سطحت يقول: وإلى الأرض كيف بسطت، يقال: جبل مسطح: إذا كان في أعلاه استواء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
340
القول في تأويل قوله تعالى: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذكر يا محمد عبادي بآياتي، وعظهم بحججي، وبلغهم رسالتي. إنما
340
وقوله: لست عليهم بمصيطر يقول: لست عليهم بمسلط، ولا أنت بجبار، تحملهم على ما تريد. يقول: كلهم إلي، ودعهم وحكمي فيهم؛ يقال: قد تسيطر فلان على قومه: إذا تسلط عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
340
وقوله: إلا من تولى وكفر يتوجه لوجهين: أحدهما: فذكر قومك يا محمد، إلا من تولى منهم عنك، وأعرض عن آيات الله فكفر، فيكون قوله إلا استثناء من الذين كان التذكير عليهم، وإن لم يذكروا، كما يقال: مضى فلان، فدعا إلا من لا ترجى إجابته، بمعنى: فدعا
342
وقوله: فيعذبه الله العذاب الأكبر هو عذاب جهنم، يقول: فيعذبه الله العذاب الأكبر على كفره في الدنيا، وعذاب جهنم في الآخرة
343
وقوله: إن إلينا إيابهم يقول: إن إلينا رجوع من كفر ومعادهم
343
ثم إن علينا حسابهم يقول: ثم إن على الله حسابه، وهو يجازيه بما سلف منه من معصية ربه، يعلم بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه المتولي عقوبته دونه، وهو المجازي والمعاقب، وأنه الذي إليه التذكير وتبليغ الرسالة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
343
سورة الفجر
344
القول في تأويل قوله تعالى: والفجر، وليال عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، هل في ذلك قسم لذي حجر هذا قسم أقسم ربنا جل ثناؤه بالفجر، وهو فجر الصبح واختلف أهل التأويل في الذي عني بذلك، فقال بعضهم: عني به النهار
344
وقوله: وليال عشر اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر أي ليال هي؟ فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة
345
وقوله: والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم اختلف أهل التأويل في الذي عني به من الوتر بقوله: والوتر فقال بعضهم: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة
348
وقوله: والليل إذا يسر يقول: والليل إذا سار فذهب، يقال منه: سرى فلان ليلا يسري: إذا سار وقال بعضهم: عني بقوله والليل إذا يسر ليلة جمع، وهي ليلة المزدلفة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
356
وقوله: هل في ذلك قسم لذي حجر يقول تعالى ذكره: هل فيما أقسمت به من هذه الأمور مقنع لذي حجر. وإنما عني بذلك: إن في هذا القسم مكتفى لمن عقل عن ربه، مما هو أغلظ منه في الأقسام. فأما معنى قوله: لذي حجر فإنه لذي حجى وذي عقل؛ يقال للرجل إذا كان مالكا
358
القول في تأويل قوله تعالى: ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد
360
وقوله: ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فترى كيف فعل ربك بعاد؟ اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إرم فقال بعضهم: هي اسم بلدة، ثم اختلف الذين قالوا ذلك في البلدة التي عنيت بذلك
361
وقوله: ذات العماد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ذات العماد في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: ذات الطول، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل: رجل معمد، وقالوا: كانوا طوال الأجسام
364
وقوله: التي لم يخلق مثلها في البلاد يقول جل ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، يعني: مثل عاد، والهاء عائدة على عاد. وجائز أن تكون عائدة على إرم، لما قد بينا قبل أنها قبيلة. وإنما عني بقوله: لم يخلق
367
وقوله: وثمود الذين جابوا الصخر بالواد يقول: وبثمود الذي خرقوا الصخر ودخلوه، فاتخذوه بيوتا، كما قال جل ثناؤه وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين والعرب تقول: جاب فلان الفلاة يجوبها جوبا: إذا دخلها وقطعها؛ ومنه قول نابغة: أتاك أبو ليلى يجوب به
368
وقوله: وفرعون ذي الأوتاد يقول جل ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك أيضا بفرعون صاحب الأوتاد واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ذي الأوتاد ولم قيل له ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ذي الجنود الذي يقوون له أمره، وقالوا: الأوتاد في هذا الموضع: الجنود
370
وقوله: الذين طغوا في البلاد يعني بقوله جل ثناؤه: الذين عادا وثمود وفرعون وجنده ويعني بقوله: طغوا تجاوزوا ما أباحه لهم ربهم، وعتوا على ربهم إلى ما حظره عليهم من الكفر به وقوله في البلاد التي كانوا فيها
373
القول في تأويل قوله تعالى: فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن يقول تعالى ذكره: فأكثروا في البلاد المعاصي، وركوب ما حرم الله عليهم فصب عليهم ربك سوط عذاب يقول تعالى
373
وقوله: إن ربك لبالمرصاد يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قصصهم، ولضربائهم من أهل الكفر به، لبالمرصاد يرصدهم بأعمالهم في الدنيا وفي الآخرة، على قناطر جهنم، ليكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة.
374
وقوله: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه يقول تعالى ذكره: فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى فأكرمه بالمال، وأفضل عليه ونعمه بما أوسع عليه من فضله فيقول ربي أكرمن فيفرح بذلك، ويسر به ويقول: ربي أكرمني بهذه الكرامة
376
القول في تأويل قوله تعالى: وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما
376
وقوله: وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه يقول: وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر فقدر عليه رزقه يقول: فضيق عليه رزقه وقتره، فلم يكثر ماله، ولم يوسع عليه فيقول ربي أهانن يقول: فيقول ذلك الإنسان: ربي أهانني، يقول: أذلني بالفقر، ولم يشكر الله على ما
376
وقوله: كلا بل لا تكرمون اليتيم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: كلا في هذا الموضع، وما الذي أنكر بذلك، فقال بعضهم: أنكر جل ثناؤه أن يكون سبب كرامته من أكرم كثرة ماله، وسبب إهانته من أهان قلة ماله
377
وقوله: بل لا تكرمون اليتيم يقول تعالى ذكره: بل إنما أهنت من أهنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم، فأخرج الكلام على الخطاب، فقال: بل لستم تكرمون اليتيم، فلذلك أهنتكم ولا تحاضون على طعام المسكين اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه من أهل المدينة أبو جعفر
378
وقوله: وتأكلون التراث أكلا لما يقول تعالى ذكره: وتأكلون أيها الناس الميراث أكلا لما، يعني: أكلا شديدا، لا تتركون منه شيئا، وهو من قولهم: لممت ما على الخوان أجمع، فأنا ألمه لما: إذا أكلت ما عليه، فأتيت على جميعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
379
القول في تأويل قوله تعالى: وتحبون المال حبا جما كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يعني تعالى ذكره بقوله: وتحبون المال حبا جما وتحبون جمع المال أيها الناس واقتناءه حبا كثيرا شديدا؛ من
382
وقوله: وجاء ربك والملك صفا صفا يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صف
384
وقوله: وجيء يومئذ بجهنم يقول تعالى ذكره: وجاء الله يومئذ بجهنم
389
وقوله: يومئذ يتذكر الإنسان يقول تعالى ذكره: يومئذ يتذكر الإنسان تفريطه في الدنيا في طاعة الله، وفيما يقرب إليه من صالح الأعمال وأنى له الذكرى يقول: من أي وجه له التذكيروبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
390
القول في تأويل قوله تعالى: يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهف ابن آدم يوم القيامة، وتندمه على تفريطه في
390
وقوله: فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد أجمعت القراء قراء الأمصار في قراءة ذلك على كسر الذال من يعذب، والثاء من يوثق، خلا الكسائي، فإنه قرأ ذلك بفتح الذال والثاء، اعتلالا منه بخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأه كذلك، واهي
391
وقوله: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة: يا أيتها النفس المطمئنة، يعني بالمطمئنة: التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به، في الدنيا من الكرامة في الآخرة، فصدقت
393
وقوله: ارجعي إلى ربك اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: هذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها؛ قالوا: وعني بالرد هاهنا صاحبها
396
سورة البلد
401
القول في تأويل قوله تعالى: لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد يقول تعالى ذكره: أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام، وهو مكة، وكذلك قال أهل التأويل
401
وقوله: وأنت حل بهذا البلد يعني: بمكة؛ يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنت يا محمد حل بهذا البلد، يعني بمكة، يقول: أنت به حلال تصنع فيه من قتل من أردت قتله، وأسر من أردت أسره، مطلق ذلك لك؛ يقال منه: هو حل، وهو حلال، وهو حرم،
402
وقوله: ووالد وما ولد يقول تعالى ذكره: فأقسم بوالد وبولده الذي ولد، ثم اختلف أهل التأويل في المعني بذلك من الوالد وما ولد، فقال بعضهم: عني بالوالد: كل والد، وما ولد: كل عاقر لم يلد
405
وقوله: لقد خلقنا الإنسان في كبد وهذا هو جواب القسم
408
وقوله: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ذكر أن ذلك نزل في رجل بعينه من بني جمح، كان يدعى أبا الأشدين، وكان شديدا، فقال جل ثناؤه: أيحسب هذا القوي بجلده وقوته، أن لن يقهره أحد ويغلبه، فالله غالبه وقاهره
412
وقوله: يقول أهلكت مالا لبدا يقول هذا الجليد الشديد: أهلكت مالا كثيرا، في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، فأنفقت ذلك فيه، وهو كاذب في قوله ذلك؛ وهو فعل من التلبد، وهو الكثير، بعضه على بعض، يقال منه: لبد بالأرض يلبد: إذا لصق بها وبنحو الذي قلنا
412
وقوله: أيحسب أن لم يره أحد يقول تعالى ذكره: أيظن هذا القائل أهلكت مالا لبدا أن لم يره أحد في حال إنفاقه ما يزعم أنه أنفقه
414
القول في تأويل قوله تعالى: ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة يقول تعالى ذكره: ألم نجعل لهذا القائل أهلكت مالا لبدا عينين يبصر بهما حجج
414
وقوله: وهديناه النجدين يقول تعالى ذكره: وهديناه الطريقين، ونجد: طريق في ارتفاع واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: عني بذلك: نجد الخير، ونجد الشر، كما قال: إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا
415
وقوله: فلا اقتحم العقبة يقول تعالى ذكره: فلم يركب العقبة، فيقطعها ويحوزها وذكر أن العقبة: جبل في جهنم
419
وقوله: وما أدراك ما العقبة يقول تعالى ذكره: وأي شيء أشعرك يا محمد ما العقبة ثم بين جل ثناؤه له، ما العقبة، وما النجاة منها، وما وجه اقتحامها؟ فقال: اقتحامها وقطعها فك رقبة من الرق، وأسر العبودة،
422
وقوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يقول: أو أطعم في يوم ذي مجاعة، والساغب: الجائع وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
424
وقوله: يتيما ذا مقربة يقول: أو أطعم في يوم مجاعة صغيرا لا أب له من قرابته، وهو اليتيم ذو المقربة؛ وعني بذي المقربة: ذا القرابة، كما
426
وقوله: أو مسكينا ذا متربة اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ذا متربة فقال بعضهم: عني بذلك: ذو اللصوق بالتراب
426
القول في تأويل قوله تعالى: ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة يقول تعالى ذكره: ثم كان هذا الذي قال: أهلكت مالا لبدا من الذين آمنوا بالله ورسوله، فيؤمن معهم
431
وقوله: أولئك أصحاب الميمنة يقول: الذين فعلوا هذه الأفعال التي ذكرتها، من فك الرقاب، وإطعام اليتيم، وغير ذلك، أصحاب اليمين، الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين إلى الجنة
431
وقوله: والذين كفروا بآياتنا يقول: والذين كفروا بأدلتنا وأعلامنا وحججنا من الكتب والرسل وغير ذلك هم أصحاب المشأمة يقول: هم أصحاب الشمال يوم القيامة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال وقد بينا معنى المشأمة، ولم قيل لليسار المشأمة فيما مضى، بما أغنى عن إعادته
431
وقوله: عليهم نار مؤصدة يقول تعالى ذكره: عليهم نار جهنم يوم القيامة مطبقة؛ يقال منه: أوصدت وآصدت وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
432
سورة الشمس
434
القول في تأويل قوله تعالى: والشمس وضحها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها
434
قوله: والشمس وضحاها قسم , أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها؛ ومعنى الكلام: أقسم بالشمس، وبضحى الشمس واختلف أهل التأويل في معنى قوله: وضحاها فقال بعضهم: معنى ذلك: والشمس والنهار، وكان يقول: الضحى: هو النهار كله
434
وقوله: والقمر إذا تلاها يقول تعالى ذكره: والقمر إذا تبع الشمس، وذلك في النصف الأول من الشهر، إذا غربت الشمس، تلاها القمر طالعا
435
وقوله: والنهار إذا جلاها يقول: والنهار إذا جلاها، قال: إذا أضاء
436
وقوله: والليل إذا يغشاها يقول تعالى ذكره: والليل إذا يغشى الشمس، حتى تغيب فتظلم الآفاق. وكان قتادة يقول في ذلك ما
437
وقوله: والسماء وما بناها يقول جل ثناؤه: والسماء ومن بناها، يعني: ومن خلقها، وبناؤه إياها: تصييره إياها للأرض سقفا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
437
وقوله: والأرض وما طحاها وهذه أيضا نظير التي قبلها، ومعنى الكلام: والأرض ومن طحاها ومعنى قوله: طحاها بسطها يمينا وشمالا، ومن كل جانب. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: طحاها فقال بعضهم: معنى ذلك: والأرض وما خلق فيها
438
وقوله: ونفس وما سواها يعني جل ثناؤه بقوله: وما سواها نفسه، لأنه هو الذي سوى النفس وخلقها، فعدل خلقها، فوضع ما موضع من وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك أيضا المصدر، فيكون تأويله: ونفس وتسويتها، فيكون القسم بالنفس وبتسويتها
440
وقوله: فألهمها فجورها وتقواها يقول تعالى ذكره: فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير، أو شر أو طاعة، أو معصية وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
440
القول في تأويل قوله تعالى: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها
443
قوله: قد أفلح من زكاها يقول: قد أفلح من زكى الله نفسه، فكثر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
443
وقوله: وقد خاب من دساها يقول تعالى ذكره: وقد خاب في طلبته، فلم يدرك ما طلب والتمس لنفسه من الصلاح من دساها يعني: من دسس الله نفسه فأحملها، ووضع منها، بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي، وترك طاعة الله. وقيل: دساها وهي دسسها، فقلبت إحدى
444
وقوله: كذبت ثمود بطغواها يقول: كذبت ثمود بطغيانها، يعني: بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم، كما قال جل ثناؤه: فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن كان فيه اختلاف بين أهل
446
وقوله: إذ انبعث أشقاها يقول: إذ ثار أشقى ثمود، وهو قدار بن سالف، كما
448
وقوله: فقال لهم رسول الله يعني بذلك جل ثناؤه: صالحا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لثمود صالح: ناقة الله وسقياها احذروا ناقة الله وسقياها، وإنما حذرهم سقيا الناقة، لأنه كان تقدم إليهم عن أمر الله، أن للناقة شرب يوم، ولهم شرب يوم آخر، غير يوم
449
وقوله: فكذبوه فعقروها يقول: فكذبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به، من أن الله الذي جعل شرب الناقة يوما، ولهم شرب يوم معلوم، وأن الله يحل بهم نقمته، إن هم عقروها، كما وصفهم جل ثناؤه فقال: كذبت ثمود وعاد بالقارعة وقد يحتمل أن يكون التكذيب بالعقر.
449
وقوله: فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها يقول تعالى ذكره: فدمر عليهم ربهم بذنبهم ذلك، وكفرهم به، وتكذيبهم رسوله صالحا، وعقرهم ناقته فسواها يقول: فسوى الدمدمة عليهم جميعهم، فلم يفلت منهم أحد، كما
450
وقوله: ولا يخاف عقباها اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا يخاف تبعة دمدمته عليهم
451
سورة الليل
455
القول في تأويل قوله تعالى: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى يقول تعالى ذكره مقسما بالليل إذا غشي النهار بظلمته، فأذهب
455
وقوله: وما خلق الذكر والأنثى يحتمل الوجهين اللذين وصفت في قوله: والسماء وما بناها والأرض وما طحاها وهو أن يجعل ما بمعنى من، فيكون ذلك قسما من الله جل ثناؤه بخالق الذكر والأنثى، وهو ذلك الخالق، وأن تجعل ما مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه
455
وقوله: إن سعيكم لشتى يقول: إن عملكم لمختلف أيها الناس، لأن منكم الكافر بربه، والعاصي له في أمره ونهيه، والمؤمن به، والمطيع له في أمره ونهيه، كما
460
وقوله: إن سعيكم لشتى جواب القسم، والكلام: والليل إذا يغشى إن سعيكم لشتى، وكذا قال أهل العلم
460
وقوله: فأما من أعطى واتقى يقول تعالى ذكره: فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله، ومن أمره الله بإعطائه من ماله، وما وهب له من فضله، واتقى الله واجتنب محارمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
460
وقوله: فسنيسره لليسرى يقول: فسنهيئه للخلة اليسرى، وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا، ليوجب له به في الآخرة الجنة
466
وقوله: وأما من بخل واستغنى يقول تعالى ذكره: وأما من بخل بالنفقة في سبيل الله، ومنع ما وهب الله له من فضله، من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها، واستغنى عن ربه، فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته، بالزيادة فيما خوله من ذلك. وبنحو الذي قلنا في
466
وأما قوله: وكذب بالحسنى فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو اختلافهم في قوله: وصدق بالحسنى وأما نحن فنقول: معناه: وكذب بالخلف، كما
467
وقوله: فسنيسره للعسرى يقول تعالى ذكره: فسنهيئه في الدنيا للخلة العسرى، وهو من قولهم: قد يسرت غنم فلان: إذا ولدت وتهيأت للولادة، وكما قال الشاعر: هما سيدنا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسرت غنماهما وقيل: فسنيسره للعسرى ولا تيسر في العسرى للذي تقدم في
469
القول في تأويل قوله تعالى: وما يغني عنه ماله إذا تردى إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى يعني جل ثناؤه بقوله: وما يغني عنه ماله أي شيء يدفع عن هذا الذي بخل
473
وقوله: إن علينا للهدى يقول تعالى ذكره: إن علينا لبيان الحق من الباطل، والطاعة من المعصية وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
475
وقوله: وإن لنا للآخرة والأولى يقول: وإن لنا ملك ما في الدنيا والآخرة، نعطي منهما من أردنا من خلقنا، ونحرمه من شئنا وإنما عنى بذلك جل ثناؤه أنه يوفق لطاعته من أحب من خلقه، فيكرمه بها في الدنيا، ويهيئ له الكرامة والثواب في الآخرة، ويخذل من يشاء
476
ثم قال جل ثناؤه: فأنذرتكم نارا تلظى يقول تعالى ذكره: فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهج، وهي نار جهنم، يقول: احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا، وتكفروا به، فتصلونها في الآخرة. وقيل: تلظى، وإنما هي تتلظى، وهي في موضع رفع، لأنه فعل مستقبل، ولو كان
476
وقوله: لا يصلاها إلا الأشقى يقول جل ثناؤه: لا يدخلها فيصلى بسعيرها إلا الأشقى الذي كذب وتولى يقول: الذي كذب بآيات ربه، وأعرض عنها، ولم يصدق بها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
476
وقوله: وسيجنبها الأتقى يقول: وسيوقى صلي النار التي تلظى التقي، ووضع أفعل موضع فعيل، كما قال طرفة: تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
478
وقوله: الذي يؤتي ماله يتزكى يقول: الذي يعطي ماله في الدنيا في حقوق الله التي ألزمه إياها يتزكى يعني: يتطهر بإعطائه ذلك من ذنوبه
478
القول في تأويل قوله تعالى: وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى: وما لأحد من خلق الله عند هذا الذي يؤتي ماله في سبيل الله يتزكى من نعمة تجزى يعني: من يد يكافئه عليها، يقول: ليس ينفق
478
وقوله: ولسوف يرضى يقول: ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عز وجل، يتزكى بما يثيبه الله في الآخرة عوضا مما أتى في الدنيا في سبيله، إذا لقي ربه تبارك وتعالى.
480
سورة الضحى
481
القول في تأويل قوله تعالى: والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى أقسم ربنا جل ثناؤه بالضحى، وهو النهار كله، وأحسب أنه من قولهم: ضحي فلان للشمس:
481
وقوله: والليل إذا سجى اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: والليل إذا أقبل بظلامه
481
وقوله: ما ودعك ربك وما قلى وهذا جواب القسم، ومعناه: ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك. وقيل: وما قلى ومعناه. وما قلاك، اكتفاء بفهم السامع لمعناه، إذ كان قد تقدم ذلك قوله: ما ودعك فعرف بذلك أن المخاطب به نبي الله صلى الله عليه وسلم. وبنحو الذي قلنا
484
وقوله: وللآخرة خير لك من الأولى يقول تعالى ذكره: وللدار الآخرة، وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها؛ يقول: فلا تحزن على ما فاتك منها، فإن الذي لك عند الله خير لك منها
487
وقوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى يقول تعالى ذكره: ولسوف يعطيك يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه، حتى ترضى. وقد اختلف أهل العلم في الذي وعده من العطاء، فقال بعضهم: هو ما
487
وقوله: ألم يجدك يتيما فآوى يقول تعالى ذكره معددا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نعمه عنده، ومذكره آلاءه قبله: ألم يجدك يا محمد ربك يتيما فآوى، يقول: فجعل لك مأوى تأوي إليه، ومنزلا تنزله ووجدك ضالا فهدى ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم وقال السدي
489
وقوله: ووجدك عائلا فأغنى يقول: ووجدك فقيرا فأغناك، يقال منه: عال فلان يعيل عيلة، وذلك إذا افتقر؛ ومنه قول الشاعر: فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل يعني: متى يفتقروبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
489
القول في تأويل قوله تعالى: فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فأما اليتيم يا محمد فلا تقهر يقول: فلا تظلمه، فتذهب بحقه، استضعافا منك له، كما
490
وقوله: وأما السائل فلا تنهر يقول: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته وأما بنعمة ربك فحدث يقول: فاذكره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
490
سورة الشرح
492
القول في تأويل قوله تعالى: ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مذكره آلاءه عنده، وإحسانه إليه، حاضا له بذلك
492
ووضعنا عنك وزرك يقول: وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك، وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها؛ وهي في قراءة عبد الله فيما ذكر: " وحللنا عنك وقرك " الذي أنقض ظهرك يقول: الذي أثقل ظهرك فأوهنه، وهو من قولهم للبعير إذا كان رجيع سفر، قد أوهنه السفر،
492
وقوله: ورفعنا لك ذكرك يقول: ورفعنا لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وذلك قول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
494
وقوله: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإن مع الشدة التي أنت فيها، من جهاد هؤلاء المشركين، ومن أوله: ما أنت بسبيله، رجاء وفرجا بأن يظفرك بهم، حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به طوعا وكرها وروي عن النبي
495
وقوله: فإذا فرغت فانصب اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: فإذا فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك في الدعاء، وسله حاجاتك
497
وقوله: وإلى ربك فارغب يقول تعالى ذكره: وإلى ربك يا محمد فاجعل رغبتك، دون من سواه من خلقه، إذ كان هؤلاء المشركون من قومك قد جعلوا رغبتهم في حاجاتهم إلى الآلهة والأنداد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
500
سورة التين
501
القول في تأويل قوله تعالى: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: والتين والزيتون فقال بعضهم: عني بالتين:
501
وقوله: وطور سينين اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: هو جبل موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه ومسجده
504
وقوله: وهذا البلد الأمين يقول: وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله، أو يغزوهم. وقيل: الأمين، ومعناه: الآمن، كما قال الشاعر: ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني حلفت يمينا لا أخون أميني يريد: آمني، وهذا كما قال جل ثناؤه: أولم يروا أنا جعلنا حرما
508
وقوله: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وهذا جواب القسم، يقول تعالى ذكره: والتين والزيتون، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
510
وقوله: ثم رددناه أسفل سافلين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ثم رددناه إلى أرذل العمر
513
وقوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات اختلف أهل التأويل في معنى هذا الاستثناء، فقال بعضهم: هو استثناء صحيح من قوله ثم رددناه أسفل سافلين قالوا: وإنما جاز استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم جمع، من الهاء في قوله ثم رددناه وهي كناية الإنسان،
516
القول في تأويل قوله تعالى: فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فما يكذبك بعد فقال بعضهم معناه: فمن يكذبك يا محمد بعد هذه الحجج التي احتججنا بها، بالدين، يعني: بطاعة الله، وما بعثك به من الحق، وأن الله
523
وقوله: أليس الله بأحكم الحاكمين يقول تعالى ذكره: أليس الله يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه، وفصل قضائه بين عباده؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك فيما بلغنا قال: بلى
525
سورة العلق
527
القول في تأويل قوله تعالى: اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغىأن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى يعني جل ثناؤه بقوله: اقرأ باسم ربك محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأ يا
527
وقوله: علم الإنسان ما لم يعلم يقول تعالى ذكره: علم الإنسان الخط بالقلم، ولم يكن يعلمه، مع أشياء غير ذلك، مما علمه ولم يكن يعلمه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
532
وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان أن ينعم عليه ربه بتسويته خلقه، وتعليمه ما لم يكن يعلم، وإنعامه بما لا كفؤ له، ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك، ويطغى عليه، أن رآه استغنى
532
وقوله: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى يقول: إن الإنسان ليتجاوز حده، ويستكبر على ربه، فيكفر به، لأن رأى نفسه استغنت. وقيل: أن رآه استغنى لحاجة رأى إلى اسم وخبر، وكذلك تفعل العرب في كل فعل اقتضى الاسم والفعل، إذا أوقعه المخبر عن نفسه على نفسه،
532
وقوله: إن إلى ربك الرجعى يقول: إن إلى ربك يا محمد مرجعه، فذائق من أليم عقابه ما لا قبل له به
533
القول في تأويل قوله تعالى: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ذكر أن هذه الآية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام، وذلك أنه قال فيما بلغنا: لئن رأيت محمدا يصلي، لأطأن رقبته؛ وكان فيما ذكر قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي، فقال الله لنبيه محمد
533
القول في تأويل قوله تعالى: أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى يقول تعالى ذكره: أرأيت إن كان محمد على الهدى يعني: على استقامة وسداد في صلاته لربه أو أمر بالتقوى أو أمر محمد هذا الذي ينهى عن الصلاة، باتقاء الله، وخوف عقابه وبنحو الذي قلنا في ذلك
534
القول في تأويل قوله تعالى: أرأيت إن كذب وتولى يقول تعالى ذكره: أرأيت إن كذب أبو جهل بالحق الذي بعث به محمدا وتولى يقول: وأدبر عنه، فلم يصدق به وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
535
القول في تأويل قوله تعالى: ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب يقول تعالى ذكره: ألم يعلم أبو جهل إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه، والصلاة له، بأن الله يراه فيخاف سطوته
535
وقوله: كلا لئن لم ينته يقول: ليس كما قال: إنه يطأ عنق محمد، يقول: لا يقدر على ذلك ولا يصل إليه، قوله: لئن لم ينته، يقول: لئن لم ينته أبو جهل عن محمد لنسفعا بالناصية يقول: لنأخذن بمقدم رأسه، فلنضمنه ولنذلنه؛ يقال منه: سفعت بيده: إذا أخذت
536
وقوله: ناصية كاذبة خاطئة فخفض ناصية ردا على الناصية الأولى بالتكرير، ووصف الناصية بالكذب والخطيئة، والمعنى لصاحبها
536
وقوله: فليدع ناديه يقول تعالى ذكره: فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره، من عشيرته وقومه، والنادي: هو المجلس وإنما قيل ذلك فيما بلغنا، لأن أبا جهل لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند المقام، انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغلظ له،
536
وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يقول أبو جهل، إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه، والصلاة له
540
لا تطعه يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك واسجد لربك واقترب منه، بالتحبب إليه بطاعته، فإن أبا جهل لن يقدر على ضرك، ونحن نمنعك منه
541
سورة القدر
542
القول في تأويل قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة
542
وقوله: وما أدراك ما ليلة القدر يقول: وما أشعرك يا محمد أي شيء ليلة القدر خير من ألف شهر اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: العمل في ليلة القدر بما يرضي الله، خير من العمل في غيرها ألف شهر
545
وقوله: تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: تنزل الملائكة وجبريل معهم، وهو الروح، في ليلة القدر بإذن ربهم من كل أمر يعني بإذن ربهم، من كل أمر قضاه الله في تلك السنة، من رزق وأجل وغير
547
وقوله: سلام هي حتى مطلع الفجر سلام ليلة القدر من الشر كله من أولها إلى طلوع الفجر من ليلتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
548
سورة البينة
551
القول في تأويل قوله تعالى: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لم يكن الذين كفروا من أهل
551
وقوله: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة يقول: وما تفرق اليهود والنصارى في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، فكذبوا به، إلا من بعد ما جاءتهم البينة، يعني: من بعد ما جاءت هؤلاء اليهود والنصارى البينة يعني. بيان أمر محمد، أنه رسول
553
القول في تأويل قوله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة يقول تعالى ذكره: وما أمر الله هؤلاء اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين؛ يقول: مفردين له
553
وقوله: حنفاء قد مضى بياننا في معنى الحنيفية قبل، بشواهده المغنية عن إعادتها، غير أنا نذكر بعض ما لم نذكر قبل من الأخبار في ذلك
553
وقوله: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة يقول: وليقيموا الصلاة، وليؤتوا الزكاة
554
وقوله: وذلك دين القيمة يعني أن هذا الذي ذكر أنه أمر به هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هو الدين القيمة، ويعني بالقيمة: المستقيمة العادلة، وأضيف الدين إلى القيمة، والدين هو القيم، وهو من نعته لاختلاف لفظيهما. وهي في قراءة عبد الله فيما
554
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية يقول تعالى ذكره: إن الذين كفروا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فجحدوا نبوته، من
555
وقوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية يقول تعالى ذكره: إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمد، وعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله فيما أمر ونهى أولئك هم خير البرية يقول: من فعل ذلك من الناس
556
القول في تأويل قوله تعالى: جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه يقول تعالى ذكره: ثواب هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم يوم القيامة جنات عدن يعني بساتين إقامة لا ظعن فيها،
556
وقوله: ذلك لمن خشي ربه يقول تعالى ذكره: هذا الخير الذي وصفته، ووعدته الذين آمنوا وعملوا الصالحات يوم القيامة، لمن خشي ربه؛ يقول: لمن خاف الله في الدنيا في سره وعلانيته، فاتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، وبالله التوفيق
557
سورة الزلزلة
558
القول في تأويل قوله تعالى: إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره يقول تعالى ذكره: إذا زلزلت
558
وقوله: وأخرجت الأرض أثقالها يقول: وأخرجت الأرض ما في بطنها من الموتى أحياء، والميت في بطن الأرض ثقل لها، وهو فوق ظهرها حيا ثقل عليها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
558
وقوله: وقال الإنسان ما لها يقول تعالى ذكره: وقال الناس إذا زلزلت الأرض لقيام الساعة: ما للأرض وما قصتها يومئذ تحدث أخبارها. كان ابن عباس يقول في ذلك ما
559
وقوله: يومئذ تحدث أخبارها يقول: يومئذ تحدث الأرض أخبارها. وتحديثها أخبارها، على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود، أن تتكلم فتقول: إن الله أمرني بهذا، وأوحى إلي به، وأذن لي فيه وأما سعيد بن جبير فإنه كان يقول في ذلك ما
559
وقوله: يومئذ يصدر الناس أشتاتا قيل: إن معنى هذه الكلمة التأخير بعد ليروا أعمالهم قالوا: ووجه الكلام: يومئذ تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها ليروا أعمالهم، يومئذ يصدر الناس أشتاتا. قالوا: ولكنه اعترض بين ذلك بهذه الكلمة ومعنى قوله: يومئذ يصدر الناس
562
وقوله: ليروا أعمالهم يقول: يومئذ يصدر الناس أشتاتا متفرقين، عن اليمين وعن الشمال، ليروا أعمالهم، فيرى المحسن في الدنيا، المطيع لله عمله وما أعد الله له يومئذ من الكرامة، على طاعته إياه كانت في الدنيا، ويرى المسيء العاصي لله عمله. وجزاء عمله،
562
وقوله: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره يقول: فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير، يرى ثوابه هنالك
562
وقوله: ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره يقول: ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر يرى جزاءه هنالك، وقيل: ومن يعمل، والخبر عنها في الآخرة، لفهم السامع معنى ذلك، لما قد تقدم من الدليل قبل، على أن معناه: فمن عمل؛ ذلك دلالة قوله: يومئذ يصدر الناس أشتاتا
562
سورة العاديات
570
القول في تأويل قوله تعالى: والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير اختلف أهل التأويل
570
وقوله: فالموريات قدحا اختلف أهل التأويل، في ذلك، فقال بعضهم: هي الخيل توري النار بحوافرها
575
وقوله: فالمغيرات صبحا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فالمغيرات صبحا على عدوها علانية
578
وقوله فأثرن به نقعا يقول تعالى ذكره: فرفعن بالوادي غبارا؛ والنقع: الغبار، ويقال: إنه التراب. والهاء في قوله به كناية اسم الموضع، وكنى عنه، ولم يجر له ذكر، لأنه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع، فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره. وبنحو
580
وقوله: فوسطن به جمعا يقول تعالى ذكره: فوسطن بركبانهن جمع القوم، يقال: وسطت القوم بالتخفيف، ووسطته بالتشديد، وتوسطته: بمعنى واحد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
582
وقوله: إن الإنسان لربه لكنود يقول: إن الإنسان لكفور لنعم ربه. والأرض الكنود: التي لا تنبت شيئا، قال الأعشى: أحدث لها تحدث لوصلك إنها كند لوصل الزائر المعتاد وقيل: إنما سميت كندة: لقطعها أباها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
584
وقوله: وإنه على ذلك لشهيد يقول تعالى ذكره: إن الله على كنوده ربه لشهيد: يعني لشاهد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
587
وقوله: وإنه لحب الخير لشديد يقول تعالى ذكره: وإن الإنسان لحب المال لشديد. واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدة لحب المال، فقال بعض البصريين: معنى ذلك: وإنه من أجل حب الخير لشديد: أي لبخيل؛ قال: يقال للبخيل: شديد ومتشدد. واستشهدوا لقوله ذلك
588
وقوله: أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور يقول: أفلا يعلم هذا الإنسان الذي هذه صفته، إذا أثير ما في القبر، وأخرج ما فيها من الموتى وبحث. وذكر أنها في مصحف عبد الله: " إذا بحث ما في القبور " وكذلك تأول ذلك أهل التأويل
590
وقوله: وحصل ما في الصدور يقول: وميز وبين، فأبرز ما في صدور الناس من خير وشر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
590
وقوله: إن ربهم بهم يومئذ لخبير يقول: إن ربهم بأعمالهم، وما أسروا في صدورهم، وأضمروه فيها، وما أعلنوه بجوارحهم منها، عليم لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيهم على جميع ذلك يومئذ
591
سورة القارعة
592
القول في تأويل قوله تعالى: القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية يقول تعالى ذكره: القارعة
592
وقوله: ما القارعة يقول تعالى ذكره معظما شأن القيامة والساعة التي يقرع العباد هولها: أي شيء القارعة؟ يعني بذلك: أي شيء الساعة التي يقرع الخلق هولها: أي ما أعظمها وأفظعها وأهولها
593
وقوله: وما أدراك ما القارعة يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد أي شيء القارعة
593
وقوله: يوم يكون الناس كالفراش المبثوث يقول تعالى ذكره: القارعة يوم يكون الناس كالفراش، وهو الذي يتساقط في النار والسراج، ليس ببعوض ولا ذباب، ويعني بالمبثوث: المفرق. وكالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
593
وقوله: وتكون الجبال كالعهن المنفوش يقول تعالى ذكره: ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش؛ والعهن: هو الألوان من الصوف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
594
وقوله: فأما من ثقلت موازينه يقول: فأما من ثقلت موازين حسناته، يعني بالموازين: الوزن، والعرب تقول: لك عندي درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك، ويقولون: داري بميزان دارك ووزن دارك، يراد: حذاء دارك. قال الشاعر: قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل
594
وقوله: وأما من خفت موازينه فأمه هاوية يقول: وأما من خف وزن حسناته، فمأواه ومسكنه الهاوية، التي يهوي فيها على رأسه في جهنم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
595
قوله: وما أدراك ما هيه يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد ما الهاوية، ثم بين ما هي، فقال: نار حامية يعني بالحامية: التي قد حميت من الوقود عليها
597
سورة التكاثر
598
القول في تأويل قوله تعالى: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم يقول تعالى ذكره: ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة
598
وقوله: حتى زرتم المقابر يعني: حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها؛ وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر، لأن الله تعالى ذكره، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدا منه لهم وتهددا. وبنحو الذي قلنا
600
وقوله: كلا سوف تعلمون يعني تعالى ذكره بقوله: كلا: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا، أن يلهيكم التكاثر. وقوله: سوف تعلمون يقول جل ثناؤه: سوف تعلمون إذا زرتم المقابر، أيها الذين ألهاهم التكاثر، غب فعلكم، واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم.
600
وقوله: ثم كلا سوف تعلمون يقول: ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر بالأموال، وكثرة العدد، سوف تعلمون إذا زرتم المقابر، ما تلقون إذا أنتم زرتموها، من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربكم بالتكاثر. وكرر قوله: كلا سوف تعلمون مرتين، لأن العرب إذا
601
وقوله: كلا لو تعلمون علم اليقين يقول تعالى ذكره: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا، أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم، من قبوركم، ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم، ولسارعتم إلى عبادته
601
وقوله: لترون الجحيم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته قراء الأمصار: لترون الجحيم بفتح التاء من لترون في الحرفين كليهما، وقرأ ذلك الكسائي بضم التاء من الأولى، وفتحها من الثانية. والصواب عندنا في ذلك الفتح فيهما كليهما، لإجماع الحجة عليه. وإذا كان
602
وقوله: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم يقول: ثم ليسألنكم الله عز وجل عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا: ماذا عملتم فيه، من أين وصلتم إليه، وفيم أصبتموه، وماذا عملتم به؟ واختلف أهل التأويل في ذلك النعيم ما هو؟ فقال بعضهم: هو الأمن والصحة
602
سورة العصر
612
القول في تأويل قوله تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: والعصر فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر، فقال: العصر: هو الدهر
612
وقوله: إن الإنسان لفي خسر يقول: إن ابن آدم لفي هلكة ونقصان. وكان علي رضي الله عنه يقرأ ذلك: " وإن الإنسان لفي خسر، وإنه فيه إلى آخر الدهر "
612
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات يقول: إلا الذين صدقوا الله ووحدوه، وأقروا له بالوحدانية والطاعة، وعملوا الصالحات، وأدوا ما لزمهم من فرائضه، واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه، واستثنى الذين آمنوا عن الإنسان، لأن الإنسان بمعنى الجمع، لا بمعنى الواحد
613
وقوله: وتواصوا بالحق يقول: وأوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه، من أمره، واجتناب ما نهى عنه فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قالا أهل التأويل
614
وقوله: وتواصوا بالصبر يقول: وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
614
سورة الهمزة
616
القول في تأويل قوله تعالى: ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة يعني تعالى ذكره بقوله: ويل لكل همزة الوادي يسيل من صديد
616
وقوله: الذي جمع مالا وعدده يقول: الذي جمع مالا وأحصى عدده، ولم ينفقه في سبيل الله، ولم يؤد حق الله فيه، ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه من قراء أهل المدينة أبو جعفر، وعامة قراء الكوفة سوى عاصم: (جمع) بالتشديد، وقرأ
620
وقوله: يحسب أن ماله أخلده يقول: يحسب أن ماله الذي جمعه وأحصاه، وبخل بإنفاقه، مخلده في الدنيا، فمزيل عنه الموت. وقيل: أخلده، والمعنى: يخلده، كما يقال للرجل الذي يأتي الأمر الذي يكون سببا لهلاكه: عطب والله فلان، هلك والله فلان، بمعنى: أنه
621
وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ما ذلك كما ظن، ليس ماله مخلده، ثم أخبر جل ثناؤه أنه هالك ومعذب على أفعاله ومعاصيه، التي كان يأتيها في الدنيا، فقال جل ثناؤه: لينبذن في الحطمة يقول: ليقذفن يوم القيامة في الحطمة، والحطمة: اسم من أسماء النار، كما قيل
621
وقوله: وما أدراك ما الحطمة يقول: وأي شيء أشعرك يا محمد ما الحطمة، ثم أخبره عنها ما هي، فقال جل ثناؤه: هي نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة يقول: التي يطلع ألمها ووهجها القلوب؛ والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى حكي عن العرب سماعا: متى طلعت
622
وقوله: إنها عليهم مؤصدة يقول تعالى ذكره: إن الحطمة التي وصفت صفتها عليهم، يعني: على هؤلاء الهمازين اللمازين مؤصدة يعني: مطبقة؛ وهي تهمز ولا تهمز؛ وقد قرئتا جميعا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
622
وقوله: في عمد ممددة اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: في عمد بفتح العين والميم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: (في عمد) بضم العين والميم. والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء
624
سورة الفيل
627
القول في تأويل قوله تعالى: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فترى بها كيف فعل ربك بأصحاب
627
ألم يجعل كيدهم في تضليل يقول: ألم يجعل سعي الحبشة أصحاب الفيل في تخريب الكعبة في تضليل يعني: في تضليلهم عما أرادوا وحاولوا من تخريبها
627
وقوله: وأرسل عليهم طيرا أبابيل يقول تعالى ذكره: وأرسل عليهم ربك طيرا متفرقة، يتبع بعضها بعضا من نواح شتى؛ وهي جماع لا واحد لها، مثل الشماطيط والعباديد ونحو ذلك. وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى، أنه لم ير أحدا يجعل لها واحدا. وقال الفراء: لم أسمع
627
وقوله: ترميهم بحجارة من سجيل يقول تعالى ذكره: ترمي هذه الطير الأبابيل التي أرسلها الله على أصحاب الفيل، بحجارة من سجيل. وقد بينا معنى سجيل في موضع غير هذا، غير أنا نذكر بعض ما قيل من ذلك في هذا الموضع، من أقوال من لم نذكر في ذلك الموضع
632
وقوله: فجعلهم كعصف مأكول يعني تعالى ذكره: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدواب فراثته، فيبس وتفرقت أجزاؤه؛ شبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم، وتفرق آراب أبدانهم بها، بتفرق أجزاء الروث، الذي حدث عن أكل الزرع. وقد كان بعضهم يقول: العصف:
643
سورة قريش
646
القول في تأويل قوله تعالى: لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف اختلفت القراء في قراءة لإيلاف قريش إيلافهم فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار بياء بعد همزة لإيلاف، إيلافهم سوى أبي جعفر فإنه وافق غيره في
646
وقوله: رحلة الشتاء والصيف يقول: رحلة قريش الرحلتين، إحداهما إلى الشام في الصيف، والأخرى إلى اليمن في الشتاء
651
وقوله: فليعبدوا رب هذا البيت يقول: فليقيموا بموضعهم ووطنهم من مكة، وليعبدوا رب هذا البيت، يعني بالبيت: الكعبة
652
وقوله: الذي أطعمهم من جوع يقول: الذي أطعم قريشا من جوع
653
سورة الماعون
657
القول في تأويل قوله تعالى: أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون يعني تعالى ذكره بقوله: أرأيت الذي يكذب بالدين أرأيت يا محمد الذي يكذب بثواب الله
657
وقوله: فذلك الذي يدع اليتيم يقول: فهذا الذي يكذب بالدين، هو الذي يدفع اليتيم عن حقه، ويظلمه. يقال منه: دععت فلانا عن حقه، فأنا أدعه دعا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
658
وقوله: ولا يحض على طعام المسكين يقول تعالى ذكره: ولا يحث غيره على إطعام المحتاج من الطعام
659
وقوله: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون، لا يريدون الله عز وجل بصلاتهم، وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: عن صلاتهم ساهون فقال بعضهم: عني
659
وقوله: الذين هم يراءون يقول: الذين هم يراءون الناس بصلاتهم إذا صلوا، لأنهم لا يصلون رغبة في ثواب، ولا رهبة من عقاب، وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنونهم منهم، فيكفون عن سفك دمائهم، وسبي ذراريهم، وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله صلى
664
وقوله: ويمنعون الماعون يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم، وأصل الماعون من كل شيء منفعته؛ يقال للماء الذي ينزل من السحاب: ماعون؛ ومنه قول أعشى بني ثعلبة: بأجود منه بماعونه إذا ما سماؤهم لم تغم وقال آخر يصف سحابا: يمج صبيره الماعون صبا وقال عبيد
665
سورة الكوثر
679
القول في تأويل قوله تعالى: إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر يقول تعالى ذكره: إنا أعطيناك يا محمد الكوثر واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر، فقال بعضهم: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم
679
وقوله: فصل لربك وانحر اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا الخطاب، ومعنى قوله: وانحر فقال بعضهم: حضه على المواظبة على الصلاة المكتوبة، وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله: فصل لربك وانحر
690
وقوله: إن شانئك هو الأبتر يعني بقوله جل ثناؤه: إن شانئك إن مبغضك يا محمد وعدوك هو الأبتر يعني بالأبتر: الأقل والأذل المنقطع دابره، الذي لا عقب له. واختلف أهل التأويل في المعني بذلك، فقال بعضهم: عني به العاص بن وائل السهمي
697
سورة الكافرون
702
القول في تأويل قوله تعالى: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكان المشركون من قومه فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا
702
وقوله: لكم دينكم ولي دين يقول تعالى ذكره: لكم دينكم فلا تتركونه أبدا، لأنه قد ختم عليكم، وقضي أن لا تنفكوا عنه، وأنكم تموتون عليه، ولي دين الذي أنا عليه، لا أتركه أبدا، لأنه قد مضى في سابق علم الله أني لا أنتقل عنه إلى غيره
704
سورة النصر
705
القول في تأويل قوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إذا جاءك نصر الله يا محمد على قومك من قريش، والفتح: فتح مكة، ورأيت الناس من
705
وقوله: فسبح بحمد ربك يقول: فسبح ربك وعظمه بحمده وشكره، على ما أنجز لك من وعده. فإنك حينئذ لاحق به، وذائق ما ذاق من قبلك من رسله من الموت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
707
وقوله: واستغفره يقول: وسله أن يغفر ذنوبك
713
إنه كان توابا يقول: إنه كان ذا رجوع لعبده، المطيع إلى ما يحب. والهاء من قوله إنه من ذكر الله عز وجل
713
سورة المسد
714
القول في تأويل قوله تعالى: تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد يقول تعالى ذكره: خسرت يدا أبي لهب، وخسر هو. وإنما عني بقوله: تبت يدا أبي لهب تب عمله. وكان بعض أهل العربية يقول:
714
وقوله: ما أغنى عنه ماله وما كسب يقول تعالى ذكره: أي شيء أغنى عنه ماله، ودفع من سخط الله عليه وما كسب وهم ولده. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
717
وقوله: سيصلى نارا ذات لهب يقول: سيصلى أبو لهب نارا ذات لهب
718
وقوله: وامرأته حمالة الحطب يقول: سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب، نارا ذات لهب. واختلفت القراء في قراءة حمالة الحطب فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والبصرة: (حمالة الحطب) بالرفع، غير عبد الله بن أبي إسحاق، فأنه قرأ ذلك نصبا فيما ذكر لنا عنه
718
وقوله في جيدها حبل من مسد يقول في عنقها؛ والعرب تسمي العنق جيدا؛ ومنه قول ذي الرمة: فعيناك عيناها ولونك لونها وجيدك إلا أنها غير عاطل وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
722
سورة الإخلاص
727
القول في تأويل قوله تعالى: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ذكر أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب رب العزة، فأنزل الله هذه السورة جوابا لهم. وقال بعضهم: بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه، فقالوا له: هذا
727
وقوله: الله الصمد يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له الصمد. واختلف أهل التأويل في معنى الصمد، فقال بعضهم: هو الذي ليس بأجوف، ولا يأكل ولا يشرب
731
وقوله: لم يلد يقول: ليس بفان، لأنه لا شيء يلد إلا هو فان بائد
737
ولم يولد يقول: وليس بمحدث لم يكن فكان، لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن، وحدث بعد أن كان غير موجود، ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل، ودائم لم يبد، ولا يزول ولا يفنى
737
وقوله: ولم يكن له كفوا أحد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولم يكن له شبيه ولا مثل.
738
سورة الفلق
741
القول في تأويل قوله تعالى: قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: أستجير برب الفلق من شر ما خلق من الخلق. واختلف أهل التأويل في معنى
741
وقوله: ومن شر غاسق إذا وقب يقول: ومن شر مظلم إذا دخل، وهجم علينا بظلامه. ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عني في هذه الآية، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه، فقال بعضهم: هو الليل إذا أظلم
745
وقوله: ومن شر النفاثات في العقد يقول: ومن شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط، حين يرقين عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
749
وقوله: ومن شر حاسد إذا حسد اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر حسده به، فقال بعضهم: ذلك كل حاسد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر عينه ونفسه
751
سورة الناس
753
القول في تأويل قوله تعالى: قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد أستجير برب الناس ملك الناس وهو ملك جميع الخلق: إنسهم وجنهم، وغير
753
وقوله: إله الناس يقول: معبود الناس، الذي له العبادة دون كل شيء سواه
753
وقوله: من شر الوسواس يعني: من شر الشيطان
753
الخناس الذي يخنس مرة ويوسوس أخرى، وإنما يخنس فيما ذكر عند ذكر العبد ربه
753
وقوله: الذي يوسوس في صدور الناس يعني بذلك: الشيطان الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس: جنهم وإنسهم. فإن قال قائل: فالجن ناس، فيقال: الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس: قيل: قد سماهم الله في هذا الموضع ناسا، كما سماهم في موضع آخر رجالا،
756
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
24
صفحه :
757
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir