مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
علوم القرآن
التجويد والقراءات
التفاسير
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
21
صفحه :
610
سورة الدخان
5
القول في تأويل قوله تعالى: حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم قد تقدم بياننا في معنى قوله حم والكتاب المبين
5
وقوله: إنا أنزلناه في ليلة مباركة أقسم جل ثناؤه بهذا الكتاب، أنه أنزله في ليلة مباركة واختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أي ليلة من ليالي السنة هي؟ فقال بعضهم: هي ليلة القدر
5
وقوله: فيها يفرق كل أمر حكيم اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، نحو اختلافهم في الليلة المباركة، وذلك أن الهاء التي في قوله: فيها عائدة على الليلة المباركة، فقال بعضهم: هي ليلة القدر، يقضى فيها أمر السنة كلها من يموت، ومن
6
وقوله: أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين يقول تعالى ذكره: في هذه الليلة المباركة يفرق كل أمر حكيم، أمرا من عندنا واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: أمرا فقال بعض نحويي الكوفة: نصب على إنا أنزلناه أمرا ورحمة على الحال وقال بعض نحويي البصرة: نصب على معنى
11
وقوله: إنا كنا مرسلين يقول تعالى ذكره: إنا كنا مرسلي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا رحمة من ربك يا محمد إنه هو السميع العليم يقول: إن الله تبارك وتعالى هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا، وأرسلنا من رسلنا إليهم، وغير
11
القول في تأويل قوله تعالى: رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك يلعبون اختلفت القراء في قراءة قوله: رب السموات والأرض فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة (رب السموات) بالرفع على اتباع
11
وقوله: إن كنتم موقنين يقول: إن كنتم توقنون بحقيقة ما أخبرتكم من أن ربكم رب السماوات والأرض، فإن الذي أخبرتكم أن الله هو الذي هذه الصفات صفاته، وأن هذا القرآن تنزيله، ومحمدا صلى الله عليه وسلم رسوله حق يقين، فأيقنوا به كما أيقنتم بما توقنون من حقائق
12
وقوله: لا إله إلا هو يقول: لا معبود لكم أيها الناس غير رب السماوات والأرض وما بينهما، فلا تعبدوا غيره، فإنه لا تصلح العبادة لغيره، ولا تنبغي لشيء سواه يحيي ويميت يقول: هو الذي يحيي ما يشاء، ويميت ما يشاء مما كان حيا
12
وقوله: ربكم ورب آبائكم الأولين يقول: هو مالككم ومالك من مضى قبلكم من آبائكم الأولين، يقول: فهذا الذي هذه صفته، هو الرب فاعبدوه دون آلهتكم التي لا تقدر على ضر ولا نفع
13
وقوله: بل هم في شك يلعبون يقول تعالى ذكره ما هم بموقنين بحقيقة ما يقال لهم ويخبرون من هذه الأخبار، يعني بذلك مشركي قريش، ولكنهم في شك منه، فهم يلهون بشكهم في الذي يخبرون به من ذلك
13
القول في تأويل قوله تعالى: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون يعني تعالى ذكره بقوله: فارتقب فانتظر يا محمد بهؤلاء المشركين من قومك الذين هم في شك يلعبون، وإنما هو افتعل، من رقبته: إذا انتظرته
13
وقوله: يوم تأتي السماء بدخان مبين اختلف أهل التأويل في هذا الذي أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرتقبه، وأخبره أن السماء تأتي فيه بدخان مبين: أي يوم هو، ومتى هو؟ وفي معنى الدخان الذي ذكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك حين دعا رسول الله
13
وقوله: ربنا اكشف عنا العذاب يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد يضرعون إلى ربهم بمسألتهم إياه كشف ذلك الجهد عنهم، ويقولون: إنك إن كشفته آمنا بك وعبدناك من دون كل معبود سواك، كما أخبر عنهم جل ثناؤه ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون
22
القول في تأويل قوله تعالى: أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون يقول تعالى ذكره: من أي وجه لهؤلاء المشركين التذكر من بعد نزول البلاء بهم، وقد تولوا عن رسولنا حين جاءهم مدبرين عنه، لا
22
وقوله: إنا كاشفو العذاب قليلا يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين أخبر عنهم أنهم يستغيثون به من الدخان النازل والعذاب الحال بهم من الجهد، وأخبر عنهم أنهم يعاهدونه أنه إن كشف العذاب عنهم آمنوا إنا كاشفو العذاب يعني الضر النازل بهم بالخصب الذي نحدثه
23
قوله: إنكم عائدون قال: كشف عنهم فعادوا
24
القول في تأويل قوله تعالى: يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المشركون إن كشفت عنكم العذاب النازل بكم، والضر الحال بكم، ثم عدتم في كفركم،
24
وقوله: ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون يعني تعالى ذكره: ولقد اختبرنا وابتلينا يا محمد قبل مشركي قومك مثال هؤلاء قوم فرعون من القبط وجاءهم رسول كريم يقول: وجاءهم رسول من عندنا أرسلناه إليهم، وهو موسى بن عمران صلوات الله عليه
28
وقوله: أن أدوا إلي عباد الله يقول تعالى ذكره: وجاء قوم فرعون رسول من الله كريم عليه بأن ادفعوا إلي، ومعنى " أدوا ": ادفعوا إلي فأرسلوا معي واتبعون، وهو نحو قوله: أن أرسل معي بني إسرائيل فإن في قوله: أن أدوا إلي نصب، وعباد الله نصب بقوله: أدوا
28
وقوله: إني لكم رسول أمين يقول: إني لكم أيها القوم رسول من الله أرسلني إليكم لا يدرككم بأسه على كفركم به، أمين يقول: أمين على وحيه ورسالته التي أوعدنيها إليكم
30
القول في تأويل قوله تعالى: وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون يقول تعالى ذكره: وجاءهم رسول كريم، أن أدوا إلي عباد الله، وبأن لا تعلوا على الله وعنى بقوله: أن لا تعلوا على الله أن لا
30
وقوله: وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون يقول: وإني اعتصمت بربي وربكم، واستجرت به منكم أن ترجمون واختلف أهل التأويل في معنى الرجم الذي استعاذ موسى نبي الله عليه السلام بربه منه، فقال بعضهم: هو الشتم باللسان
31
وقوله: وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه موسى عليه السلام لفرعون وقومه: وإن أنتم أيها القوم لم تصدقوني على ما جئتكم به من عند ربي، فاعتزلون: يقول: فخلوا سبيلي غير مرجوم باللسان ولا باليد
33
القول في تأويل قوله تعالى: فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون يقول تعالى ذكره: فدعا موسى ربه إذ كذبوه ولم يؤمنوا به، ولم يؤد إليه عباد الله، وهموا بقتله بأن هؤلاء، يعني فرعون وقومه قوم مجرمون
33
وقوله: فأسر بعبادي وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه منه، وهو: فأجابه ربه بأن قال له: فأسر إذ كان الأمر كذلك بعبادي، وهم بنو إسرائيل، وإنما معنى الكلام: فأسر بعبادي الذين صدقوك وآمنوا بك، واتبعوك دون الذين كذبوك منهم، وأبوا قبول ما
33
وقوله: إنكم متبعون يقول: إن فرعون وقومه من القبط متبعوكم إذا شخصتم عن بلدهم وأرضهم في آثاركم
34
وقوله: واترك البحر رهوا يقول: وإذا قطعت البحر أنت وأصحابك، فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته وقيل: إن الله تعالى ذكره قال لموسى هذا القول بعد ما قطع البحر ببني إسرائيل فإذ كان ذلك كذلك، ففي الكلام محذوف، وهو: فسرى موسى بعبادي ليلا،
34
وقوله: إنهم جند مغرقون يقول: إن فرعون وقومه جند الله مغرقهم في البحر
38
القول في تأويل قوله تعالى: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين يقول تعالى ذكره: كم ترك فرعون وقومه من القبط بعد مهلكهم وتغريق الله إياهم من بساتين وأشجار، وهي الجنات، وعيون، يعني: ومنابع ما كان
38
وقوله: ونعمة كانوا فيها فاكهين يقول تعالى ذكره: وأخرجوا من نعمة كانوا فيها فاكهين متفكهين ناعمين واختلفت القراء في قراءة قوله: فاكهين فقرأته عامة قراء الأمصار خلا أبي جعفر القارئ فاكهين على المعنى الذي وصفت وقرأه أبو رجاء العطاردي والحسن وأبو جعفر
39
وقوله: كذلك وأورثناها قوما آخرين يقول تعالى ذكره: هكذا كما وصفت لكم أيها الناس فعلنا بهؤلاء الذي ذكرت لكم أمرهم، الذين كذبوا رسولنا موسى صلى الله عليه وسلم وقوله: وأورثناها قوما آخرين يقول تعالى ذكره وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقاماتهم وما كانوا
40
القول في تأويل قوله تعالى: فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين يقول تعالى ذكره: فما بكت على هؤلاء الذين غرقهم الله في البحر، وهم فرعون وقومه، السماء والأرض، وقيل:
40
وقوله: وما كانوا منظرين يقول: وما كانوا مؤخرين بالعقوبة التي حلت بهم، ولكنهم عوجلوا بها إذ أسخطوا ربهم عز وجل عليهم ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين يقول تعالى ذكره: ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب الذي كان فرعون وقومه يعذبونهم به، المهين
45
وقوله: من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين يقول تعالى ذكره: ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب من فرعون، فقوله: من فرعون مكررة على قوله: من العذاب المهين مبدلة من الأولى ويعني بقوله: إنه كان عاليا من المسرفين إنه كان جبارا مستعليا مستكبرا على ربه، من
45
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد اخترناهم على علم على العالمين وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين يقول تعالى ذكره: ولقد اخترنا بني إسرائيل على علم منا بهم على عالمي أهل زمانهم يومئذ، وذلك زمان موسى صلوات الله وسلامه عليه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
46
قوله: وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين يقول تعالى ذكره: وأعطيناهم من العبر والعظات ما فيه اختبار يبين لمن تأمله أنه اختبار اختبرهم الله به واختلف أهل التأويل في ذلك البلاء، فقال بعضهم: ابتلاهم بنعمه عندهم
47
القول في تأويل قوله تعالى: إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل مشركي قريش لنبي الله صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء المشركين من قومك يا محمد ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى
48
وقوله: فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره: قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: فأتوا بآبائنا الذين قد ماتوا إن كنتم صادقين، أن الله باعثنا من بعد بلانا في قبورنا، ومحيينا من بعد مماتنا، وخوطب صلى الله عليه وسلم هو وحده خطاب الجميع، كما قيل:
49
القول في تأويل قوله تعالى: أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير، أم قوم تبع، يعني تبعا الحميري
49
وقوله والذين من قبلهم يقول تعالى ذكره: أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبع والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها، يقول: فليس هؤلاء بخير من أولئك، فنصفح عنهم، ولا نهلكهم، وهم بالله كافرون، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا
50
وقوله: إنهم كانوا مجرمين يقول: إن قوم تبع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم إنما أهلكناهم لإجرامهم، وكفرهم بربهم وقيل: إنهم كانوا مجرمين، فكسرت ألف " إن " على وجه الابتداء، وفيها معنى الشرط استغناء بدلالة الكلام على معناها
50
القول في تأويل قوله تعالى: وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: وما خلقنا السموات السبع والأرضين وما بينهما من الخلق لعبا
51
وقوله: ما خلقناهما إلا بالحق يقول: ما خلقنا السماوات والأرض إلا بالحق الذي لا يصلح التدبير إلا به وإنما يعني بذلك تعالى ذكره التنبيه على صحة البعث والمجازاة، يقول تعالى ذكره: لم نخلق الخلق عبثا بأن نحدثهم فنحييهم ما أردنا، ثم نفنيهم من غير الامتحان
51
ولكن أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعلمون أن الله خلق ذلك لهم، فهم لا يخافون على ما يأتون من سخط الله عقوبة، ولا يرجون على خير إن فعلوه ثوابا لتكذيبهم بالمعاد
51
القول في تأويل قوله تعالى: إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم يقول تعالى ذكره: إن يوم فصل الله القضاء بين خلقه بما أسلفوا في دنياهم من خير أو شر يجزى به المحسن بالإحسان، والمسيء
51
وقوله: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا يقول: لا يدفع ابن عم عن ابن عم، ولا صاحب عن صاحبه شيئا من عقوبة الله التي حلت بهم من الله ولا هم ينصرون يقول: ولا ينصر بعضهم بعضا، فيستعيذوا ممن نالهم بعقوبة كما كانوا يفعلونه في الدنيا
52
وقوله إلا من رحم الله اختلف أهل العربية في موضع " من " في قوله: إلا من رحم الله فقال بعض نحويي البصرة: إلا من رحم الله، فجعله بدلا من الاسم المضمر في ينصرون، وإن شئت جعلته مبتدأ وأضمرت خبره، يريد به: إلا من رحم الله فيغني عنه وقال بعض نحويي الكوفة
52
وقوله: إنه هو العزيز الرحيم يقول جل ثناؤه واصفا نفسه: إن الله هو العزيز في انتقامه من أعدائه، الرحيم بأوليائه، وأهل طاعته
53
القول في تأويل قوله تعالى: إن شجرت الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم يقول تعالى ذكره: إن شجرة الزقوم التي أخبر أنها تنبت في أصل الجحيم، التي جعلها طعاما لأهل الجحيم، ثمرها في الجحيم طعام الآثم في الدنيا بربه، والأثيم: ذو الإثم،
53
وقوله: كالمهل يغلي في البطون يقول تعالى ذكره: إن شجرة الزقوم التي جعل ثمرتها طعام الكافر في جهنم، كالرصاص أو الفضة، أو ما يذاب في النار إذا أذيب بها، فتناهت حرارته، وشدت حميته في شدة السواد وقد بينا معنى المهل فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا
54
وقوله: في البطون اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة والكوفة (تغلي) بالتاء، بمعنى أن شجرة الزقوم تغلي في بطونهم، فأنثوا تغلي لتأنيث الشجرة وقرأ ذلك بعض قراء أهل الكوفة يغلي بمعنى: طعام الأثيم يغلي، أو المهل يغلي، فذكره
58
القول في تأويل قوله تعالى: خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم يقول تعالى ذكره: خذوه يعني هذا الأثيم بربه، الذي أخبر جل ثناؤه أن له شجرة الزقوم طعام فاعتلوه يقول تعالى ذكره: فادفعوه وسوقوه، يقال منه: عتله يعتله عتلا: إذا
59
وقوله: إلى سواء الجحيم إلى وسط الجحيم ومعنى الكلام: يقال يوم القيامة: خذوا هذا الأثيم فسوقوه دفعا في ظهره، وسحبا إلى وسط النار وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: فاعتلوه قال أهل التأويل
59
وفي قوله: فاعتلوه لغتان: كسر التاء، وهي قراءة بعض قراء أهل المدينة وبعض أهل مكة والصواب من القراءة في ذلك عندنا أنهما لغتان معروفتان في العرب، يقال منه: عتل يعتل ويعتل، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب
60
وقوله: ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم يقول تعالى ذكره: ثم صبوا على رأس هذا الأثيم من عذاب الحميم، يعني: من الماء المسخن الذي وصفنا صفته، وهو الماء الذي قال الله يصهر به ما في بطونهم والجلود وقد بينت صفته هنالك
60
القول في تأويل قوله تعالى: ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون يقول تعالى ذكره: يقال لهذا الأثيم الشقي: ذق هذا العذاب الذي تعذب به اليوم إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم وذكر أن هذه الآيات نزلت في أبي جهل بن هشام
60
وقوله: إن هذا ما كنتم به تمترون يقول تعالى ذكره: يقال له: إن هذا العذاب الذي تعذب به اليوم، هو العذاب الذي كنتم في الدنيا تشكون، فتختصمون فيه، ولا توقنون به فقد لقيتموه، فذوقوه
63
القول في تأويل قوله تعالى: إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بأداء طاعته، واجتناب معاصيه في موضع إقامة، آمنين في ذلك الموضع مما كان يخاف منه في مقامات الدنيا من الأوصاب والعلل
63
وقوله: في جنات وعيون الجنات والعيون ترجمة عن المقام الأمين، والمقام الأمين: هو الجنات والعيون، والجنات: البساتين، والعيون: عيون الماء المطرد في أصول أشجار الجنات
64
وقوله: يلبسون من سندس يقول: يلبس هؤلاء المتقون في هذه الجنات من سندس، وهو ما رق من الديباج وإستبرق: وهو ما غلظ من الديباج
64
وقوله: متقابلين يعني أنهم في الجنة يقابل بعضهم بعضا بالوجوه، ولا ينظر بعضهم في قفا بعض وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته
64
القول في تأويل قوله تعالى: كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم يقول تعالى ذكره: كما أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة بإدخالناهم الجنات،
65
وقوله: يدعون فيها الآية، يقول: يدعو هؤلاء المتقون في الجنة بكل نوع من فواكه الجنة اشتهوه، آمنين فيها من انقطاع ذلك عنهم ونفاده وفنائه، ومن غائلة أذاه ومكروهه، يقول: ليست تلك الفاكهة هنالك كفاكهة الدنيا التي نأكلها، وهم يخافون مكروه عاقبتها، وغب
66
وقوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى يقول تعالى ذكره: لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا وكان بعض أهل العربية يوجه " إلا " في هذا الموضع إلى أنها في معنى سوى، ويقول: معنى الكلام: لا يذوقون فيها
67
وقوله: ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك يقول تعالى ذكره: ووقى هؤلاء المتقين ربهم يومئذ عذاب النار تفضلا يا محمد من ربك عليهم، وإحسانا منه إليهم بذلك، ولم يعاقبهم بجرم سلف منهم في الدنيا، ولولا تفضله عليهم بصفحه لهم عن العقوبة لهم على ما سلف منهم من
69
وقوله: ذلك هو الفوز العظيم يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة التي وصفت في هذه الآيات، هو الفوز العظيم: يقول: هو الظفر العظيم بما كانوا يطلبون من إدراكه في الدنيا بأعمالهم وطاعتهم لربهم، واتقائهم إياه، فيما امتحنهم
69
القول في تأويل قوله تعالى: فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون فارتقب إنهم مرتقبون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإنما سهلنا قراءة هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد بلسانك، ليتذكر هؤلاء المشركون الذين أرسلناك إليهم بعبره وحججه،
70
وقوله: فارتقب إنهم مرتقبون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فانتظر أنت يا محمد الفتح من ربك، والنصر على هؤلاء المشركين بالله من قومك من قريش، إنهم منتظرون عند أنفسهم قهرك وغلبتك بصدهم عما أتيتهم به من الحق من أراد قبوله واتباعك عليه
70
سورة الجاثية
72
القول في تأويل قوله تعالى: حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين قد تقدم بياننا في معنى قوله حم وأما قوله: تنزيل الكتاب من الله فإن معناه: هذا تنزيل القرآن من عند الله العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره
72
وقوله: إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين يقول تعالى ذكره: إن في السماوات السبع اللاتي منهن نزول الغيث، والأرض التي منها خروج الخلق أيها الناس لآيات للمؤمنين يقول: لأدلة وحججا للمصدقين بالحجج إذا تبينوها ورأوها
72
القول في تأويل قوله تعالى: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون يقول تعالى ذكره: وفي خلق الله إياكم أيها الناس، وخلقه ما تفرق في الأرض من دابة تدب عليها من غير جنسكم آيات لقوم يوقنون يعني: حججا وأدلة لقوم يوقنون بحقائق الأشياء، فيقرون بها،
72
القول في تأويل قوله تعالى: واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون يقول تبارك وتعالى: وفي اختلاف الليل والنهار أيها الناس، تعاقبهما عليكم، هذا بظلمته وسواده وهذا بنوره وضيائه وما
73
وقوله: وتصريف الرياح يقول: وفي تصريفه الرياح لكم شمالا مرة، وجنوبا أخرى، وصبا أحيانا، ودبورا أخرى لمنافعكم وقد قيل: عنى بتصريفها بالرحمة مرة، وبالعذاب أخرى
74
وقوله: آيات لقوم يعقلون يقول تعالى ذكره: في ذلك أدلة وحجج لله على خلقه، لقوم يعقلون عن الله حججه، ويفهمون عنه ما وعظهم به من الآيات والعبر
74
القول في تأويل قوله تعالى: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون يقول تعالى ذكره: هذه الآيات والحجج يا محمد من ربك على خلقه نتلوها عليك بالحق: يقول: نخبرك عنها بالحق لا بالباطل، كما يخبر مشركو قومك عن آلهتهم بالباطل، أنها
75
القول في تأويل قوله تعالى: ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم يقول تعالى ذكره: الوادي السائل من صديد أهل جهنم، لكل كذاب ذي إثم بربه، مفتر عليه يسمع آيات الله تتلى عليه يقول: يسمع آيات كتاب الله
75
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين يقول تعالى ذكره: وإذا علم هذا الأفاك الأثيم من آيات الله شيئا اتخذها هزوا يقول: اتخذ تلك الآيات التي علمها هزوا، يسخر منها، وذلك كفعل أبي جهل حين نزلت إن شجرة الزقوم
76
وقوله: أولئك لهم عذاب مهين يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا الفعل، وهم الذين يسمعون آيات الله تتلى عليهم ثم يصرون على كفرهم استكبارا، ويتخذون آيات الله التي علموها هزوا، لهم يوم القيامة من الله عذاب مهين يهينهم ويذلهم في نار جهنم، بما كانوا
76
القول في تأويل قوله تعالى: من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم يقول تعالى ذكره: ومن وراء هؤلاء المستهزئين بآيات الله، يعني من بين أيديهم وقد بينا العلة التي من أجلها قيل لما أمامك، هو وراءك،
77
وقوله: ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء يقول: ولا آلهتهم التي عبدوها من دون الله، ورؤساؤهم، وهم الذين أطاعوهم في الكفر بالله، واتخذوهم نصراء في الدنيا، تغني عنهم يومئذ من عذاب جهنم شيئا ولهم عذاب عظيم يقول: ولهم من الله يومئذ عذاب في جهنم عظيم
77
القول في تأويل قوله تعالى: هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم يقول تعالى ذكره: هذا القرآن الذي أنزلناه على محمد هدى: يقول: بيان ودليل على الحق، يهدي إلى صراط مستقيم، من اتبعه وعمل بما فيه والذين كفروا بآيات ربهم يقول: والذين
77
القول في تأويل قوله تعالى: الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون يقول تعالى ذكره: الله أيها القوم، الذي لا تنبغي الألوهة إلا له، الذي أنعم عليكم هذه النعم، التي بينها لكم في هذه الآيات، وهو أنه سخر لكم البحر
78
القول في تأويل قوله تعالى: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: وسخر لكم ما في السموات من شمس وقمر ونجوم وما في الأرض من دابة وشجر وجبل وجماد وسفن لمنافعكم ومصالحكم جميعا منه يقول تعالى ذكره: جميع
78
وقوله: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: إن في تسخير الله لكم ما أنبأكم أيها الناس أنه سخره لكم في هاتين الآيتين لآيات يقول: لعلامات ودلالات على أنه لا إله لكم غيره، الذي أنعم عليكم هذه النعم، وسخر لكم هذه الأشياء التي لا يقدر على
79
القول في تأويل قوله تعالى: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للذين صدقوا الله واتبعوك، يغفروا للذين لا يخافون بأس الله ووقائعه ونقمه إذا هم نالوهم
80
القول في تأويل قوله تعالى: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون يقول تعالى ذكره: من عمل من عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره، وانزجر لنهيه، فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل، وطلب خلاصها من عذاب الله، أطاع ربه لا لغير ذلك، لأنه لا
83
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا يا محمد بني إسرائيل الكتاب يعني التوراة والإنجيل والحكم يعني الفهم بالكتاب، والعلم بالسنن التي لم تنزل في
84
القول في تأويل قوله تعالى: وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون يقول تعالى ذكره: وأعطينا بني إسرائيل واضحات من أمرنا بتنزيلنا إليهم التوراة فيها تفصيل كل شيء فما
84
وقوله: إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إن ربك يا محمد يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بغيا بينهم يوم القيامة، فيما كانوا فيه في الدنيا يختلفون بعد العلم الذي آتاهم والبيان الذي جاءهم
84
القول في تأويل قوله تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم جعلناك يا محمد من بعد الذي
85
وقوله: إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الجاهلين بربهم، الذين يدعونك يا محمد إلى اتباع أهوائهم، لن يغنوا عنك إن أنت اتبعت أهواءهم، وخالفت شريعة ربك التي شرعها لك من عقاب الله شيئا، فيدفعوه عنك إن هو عاقبك، وينقذوك منه
86
وقوله: وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض يقول: وإن الظالمين بعضهم أنصار بعض، وأعوانهم على الإيمان بالله وأهل طاعته والله ولي المتقين يقول تعالى ذكره: والله يلي من اتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه بكفايته، ودفاع من أراده بسوء، يقول جل ثناؤه لنبيه
86
القول في تأويل قوله تعالى: هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون يقول تعالى ذكره هذا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد بصائر للناس يبصرون به الحق من
86
وقوله: وهدى يقول: ورشاد ورحمة لقوم يوقنون بحقيقة صحة هذا القرآن، وأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم وخص جل ثناؤه الموقنين بأنه لهم بصائر وهدى ورحمة، لأنهم الذين انتفعوا به دون من كذب به من أهل الكفر، فكان عليه عمى وله حزنا
87
وقوله: أم حسب الذين اجترحوا السيئات يقول تعالى ذكره: أم ظن الذين اجترحوا السيئات من الأعمال في الدنيا، وكذبوا رسل الله، وخالفوا أمر ربهم، وعبدوا غيره، أن نجعلهم في الآخرة، كالذين آمنوا بالله وصدقوا رسله وعملوا الصالحات، فأطاعوا الله، وأخلصوا له
87
وقوله: سواء محياهم ومماتهم اختلفت القراء في قراءة قوله: سواء فقرأت ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة (سواء) بالرفع، على أن الخبر متناه عندهم عند قوله: كالذين آمنوا وجعلوا خبر قوله: أن نجعلهم قوله: كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم
88
وقوله: ساء ما يحكمون يقول تعالى ذكره: بئس الحكم الذي حسبوا أنا نجعل الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات، سواء محياهم ومماتهم
91
القول في تأويل قوله تعالى: وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون يقول تعالى ذكره: وخلق الله السموات والأرض بالحق للعدل والحق، لا لما حسب هؤلاء الجاهلون بالله، من أنه يجعل من اجترح السيئات، فعصاه وخالف أمره، كالذين
91
وقوله: ولتجزى كل نفس بما كسبت يقول تعالى ذكره: وليثيب الله كل عامل بما عمل من عمل خلق السماوات والأرض، المحسن بالإحسان، والمسيء بما هو أهله، لا لنبخس المحسن ثواب إحسانه، ونحمل عليه جرم غيره، فنعاقبه، أو نجعل للمسيء ثواب إحسان غيره فنكرمه، ولكن
91
القول في تأويل قوله تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه فقال بعضهم: معنى ذلك: أفرأيت من اتخذ دينه بهواه
92
وقوله: وأضله الله على علم يقول تعالى ذكره: وخذله عن محجة الطريق، وسبيل الرشاد في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي، ولو جاءته كل آية وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
93
وقوله: وختم على سمعه وقلبه يقول تعالى ذكره: وطبع على سمعه أن يسمع مواعظ الله وآي كتابه، فيعتبر بها ويتدبرها، ويتفكر فيها، فيعقل ما فيها من النور والبيان والهدى وقوله: وقلبه يقول: وطبع أيضا على قلبه، فلا يعقل به شيئا، ولا يعي به حقا
94
وقوله: وجعل على بصره غشاوة يقول: وجعل على بصره غشاوة أن يبصر به حجج الله، فيستدل بها على وحدانيته، ويعلم بها أن لا إله غيره واختلفت القراء في قراءة قوله: وجعل على بصره غشاوة فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة غشاوة بكسر الغين وإثبات
94
وقوله: فمن يهديه من بعد الله يقول تعالى ذكره: فمن يوفقه لإصابة الحق، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال الله إياه أفلا تذكرون أيها الناس، فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا، فلن يهتدي أبدا، ولن يجد لنفسه وليا مرشدا
94
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون الذين تقدم خبره عنهم: ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها لا حياة سواها تكذيبا منهم
95
وقوله: نموت ونحيا نموت نحن وتحيا أبناؤنا بعدنا، فجعلوا حياة أبنائهم بعدهم حياة لهم، لأنهم منهم وبعضهم، فكأنهم بحياتهم أحياء، وذلك نظير قول الناس: ما مات من خلف ابنا مثل فلان، لأنه بحياة ذكره به، كأنه حي غير ميت، وقد يحتمل وجها آخر، وهو أن يكون
95
وقوله: وما يهلكنا إلا الدهر يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء المشركين أنهم قالوا: وما يهلكنا فيفنينا إلا مر الليالي والأيام وطول العمر، إنكارا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله " وما يهلكنا إلا دهر يمر " وبنحو الذي قلنا
96
وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين القائلين: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر، بما يقولون من ذلك من علم: يعني من يقين علم، لأنهم يقولون ذلك تخرصا بغير خبر أتاهم من الله، ولا برهان عندهم
98
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره: وإذا تتلى على هؤلاء المشركين المكذبين بالبعث آياتنا، بأن الله باعث خلقه من بعد مماتهم، فجامعهم يوم القيامة عنده للثواب
98
القول في تأويل قوله تعالى: قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث، القائلين لك ائتنا بآبائنا إن كنت صادقا: الله
99
القول في تأويل قوله تعالى: ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون يقول تعالى ذكره: ولله سلطان السماوات السبع والأرض، دون ما تدعونه له شريكا، وتعبدونه من دونه، والذي تدعونه من دونه من الآلهة والأنداد في ملكه وسلطانه، جار عليه
100
ويوم تقوم الساعة يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء الساعة التي ينشر الله فيها الموتى من قبورهم، ويجمعهم لموقف العرض يخسر المبطلون يقول: يغبن فيها الذين أبطلوا في الدنيا في أقوالهم ودعواهم لله شريكا، وعبادتهم آلهة دونه بأن يفوز بمنازله من الجنة المحقون،
100
القول في تأويل قوله تعالى: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد يوم تقوم الساعة أهل كل ملة ودين جاثية: يقول: مجتمعة مستوفزة على ركبها من هول ذلك اليوم
100
وقوله: كل أمة تدعى إلى كتابها يقول: كل أهل ملة ودين تدعى إلى كتابها الذي أملت على حفظتها
101
وقوله: اليوم تجزون ما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: كل أمة تدعى إلى كتابها، يقال لها: اليوم تجزون: أي تثابون وتعطون أجور ما كنتم في الدنيا من جزاء الأعمال تعملون بالإحسان الإحسان، وبالإساءة جزاءها
103
القول في تأويل قوله تعالى: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين يقول تعالى ذكره: لكل أمة دعيت في القيامة إلى كتابها الذي أملت على حفظتها في الدنيا اليوم
103
وقوله: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته يقول تعالى ذكره: فأما الذين آمنوا بالله في الدنيا فوحدوه، ولم يشركوا به شيئا، وعملوا الصالحات: يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم الله عنه فيدخلهم في رحمته يعني في جنته
105
وقوله: ذلك هو الفوز المبين يقول: دخولهم في رحمة الله يومئذ هو الظفر بما كانوا يطلبونه، وإدراك ما كانوا يسعون في الدنيا له، المبين غايتهم فيها، أنه هو الفوز
106
القول في تأويل قوله تعالى: وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين يقول تعالى ذكره: وأما الذين جحدوا وحدانية الله، وأبوا إفراده في الدنيا بالألوهة، فيقال لهم: ألم تكن آياتي في الدنيا تتلى عليكم فإن قال قائل: أوليست
106
وقوله: فاستكبرتم يقول: فاستكبرتم عن استماعها والإيمان بها وكنتم قوما مجرمين يقول: وكنتم قوما تكسبون الآثام والكفر بالله، لا تصدقون بمعاد، ولا تؤمنون بثواب ولا عقاب
107
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين يقول تعالى ذكره: ويقال لهم حينئذ: وإذا قيل لكم إن وعد الله الذي وعد عباده، أنه محييهم من بعد مماتهم، وباعثهم من قبورهم حق
107
وقوله: إن نظن إلا ظنا يقول: وقلتم ما نظن أن الساعة آتية إلا ظنا وما نحن بمستيقنين أنها جائية، ولا أنها كائنة واختلفت القراء في قراءة قوله: والساعة لا ريب فيها فقرأت ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة والساعة رفعا على الابتداء وقرأته عامة
107
القول في تأويل قوله تعالى: وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون يقول تعالى ذكره: وبدا لهؤلاء الذين كانوا في الدنيا يكفرون بآيات الله سيئات ما عملوا في الدنيا من الأعمال، يقول: ظهر لهم هنالك قبائحها وشرارها لما قرأوا كتب أعمالهم التي
108
القول في تأويل قوله تعالى: وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين يقول تعالى ذكره: وقيل لهؤلاء الكفرة الذين وصف صفتهم: اليوم نترككم في عذاب جهنم، كما تركتم العمل للقاء ربكم يومكم هذا
108
وقوله: ومأواكم النار يقول: ومأواكم التي تأوون إليها نار جهنم وما لكم من ناصرين يقول: وما لكم من مستنقذ ينقذكم اليوم من عذاب الله، ولا منتصر ينتصر لكم ممن يعذبكم، فيستنقذ لكم منه
109
القول في تأويل قوله تعالى: ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا الذي حل بكم من عذاب الله اليوم بأنكم في الدنيا اتخذتم آيات الله هزوا وهي حججه وأدلته وآي كتابه التي
109
القول في تأويل قوله تعالى: فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم يقول تعالى ذكره: فلله الحمد على نعمه وأياديه عند خلقه، فإياه فاحمدوا أيها الناس، فإن كل ما بكم من نعمة فمنه دون ما تعبدون من دونه
109
سورة الأحقاف
111
القول في تأويل قوله تعالى: حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السموات والأرض وما بينهم إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون قد تقدم بياننا في معنى قوله حم تنزيل الكتاب بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع وقوله: ما خلقنا السموات
111
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: أرأيتم أيها القوم الآلهة
111
وقوله: أم لهم شرك في السموات يقول تعالى ذكره: أم لآلهتكم التي تعبدونها أيها الناس، شرك مع الله في السماوات السبع، فيكون لكم أيضا بذلك حجة في عبادتكموها، فإن من حجتي على إفرادي العبادة لربي، أنه لا شريك له في خلقها، وأنه المنفرد بخلقها دون كل ما
112
وقوله: ائتوني بكتاب من قبل هذا يقول تعالى ذكره: بكتاب جاء من عند الله من قبل هذا القرآن الذي أنزل علي، بأن ما تعبدون من الآلهة والأوثان خلقوا من الأرض شيئا، أو أن لهم مع الله شركا في السماوات، فيكون ذلك حجة لكم على عبادتكم إياها؛ لأنها إذا صح لها
112
وقوله: أو أثارة من علم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق أو أثارة من علم بالألف، بمعنى: أو ائتوني ببقية من علم وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأه (أو أثرة من علم) بمعنى: أو خاصة من علم أوتيتموه، وأوثرتم به على
112
القول في تأويل قوله تعالى: ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة يقول تعالى ذكره: وأي عبد أضل من عبد يدعو من دون الله آلهة لا تستجيب له إلى يوم القيامة: يقول: لا تجيب دعاءه أبدا، لأنها حجر أو خشب أو نحو ذلك
116
وقوله: وهم عن دعائهم غافلون يقول تعالى ذكره: وآلهتهم التي يدعونهم عن دعائهم إياهم في غفلة، لأنها لا تسمع ولا تنطق، ولا تعقل وإنما عنى بوصفها بالغفلة، تمثيلها بالإنسان الساهي عما يقال له، إذ كانت لا تفهم مما يقال لها شيئا، كما لا يفهم الغافل عن
116
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين يقول تعالى ذكره: وإذا جمع الناس يوم القيامة لموقف الحساب، كانت هذه الآلهة التي يدعونها في الدنيا
117
وقوله: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات يقول تعالى ذكره: وإذا يقرأ على هؤلاء المشركين بالله من قومك آياتنا، يعني حججنا التي احتججناها عليهم، فيما أنزلناه من كتابنا على محمد صلى الله عليه وسلم بينات يعني واضحات نيرات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم يقول
117
القول في تأويل قوله تعالى: أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم يقول تعالى ذكره: أم يقولون هؤلاء المشركون بالله من قريش افترى محمد هذا القرآن، فاختلقه وتخرصه كذبا،
118
وقوله: هو أعلم بما تفيضون فيه يقول: ربي أعلم من كل شيء سواه بما تقولون بينكم في هذا القرآن، والهاء من قوله: تفيضون فيه من ذكر القرآن وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: تفيضون فيه قال أهل التأويل
118
وقوله: كفى به شهيدا بيني وبينكم يقول: كفى بالله شاهدا علي وعليكم بما تقولون من تكذيبكم لي فيما جئتكم به من عند الله الغفور الرحيم لهم، بأن لا يعذبهم عليها بعد توبتهم منها
118
القول في تأويل قوله تعالى: قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك من قريش ما كنت بدعا من الرسل يعني: ما كنت أول رسل الله
119
وقوله: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: عنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له: قل للمؤمنين بك ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة، وإلام نصير هنالك، قالوا: ثم بين الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
120
وقوله: إن أتبع إلا ما يوحى إلي يقول تعالى ذكره: قل لهم ما أتبع فيما آمركم به، وفيما أفعله من فعل إلا وحي الله الذي يوحيه إلي وما أنا إلا نذير مبين يقول: وما أنا لكم إلا نذير، أنذركم عقاب الله على كفركم به، مبين: يقول: قد أبان لكم إنذاره، وأظهر
124
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين لهذا القرآن لما جاءهم هذا سحر مبين أرأيتم أيها القوم
124
وقوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وشهد شاهد من بني إسرائيل، وهو موسى بن عمران عليه السلام على مثله، يعني على مثل القرآن، قالوا: ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة
124
وقوله: فآمن واستكبرتم يقول: فآمن عبد الله بن سلام، وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من عند الله، واستكبرتم أنتم على الإيمان بما آمن به عبد الله بن سلام معشر اليهود إن الله لا يهدي القوم الظالمين يقول: إن الله لا يوفق لإصابة الحق، وهدى
132
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم يقول تعالى ذكره: وقال الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل للذين آمنوا به، لو كان تصديقكم محمدا على ما
132
وقوله: وإذ لم يهتدوا به يقول تعالى ذكره: وإذ لم يبصروا بمحمد وبما جاء به من عند الله من الهدى، فيرشدوا به الطريق المستقيم فسيقولون هذا إفك قديم يقول: فسيقولون هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أكاذيب من أخبار الأولين قديمة، كما قال جل
133
القول في تأويل قوله تعالى: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين يقول تعالى ذكره: ومن قبل هذا الكتاب، كتاب موسى، وهو التوراة، إماما لبني إسرائيل يأتمون به، ورحمة لهم أنزلناه عليهم وخرج الكلام
133
وقوله: لينذر الذين ظلموا يقول: لينذر هذا الكتاب الذي أنزلناه إلى محمد عليه الصلاة والسلام الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله بعبادتهم غيره
135
وقوله: وبشرى للمحسنين يقول: وهو بشرى للذين أطاعوا الله فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم إياه في الدنيا، فحسن الجزاء من الله لهم في الآخرة على طاعتهم إياه وفي قوله: وبشرى وجهان من الإعراب: الرفع على العطف على الكتاب بمعنى: وهذا كتاب مصدق وبشرى للمحسنين
135
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: إن الذين قالوا ربنا الله الذي لا إله غيره ثم استقاموا على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشرك،
136
وقوله: أولئك أصحاب الجنة يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين قالوا هذا القول، واستقاموا أهل الجنة وسكانها خالدين فيها يقول: ماكثين فيها أبدا جزاء بما كانوا يعملون يقول: ثوابا منا لهم آتيناهم ذلك على أعمالهم الصالحة التي كانوا في الدنيا يعملونها
136
القول في تأويل قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني
136
وقوله: حملته أمه كرها ووضعته كرها يقول تعالى ذكره: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا برا بهما، لما كان منهما إليه حملا ووليدا وناشئا، ثم وصف جل ثناؤه ما لديه من نعمة أمه، وما لاقت منه في حال حمله ووضعه، ونبهه على الواجب لها عليه من البر، واستحقاقها
137
وقوله: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا يقول تعالى ذكره: وحمل أمه إياه جنينا في بطنها، وفصالها إياه من الرضاع، وفطمها إياه، شرب اللبن ثلاثون شهرا. واختلفت القراء في قراءة قوله: وفصاله، فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار غير الحسن البصري: وحمله وفصاله بمعنى:
138
وقوله: حتى إذا بلغ أشده اختلف أهل التأويل في مبلغ حد ذلك من السنين، فقال بعضهم: هو ثلاث وثلاثون سنة
138
وقوله: وبلغ أربعين سنة ذلك حين تكاملت حجة الله عليه، وسير عنه جهالة شبابه وعرف الواجب لله من الحق في بر والديه
140
وقوله: قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي يقول تعالى ذكره: قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده، وعرف حق الله عليه فيما ألزمه من بر والديه رب أوزعني أن أشكر نعمتك يقول: أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت علي في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك
140
وقوله: وأن أعمل صالحا ترضاه يقول تعالى ذكره: أوزعني أن أعمل صالحا من الأعمال التي ترضاها، وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم
141
وقوله: وأصلح لي في ذريتي يقول: وأصلح لي أموري في ذريتي الذين وهبتهم، بأن تجعلهم هداة للإيمان بك، واتباع مرضاتك، والعمل بطاعتك، فوصاه جل ثناؤه بالبر بالآباء والأمهات والبنين والبنات وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه
141
وقوله: إني تبت إليك وإني من المسلمين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الإنسان إني تبت إليك يقول: تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامى إليك. وإني من المسلمين يقول: وإني من الخاضعين لك بالطاعة، المستسلمين لأمرك ونهيك، المنقادين لحكمك
141
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم، هم الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا في الدنيا من صالحات الأعمال، فيجازيهم به،
141
وقوله: وعد الصدق الذي كانوا يوعدون يقول: وعدهم الله هذا الوعد، وعد الحق لا شك فيه أنه موف لهم به، الذي كانوا إياه في الدنيا يعدهم الله تعالى، ونصب قوله: وعد الصدق لأنه مصدر خارج من قوله: يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم، وإنما أخرج من
143
القول في تأويل قوله تعالى: والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين وهذا نعت من الله تعالى ذكره نعت ضال به كافر، وبوالديه عاق، وهما مجتهدان في نصيحته
144
وقوله: وقد خلت القرون من قبلي يقول: أتعدانني أن أبعث وقد مضت قرون من الأمم قبلي، فهلكوا، فلم يبعث منهم أحدا، ولو كنت مبعوثا بعد وفاتي كما تقولان، لكان قد بعث من هلك قبلي من القرون وهما يستغيثان الله يقول تعالى ذكره: ووالداه يستصرخان الله عليه،
145
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفة صفتهم، الذين وجب عليهم عذاب الله، وحلت بهم عقوبته
145
وقوله: إنهم كانوا خاسرين يقول تعالى ذكره: إنهم كانوا المغبونين ببيعهم الهدى بالضلال والنعيم بالعقاب
146
وقوله: ولكل درجات مما عملوا يقول تعالى ذكره: ولكل هؤلاء الفريقين: فريق الإيمان بالله واليوم الآخر، والبر بالوالدين، وفريق الكفر بالله واليوم الآخر، وعقوق الوالدين اللذين وصف صفتهم ربنا عز وجل في هذه الآيات منازل ومراتب عند الله يوم القيامة، مما
146
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون يقول تعالى ذكره: ويوم يعرض الذين كفروا بالله على النار يقال لهم:
147
وقوله فاليوم تجزون عذاب الهون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: فاليوم أيها الكافرون الذين اذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا تجزون: أي تثابون عذاب الهون، يعني عذاب الهوان، وذلك عذاب النار الذي يهينهم
149
القول في تأويل قوله تعالى: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد لقومك الرادين عليك ما جئتهم به من الحق هودا
150
وقوله: وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله يقول تعالى ذكره: وقد مضت الرسل بإنذار أممها من بين يديه يعني: من قبل هود ومن خلفه، يعني: ومن بعد هود وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله " وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده " ألا تعبدوا إلا
153
وقوله: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: إني أخاف عليكم أيها القوم بعبادتكم غير الله عذاب الله في يوم عظيم وذلك يوم يعظم هوله، وهو يوم القيامة
154
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين يقول تعالى ذكره: قالت عاد لهود، إذ قال لهم لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم: أجئتنا يا هود لتصرفنا عن عبادة آلهتنا إلى عبادة ما تدعونا إليه،
154
القول في تأويل قوله تعالى: قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه عاد: إنما العلم بوقت مجيء ما أعدكم به من عذاب الله على كفركم به عند الله، لا أعلم من ذلك إلا ما علمني وأبلغكم ما أرسلت به
155
القول في تأويل قوله تعالى: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم يقول تعالى ذكره: فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه، فرأوه سحابا عارضا في ناحية من نواحي السماء مستقبل أوديتهم والعرب تسمي السحاب
155
وقوله: بل هو ما استعجلتم به يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه صلى الله عليه وسلم هود لقومه لما قالوا له عند رؤيتهم عارض العذاب، قد عرض لهم في السماء هذا عارض ممطرنا نحيا به، ما هو بعارض غيث، ولكنه عارض عذاب لكم، بل هو ما استعجلتم به: أي هو العذاب
157
القول في تأويل قوله تعالى: تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين
158
وقوله تدمر كل شيء بأمر ربها: يقول تعالى ذكره: تخرب كل شيء، وترمي بعضه على بعض فتهلكه، كما قال جرير: وكان لكم كبكر ثمود لما رغا ظهرا فدمرهم دمارا يعني بقوله: دمرهم: ألقى بعضهم على بعض صرعى هلكى وإنما عنى بقوله: تدمر كل شيء بأمر ربها مما أرسلت
158
وقوله: فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم يقول: فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا، فلا يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها واختلفت القراء في قراءة قوله فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة (لا ترى إلا مساكنهم) بالتاء نصبا
158
وقوله: كذلك نجزي القوم المجرمين يقول تعالى ذكره: كما جزينا عادا بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا، فأهلكناهم بعذابنا، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا، إذ تمادوا في غيهم وطغوا على ربهم
159
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون يقول تعالى ذكره لكفار قريش: ولقد مكنا أيها القوم عادا
160
وقوله: وجعلنا لهم سمعا يسمعون به مواعظ ربهم، وأبصارا يبصرون بها حجج الله، وأفئدة يعقلون بها ما يضرهم وينفعهم فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء يقول: فلم ينفعهم ما أعطاهم من السمع والبصر والفؤاد إذ لم يستعملوها فيما أعطوها له، ولم
160
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون يقول تعالى ذكره لكفار قريش محذرهم بأسه وسطوته، أن يحل بهم على كفرهم ولقد
161
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين يقول تعالى ذكره مقرعا كفار قريش بكفرهم بما آمنت به الجن وإنما صرفنا إليك يا محمد نفرا من الجن يستمعون القرآن ذكر أنهم صرفوا إلى
163
وقوله: فلما حضروه يقول: فلما حضر هؤلاء النفر من الجن الذين صرفهم الله إلى رسوله نبي الله صلى الله عليه وسلم واختلف أهل العلم في صفة حضورهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرفون الأمر الذي حدث من قبله ما
165
وقوله: فلما حضروه قالوا أنصتوا يقول تعالى ذكره: فلما حضروا القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قال بعضهم لبعض: أنصتوا لنستمع القرآن
170
وقوله: فلما قضي يقول: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراءة وتلاوة القرآن وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
170
وقوله: ولوا إلى قومهم منذرين يقول: انصرفوا منذرين عذاب الله على الكفر به
171
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين صرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجن لقومهم لما انصرفوا إليهم من عند رسول
171
وقوله: يهدي إلى الحق يقول: يرشد إلى الصواب، ويدل على ما فيه لله رضا وإلى طريق مستقيم يقول: وإلى طريق لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام
172
القول في تأويل قوله تعالى: يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجن يا قومنا من الجن
172
وقوله: ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر لقومهم: ومن لا يجب أيها القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا، وداعيه إلى ما بعثه بالدعاء إليه من توحيده، والعمل بطاعته فليس بمعجز في الأرض يقول: فليس بمعجز
173
وقوله: أولئك في ضلال مبين يقول: هؤلاء الذين لم يجيبوا داعي الله فيصدقوا به، وبما دعاهم إليه من توحيد الله والعمل بطاعته في جور عن قصد السبيل، وأخذ على غير استقامة مبين يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال وأخذ على غير قصد
173
القول في تأويل قوله تعالى: أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير يقول تعالى ذكره: أولم ينظر هؤلاء المنكرون إحياء الله خلقه من بعد وفاتهم وبعثه إياهم من قبورهم بعد بلائهم، القائلون
173
وقوله: بلى إنه على كل شيء قدير يقول تعالى ذكره: بلى، يقدر الذي خلق السماوات والأرض على إحياء الموتى: أي الذي خلق ذلك على كل شيء شاء خلقه، وأراد فعله، ذو قدرة لا يعجزه شيء أراده، ولا يعييه شيء أراد فعله، فيعييه إنشاء الخلق بعد الفناء، لأن من عجز
175
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون يقول تعالى ذكره: ويوم يعرض هؤلاء المكذبون بالبعث، وثواب الله عباده على أعمالهم الصالحة، وعقابه إياهم على أعمالهم السيئة، على
176
القول في تأويل قوله تعالى: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مثبته على المضي لما قلده من عبء الرسالة،
176
وقوله: ولا تستعجل لهم يقول: ولا تستعجل عليهم بالعذاب، يقول: لا تعجل بمسألتك ربك ذلك لهم فإن ذلك نازل بهم لا محالة كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يقول: كأنهم يوم يرون عذاب الله الذي يعدهم أنه منزله بهم، لم يلبثوا في الدنيا إلا
177
وقوله: فهل يهلك إلا القوم الفاسقون يقول تعالى ذكره: فهل يهلك الله بعذابه إذا أنزله إلا القوم الذين خالفوا أمره، وخرجوا عن طاعته وكفروا به ومعنى الكلام: وما يهلك الله إلا القوم الفاسقين وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
178
سورة محمد
180
القول في تأويل قوله تعالى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين جحدوا توحيد الله وعبدوا غيره وصدوا من أراد
180
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعلنا بهذين الفريقين من إضلالنا أعمال الكافرين، وتكفيرنا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، جزاء منا
182
القول في تأويل قوله تعالى: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم يقول تعالى ذكره لفريق
182
وقوله: فإما منا بعد وإما فداء يقول: فإذا أسرتموهم بعد الإثخان، فإما أن تمنوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إياهم من الأسر، وتحرروهم بغير عوض ولا فدية، وإما أن يفادوكم فداء بأن يعطوكم من أنفسهم عوضا حتى تطلقوهم، وتخلوا لهم السبيل. واختلف أهل العلم في قوله
183
وقوله: حتى تضع الحرب أوزارها يقول تعالى ذكره: فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم، وافعلوا بأسراهم ما بينت لكم، حتى تضع الحرب آثامها وأثقال أهلها، المشركين بالله بأن يتوبوا إلى الله من شركهم، فيؤمنوا به وبرسوله، ويطيعوه في أمره ونهيه، فذلك وضع
187
وقوله: ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم يقول تعالى ذكره: هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون من قتل المشركين إذا لقيتموهم في حرب، وشدهم وثاقا بعد قهرهم، وأسرهم، والمن والفداء حتى تضع الحرب أوزارها هو الحق الذي ألزمكم ربكم ولو يشاء ربكم ويريد لانتصر من
189
وقوله: (والذين قاتلوا في سبيل الله) اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة: (والذين قاتلوا) ، بمعنى: حاربوا المشركين، وجاهدوهم، بالألف؛ وكان الحسن البصري فيما ذكر عنه يقرأه (قتلوا) بضم القاف وتشديد التاء، بمعنى: أنه
190
القول في تأويل قوله تعالى: سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم يقول تعالى ذكره: سيوفق الله تعالى ذكره للعمل بما يرضى ويحب، هؤلاء الذين قاتلوا في سبيله، ويصلح بالهم ويصلح أمرهم وحالهم في
191
وقوله: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، إن تنصروا الله ينصركم بنصركم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر به وجهادكم إياهم معه لتكون كلمته العليا ينصركم عليهم، ويظفركم بهم،
193
وقوله: ويثبت أقدامكم يقول: ويقوكم عليهم، ويجرئكم، حتى لا تولوا عنهم، وإن كثر عددهم، وقل عددكم
193
القول في تأويل قوله تعالى: والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم يقول تعالى ذكره: والذين كفروا بالله، فجحدوا توحيده فتعسا لهم يقول: فخزيا لهم وشقاء وبلاء
193
وقوله: وأضل أعمالهم يقول وجعل أعمالهم معمولة على غير هدى ولا استقامة، لأنها عملت في طاعة الشيطان، لا في طاعة الرحمن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
193
وقوله: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعلنا بهم من الإتعاس وإضلال الأعمال من أجل أنهم كرهوا كتابنا الذي أنزلناه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسخطوه، فكذبوا به، وقالوا: هو سحر مبين
194
وقوله: فأحبط أعمالهم يقول: فأبطل أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وذلك عبادتهم الآلهة، لم ينفعهم الله بها في الدنيا ولا في الآخرة، بل أوبقهم بها، فأصلاهم سعيرا، وهذا حكم الله جل جلاله في جميع من كفر به من أجناس الأمم، كما قال قتادة
194
القول في تأويل قوله تعالى: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها يقول تعالى ذكره: أفلم يسر هؤلاء المكذبون محمدا صلى الله عليه وسلم المنكرو ما أنزلنا عليه من الكتاب في الأرض سفرا، وإنما هذا توبيخ من
195
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم يقول تعالى ذكره: هذا الفعل الذي فعلنا
196
وقوله: وأن الكافرين لا مولى لهم يقول: وبأن الكافرين بالله لا ولي لهم، ولا ناصر
197
وقوله: إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يقول تعالى ذكره: إن الله له الألوهة التي لا تنبغي لغيره، يدخل الذين آمنوا بالله وبرسوله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار، يفعل ذلك بهم تكرمة على إيمانهم به وبرسوله
197
وقوله: والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام يقول جل ثناؤه: والذين جحدوا توحيد الله، وكذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم يتمتعون في هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية الدارسة، ويأكلون فيها غير مفكرين في المعاد، ولا معتبرين بما وضع الله
197
القول في تأويل قوله تعالى: وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم يقول تعالى ذكره: وكم يا محمد من قرية هي أشد قوة من قريتك، يقول أهلها أشد بأسا، وأكثر جمعا، وأعد عديدا من أهل قريتك، وهي مكة، وأخرج الخبر عن القرية،
197
وقوله: فلا ناصر لهم فيه وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون معناه، وإن كان قد نصب الناصر بالتبرئة، فلم يكن لهم ناصر، وذلك أن العرب قد تضمر كان أحيانا في مثل هذا والآخر أن يكون معناه: فلا ناصر لهم الآن من عذاب الله ينصرهم
199
القول في تأويل قوله تعالى: أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم يقول تعالى ذكره: أفمن كان على برهان وحجة وبيان من أمر ربه والعلم بوحدانيته، فهو يعبده على بصيرة منه، بأن له ربا يجازيه على طاعته إياه الجنة، وعلى إساءته ومعصيته
199
القول في تأويل قوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم يقول تعالى
199
وقوله: وأنهار من لبن لم يتغير طعمه يقول تعالى ذكره: وفيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضروع، ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار، فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه
200
وقوله: وأنهار من خمر لذة للشاربين يقول: وفيها أنهار من خمر لذة للشاربين يلتذون بشربها
201
وقوله: وأنهار من عسل مصفى يقول: وفيها أنهار من عسل قد صفي من القذى، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، وإنما أعلم تعالى ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلا جاريا سيل الماء واللبن المخلوقين فيها، فهو من أجل ذلك
201
وقوله: ولهم فيها من كل الثمرات يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء المتقين في هذه الجنة من هذه الأنهار التي ذكرنا من جميع الثمرات التي تكون على الأشجار ومغفرة من ربهم يقول: وعفو من الله لهم عن ذنوبهم التي أذنبوها في الدنيا، ثم تابوا منها، وصفح منه لهم عن
202
وقوله: كمن هو خالد في النار يقول تعالى ذكره: أمن هو في هذه الجنة التي صفتها ما وصفنا، كمن هو خالد في النار وابتدئ الكلام بصفة الجنة، فقيل: مثل الجنة التي وعد المتقون، ولم يقل: أمن هو في الجنة ثم قيل بعد انقضاء الخبر عن الجنة وصفتها كمن هو خالد في
202
وقوله: وسقوا ماء حميما يقول تعالى ذكره: وسقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حره فقطع ذلك الماء من شدة حره أمعاءهم
202
القول في تأويل قوله تعالى: ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء الكفار يا محمد من يستمع إليك وهو المنافق، فيستمع ما تقول فلا يعيه ولا
203
وقوله: أولئك الذين طبع الله على قلوبهم يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم القوم الذين ختم الله على قلوبهم، فهم لا يهتدون للحق الذي بعث الله به رسوله عليه الصلاة والسلام واتبعوا أهواءهم يقول: ورفضوا أمر الله، واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم، فهم
204
القول في تأويل قوله تعالى: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم يقول تعالى ذكره: وأما الذين وفقهم الله لاتباع الحق، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك
205
وقوله: وآتاهم تقواهم يقول تعالى ذكره: وأعطى الله هؤلاء المهتدين تقواهم، وذلك استعماله إياهم تقواهم إياه
205
وقوله: فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها يقول تعالى ذكره: فهل ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله من أهل الكفر والنفاق إلا الساعة التي وعد الله خلقه بعثهم فيها من قبورهم أحياء، أن تجيئهم فجأة لا يشعرون بمجيئها والمعنى: هل ينظرون إلا
206
وقوله: فقد جاء أشراطها يقول: فقد جاء هؤلاء الكافرين بالله الساعة وأدلتها ومقدماتها، وواحد الأشراط: شرط، كما قال جرير: ترى شرط المعزى مهور نسائهم وفي شرط المعزى لهن مهور ويروى: " ترى قزم المعزى "، يقال منه: أشرط فلان نفسه: إذا علمها بعلامة، كما
206
وقوله: فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم يقول تعالى ذكره: فمن أي وجه لهؤلاء المكذبين بآيات الله ذكرى ما قد ضيعوا وفرطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة، يقول: ليس ذلك بوقت ينفعهم التذكر والندم، لأنه وقت مجازاة لا وقت استعتاب ولا استعمال وبنحو الذي قلنا
207
القول في تأويل قوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهة، ويجوز لك وللخلق عبادته، إلا الله
208
القول في تأويل قوله تعالى: ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم يقول تعالى ذكره:
209
وقوله: وذكر فيها القتال يقول: وذكر فيها الأمر بقتال المشركين وكان قتادة يقول في ذلك
210
وقوله: رأيت الذين في قلوبهم مرض يقول: رأيت الذين في قلوبهم شك في دين الله وضعف ينظرون إليك يا محمد، نظر المغشي عليه من الموت، خوفا أن تغزيهم وتأمرهم بالجهاد مع المسلمين، فهم خوفا من ذلك وتجبنا عن لقاء العدو ينظرون إليك نظر المغشي عليه الذي قد صرع
210
وقوله: فأولى لهم يقول تعالى ذكره: فأولى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض. وقوله: فأولى لهم وعيد توعد الله به هؤلاء المنافقين
211
وقوله: طاعة وقول معروف وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل هؤلاء المنافقين من قبل أن تنزل سورة محكمة، ويذكر فيها القتال، وأنهم إذا قيل لهم: إن الله مفترض عليكم الجهاد، قالوا: سمع وطاعة، فقال الله عز وجل لهم إذا أنزلت سورة وفرض القتال فيها عليهم،
211
وقوله: طاعة وقول معروف مرفوع بمضمر، وهو قولكم قبل نزول فرض القتال طاعة وقول معروف
211
وقوله: فإذا عزم الأمر يقول: فإذا وجب القتال وجاء أمر الله بفرض ذلك كرهتموه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
212
وقوله: فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم يقول تعالى ذكره: فلو صدقوا الله ما وعدوه قبل نزول السورة بالقتال بقولهم: إذ قيل لهم: إن الله سيأمركم بالقتال طاعة، فوفوا له بذلك، لكان خيرا لهم في عاجل دنياهم، وآجل معادهم
212
القول في تأويل قوله تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين وصف أنهم إذا نزلت سورة محكمة، وذكر فيها القتال نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر المغشي
213
وقوله: أولئك الذين لعنهم الله يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا، يعني الذين يفسدون ويقطعون الأرحام الذين لعنهم الله، فأبعدهم من رحمته فأصمهم يقول: فسلبهم فهم ما يسمعون بآذانهم من مواعظ الله في تنزيله وأعمى أبصارهم يقول: وسلبهم عقولهم، فلا
215
القول في تأويل قوله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم يقول تعالى ذكره: أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه
215
وقوله: إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى يقول الله عز وجل إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارا بالله من بعد ما تبين لهم الحق وقصد السبيل، فعرفوا واضح الحجة، ثم آثروا الضلال على الهدى عنادا لأمر الله تعالى ذكره من بعد العلم
217
وقوله: الشيطان سول لهم يقول تعالى ذكره: الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم، من بعد ما تبين لهم الهدى وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
218
وقوله: وأملى لهم يقول: ومد الله لهم في آجالهم ملاوة من الدهر، ومعنى الكلام: الشيطان سول لهم، والله أملى لهم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة وأملى لهم بفتح الألف منها بمعنى: وأملى الله لهم وقرأ ذلك بعض أهل المدينة
219
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم يقول تعالى ذكره: أملى الله لهؤلاء المنافقين وتركهم، والشيطان سول لهم، فلم يوفقهم للهدى من أجل أنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله من الأمر بقتال
219
والله يعلم إسرارهم يقول تعالى ذكره: والله يعلم إسرار هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النفاق، على خلاف أمر الله وأمر رسوله، إذ يتسارون فيما بينهم بالكفر بالله ومعصية الرسول، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الأمور كلها واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته
220
القول في تأويل قوله تعالى: فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم يقول تعالى ذكره: والله يعلم إسرار هؤلاء المنافقين، فكيف لا يعلم حالهم إذا توفتهم الملائكة، وهم يضربون وجوههم وأدبارهم
220
وقوله: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله يقول تعالى ذكره: تفعل الملائكة هذا الذي وصفت بهؤلاء المنافقين من أجل أنهم اتبعوا ما أسخط الله، فأغضبه عليهم من طاعة الشيطان وكرهوا رضوانه يقول: وكرهوا ما يرضيه عنهم من قتال الكفار به، بعد ما افترضه عليهم
221
وقوله: فأحبط أعمالهم يقول: فأبطل الله ثواب أعمالهم وأذهبه، لأنها عملت في غير رضاه ولا محبته، فبطلت، ولم تنفع عاملها
221
القول في تأويل قوله تعالى: أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم يقول تعالى ذكره: أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شك في دينهم، وضعف في يقينهم، فهم حيارى
221
وقوله: فلعرفتهم بسيماهم يقول: فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم، وظاهر أفعالهم، ثم إن الله تعالى ذكره عرفه إياهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
222
وقوله: ولتعرفنهم في لحن القول يقول: ولتعرفن هؤلاء المنافقين في معنى قولهم نحوه
223
القول في تأويل قوله تعالى: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به من أصحاب رسول الله صلى الله
223
وقوله: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله يقول تعالى ذكره: إن الذين جحدوا توحيد الله، وصدوا الناس عن دينه الذي ابتعث به رسله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى يقول: وخالفوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، فحاربوه وآذوه من بعد ما علموا أنه نبي
225
وقوله: لن يضروا الله شيئا لأن الله بالغ أمره، وناصر رسوله، ومظهره على من عاداه وخالفه وسيحبط أعمالهم يقول: وسيذهب أعمالهم التي عملوها في الدنيا فلا ينفعهم بها في الدنيا ولا الآخرة، ويبطلها إلا مما يضرهم
225
القول في تأويل قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في أمرهما
225
وقوله: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار يقول تعالى ذكره: إن الذين أنكروا توحيد الله وصدوا من أراد الإيمان بالله وبرسوله عن ذلك، ففتنوهم عنه، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من ذلك، ثم ماتوا وهم كفار: يقول: ثم ماتوا وهم على ذلك من
226
القول في تأويل قوله تعالى: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم يقول تعالى ذكره: فلا تضعفوا أيها المؤمنون بالله عن جهاد المشركين وتجبنوا عن قتالهم
226
وقوله: وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون يقول: لا تضعفوا عنهم وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة، وأنتم القاهرون لهم والعالون عليهم والله معكم يقول: والله معكم بالنصر لكم عليهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا في معنى قوله: وأنتم
227
وقوله: ولن يتركم أعمالكم يقول: ولن يظلمكم أجور أعمالكم فينقصكم ثوابها، من قولهم: وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا، فأخذت له مالا غصبا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
229
القول في تأويل قوله تعالى: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم يقول تعالى ذكره حاضا عباده المؤمنين على جهاد أعدائه، والنفقة في سبيله، وبذل مهجتهم في قتال أهل الكفر به:
230
وقوله: ويخرج أضغانكم يقول: ويخرج جل ثناؤه لو سألكم أموالكم بمسألته ذلك منكم أضغانكم قال: قد علم الله أن في مسألته المال خروج الأضغان
231
القول في تأويل قوله تعالى: هأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم يقول تعالى ذكره للمؤمنين: ها أنتم أيها الناس هؤلاء تدعون لتنفقوا في
231
وقوله تعالى ذكره: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم يقول تعالى ذكره: وإن تتولوا أيها الناس عن هذا الدين الذي جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم، فترتدوا راجعين عنه يستبدل قوما غيركم يقول: يهلككم ثم يجيء بقوم آخرين غيركم بدلا منكم يصدقون به، ويعملون بشرائعه
232
سورة الفتح
236
القول في تأويل قوله تعالى: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا يعني بقوله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إنا فتحنا لك فتحا مبينا يقول: إنا حكمنا لك يا محمد
236
وقوله تعالى: ويتم نعمته عليك بإظهاره إياك على عدوك، ورفعه ذكرك في الدنيا، وغفرانه ذنوبك في الآخرة ويهديك صراطا مستقيما يقول: ويرشدك طريقا من الدين لا اعوجاج فيه يستقيم بك إلى رضا ربك وينصرك الله نصرا عزيزا يقول: وينصرك على سائر أعدائك، ومن ناوأك
244
القول في تأويل قوله تعالى: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما يعني جل ذكره بقوله هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين الله أنزل السكون والطمأنينة في قلوب المؤمنين بالله ورسوله
245
وقوله: ولله جنود السموات والأرض يقول تعالى ذكره: ولله جنود السماوات والأرض، أنصار ينتقم بهم ممن يشاء من أعدائه وكان الله عليما حكيما يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله ذا علم بما هو كائن قبل كونه، وما خلقه عاملوه، حكيما في تدبيره
246
القول في تأويل قوله تعالى: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيآتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما يقول تعالى ذكره: إنا فتحنا لك فتحا مبينا، لتشكر ربك، وتحمده على ذلك، فيغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وليحمد
246
وقوله: ليدخل المؤمنين والمؤمنات على اللام من قوله: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك بتأويل تكرير الكلام إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله إنا فتحنا لك ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، ولذلك لم تدخل الواو التي تدخل في الكلام للعطف
247
القول في تأويل قوله تعالى: ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه
248
وقوله: وغضب الله عليهم يقول: ونالهم الله بغضب منه، ولعنهم: يقول: وأبعدهم فأقصاهم من رحمته وأعد لهم جهنم يقول: وأعد لهم جهنم يصلونها يوم القيامة وساءت مصيرا يقول: وساءت جهنم منزلا يصير إليه هؤلاء المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات
249
وقوله: ولله جنود السموات والأرض يقول جل ثناؤه: ولله جنود السماوات والأرض أنصارا على أعدائه، إن أمرهم بإهلاكهم أهلكوهم، وسارعوا إلى ذلك بالطاعة منهم له وكان الله عزيزا حكيما يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله ذا عزة، لا يغلبه غالب، ولا يمتنع عليه مما
249
إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا أرسلناك يا محمد شاهدا على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه، مما أرسلتك به إليهم من الرسالة، ومبشرا لهم بالجنة
249
وقوله: وتعزروه وتوقروه اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: تجلوه، وتعظموه
250
وقوله: وتسبحوه بكرة وأصيلا يقول: وتصلوا له يعني لله بالغدوات والعشيات والهاء في قوله: وتسبحوه من ذكر الله وحده دون الرسول وقد ذكر أن ذلك في بعض القراءات: " ويسبحوا الله بكرة وأصيلا " وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
253
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن الذين يبايعونك بالحديبية من أصحابك على أن لا
254
وفي قوله: يد الله فوق أيديهم وجهان من التأويل: أحدهما: يد الله فوق أيديهم عند البيعة، لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه صلى الله عليه وسلم؛ والآخر: قوة الله فوق قوتهم في نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنهم إنما بايعوا رسول الله صلى الله عليه
254
وقوله: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه يقول تعالى ذكره: فمن نكث بيعته إياك يا محمد، ونقضها فلم ينصرك على أعدائك، وخالف ما وعد ربه فإنما ينكث على نفسه يقول: فإنما ينقض بيعته، لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الجنة بوفائه بالبيعة، فلم يضر بنكثه غير
255
وقوله: ومن أوفى بما عاهد عليه الله الآية، يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه فسيؤتيه أجرا عظيما يقول: فسيعطيه الله ثوابا عظيما، وذلك أن يدخله الجنة جزاء له على
255
القول في تأويل قوله تعالى: سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله
256
وقوله: بل كان الله بما تعملون خبيرا يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يظن هؤلاء المنافقون من الأعراب أن الله لا يعلم ما هم عليها منطوون من النفاق، بل لم يزل الله بما يعملون من خير وشر خبيرا، لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه، سرها وعلانيتها، وهو محصيها
256
القول في تأويل قوله تعالى بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا يقول تعالى ذكره لهؤلاء الأعراب المعتذرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من سفره إليهم بقولهم: شغلتنا أموالنا
258
وقوله: وكنتم قوما بورا يقول: وكنتم قوما هلكى لا يصلحون لشيء من الخبر. وقيل: إن البور في لغة أذرعات: الفاسد؛ فأما عند العرب فإنه لا شيء ومنه قول أبي الدرداء: " فأصبح ما جمعوا بورا أي ذاهبا قد صار باطلا لا شيء منه "؛ ومنه قول حسان بن ثابت: لا ينفع
259
القول في تأويل قوله تعالى: ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ولله ملك السموات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما يقول تعالى ذكره لهؤلاء المنافقين من الأعراب ومن لم يؤمن أيها الأعراب بالله ورسوله منكم ومن غيركم،
260
وقوله: ولله ملك السموات والأرض يقول تعالى ذكره: ولله سلطان السماوات والأرض، فلا أحد يقدر أيها المنافقون على دفعه عما أراد بكم من تعذيب على نفاقكم إن أصررتم عليه أو منعه من عفوه عنكم إن عفا، إن أنتم تبتم من نفاقكم وكفركم، وهذا من الله جل ثناؤه حث
260
القول في تأويل قوله تعالى: سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: سيقول
261
وقوله: قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المخلفين عن المسير معك يا محمد: لن تتبعونا إلى خيبر إذا أردنا السير إليهم لقتالهم كذلكم قال الله من قبل يقول: هكذا قال الله لنا من قبل مرجعنا إليكم،
264
وقوله: فسيقولون بل تحسدوننا أن نصيب معكم مغنما إن نحن شهدنا معكم، فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
265
وقوله: بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ما الأمر كما يقول هؤلاء المنافقون من الأعراب من أنكم إنما تمنعونهم من اتباعكم حسدا منكم لهم على أن يصيبوا معكم من العدو مغنما، بل كانوا لا يفقهون عن الله ما لهم
265
القول في تأويل قوله تعالى: قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للمخلفين من
265
وقوله: تقاتلونهم أو يسلمون يقول تعالى ذكره للمخلفين من الأعراب تقاتلون هؤلاء الذين تدعون إلى قتالهم، أو يسلمون من غير حرب ولا قتال وقد ذكر أن ذلك في بعض القراءات " تقاتلونهم أو يسلموا "، وعلى هذه القراءة وإن كانت على خلاف مصاحف أهل الأمصار، وخلافا
269
وقوله: فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا يقول تعالى ذكره فإن تطيعوا الله في إجابتكم إياه إذا دعاكم إلى قتال هؤلاء القوم الأولي البأس الشديد، فتجيبوا إلى قتالهم والجهاد مع المؤمنين يؤتكم الله أجرا حسنا يقول: يعطكم الله على إجابتكم إياه إلى حربهم الجنة،
269
القول في تأويل قوله تعالى: ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما يقول تعالى ذكره: ليس على الأعمى منكم أيها الناس ضيق، ولا على الأعرج ضيق، ولا على
270
وقوله: ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار يقول تعالى ذكره: ومن يطع الله ورسوله فيجيب إلى حرب أعداء الله من أهل الشرك، وإلى القتال مع المؤمنين ابتغاء وجه الله إذا دعي إلى ذلك، يدخله الله يوم القيامة جنات تجري من تحتها الأنهار ومن
271
القول في تأويل قوله تعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما يقول تعالى ذكره: لقد رضي الله يا محمد عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة
271
وقوله: فعلم ما في قلوبهم يقول تعالى ذكره: فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة، من صدق النية، والوفاء بما يبايعونك عليه، والصبر معك فأنزل السكينة عليهم يقول: فأنزل الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن
277
وقوله: وأثابهم فتحا قريبا يقول: وعوضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم أهلها فتحا قريبا، وذلك فيما قيل: فتح خيبر
278
وقوله: ومغانم كثيرة يأخذونها يقول تعالى ذكره: وأثاب الله هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، مع ما أكرمهم به من رضاه عنهم، وإنزاله السكينة عليهم، وإثابته إياهم فتحا قريبا، معه مغانم كثيرة يأخذونها من أموال يهود خيبر، فإن
279
وقوله: وكان الله عزيزا حكيما يقول: وكان الله ذا عزة في انتقامه ممن انتقم من أعدائه، حكيما في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء من قضائه
279
القول في تأويل قوله تعالى: وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان: وعدكم الله أيها
279
وقوله: فعجل لكم هذه اختلف أهل التأويل في التي عجلت لهم، فقال جماعة: غنائم خيبر والمؤخرة سائر فتوح المسلمين بعد ذلك الوقت إلى قيام الساعة
280
وقوله: وكف أيدي الناس عنكم يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان: وكف الله أيدي المشركين عنكم ثم اختلف أهل التأويل في الذين كفت أيديهم عنهم من هم؟ فقال بعضهم: هم اليهود كف الله أيديهم عن عيال الذين ساروا من المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة
281
وقوله: ولتكون آية للمؤمنين يقول: وليكون كفه تعالى ذكره أيديهم عن عيالهم آية وعبرة للمؤمنين به فيعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وكلاءتهم في مشهدهم ومغيبهم، ويتقوا الله في أنفسهم وأموالهم وأهليهم بالحفظ وحسن الولاية ما كانوا مقيمين على طاعته، منتهين
283
ويهديكم صراطا مستقيما يقول: ويسددكم أيها المؤمنون طريقا واضحا لا اعوجاج فيه، فيبينه لكم، وهو أن تثقوا في أموركم كلها بربكم، فتتوكلوا عليه في جميعها، ليحوطكم حياطته إياكم في مسيركم إلى مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسكم وأهليكم وأموالكم،
283
وقوله: وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها يقول تعالى ذكره ووعدكم أيها القوم ربكم فتح بلدة أخرى لم تقدروا على فتحها، قد أحاط الله بها لكم حتى يفتحها لكم واختلف أهل التأويل في هذه البلدة الأخرى، والقرية الأخرى التي وعدهم فتحها، التي أخبرهم أنه محيط
283
القول في تأويل قوله تعالى: ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أهل بيعة الرضوان: ولو قاتلكم الذين كفروا بالله أيها المؤمنون بمكة لولوا
286
وقوله: سنة الله التي قد خلت من قبل يقول تعالى ذكره: لو قاتلكم هؤلاء الكفار من قريش، لخذلهم الله حتى يهزمهم عنكم خذلانه أمثالهم من أهل الكفر به، الذين قاتلوا أولياءه من الأمم الذين مضوا قبلهم وأخرج قوله: سنة الله نصبا من غير لفظه، وذلك أن في قوله:
287
وقوله: ولن تجد لسنة الله تبديلا يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولن تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرا، بل ذلك دائم، للإحسان جزاؤه من الإحسان، وللإساءة والكفر العقاب والنكال
288
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا يقول تعالى ذكره لرسوله صلى الله عليه وسلم: والذين بايعوا بيعة الرضوان وهو الذي كف أيديهم عنكم يعني أن الله كف أيدي المشركين الذين
288
وقوله: وكان الله بما تعملون بصيرا يقول تعالى ذكره: وكان الله بأعمالكم وأعمالهم بصيرا لا يخفى عليه منها شيء
292
القول في تأويل قوله تعالى: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما يقول
292
وقوله: ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم يقول تعالى ذكره: ولولا رجال من أهل الإيمان ونساء منهم أيها المؤمنون بالله أن تطئوهم بخيلكم ورجلكم لم تعلموهم بمكة، وقد حبسهم المشركون بها عنكم، فلا يستطيعون من أجل
305
وقوله: لو تزيلوا يقول: لو تميز الذين في مشركي مكة من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات الذين لم تعلموهم منهم، ففارقوهم وخرجوا من بين أظهرهم لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما يقول: لقتلنا من بقي فيها بالسيف، أو لأهلكناهم ببعض ما يؤلمهم من عذابنا
306
القول في تأويل قوله تعالى: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما يعني تعالى ذكره بقوله: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية
307
وقوله: فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين يقول تعالى ذكره فأنزل الله الصبر والطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين، إذ حمي الذين كفروا حمية الجاهلية، ومنعوهم من الطواف بالبيت، وأبوا أن يكتبوا في الكتاب بينه وبينهم بسم الله الرحمن الرحيم،
309
وقوله: وكانوا أحق بها وأهلها يقول تعالى ذكره: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أحق بكلمة التقوى من المشركين وأهلها: يقول: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أهل كلمة التقوى دون المشركين وذكر أنها في قراءة عبد الله " وكانوا أهلها
314
وقوله: وكان الله بكل شيء عليما يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله بكل شيء ذا علم، لا يخفى عليه شيء هو كائن، ولعلمه أيها الناس بما يحدث من دخولكم مكة وبها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم، لم يأذن لكم بدخولكم مكة في سفرتكم هذه
315
القول في تأويل قوله تعالى: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا يقول تعالى ذكره: لقد صدق الله رسوله محمدا رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو
315
وقوله: فعلم ما لم تعلموا يقول تعالى ذكره: فعلم الله جل ثناؤه ما لم تعلموا، وذلك علمه تعالى ذكره بما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين، الذين لم يعلمهم المؤمنون، ولو دخلوها في ذلك العام لوطئوهم بالخيل والرجل، فأصابتهم منهم معرة بغير علم، فردهم الله
317
وقوله: فجعل من دون ذلك فتحا قريبا اختلف أهل التأويل في الفتح القريب، الذي جعله الله للمؤمنين دون دخولهم المسجد الحرام محلقين رءوسهم ومقصرين، فقال بعضهم: هو الصلح الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش
318
القول في تأويل قوله تعالى: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة
319
وقوله: وكفى بالله شهيدا يقول جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: أشهدك يا محمد ربك على نفسه، أنه سيظهر الدين الذي بعثك به وكفى بالله شهيدا يقول: وحسبك به شاهدا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
320
وقوله: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم يقول تعالى ذكره: محمد رسول الله وأتباعه من أصحابه الذين هم معه على دينه، أشداء على الكفار، غليظة عليهم قلوبهم، قليلة بهم رحمتهم رحماء بينهم يقول: رقيقة قلوب بعضهم لبعض، لينة أنفسهم لهم
321
وقوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود يقول: علامتهم في وجوههم من أثر السجود في صلاتهم ثم اختلف أهل التأويل في السيما الذي عناه الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في
321
وقوله: ذلك مثلهم في التوراة يقول: هذه الصفة التي وصفت لكم من صفة أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين معه صفتهم في التوراة
326
وقوله: ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه يقول: وصفتهم في إنجيل عيسى صفة زرع أخرج شطأه، وهو فراخه، يقال منه: قد أشطأ الزرع: إذا فرخ فهو يشطئ إشطاء، وإنما مثلهم بالزرع المشطئ، لأنهم ابتدأوا في الدخول في الإسلام، وهم عدد قليلون، ثم جعلوا يتزايدون،
327
وقوله: فآزره يقول: فقواه: أي قوى الزرع شطأه وأعانه، وهو من المؤازرة التي بمعنى المعاونة فاستغلظ يقول: فغلظ الزرع فاستوى على سوقه والسوق: جمع ساق، وساق الزرع والشجر: حاملته وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
331
وقوله: على سوقه قال: أصوله
332
وقوله: يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار يقول تعالى ذكره: يعجب هذا الزرع الذي استغلظ فاستوى على سوقه في تمامه وحسن نباته، وبلوغه وانتهائه الذين زرعوه ليغيظ بهم الكفار يقول: فكذلك مثل محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واجتماع عددهم حتى كثروا ونموا، وغلظ
332
وقوله: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما يقول تعالى ذكره: وعد الله الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات يقول: وعملوا بما أمرهم الله به من فرائضه التي أوجبها عليهم وقوله: منهم يعني: من الشطء الذي أخرجه الزرع، وهم
333
سورة الحجرات
335
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يعني تعالى ذكره بقوله: يا أيها الذين آمنوا يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله، وبنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا تقدموا بين يدي الله ورسوله
335
وقوله: واتقوا الله إن الله سميع عليم يقول: وخافوا الله أيها الذين آمنوا في قولكم أن تقولوا ما لم يأذن لكم به الله ولا رسوله، وفي غير ذلك من أموركم، وراقبوه، إن الله سميع لما تقولون، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم، لا يخفى عليه شيء من ضمائر صدوركم
337
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهموه بالكلام،
338
وقوله: أن تحبط أعمالكم يقول: أن لا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها، ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم، وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض نحويي الكوفة: معناه: لا تحبط أعمالكم قال: وفيه
342
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله، وأصل الغض: الكف في لين ومنه: غض البصر، وهو كفه عن النظر، كما قال
343
وقوله: أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، هم الذين اختبر الله قلوبهم بامتحانه إياها، فاصطفاها وأخلصها للتقوى، يعني لاتقائه بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، كما يمتحن الذهب بالنار، فيخلص
343
وقوله: لهم مغفرة يقول: لهم من الله عفو عن ذنوبهم السالفة، وصفح منه عنها لهم وأجر عظيم يقول: وثواب جزيل، وهو الجنة
344
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتك، والحجرات: جمع حجرة،
344
وقوله: أكثرهم لا يعقلون يقول: أكثرهم جهال بدين الله، واللازم لهم من حقك وتعظيمك وذكر أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في قوم من الأعراب جاءوا ينادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا
345
وقوله: ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم يقول تعالى ذكره: ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت، لكان خيرا لهم عند الله، لأن الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك، فهم بتركهم نداءك تاركون ما قد
348
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إن جاءكم فاسق بنبأ عن قوم فتبينوا. واختلفت القراء في قراءة قوله: فتبينوا فقرأ
348
وقوله: أن تصيبوا قوما بجهالة يقول تعالى ذكره: فتبينوا لئلا تصيبوا قوما برآء مما قذفوا به بجناية بجهالة منكم فتصبحوا على ما فعلتم نادمين يقول: فتندموا على إصابتكم إياهم بالجناية التي تصيبونهم بها
353
القول في تأويل قوله تعالى: واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم يقول تعالى ذكره: لأصحاب نبي الله
354
وقوله: لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم يقول تعالى ذكره: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في الأمور بآرائكم ويقبل منكم ما تقولون له فيطيعكم لعنتم يقول: لنالكم عنت، يعني الشدة والمشقة في كثير من الأمور بطاعته إياكم لو أطاعكم لأنه كان يخطئ في
354
وقوله: وزينه في قلوبكم يقول: وحسن الإيمان في قلوبكم فآمنتم وكره إليكم الكفر بالله والفسوق يعني الكذب والعصيان يعني ركوب ما نهى الله عنه في خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتضييع ما أمر الله به أولئك هم الراشدون يقول: هؤلاء الذين حبب الله إليهم
355
وقوله: فضلا من الله ونعمة يقول: ولكن الله حبب إليكم الإيمان، وأنعم عليكم هذه النعمة التي عدها فضلا منه، وإحسانا ونعمة منه أنعمها عليكم والله عليم حكيم يقول: والله ذو علم بالمحسن منكم من المسيء، ومن هو لنعم الله وفضله أهل، ومن هو لذلك غير أهل،
355
القول في تأويل قوله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين يقول تعالى ذكره: وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا
357
وقوله: وأقسطوا يقول تعالى ذكره: واعدلوا أيها المؤمنون في حكمكم بين من حكمتم بينهم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله إن الله يحب المقسطين يقول: إن الله يحب العادلين في أحكامهم، القاضين بين خلقه بالقسط
363
القول في تأويل قوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به إنما المؤمنون إخوة في الدين فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله ومعنى الأخوين في هذا الموضع: كل
363
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يقول تعالى ذكره: يا أيها
364
ولا نساء من نساء يقول: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات، عسى المهزوء منهن أن يكن خيرا من الهازئات واختلف أهل التأويل في السخرية التي نهى الله عنها المؤمنين في هذه الآية، فقال بعضهم: هي سخرية الغني من الفقير، نهي أن يسخر من الفقير لفقره
364
وقوله: ولا تلمزوا أنفسكم يقول تعالى ذكره: ولا يغتب بعضكم بعضا أيها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض؛ وقال: لا تلمزوا أنفسكم فجعل اللامز أخاه لامزا نفسه، لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير ولذلك روي
366
قوله: ولا تنابزوا بالألقاب يقول: ولا تداعوا بالألقاب؛ والنبز واللقب بمعنى واحد، يجمع النبز: أنبازا، واللقب: ألقابا واختلف أهل التأويل في الألقاب التي نهى الله عن التنابز بها في هذه الآية، فقال بعضهم: عنى بها الألقاب التي يكره النبز بها الملقب،
367
وقوله: بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان يقول تعالى ذكره: ومن فعل ما نهينا عنه، وتقدم على معصيتنا بعد إيمانه، فسخر من المؤمنين، ولمز أخاه المؤمن، ونبزه بالألقاب، فهو فاسق بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان يقول: فلا تفعلوا فتستحقوا إن فعلتموه أن تسموا فساقا
372
وقوله: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يقول تعالى ذكره: ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه به من الألقاب، أو لمزه إياه، أو سخريته منه، فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم، فأكسبوها عقاب الله بركوبهم ما نهاهم عنه
373
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا تقربوا
373
قوله: ولا يغتب بعضكم بعضا يقول: ولا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره المقول فيه ذلك أن يقال له في وجهه وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أهل التأويل
376
وقوله أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه يقول تعالى ذكره للمؤمنين أيحب أحدكم أيها القوم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته ميتا، فإن لم تحبوا ذلك وكرهتموه، لأن الله حرم ذلك عليكم، فكذلك لا تحبوا أن تغتابوه في حياته، فاكرهوا غيبته حيا، كما كرهتم لحمه
380
وقوله: واتقوا الله إن الله تواب رحيم يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله أيها الناس، فخافوا عقوبته بانتهائكم عما نهاكم عنه من ظن أحدكم بأخيه المؤمن ظن السوء، وتتبع عوراته، والتجسس عما ستر عنه من أمره، واغتيابه بما يكرهه، تريدون به شينه وعيبه، وغير ذلك
381
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير يقول تعالى ذكره: يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال، وماء أنثى من النساء وبنحو الذي قلنا في
382
وقوله: وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا يقول: وجعلناكم متناسبين، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا؛ فالمناسب النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب، وذلك إذا قيل للرجل من العرب: من أي شعب أنت؟ قال: أنا من مضر، أو من ربيعة
383
وقوله: لتعارفوا يقول: ليعرف بعضكم بعضا في النسب، يقول تعالى ذكره: إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده، لا لفضيلة لكم في ذلك، وقربة تقربكم إلى الله، بل أكرمكم عند الله أتقاكم وبنحو الذي قلنا في
386
وقوله: إن أكرمكم عند الله أتقاكم يقول تعالى ذكره: إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة
386
وقوله: إن الله عليم خبير يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده، ذو خبرة بكم وبمصالحكم، وغير ذلك من أموركم، لا تخفى عليه خافية
387
القول في تأويل قوله تعالى: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: قالت الأعراب: صدقنا بالله ورسوله، فنحن مؤمنون قال الله لنبيه
388
قوله: ولما يدخل الإيمان في قلوبكم يقول تعالى ذكره: ولما يدخل العلم بشرائع الإيمان، وحقائق معانيه في قلوبكم
392
وقوله: وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، إن تطيعوا الله ورسوله أيها القوم، فتأتمروا لأمره وأمر رسوله، وتعملوا بما فرض عليكم،
392
وقوله: إن الله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: إن الله ذو عفو أيها الأعراب لمن أطاعه، وتاب إليه من سالف ذنوبه، فأطيعوه، وانتهوا إلى أمره ونهيه، يغفر لكم ذنوبكم، رحيم بخلقه التائبين إليه أن يعاقبهم بعد توبتهم من ذنوبهم على ما تابوا منه، فتوبوا إليه
394
القول في تأويل قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون يقول تعالى ذكره للأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم: إنما المؤمنون أيها القوم الذين صدقوا الله
395
وقوله: أولئك هم الصادقون يقول: هؤلاء الذين يفعلون ذلك هم الصادقون في قولهم: إنا مؤمنون، لا من دخل في الملة خوف السيف ليحقن دمه وماله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
395
القول في تأويل قوله تعالى: قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم أتعلمون الله أيها القوم بدينكم
396
القول في تأويل قوله تعالى: يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يمن عليك هؤلاء الأعراب يا محمد أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم
396
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله يعلم غيب السموات والأرض والله بصير بما تعملون يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الأعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب، ومن الداخل منكم في ملة الإسلام رغبة فيه، ومن الداخل فيه رهبة من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
398
سورة ق
400
القول في تأويل قوله تعالى: ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب اختلف أهل التأويل في قوله: ق، فقال بعضهم: هو اسم من أسماء الله تعالى أقسم به
400
وقوله: والقرآن المجيد يقول: والقرآن الكريم
401
وقوله: بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما كذبك يا محمد مشركو قومك أن لا يكونوا عالمين بأنك صادق محق، ولكنهم كذبوك تعجبا من أن جاءهم منذر ينذرهم عقاب الله منهم، يعني بشرا منهم من بني آدم، ولم يأتهم ملك برسالة
402
وقوله: فقال الكافرون هذا شيء عجيب يقول تعالى ذكره: فقال المكذبون بالله ورسوله من قريش إذ جاءهم منذر منهم هذا شيء عجيب: أي مجيء رجل منا من بني آدم برسالة الله إلينا، هلا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا
402
القول في تأويل قوله تعالى: أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ يقول القائل: لم يجر للبعث ذكر، فيخبر عن هؤلاء القوم بكفرهم ما دعوا إليه من ذلك، فما وجه الخبر عنهم بإنكارهم ما لم يدعوا إليه، وجوابهم عما لم
402
وقوله: قد علمنا ما تنقص الأرض منهم يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما تأكل الأرض من أجسامهم بعد مماتهم، وعندنا كتاب بما تأكل الأرض وتفني من أجسامهم، ولهم كتاب مكتوب مع علمنا بذلك، حافظ لذلك كله، وسماه الله تعالى حفيظا، لأنه لا يدرس ما كتب فيه، ولا
404
القول في تأويل قوله تعالى: بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج يقول تعالى ذكره: ما أصاب هؤلاء المشركون القائلون أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد في قيلهم هذا بل كذبوا بالحق، وهو
405
وقوله: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالبعث بعد الموت المنكرون قدرتنا على إحيائهم بعد بلائهم إلى السماء فوقهم كيف بنيناها فسويناها سقفا محفوظا، وزيناها بالنجوم وما لها من فروج يعني: وما لها من صدوع
408
القول في تأويل قوله تعالى: والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب وقوله: والأرض مددناها يقول: والأرض بسطناها وألقينا فيها رواسي يقول: وجعلنا فيها جبالا ثوابت، رست في الأرض وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج
409
وقوله تبصرة يقول: فعلنا ذلك تبصرة لكم أيها الناس نبصركم بها قدرة ربكم على ما يشاء وذكرى لكل عبد منيب يقول: وتذكيرا من الله عظمته وسلطانه، وتنبيها على وحدانيته لكل عبد منيب يقول: لكل عبد رجع إلى الإيمان بالله، والعمل بطاعته وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
410
القول في تأويل قوله تعالى: ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج يقول تعالى ذكره: ونزلنا من السماء ماء مطرا مباركا، فأنبتنا به بساتين أشجارا، وحب الزرع المحصود
411
وقوله: والنخل باسقات يقول: وأنبتنا بالماء الذي أنزلنا من السماء النخل طوالا، والباسق: هو الطويل يقال للجبل الطويل: جبل باسق، كما قال أبو نوفل لابن هبيرة: يا ابن الذين بفضلهم بسقت على قيس فزارة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
412
وقوله: لها طلع نضيد يقول: لهذا النخل الباسقات طلع وهو الكفرى، نضيد: يقول: منضود بعضه على بعض متراكب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
413
وقوله: رزقا للعباد يقول: أنبتنا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء هذه الجنات، والحب والنخل قوتا للعباد، بعضها غذاء، وبعضها فاكهة ومتاعا
414
وقوله: وأحيينا به بلدة ميتا يقول تعالى ذكره: وأحيينا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء بلدة ميتا قد أجدبت وقحطت، فلا زرع فيها ولا نبت
414
وقوله: كذلك الخروج يقول تعالى ذكره: كما أنبتنا بهذا الماء هذه الأرض الميتة، فأحييناها به، فأخرجنا نباتها وزرعها، كذلك نخرجكم يوم القيامة أحياء من قبوركم من بعد بلائكم فيها بما ينزل عليها من الماء
414
القول في تأويل قوله تعالى: كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد يقول تعالى ذكره كذبت قبل هؤلاء المشركين الذين كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم من قومه قوم نوح وأصحاب الرس وقد مضى ذكرنا
414
وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب، وقد مضى خبرهم قبل
416
وقوله: كل كذب الرسل فحق وعيد يقول تعالى ذكره: كل هؤلاء الذين ذكرناهم كذبوا رسل الله الذين أرسلهم فحق وعيد يقول: فوجب لهم الوعيد الذي وعدناهم على كفرهم بالله، وحل بهم العذاب والنقمة وإنما وصف ربنا جل ثناؤه ما وصف في هذه الآية من إحلاله عقوبته بهؤلاء
419
القول في تأويل قوله تعالى: أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وهذا تقريع من الله لمشركي قريش الذين قالوا: أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد يقول لهم جل ثناؤه: أفعيينا
419
وقوله: بل هم في لبس من خلق جديد يقول تعالى ذكره: ما يشك هؤلاء المشركون المكذبون بالبعث أنا لم نعي بالخلق الأول، ولكنهم في شك من قدرتنا على أن نخلقهم خلقا جديدا بعد فنائهم وبلائهم في قبورهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
420
وقوله: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تحدث به نفسه، فلا يخفى علينا سرائره وضمائر قلبه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد يقول: ونحن أقرب للإنسان من حبل العاتق؛ والوريد: عرق بين الحلقوم والعلباوين،
421
القول في تأويل قوله تعالى: إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد يقول تعالى ذكره: ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه، حين يتلقى الملكان، وهما المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد وقيل: عنى بالقعيد: الرصد
422
وقوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد يقول تعالى ذكره: ما يلفظ الإنسان من قول فيتكلم به، إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عتيد، يعني حافظ يحفظه، عتيد معد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
424
القول في تأويل قوله تعالى: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد
427
وفي قوله وجاءت سكرة الموت بالحق وجهان من التأويل، أحدهما: وجاءت سكرة الموت وهي شدته وغلبته على فهم الإنسان، كالسكرة من النوم أو الشراب بالحق من أمر الآخرة، فتبينه الإنسان حتى تثبته وعرفه والثاني: وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت وقد ذكر عن أبي بكر
427
وقوله: ذلك ما كنت منه تحيد يقول: هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحق هو الشيء الذي كنت تهرب منه، وعنه تروغ وقوله: ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد قد تقدم بياننا عن معنى الصور، وكيف النفخ فيه بذكر اختلاف المختلفين والذي هو أولى الأقوال عندنا فيه
428
وقوله: ذلك يوم الوعيد يقول: هذا اليوم الذي ينفخ فيه هو يوم الوعيد الذي وعده الله الكفار أن يعذبهم فيه
428
القول في تأويل قوله تعالى: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد يقول تعالى ذكره: وجاءت يوم ينفخ في الصور كل نفس ربها، معها سائق يسوقها إلى الله، وشهيد يشهد عليها بما عملت في الدنيا من خير أو شر وبنحو
429
وقوله: لقد كنت في غفلة من هذا يقول تعالى ذكره: يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان من الأهوال والشدائد فكشفنا عنك غطاءك يقول: فجلينا ذلك لك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
433
وقوله: فبصرك اليوم حديد يقول: فأنت اليوم نافذ البصر، عالم بما كنت عنه في الدنيا في غفلة، وهو من قولهم: فلان بصير بهذا الأمر: إذا كان ذا علم به، وله بهذا الأمر بصر: أي علم وقد روي عن الضحاك أنه قال: معنى ذلك فبصرك اليوم حديد لسان الميزان، وأحسبه
435
القول في تأويل قوله تعالى: وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب يقول تعالى ذكره: وقال قرين هذا الإنسان الذي جاء به يوم القيامة معه سائق وشهيد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
436
وقوله: هذا ما لدي عتيد يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل قرين هذا الإنسان عند موافاته ربه به، رب هذا ما لدي عتيد: يقول: هذا الذي هو عندي معد محفوظ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
436
وقوله: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه، وهو: يقال ألقيا في جهنم، أو قال تعالى: ألقيا، فأخرج الأمر للقرين، وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين، كالرسول
437
كل كفار عنيد يعني: كل جاحد وحدانية الله، عنيد وهو العاند عن الحق وسبيل الهدى
438
وقوله: مناع للخير
438
معتد يقول معتد على الناس بلسانه بالبذاء والفحش في المنطق، وبيده بالسطوة والبطش ظلما
439
وقوله: مريب يعني: شاك في وحدانية الله وقدرته على ما يشاء
439
القول في تأويل قوله تعالى: الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد يقول تعالى ذكره: الذي أشرك بالله فعبد معه معبودا آخر من خلقه فألقياه في العذاب الشديد يقول: فألقياه في عذاب جهنم الشديد
439
القول في تأويل قوله تعالى: قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الإنسان الكفار المناع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا
440
وقوله: ربنا ما أطغيته يقول: ما أنا جعلته طاغيا متعديا إلى ما ليس له، وإنما يعني بذلك الكفر بالله ولكن كان في ضلال بعيد يقول: ولكن كان في طريق جائر عن سبيل الهدى جورا بعيدا وإنما أخبر تعالى ذكره هذا الخبر، عن قول قرين الكافر له يوم القيامة، إعلاما
441
وقوله: لا تختصموا لدي يقول تعالى ذكره: قال الله لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم، وصفة قرنائهم من الشياطين لا تختصموا لدي اليوم وقد قدمت إليكم في الدنيا قبل اختصامكم هذا، بالوعيد لمن كفر بي، وعصاني، وخالف أمري ونهي في كتبي، وعلى ألسن رسلي وبنحو
441
القول في تأويل قوله تعالى: ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله للمشركين وقرنائهم من الجن يوم القيامة، إذ تبرأ بعضهم من بعض: ما يغير القول الذي قلته لكم في الدنيا، وهو قوله
442
وقوله: وما أنا بظلام للعبيد يقول: ولا أنا بمعاقب أحدا من خلقي بجرم غيره، ولا حامل على أحد منهم ذنب غيره فمعذبه به
443
وقوله: يوم نقول لجهنم يقول: وما أنا بظلام للعبيد في يوم نقول لجهنم هل امتلأت وذلك يوم القيامة، ويوم نقول من صلة ظلام وقال تعالى ذكره لجهنم يوم القيامة: هل امتلأت لما سبق من وعده إياها بأنه يملأها من الجنة والناس أجمعين
443
وأما قوله: هل من مزيد فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ما من مزيد قالوا: وإنما يقول الله لها: هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، من تضايقها؛ فإذا قال لها وقد صارت كذلك: هل امتلأت؟ قالت
443
القول في تأويل قوله تعالى: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب يعني تعالى ذكره بقوله: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد وأدنيت الجنة وقربت للذين اتقوا ربهم، فخافوا عقوبته بأداء فرائضه، واجتناب
449
وقوله: هذا ما توعدون يقول: قال لهم: هذا الذي توعدون أيها المتقون، أن تدخلوها وتسكنوها وقوله: لكل أواب يعني: لكل راجع من معصية الله إلى طاعته، تائب من ذنوبه وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: هو المسبح، وقال بعضهم: هو التائب، وقد
449
وقوله: حفيظ اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: حفظ ذنوبه حتى تاب منها
452
وقوله: من خشي الرحمن بالغيب يقول: من خاف الله في الدنيا من قبل أن يلقاه، فأطاعه، واتبع أمره وفي من في قوله: من خشي وجهان من الإعراب: الخفض على إتباعه كل في قوله: لكل أواب والرفع على الاستئناف، وهو مراد به الجزاء من خشي الرحمن بالغيب، قيل له ادخل
453
القول في تأويل قوله تعالى: ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص يعني تعالى ذكره بقوله: ادخلوها بسلام ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهم والغضب والعذاب، وما كنتم
453
وقوله: ذلك يوم الخلود يقول: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس صفته من إدخالي الجنة من أدخله، هو يوم دخول الناس الجنة، ماكثين فيها إلى غير نهاية
454
وقوله: لهم ما يشاءون فيها يقول: لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه عيونهم وقوله: ولدينا مزيد يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جل ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه وقيل: إن ذلك
454
وقوله: وكم أهلكنا قبلهم من قرن يقول تعالى ذكره: وكثيرا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون هم أشد من قريش الذين كذبوا محمدا بطشا فنقبوا في البلاد يقول: فخرقوا البلاد فساروا فيها، فطافوا وتوغلوا إلى الأقاصي منها؛ قال امرؤ القيس: لقد نقبت في
460
ذكر من قال ذلك: وقوله: هل من محيص يقول جل ثناؤه: فهل كان لهم بتنقبهم في البلاد من معدل عن الموت؛ ومنجى من الهلاك إذ جاءهم أمرنا وأضمرت كان في هذا الموضع، كما أضمرت في قوله وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم بمعنى:
461
القول في تأويل قوله تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يقول تعالى ذكره: إن في إهلاكنا القرون التي أهلكناها من قبل قريش لذكرى يتذكر بها لمن كان له قلب يعني: لمن كان له عقل من هذه الأمة، فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه من
462
وقوله: أو ألقى السمع وهو شهيد يقول: أو أصغى لإخبارنا إياه عن هذه القرون التي أهلكناها بسمعه، فيسمع الخبر عنهم، كيف فعلنا بهم حين كفروا بربهم، وعصوا رسله وهو شهيد يقول: وهو متفهم لما يخبر به عنهم شاهد له بقلبه، غير غافل عنه ولا ساه وبنحو الذي قلنا
463
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا السماوات السبع والأرض وما بينهما من الخلائق في ستة أيام، وما مسنا من إعياء
465
القول في تأويل قوله تعالى: فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد على ما يقول هؤلاء اليهود، وما يفترون على الله، ويكذبون عليه، فإن الله
467
وقوله: ومن الليل فسبحه اختلف أهل التأويل في التسبيح الذي أمر به من الليل، فقال بعضهم: عني به صلاة العتمة
468
وقوله: وأدبار السجود يقول: سبح بحمد ربك أدبار السجود من صلاتك واختلف أهل التأويل في معنى التسبيح الذي أمر الله نبيه أن يسبحه أدبار السجود، فقال بعضهم: عني به الصلاة، قالوا: وهما الركعتان اللتان يصليان بعد صلاة المغرب
468
القول في تأويل قوله تعالى: واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واستمع يا محمد صيحة يوم القيامة، يوم ينادي بها منادينا من موضع قريب وذكر أنه ينادي بها من صخرة بيت
474
وقوله: يوم يسمعون الصيحة بالحق يقول تعالى ذكره: يوم يسمع الخلائق صيحة البعث من القبور بالحق، يعني بالأمر بالإجابة لله إلى موقف الحساب وقوله: ذلك يوم الخروج يقول تعالى ذكره: يوم خروج أهل القبور من قبورهم
476
القول في تأويل قوله تعالى: إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير يقول تعالى ذكره: إنا نحن نحيي الموتى ونميت الأحياء، وإلينا مصير جميعهم يوم القيامة يوم تشقق الأرض عنهم سراعا يقول جل ثناؤه: وإلينا مصيرهم يوم
476
وقوله: تشقق الأرض عنهم يقول: تصدع الأرض عنهم وقوله سراعا ونصبت سراعا على الحال من الهاء والميم في قوله عنهم والمعنى: يوم تشقق الأرض عنهم فيخرجون منها سراعا، فاكتفى بدلالة قوله: يوم تشقق الأرض عنهم على ذلك من ذكره وقوله: ذلك حشر علينا يسير يقول:
476
القول في تأويل قوله تعالى: نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد يقول تعالى ذكره: نحن يا محمد أعلم بما يقول هؤلاء المشركون بالله من فريتهم على الله، وتكذيبهم بآياته، وإنكارهم قدرة الله على البعث بعد الموت وما أنت عليهم
477
وقوله: فذكر بالقرآن من يخاف وعيد يقول تعالى ذكره: فذكر يا محمد بهذا القرآن الذي أنزلته إليك من يخاف الوعيد الذي أوعدته من عصاني وخالف أمري
478
سورة الذاريات
479
القول في تأويل قوله تعالى: والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع يقول تعالى ذكره والذاريات ذروا يقول: والرياح التي تذرو التراب ذروا، يقال: ذرت الريح التراب وأذرت وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
479
وقوله: فالحاملات وقرا يقول: فالسحاب التي تحمل وقرها من الماء
482
وقوله: فالجاريات يسرا يقول: فالسفن التي تجري في البحار سهلا يسيرا
482
فالمقسمات أمرا يقول: فالملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
482
قوله: إنما توعدون لصادق يقول تعالى ذكره: إن الذي توعدون أيها الناس من قيام الساعة، وبعث الموتى من قبورهم لصادق، يقول: لكائن حق يقين وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
484
القول في تأويل قوله تعالى: والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك يقول تعالى ذكره: والسماء ذات الخلق الحسن وعنى بقوله: ذات الحبك: ذات الطرائق، وتكسير كل شيء: حبكه، وهو جمع حباك وحبيكة؛ يقال لتكسير الشعرة الجعدة: حبك؛ وللرملة إذا
486
وقوله: إنكم لفي قول مختلف يقول: إنكم أيها الناس لفي قول مختلف في هذا القرآن، فمن مصدق به ومكذب
490
وقوله: يؤفك عنه من أفك يقول: يصرف عن الإيمان بهذا القرآن من صرف، ويدفع عنه من يدفع، فيحرمه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
491
القول في تأويل قوله تعالى: قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون يقول تعالى ذكره: لعن المتكهنون الذين يتخرصون الكذب والباطل فيتظننونه واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله قتل الخراصون فقال بعضهم: عني به
492
وقوله: الذين هم في غمرة ساهون يقول تعالى ذكره: الذين هم في غمرة الضلالة وغلبتها عليهم متمادون، وعن الحق الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ساهون، قد لهوا عنه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه
493
وقوله: يسألون أيان يوم الدين يقول تعالى ذكره: يسأل هؤلاء الخراصون الذين وصف صفتهم متى يوم المجازاة والحساب، ويوم يدين الله العباد بأعمالهم
495
وقوله: يوم هم على النار يفتنون يقول تعالى ذكره: يوم هم على نار جهنم يفتنون واختلف أهل التأويل في معنى قوله يفتنون في هذا الموضع، فقال بعضهم عنى به أنهم يعذبون بالإحراق بالنار
495
القول في تأويل قوله تعالى: ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين يعني تعالى ذكره بقوله: ذوقوا فتنتكم يقال لهم: ذوقوا فتنتكم وترك يقال لهم لدلالة الكلام عليها
499
ويعني بقوله: فتنتكم: عذابكم وحريقكم واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بغضهم بالذي قلنا فيه
499
وقوله: هذا الذي كنتم به تستعجلون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا العذاب الذي توفونه اليوم، هو العذاب الذي كنتم به تستعجلون في الدنيا
500
وقوله: إن المتقين في جنات وعيون يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته، واجتناب معاصيه في الدنيا في بساتين وعيون ماء في الآخرة
500
وقوله: آخذين ما آتاهم ربهم يقول تعالى ذكره: عاملين ما أمرهم به ربهم مؤدين فرائضه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
500
وقوله: إنهم كانوا قبل ذلك محسنين يقول: إنهم كانوا قبل أن يفرض عليهم الفرائض محسنين، يقول: كانوا لله قبل ذلك مطيعين وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
501
القول في تأويل قوله تعالى: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال بعضهم: معناه كانوا قليلا من الليل لا يهجعون، وقالوا: " ما " بمعنى الجحد
501
وأما قوله: يهجعون فإنه يعني: ينامون، والهجوع: النوم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
508
وقوله: وبالأسحار هم يستغفرون اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وبالأسحار يصلون
509
وقوله: وفي أموالهم حق للسائل والمحروم يقول تعالى ذكره: وفي أموال هؤلاء المحسنين الذين وصف صفتهم حق لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم وبنحو الذي قلنا في معنى السائل قال أهل التأويل، وهم في معنى المحروم مختلفون، فمن قائل: هو المحارف الذي ليس
511
القول في تأويل قوله تعالى: وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون يقول تعالى ذكره: وفي الأرض عبر وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
518
وقوله: وفي أنفسكم أفلا تبصرون اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وفي سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عبرة لكم، ودليل لكم على ربكم، أفلا تبصرون إلى ذلك منكم
519
وقوله: وفي السماء رزقكم يقول تعالى ذكره: وفي السماء: المطر والثلج اللذان بهما تخرج الأرض رزقكم، وقوتكم من الطعام والثمار وغير ذلك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل
520
القول في تأويل قوله تعالى: فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون يقول تعالى ذكره مقسما لخلقه بنفسه: فورب السماء والأرض، إن الذي قلت لكم أيها الناس: إن في السماء رزقكم وما توعدون لحق، كما حق أنكم تنطقون
523
القول في تأويل قوله تعالى: هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يخبره أنه محل بمن تمادى في غيه، وأصر على كفره، فلم يتب منه من كفار
525
يعني بقوله: المكرمين أن إبراهيم عليه السلام وسارة خدماهم بأنفسهما وقيل: إنما قيل المكرمين
525
وقوله: إذ دخلوا عليه يقول: حين دخل ضيف إبراهيم عليه، فقالوا له سلاما: أي أسلموا إسلاما قال: سلام واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة قال: سلام بالألف بمعنى قال: إبراهيم لهم سلام عليكم وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة (سلم)
525
وقوله: قوم منكرون يقول: قوم لا نعرفكم، ورفع قوم منكرون بإضمار أنتم
526
وقوله: فراغ إلى أهله يقول: عدل إلى أهله ورجع وكان الفراء يقول: الروغ وإن كان على هذا المعنى فإنه لا ينطق به حتى يكون صاحبه مخفيا ذهابه أو مجيئه، وقال: ألا ترى أنك تقول قد راغ أهل مكة وأنت تريد رجعوا أو صدروا، فلو أخفى راجع رجوعه حسنت فيه راغ ويروغ
526
وقوله: فجاء بعجل سمين يقول: فجاء ضيفه بعجل سمين قد أنضجه شيئا
526
القول في تأويل قوله تعالى: فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم وقوله: فقربه إليهم قال ألا تأكلون وفي الكلام متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه وهو فقربه إليهم،
526
قوله: فأقبلت امرأته في صرة يعني: سارة، وليس ذلك إقبال نقلة من موضع إلى موضع، ولا تحول من مكان إلى مكان، وإنما هو كقول القائل: أقبل يشتمني، بمعنى: أخذ في شتمي وقوله: في صرة يعني: في صيحة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
528
وقوله: فصكت وجهها اختلف أهل التأويل في معنى صكها، والموضع الذي ضربته من وجهها، فقال بعضهم: معنى صكها وجهها: لطمها إياه
529
وقالت عجوز عقيم يقول: وقالت: أتلد وحذفت أتلد لدلالة الكلام عليه، وبضمير أتلد رفعت عجوز عقيم، وعنى بالعقيم: التي لا تلد
530
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ضيف إبراهيم لزوجته إذ قالت لهم، وقد بشروها بغلام عليم: أتلد عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك يقول:
531
وقوله: قال فما خطبكم أيها المرسلون يقول: قال إبراهيم لضيفه: فما شأنكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين قد أجرموا لكفرهم بالله
531
القول في تأويل قوله تعالى: لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين لنرسل عليهم حجارة من طين يقول: لنمطر عليهم من السماء حجارة من طين مسومة يعني: معلمة
531
فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين يقول تعالى ذكره: فأخرجنا من كان في قرية سدوم، قرية قوم لوط من أهل الإيمان بالله وهم لوط وابنتاه، وكنى عن القرية بقوله: من كان فيها ولم يجر لها ذلك قبل ذلك
532
القول في تأويل قوله تعالى: فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم يقول تعالى ذكره: فما وجدنا في تلك القرية التي أخرجنا منها من كان فيها من المؤمنين غير بيت من المسلمين، وهو بيت لوط
532
وقوله: وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم يقول: وتركنا في هذه القرية التي أخرجنا من كان فيها من المؤمنين آية، وقال جل ثناؤه: وتركنا فيها آية والمعنى: وتركناها آية لأنها التي ائتفكت بأهلها، فهي الآية، وذلك كقول القائل: ترى في هذا الشيء
533
القول في تأويل قوله تعالى: وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون يقول تعالى ذكره؛ وفي موسى بن عمران إذ أرسلناه إلى فرعون بحجة تبين لمن رآها أنها حجة لموسى على حقيقة ما يقول ويدعو إليه
533
وقوله: فتولى بركنه يقول: فأدبر فرعون كما أرسلنا إليه موسى بقومه من جنده وأصحابه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه
534
وقوله: وقال ساحر أو مجنون يقول: وقال لموسى: هو ساحر يسحر عيون الناس، أو مجنون، به جنة وكان معمر بن المثنى يقول: " أو " في هذا الموضع بمعنى الواو التي للموالاة، لأنهم قد قالوهما جميعا له، وأنشد في ذلك بيت جرير الخطفى: أثعلبة الفوارس أو رياحا عدلت
535
القول في تأويل قوله تعالى: فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم يقول تعالى ذكره: فأخذنا فرعون وجنوده بالغضب منا والأسف فنبذناهم في اليم يقول فألقيناهم في البحر، فغرقناهم فيه وهو مليم يقول: وفرعون مليم، والمليم: هو الذي قد أتى ما يلام عليه من
536
القول في تأويل قوله تعالى: وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم يقول تعالى ذكره: وفي عاد أيضا، وما فعلنا بهم لهم آية وعبرة إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم يعني بالريح العقيم: التي لا تلقح الشجر. وبنحو الذي قلنا
536
وقوله: ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم والرميم في كلام العرب: ما يبس من نبات الأرض وديس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
540
القول في تأويل قوله تعالى: وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون يقول تعالى ذكره: وفي ثمود أيضا لهم عبرة ومتعظ، إذ قال لهم ربهم، يقول: فتكبروا عن أمر ربهم وعلوا استكبارا عن طاعة الله
541
وقوله: فأخذتهم الصاعقة يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب فجأة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
541
القول في تأويل قوله تعالى: فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين يقول تعالى ذكره: فما استطاعوا من دفاع لما نزل بهم من عذاب الله، ولا قدروا على نهوض به
543
وقوله: وما كانوا منتصرين يقول: وما كانوا قادرين على أن يستقيدوا ممن أحل بهم العقوبة التي حلت بهم
543
وقوله: وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين اختلفت القراء في قراءة قوله: وقوم نوح نصبا ولنصب ذلك وجوه: أحدها: أن يكون القوم عطفا على الهاء والميم في قوله: فأخذتهم الصاعقة إذ كان كل عذاب مهلك تسميه العرب صاعقة، فيكون معنى الكلام حينئذ: فأخذتهم
544
القول في تأويل قوله تعالى: والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون يقول تعالى ذكره: والسماء رفعناها سقفا بقوة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
545
وقوله: وإنا لموسعون يقول: لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه ومنه قوله: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره يراد به القوي
546
وقوله: والأرض فرشناها يقول تعالى ذكره: والأرض جعلناها فراشا للخلق فنعم الماهدون يقول: فنعم الماهدون لهم نحن
547
القول في تأويل قوله تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون يقول تعالى ذكره: وخلقنا من كل شيء خلقنا زوجين، وترك خلقنا الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها واختلف في معنى خلقنا زوجين فقال بعضهم: عنى به: ومن كل شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء
547
وقوله: لعلكم تذكرون يقول: لتذكروا وتعتبروا بذلك، فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه، وابتداع زوجين من كل شيء لا ما لا يقدر على ذلك
549
القول في تأويل قوله تعالى: ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته إني لكم منه نذير يقول: إني لكم من
549
وقوله: ولا تجعلوا مع الله إلها آخر يقول جل ثناؤه: ولا تجعلوا أيها الناس مع معبودكم الذي خلقكم معبودا آخر سواه، فإنه لا معبود تصلح له العبادة غيره إني لكم منه نذير مبين يقول: إني لكم أيها الناس نذير من عقابه على عبادتكم إلها غيره، مبين قد أبان لكم
549
القول في تأويل قوله تعالى: كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون يقول تعالى ذكره: كما كذبت قريش نبيها محمدا صلى الله عليه وسلم، وقالت: هو شاعر، أو ساحر أو مجنون، كذلك فعلت الأمم المكذبة رسلها، الذين
550
وقوله: أتواصوا به بل هم قوم طاغون يقول تعالى ذكره: أأوصى هؤلاء المكذبين من قريش محمدا صلى الله عليه وسلم على ما جاءهم به من الحق أوائلهم وآباؤهم الماضون من قبلهم، بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، فقبلوا ذلك عنهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
550
وقوله: بل هم قوم طاغون يقول تعالى ذكره: ما أوصى هؤلاء المشركون آخرهم بذلك، ولكنهم قوم متعدون طغاة عن أمر ربهم، لا يأتمرون لأمره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه
551
القول في تأويل قوله تعالى: فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فتول يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله من قريش، يقول: فأعرض عنهم حتى يأتيك فيهم أمر الله، يقال: ولى فلان عن فلان: إذا أعرض
551
وقوله: فما أنت بملوم يقول جل ثناؤه: فما أنت يا محمد بملوم، لا يلومك ربك على تفريط كان منك في الإنذار، فقد أنذرت، وبلغت ما أرسلت به وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
551
وقوله: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين يقول: وعظ يا محمد من أرسلت إليه، فإن العظة تنفع أهل الإيمان بالله
553
القول في تأويل قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم
553
وقوله: ما أريد منهم من رزق يقول تعالى ذكره: ما أريد ممن خلقت من الجن والإنس من رزق يرزقونه خلقي
555
وما أريد أن يطعمون يقول: وما أريد منهم من قوت أن يقوتوهم، ومن طعام أن يطعموهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
555
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون يقول تعالى ذكره: إن الله هو الرزاق خلقه، المتكفل بأقواتهم، ذو القوة المتين اختلفت القراء في قراءة قوله: المتين فقرأته عامة قراء الأمصار
555
وقوله: فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون يقول تعالى ذكره: فإن للذين أشركوا بالله من قريش وغيرهم ذنوبا، وهي الدلو العظيمة، وهو السجل أيضا إذا ملئت أو قاربت الملء، وإنما أريد بالذنوب في هذا الموضع: الحظ والنصيب؛ ومنه قول علقمة بن
557
القول في تأويل قوله تعالى: فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون يقول تعالى ذكره: فالوادي السائل في جهنم من قيح وصديد للذين كفروا بالله وجحدوا وحدانيته من يومهم الذي يوعدون فيه نزول عذاب الله إذا نزل بهم ماذا يلقون فيه من البلاء والجهد
559
سورة الطور
560
القول في تأويل قوله تعالى: والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع يعني تعالى ذكره بقوله: والطور والجبل الذي يدعى الطور وقد بينت معنى الطور بشواهده، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فيما
560
وقوله: وكتاب مسطور يقول: وكتاب مكتوب؛ ومنه قول رؤبة: إني وآيات سطرن سطرا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
560
وقوله: في رق منشور يقول: في ورق منشور وقوله: " في " من صلة مسطور، ومعنى الكلام: وكتاب سطر وكتب في ورق منشور
561
وقوله: والبيت المعمور يقول: والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذكر في السماء بحيال الكعبة من الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم لا يعودون فيه أبدا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
562
وقوله: والسقف المرفوع يعني بالسقف في هذا الموضع: السماء، وجعلها سقفا، لأنها سماء للأرض، كسماء البيت الذي هو سقفه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
566
وقوله: والبحر المسجور اختلف أهل التأويل في معنى البحر المسجور، فقال بعضهم: الموقد وتأول ذلك: والبحر الموقد المحمى
567
وقوله: إن عذاب ربك لواقع يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: إن عذاب ربك لواقع يا محمد، لكائن حال بالكافرين به يوم القيامة
571
وقوله: ما له من دافع يقول: ما لذلك العذاب الواقع بالكافرين من دافع يدفعه عنهم، فينقذهم منه إذا وقع
571
القول في تأويل قوله تعالى: يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا يقول تعالى ذكره: إن عذاب ربك لواقع يوم تمور السماء مورا فيوم من صلة واقع، ويعني بقوله: تمور: تدور وتكفأ وكان معمر بن المثنى ينشد بيت الأعشى: كأن مشيتها من بيت جارتها مور السحابة لا
571
وقوله: وتسير الجبال سيرا يقول: وتسير الجبال عن أماكنها من الأرض سيرا، فتصير هباء منبثا
574
القول في تأويل قوله تعالى: فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من قيح وصديد في جهنم، يوم تمور السماء مورا، وذلك يوم القيامة للمكذبين بوقوع عذاب الله
574
وقوله: الذين هم في خوض يلعبون يقول: الذين هم في فتنة واختلاط في الدنيا يلعبون، غافلين عما هم صائرون إليه من عذاب الله في الآخرة وقوله: يوم يدعون إلى نار جهنم دعا يقول تعالى ذكره: فويل للمكذبين يوم يدعون وقوله: يوم يدعون ترجمة عن قوله: يومئذ وإبدال
574
وقوله: هذه النار التي كنتم بها تكذبون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذه النار التي كنتم بها في الدنيا تكذبون، فتجحدون أن تردوها، وتصلوها، أو يعاقبكم بها ربكم وترك ذكر يقال لهم، اجتزاء بدلالة الكلام عليه
576
القول في تأويل قوله تعالى: أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره مخبرا عما يقول لهؤلاء المكذبين الذين وصف صفتهم إذا وردوا جهنم يوم القيامة: أفسحر أيها القوم هذا الذي وردتموه الآن أم
576
وقوله: اصلوها يقول: ذوقوا حر هذه النار التي كنتم بها تكذبون، وردوها فاصبروا على ألمها وشدتها، أو لا تصبروا على ذلك، سواء عليكم صبرتم أو لم تصبروا إنما تجزون ما كنتم تعملون يقول: ما تجزون إلا أعمالكم: أي لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا ربكم
577
القول في تأويل قوله تعالى: إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في جنات: يقول في بساتين ونعيم فيها، وذلك في الآخرة وقوله: فاكهين يقول: عندهم فاكهة
577
وقوله: بما آتاهم ربهم يقول: عندهم فاكهة كثيرة بإعطاء الله إياهم ذلك ووقاهم ربهم عذاب الجحيم يقول: ورفع عنهم ربهم عقابه الذي عذب به أهل الجحيم
577
القول في تأويل قوله تعالى: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين يقول تعالى ذكره: كلوا واشربوا، يقال لهؤلاء المتقين في الجنات: كلوا أيها القوم مما آتاكم ربكم، واشربوا من شرابها هنيئا، لا تخافون مما تأكلون
577
وقوله: متكئين على سرر مصفوفة قد جعلت صفوفا، وترك قوله: على نمارق، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه
578
وقوله: وزوجناهم بحور عين يقول تعالى ذكره: وزوجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء، يقول الرجل: زوج هذا الخلف الفرد أو النعل الفرد بهذا الفرد، بمعنى: اجعلهما زوجا وقد بينا معنى الزوج فيما مضى بما أغنى عن إعادته هاهنا، والحور: جمع
578
القول في تأويل قوله تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم المؤمنين
579
وقوله: وما ألتناهم من عملهم من شيء يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الآباء، يعني بقوله: وما ألتناهم وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلا منا
584
وقوله: كل امرئ بما كسب رهين يقول: كل نفس بما كسبت وعملت من خير وشر مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه
587
القول في تأويل قوله تعالى: وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم يقول تعالى ذكره: وأمددنا هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله، واتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجنة، بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان
587
وقوله: يتنازعون فيها كأسا يقول: يتعاطون فيها كأس الشراب، ويتداولونها بينهم، كما قال الأخطل: نازعته طيب الراح الشمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة الساري
587
وقوله لا لغو فيها يقول: لا باطل في الجنة، والهاء في قوله " فيها " من ذكر الكأس، ويكون المعنى لما فيها الشراب بمعنى: أن أهلها لا لغو عندهم فيها ولا تأثيم، واللغو: الباطل وقوله: ولا تأثيم يقول: ولا فعل فيها يؤثم صاحبه وقيل: عنى بالتأثيم: الكذب
587
وقوله: ولا تأثيم يقول: لا كذب
588
القول في تأويل قوله تعالى: ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في الجنة غلمان لهم، كأنهم لؤلؤ في بياضه وصفائه مكنون، يعني: مصون في كن، فهو أنقى له، وأصفى لبياضه
589
وقوله: وأقبل بعضهم على بعض الآية، يقول تعالى ذكره: وأقبل بعض هؤلاء المؤمنين في الجنة على بعض، يسأل بعضهم بعضا وقد قيل: إن ذلك يكون منهم عند البعث من قبورهم
590
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم يقول تعالى ذكره: قال بعضهم لبعض: إنا أيها القوم كنا في أهلنا في الدنيا مشفقين خائفين من عذاب الله وجلين أن يعذبنا
590
وقوله: إنا كنا من قبل ندعوه يقول: إنا كنا في الدنيا من قبل يومنا هذا ندعوه: نعبده مخلصين له الدين، لا نشرك به شيئا إنه هو البر يعني: اللطيف بعباده
591
وقوله: الرحيم يقول: الرحيم بخلقه أن يعذبهم بعد توبتهم واختلفت القراء في قراءة قوله: إنه هو البر فقرأته عامة قراء المدينة (أنه) بفتح الألف، بمعنى: إنا كنا من قبل ندعوه لأنه هو البر، أو بأنه هو البر وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بالكسر على
591
القول في تأويل قوله تعالى: فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذكر يا محمد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم، وعظهم بنعم الله عندهم فما
591
وقوله: أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون يقول جل ثناؤه: بل يقول المشركون: يا محمد لك: هو شاعر نتربص به حوادث الدهر، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا وقال بعضهم:
592
وقوله: قل تربصوا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك: إنك شاعر نتربص بك ريب المنون، تربصوا: أي انتظروا وتمهلوا في ريب المنون، فإني معكم من المتربصين بكم، حتى يأتي أمر الله فيكم
594
القول في تأويل قوله تعالى: أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين يقول تعالى ذكره: أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: هو شاعر، وأن ما جاء به شعر أم هم قوم
594
وقوله: أم يقولون تقوله يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: تقول محمد هذا القرآن وتخلقه
596
وقوله: بل لا يؤمنون يقول جل ثناؤه: كذبوا فيما قالوا من ذلك، بل لا يؤمنون فيصدقوا بالحق الذي جاءهم من عند ربهم
596
وقوله: فليأتوا بحديث مثله يقول: جل ثناؤه: فليأت قائلو ذلك له من المشركين بقرآن مثله، فإنهم من أهل لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ولن يتعذر عليهم أن يأتوا من ذلك بمثل الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم إن كانوا صادقين في أن محمدا صلى الله عليه وسلم
596
القول في تأويل قوله تعالى: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون يقول تعالى ذكره: أخلق هؤلاء المشركون من غير شيء، أي من غير آباء ولا أمهات، فهم كالجماد، لا يعقلون ولا يفهمون لله حجة، ولا يعتبرون له بعبرة، ولا
596
وقوله: أم هم الخالقون يقول: أم هم الخالقون هذا الخلق، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر الله، ولا ينتهون عما نهاهم عنه، لأن للخالق الأمر والنهي أم خلقوا السموات والأرض يقول: أخلقوا السماوات والأرض فيكونوا هم الخالقين، وإنما معنى ذلك: لم يخلقوا السماوات
596
القول في تأويل قوله تعالى: أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين يقول تعالى ذكره: أعند هؤلاء المكذبين بآيات الله خزائن ربك يا محمد، فهم لاستغنائهم بذلك عن آيات ربهم معرضون، أم هم المسيطرون اختلف أهل
597
وقوله: أم لهم سلم يستمعون فيه يقول: أم لهم سلم يرتقون فيه إلى السماء يستمعون عليه الوحي، فيدعون أنهم سمعوا هنالك من الله أن الذي هم عليه حق، فهم بذلك متمسكون بما هم عليه
598
وقوله: فليأت مستمعهم بسلطان مبين يقول: فإن كانوا يدعون ذلك فليأت من يزعم أنه استمع ذلك فسمعه بسلطان مبين، يعني بحجة تبين أنها حق، كما أتى محمد صلى الله عليه وسلم بها على حقيقة قوله، وصدقه فيما جاءهم به من عند الله والسلم في كلام العرب: السبب
598
القول في تأويل قوله تعالى: أم له البنات ولكم البنون أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش: ألربكم أيها القوم البنات ولكم البنون؟ ذلك إذن قسمة ضيزى
599
وقوله: أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أتسأل هؤلاء المشركين الذين أرسلناك إليهم يا محمد على ما تدعوهم إليه من توحيد الله وطاعته ثوابا وعوضا من أموالهم، فهم من ثقل ما حملتهم من الغرم لا يقدرون على إجابتك
599
وقوله: أم عندهم الغيب فهم يكتبون يقول تعالى ذكره: أم عندهم علم الغيب، فهم يكتبون ذلك للناس، فينبئونهم بما شاءوا، ويخبرونهم بما أرادوا
599
القول في تأويل قوله تعالى: أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون يقول تعالى ذكره: بل يريد هؤلاء المشركون يا محمد بك وبدين الله كيدا فالذين كفروا هم المكيدون يقول: فهم المكيدون الممكور بهم دونك، فثق بالله،
600
وقوله: أم لهم إله غير الله يقول جل ثناؤه: أم لهم معبود يستحق عليهم العبادة غير الله، فيجوز لهم عبادته، يقول: ليس لهم إله غير الله الذي له العبادة من جميع خلقه سبحان الله عما يشركون يقول: تنزيها لله عن شركهم وعبادتهم معه غيره
600
القول في تأويل قوله تعالى: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء المشركون قطعا من السماء ساقطا، والكسف: جمع كسفة، مثل التمر جمع تمرة، والسدر جمع سدرة وبنحو الذي قلنا في
600
وقوله: فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فدع يا محمد هؤلاء المشركين حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يهلكون، وذلك عند النفخة الأولى واختلفت القراء في قراءة قوله: فيه يصعقون فقرأته عامة قراء الأمصار سوى
602
القول في تأويل قوله تعالى: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون يعني جل ثناؤه بقوله: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا يوم القيامة، حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون، ثم بين عن ذلك اليوم أي يوم هو،
602
وقوله: ولا هم ينصرون يقول: ولا هم ينصرهم ناصر، فيستقيد لهم ممن عذبهم وعاقبهم
602
وقوله: وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك اختلف أهل التأويل في العذاب الذي توعد الله به هؤلاء الظلمة من دون يوم الصعقة، فقال بعضهم: هو عذاب القبر
603
القول في تأويل قوله تعالى: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم واصبر لحكم ربك يا محمد الذي حكم به عليك، وامض لأمره ونهيه، وبلغ رسالاته فإنك بأعيننا يقول جل
605
وقوله: وسبح بحمد ربك اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: إذا قمت من نومك فقل: سبحان الله وبحمده
605
وقوله: ومن الليل فسبحه يقول: ومن الليل فعظم ربك يا محمد بالصلاة والعبادة، وذلك صلاة المغرب والعشاء
607
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
21
صفحه :
610
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir