مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
علوم القرآن
التجويد والقراءات
التفاسير
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
17
صفحه :
684
سورة المؤمنون
5
القول في تأويل قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: قد أفلح المؤمنون قد أدرك الذين صدقوا الله ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، وأقروا بما جاءهم به من عند الله، وعملوا بما
5
وقوله الذين هم في صلاتهم خاشعون يقول تعالى ذكره: الذين هم في صلاتهم إذا قاموا فيها خاشعون؛ وخشوعهم فيها تذللهم لله فيها بطاعته، وقيامهم فيها بما أمرهم بالقيام به فيها. وقيل: إنها نزلت من أجل أن القوم كانوا يرفعون أبصارهم فيها إلى السماء قبل نزولها،
6
وقوله والذين هم عن اللغو معرضون يقول تعالى ذكره: والذين هم عن الباطل وما يكرهه الله من خلقه معرضون. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل
10
القول في تأويل قوله تعالى: والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون يقول تعالى ذكره: والذين هم لزكاة أموالهم التي فرضها الله عليهم فيها مؤدون، وفعلهم الذي
11
قوله والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم يقول: والذين هم لفروج أنفسهم. وعني بالفروج في هذا الموضع: فروج الرجال، وذلك أقبالهم. حافظون يحفظونها من أعمالها في شيء من الفروج. إلا على أزواجهم يقول: إلا من أزواجهم اللاتي أحلهن الله للرجال بالنكاح.
11
القول في تأويل قوله تعالى: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون يقول تعالى ذكره: والذين هم لأماناتهم التي ائتمنوا عليها , وعهدهم، وهو عقودهم التي عاقدوا الناس راعون يقول: حافظون لا يضيعون، ولكنهم يوفون
13
قوله والذين هم على صلواتهم يحافظون يقول: والذين هم على أوقات صلاتهم يحافظون، فلا يضيعونها ولا يشتغلون عنها حتى تفوتهم، ولكنهم يراعونها حتى يؤدوها فيها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
13
قوله أولئك هم الوارثون يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم في الدنيا، هم الوارثون يوم القيامة منازل أهل النار من الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك، روي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأوله أهل التأويل
15
القول في تأويل قوله تعالى: الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون يقول تعالى ذكره: الذين يرثون البستان ذا الكرم، وهو الفردوس عند العرب. وكان مجاهد يقول: هو بالرومية
16
وقوله: هم فيها خالدون يعني ماكثون فيها، يقول: هؤلاء الذين يرثون الفردوس خالدون، يعني ماكثون فيها أبدا لا يتحولون عنها
18
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين أسللناه منه، فالسلالة هي المستلة من كل تربة؛ ولذلك كان آدم خلق من تربة أخذت من أديم الأرض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على
18
القول في تأويل قوله تعالى: ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين يعني تعالى ذكره بقوله: ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم جعلنا الإنسان الذي
20
وقوله: ثم خلقنا النطفة علقة يقول: ثم صيرنا النطفة التي جعلناها في قرار مكين علقة، وهي القطعة من الدم فخلقنا العلقة مضغة يقول: فجعلنا ذلك الدم مضغة، وهي القطعة من اللحم
21
وقوله: فخلقنا المضغة عظاما يقول: فجعلنا تلك المضغة اللحم عظاما وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق سوى عاصم: فخلقنا المضغة عظاما على الجماع، وكان عاصم وعبد الله يقرآن ذلك: (عظما) في الحرفين على التوحيد جميعا. والقراءة
21
وقوله: فكسونا العظام لحما يقول: فألبسنا العظام لحما. وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: (ثم خلقنا النطفة عظما وعصبا فكسوناه لحما) . وقوله: ثم أنشأناه خلقا آخر يقول: ثم أنشأنا هذا الإنسان خلقا آخر. وهذه الهاء التي في: أنشأناه عائدة على الإنسان في
21
وقوله: فتبارك الله أحسن الخالقين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه فتبارك الله أحسن الصانعين
25
القول في تأويل قوله تعالى: ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون يقول تعالى ذكره: ثم إنكم أيها الناس من بعد إنشائكم خلقا آخر وتصييرناكم إنسانا سويا ميتون وعائدون ترابا كما كنتم، ثم إنكم بعد موتكم وعودكم رفاتا باليا مبعوثون من التراب خلقا
26
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا فوقكم أيها الناس سبع سماوات بعضهن فوق بعض؛ والعرب تسمي كل شيء فوق شيء طريقة. وإنما قيل للسماوات السبع سبع طرائق، لأن بعضهن فوق بعض، فكل سماء
26
وقوله: وما كنا عن الخلق غافلين يقول: وما كنا في خلقنا السماوات السبع فوقكم عن خلقنا الذي تحتها غافلين، بل كنا لهم حافظين من أن تسقط عليهم فتهلكهم
27
القول في تأويل قوله تعالى: وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون يقول تعالى ذكره: وأنزلنا من السماء ما في الأرض من ماء، فأسكناه فيها
27
وقوله: وإنا على ذهاب به لقادرون يقول جل ثناؤه: وإنا على الماء الذي أسكناه في الأرض لقادرون أن نذهب به فتهلكوا أيها الناس عطشا , وتخرب أرضوكم، فلا تنبت زرعا ولا غرسا، وتهلك مواشيكم، يقول: فمن نعمتي عليكم تركي ذلك لكم في الأرض جاريا
27
القول في تأويل قوله تعالى: فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون يقول تعالى ذكره: فأحدثنا لكم بالماء الذي أنزلناه من السماء، بساتين من نخيل وأعناب لكم فيها يقول: لكم في الجنات فواكه كثيرة. ومنها تأكلون يقول: ومن
27
القول في تأويل قوله تعالى: وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين يقول تعالى ذكره: وأنشأنا لكم أيضا شجرة تخرج من طور سيناء وشجرة منصوبة عطفا على الجنات، ويعني بها: شجرة الزيتون
28
وقوله: تخرج من طور سيناء يقول: تخرج من جبل ينبت الأشجار. وقد بينت معنى الطور فيما مضى بشواهده، واختلاف المختلفين، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله: سيناء فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: (سيناء) بكسر
28
وقوله: تنبت بالدهن اختلفت القراء في قراءة قوله: تنبت فقرأته عامة قراء الأمصار: تنبت بفتح التاء، بمعنى: تنبت هذه الشجرة بثمر الدهن، وقرأه يعض قراء البصرة: (تنبت) بضم التاء، بمعنى: تنبت الدهن: تخرجه. وذكر أنها في قراءة عبد الله: (تخرج الدهن
31
وقوله: وصبغ للآكلين يقول: تنبت بالدهن وبصبغ للآكلين، يصطبغ بالزيت الذين يأكلونه
33
القول في تأويل قوله تعالى: وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون يقول تعالى ذكره: وإن لكم أيها الناس , في الأنعام لعبرة تعتبرون بها، فتعرفون بها أيادي الله عندكم , وقدرته على ما يشاء
33
وقوله: وعليها وعلى الفلك تحملون يقول: وعلى الأنعام وعلى السفن تحملون، على هذه في البر , وعلى هذه في البحر
33
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه داعيهم إلى طاعتنا وتوحيدنا والبراءة من كل معبود سوانا فقال لهم نوح: يا قوم اعبدوا الله يقول: قال لهم
34
القول في تأويل قوله تعالى: فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين يقول تعالى ذكره: فقالت جماعة أشراف قوم نوح، الذين جحدوا توحيد الله وكذبوه، لقومهم: ما نوح
34
وقوله: ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه نوح من أنه لا إله لنا غير الله في القرون الماضية، وهي آباؤهم الأولون
34
القول في تأويل قوله تعالى: إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم
35
وقوله: فتربصوا به حتى حين يقول: فتلبثوا به، وتنظروا به حتى حين؛ يقول: إلى وقت ما. ولم يعنوا بذلك وقتا معلوما، إنما هو كقول القائل: دعه إلى يوم ما، أو إلى وقت ما
35
وقوله: قال رب انصرني بما كذبون يقول: قال نوح داعيا ربه مستنصرا به على قومه، لما طال أمره وأمرهم , وتمادوا في غيهم: رب انصرني على قومي بما كذبون يعني بتكذيبهم إياي، فيما بلغتهم من رسالتك , ودعوتهم إليه من توحيدك
35
وقوله: فأوحينا إليه أن اصنع الفلك يقول: فقلنا له حين استنصرنا على كفرة قومه: اصنع الفلك، وهي السفينة بأعيننا يقول: بمرأى منا ومنظر، ووحينا يقول: وبتعليمنا إياك صنعتها. فإذا جاء أمرنا يقول: فإذا جاء قضاؤنا في قومك، بعذابهم وهلاكهم؛ وقوله: وفار
35
وقوله: ولا تخاطبني الآية، يقول: ولا تسألني في الذين كفروا بالله أن أنجيهم. إنهم مغرقون يقول: فإني قد حتمت عليهم أن أغرق جميعهم
37
القول في تأويل قوله تعالى: فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين يعني تعالى ذكره بقوله: فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فإذا اعتدلت في السفينة أنت ومعك ممن حملته معك من أهلك، راكبا فيها عاليا فوقها؛ فقل الحمد
37
القول في تأويل قوله تعالى: وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين يقول تعالى ذكره لنبيه نوح عليه السلام: وقل إذا سلمك الله وأخرجك من الفلك فنزلت عنها: رب أنزلني منزلا من الأرض مباركا وأنت خير من أنزل عباده
37
وقوله: إن في ذلك لآيات يقول تعالى ذكره: إن فيما فعلنا بقوم نوح يا محمد من إهلاكناهم إذ كذبوا رسلنا , وجحدوا وحدانيتنا , وعبدوا الآلهة والأصنام، لعبرا لقومك من مشركي قريش، وعظات , وحججا لنا، يستدلون بها على سنتنا في أمثالهم، فينزجروا عن كفرهم ,
38
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون يقول تعالى ذكره: ثم أحدثنا من بعد مهلك قوم نوح قرنا آخرين فأوجدناهم. فأرسلنا فيهم رسولا منهم داعيا لهم، أن اعبدوا الله يا
39
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون يقول تعالى ذكره: وقالت الأشراف من قوم الرسول الذي أرسلنا بعد نوح. وعني بالرسول في هذا
39
وقوله: وأترفناهم في الحياة الدنيا يقول: ونعمناهم في حياتهم الدنيا بما وسعنا عليهم من المعاش وبسطنا لهم من الرزق، حتى بطروا وعتوا على ربهم وكفروا؛ ومنه قول الراجز: وقد أراني بالديار مترفا
39
وقوله: ما هذا إلا بشر مثلكم يقول: قالوا: بعث الله صالحا إلينا رسولا من بيننا، وخصه بالرسالة دوننا، وهو إنسان مثلنا يأكل مما نأكل منه من الطعام ويشرب مما نشرب، وكيف لم يرسل ملكا من عنده يبلغنا رسالته؟ قال: ويشرب مما تشربون معناه: مما تشربون منه،
40
القول في تأويل قوله تعالى: ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملأ من قوم صالح لقومهم: ولئن أطعتم بشرا مثلكم فاتبعتموه وقبلتم ما يقول وصدقتموه. إنكم أيها القوم إذا
40
قوله: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما الآية يقول تعالى ذكره: قالوا لهم: أيعدكم صالح أنكم إذا متم وكنتم ترابا في قبوركم وعظاما قد ذهبت لحوم أجسادكم , وبقيت عظامها، أنكم مخرجون من قبوركم أحياء كما كنتم قبل مماتكم؟ وأعيدت (أنكم) مرتين،
41
القول في تأويل قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قول الملأ من ثمود أنهم قالوا: هيهات هيهات أي بعيد ما توعدون أيها القوم، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون
41
وقوله: إن هي إلا حياتنا الدنيا يقول: ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها نموت ونحيا يقول: تموت الأحياء منا , فلا تحيا , ويحدث آخرون منا فيولدون أحياء. وما نحن بمبعوثين يقول: قالوا: وما نحن بمبعوثين بعد الممات
44
القول في تأويل قوله تعالى: إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين يقول تعالى ذكره: قالوا ما صالح إلا رجل اختلق على الله كذبا في قوله ما لكم من إله غير الله , وفي وعده إياكم أنكم إذا متم
45
وقوله: قال رب انصرني بما كذبون يقول: قال صالح لما أيس من إيمان قومه بالله ومن تصديقهم إياه بقولهم وما نحن له بمؤمنين رب انصرني على هؤلاء بما كذبون يقول: بتكذيبهم إياي فيما دعوتهم إليه من الحق. فاستغاث صلوات الله عليه بربه من أذاهم إياه , وتكذيبهم له
45
القول في تأويل قوله تعالى: فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين يقول تعالى ذكره: فانتقمنا منهم، فأرسلنا عليهم الصيحة فأخذتهم بالحق؛ وذلك أن الله عاقبهم باستحقاقهم العقاب منه بكفرهم به , وتكذيبهم رسوله. فجعلناهم غثاء يقول:
45
وقوله: فبعدا للقوم الظالمين يقول: فأبعد الله القوم الكافرين بهلاكهم، إذ كفروا بربهم , وعصوا رسله , وظلموا أنفسهم
47
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون يقول تعالى ذكره: ثم أحدثنا من بعد هلاك ثمود قوما آخرين
47
وقوله: ما تسبق من أمة أجلها يقول: ما يتقدم هلاك أمة من تلك الأمم التي أنشأناها بعد ثمود قبل الأجل الذي أجلنا لهلاكها، ولا يستأخر هلاكها عن الأجل الذي أجلنا لهلاكها , والوقت الذي وقتنا لفنائها؛ ولكنها تهلك لمجيئه. وهذا وعيد من الله لمشركي قوم نبينا
47
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: ثم أرسلنا إلى الأمم التي أنشأنا بعد ثمود رسلنا تترى يعني: يتبع بعضها بعضا، وبعضها في أثر بعض. وهي من
48
وقوله: كل ما جاء أمة رسولها كذبوه يقول: كلما جاء أمة من تلك الأمم التي أنشأناها بعد ثمود رسولها الذي نرسله إليهم، كذبوه فيما جاءهم به من الحق من عندنا
50
وقوله: فأتبعنا بعضهم بعضا يقول: فأتبعنا بعض تلك الأمم بعضا بالهلاك , فأهلكنا بعضهم في إثر بعض
50
وقوله: وجعلناهم أحاديث للناس , ومثلا يتحدث بهم، وقد يجوز أن يكون جمع حديث. وإنما قيل: وجعلناهم أحاديث لأنهم جعلوا حديثا , ومثلا يتمثل بهم في الشر، ولا يقال في الخير: جعلته حديثا , ولا أحدوثة
50
وقوله: فبعدا لقوم لا يؤمنون يقول: فأبعد الله قوما لا يؤمنون بالله ولا يصدقون برسوله
50
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين يقول تعالى ذكره: ثم أرسلنا بعد الرسل الذين وصف صفتهم قبل هذه الآية، موسى وأخاه هارون إلى فرعون وأشراف قومه من القبط بآياتنا يقول:
50
القول في تأويل قوله تعالى: فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين يقول تعالى ذكره: فقال فرعون وملؤه: أنؤمن لبشرين مثلنا فنتبعهما وقومهما من بني إسرائيل لنا عابدون يعنون أنهم لهم مطيعون متذللون، يأتمرون لأمرهم ,
51
وقوله: فكذبوهما فكانوا من المهلكين يقول: فكذب فرعون وملؤه موسى وهارون، فكانوا ممن أهلكهم الله كما أهلك من قبلهم من الأمم بتكذيبها رسلها
52
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى التوراة، ليهتدي بها قومه من بني إسرائيل، ويعملوا بما فيها وجعلنا ابن مريم وأمه يقول: وجعلنا
52
وقوله وآويناهما إلى ربوة يقول: وضممناهما وصيرناهما إلى ربوة، يقال: أوى فلان إلى موضع كذا، فهو يأوي إليه. إذا صار إليه؛ وعلى مثال أفعلته , فهو يؤويه وقوله إلى ربوة يعني: إلى مكان مرتفع من الأرض على ما حوله؛ ولذلك قيل للرجل يكون في رفعة من قومه وعز
52
وقوله: ذات قرار ومعين يقول تعالى ذكره: من صفة الربوة التي أوينا إليها مريم وابنها عيسى، أنها أرض منبسطة , وساحة وذات ماء ظاهر لغير الباطن جار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
56
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم يقول تعالى ذكره: وقلنا لعيسى: يا أيها الرسل كلوا من الحلال الذي طيبه الله لكم دون الحرام، واعملوا صالحا تقول في الكلام للرجل الواحد: أيها القوم كفوا عنا أذاكم
59
وقوله: إني بما تعملون عليم يقول: إني بأعمالكم ذو علم، لا يخفى علي منها شيء، وأنا مجازيكم بجميعها، وموفيكم أجوركم وثوابكم عليها، فخذوا في صالحات الأعمال واجتهدوا
59
القول في تأويل قوله تعالى: وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون اختلفت القراء في قراءة قوله: وإن هذه أمتكم أمة واحدة، فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والبصرة: (وأن) بالفتح، بمعنى: إني بما تعملون عليم، وأن هذه أمتكم أمة واحدة. فعلى هذا
60
وقوله: وأنا ربكم فاتقون يقول: وأنا مولاكم فاتقون بطاعتي تأمنوا عقابي
61
القول في تأويل قوله تعالى: فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون اختلفت القراء في قراءة قوله: زبرا فقرأته عامة قراء المدينة والعراق: (زبرا) بمعنى جمع الزبور. فتأويل الكلام على قراءة هؤلاء: فتفرق القوم الذين أمرهم الله من أمة الرسول عيسى
61
وقوله: كل حزب بما لديهم فرحون يقول: كل فريق من تلك الأمم بما اختاروه لأنفسهم من الدين والكتب فرحون. معجبون به، لا يرون أن الحق سواه
63
القول في تأويل قوله تعالى: فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فدع يا محمد هؤلاء الذين تقطعوا أمرهم بينهم زبرا، في غمرتهم في ضلالتهم
64
وقوله: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين يقول تعالى ذكره: أيحسب هؤلاء الأحزاب الذين فرقوا دينهم زبرا، أن الذي نعطيهم في عاجل الدنيا من مال وبنين نسارع لهم يقول: نسابق لهم في خيرات الآخرة، ونبادر لهم فيها؟ و (ما) من قوله: أنما نمدهم به نصب،
65
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون يعني تعالى ذكره: إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون إن الذين هم من خشيتهم وخوفهم من عذاب الله مشفقون، فهم من خشيتهم من ذلك دائبون في طاعته ,
66
القول في تأويل قوله تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون يعني تعالى ذكره بقوله: والذين يؤتون ما آتوا والذين يعطون أهل سهمان الصدقة ما فرض الله لهم في أموالهم. ما آتوا يعني: ما أعطوهم
66
وقوله: أولئك يسارعون في الخيرات يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفات صفاتهم، يبادرون في الأعمال الصالحة , ويطلبون الزلفة عند الله بطاعته
72
وقوله: وهم لها سابقون كان بعضهم يقول: معناه: سبقت لهم من الله السعادة، فذلك سبوقهم الخيرات التي يعملونها
72
القول في تأويل قوله تعالى: ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون يقول تعالى ذكره: ولا نكلف نفسا إلا ما يسعها ويصلح لها من العبادة؛ ولذلك كلفناها ما كلفناها من معرفة وحدانية الله، وشرعنا لها ما شرعنا من الشرائع. ولدينا كتاب
73
القول في تأويل قوله تعالى: بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يحسب هؤلاء المشركون، من أن إمدادناهم بما نمدهم به من مال وبنين، بخير نسوقه بذلك إليهم , والرضا منا عنهم؛ ولكن قلوبهم في غمرة عمى عن
73
وقوله: ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء الكفار أعمال لا يرضاها الله من المعاصي من دون ذلك يقول: من دون أعمال أهل الإيمان بالله , وأهل التقوى والخشية له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
74
القول في تأويل قوله تعالى: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء الكفار من قريش أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، إلى أن يؤخذ أهل النعمة والبطر منهم بالعذاب
76
وقوله: لا تجأروا اليوم يقول: لا تضجوا وتستغيثوا اليوم وقد نزل بكم العذاب الذي لا يدفع عن الذين ظلموا أنفسهم، فإن ضجيجكم غير نافعكم , ولا دافع عنكم شيئا مما قد نزل بكم من سخط الله. إنكم منا لا تنصرون يقول: إنكم من عذابنا الذي قد حل بكم لا تستنقذون،
78
القول في تأويل قوله تعالى: قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش: لا تضجوا اليوم وقد نزل بكم سخط الله وعذابه، بما كسبت أيديكم واستوجبتموه بكفركم بآيات ربكم. قد كانت آياتي
79
وقوله: مستكبرين به يقول: مستكبرين بحرم الله، يقولون: لا يظهر علينا فيه أحد، لأنا أهل الحرم وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل
80
وقوله: سامرا يقول: تسمرون بالليل. ووحد قوله: سامرا وهو بمعنى السمار، لأنه وضع موضع الوقت. ومعنى الكلام: وتهجرون ليلا، فوضع السامر موضع الليل، فوحد لذلك. وقد كان بعض البصريين يقول: وحد ومعناه الجمع، كما قيل: طفل في موضع أطفال. ومما يبين عن
81
وقوله: تهجرون اختلفت القراء في قراءته، فقرأته عامة قراء الأمصار: تهجرون بفتح التاء وضم الجيم. ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون عنى أنه وصفهم بالإعراض عن القرآن أو البيت، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضه. والآخر: أن
83
القول في تأويل قوله تعالى: أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون يقول تعالى ذكره: أفلم يتدبر هؤلاء المشركون تنزيل الله وكلامه، فيعلموا ما فيه من العبر
86
وقوله: أم لم يعرفوا رسولهم يقول تعالى ذكره: أم لم يعرف هؤلاء المكذبون محمدا، وأنه من أهل الصدق والأمانة؟ ، فهم له منكرون يقول: فينكروا قوله، أو لم يعرفوه بالصدق، ويحتجوا بأنهم لا يعرفونه. يقول جل ثناؤه: فكيف يكذبونه وهم يعرفونه فيهم بالصدق
87
وقوله: وأكثرهم للحق كارهون يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء الكفرة أنهم لم يعرفوا محمدا بالصدق , ولا أن محمدا عندهم مجنون، بل قد علموه صادقا محقا فيما يقول وفيما يدعوهم إليه، ولكن أكثرهم للإذعان للحق كارهون , ولاتباع محمد ساخطون، حسدا منهم له , وبغيا عليه
88
القول في تأويل قوله تعالى: ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون يقول تعالى ذكره: ولو عمل الرب تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون , وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم , وترك الحق الذي هم له كارهون،
88
وقوله: بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون اختلف أهل التأويل في تأويل الذكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو بيان الحق لهم بما أنزل على رجل منهم من هذا القرآن
89
القول في تأويل قوله تعالى: أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم يقول تعالى ذكره: أم تسأل هؤلاء المشركين يا محمد من قومك خراجا، يعني أجرا على ما جئتهم به من عند الله من النصيحة والحق؛ فخراج ربك خير فأجر ربك على
90
وقوله: وهو خير الرازقين يقول: والله خير من أعطى عوضا على عمل ورزق رزقا
91
وقوله: وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم يقول تعالى ذكره: وإنك يا محمد لتدعو هؤلاء المشركين من قومك إلى دين الإسلام، وهو الطريق القاصد والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه
91
القول في تأويل قوله تعالى: وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون يقول تعالى ذكره: الذين لا يصدقون بالبعث بعد الممات، وقيام الساعة، ومجازاة الله عباده في الدار الآخرة؛ عن الصراط لناكبون
91
وقوله: ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر يقول تعالى: ولو رحمنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب وضر الجوع والهزال؛ للجوا في طغيانهم يعني في عتوهم وجرأتهم على ربهم. يعمهون يعني: يترددون
92
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون يقول تعالى ذكره: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا، وسخطنا , وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف فما استكانوا لربهم يقول: فما
92
القول في تأويل قوله تعالى: حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: حتى إذا فتحنا عليهم باب القتال؛ فقتلوا يوم بدر
94
وقوله: إذا هم فيه مبلسون
95
يقول: إذا هؤلاء المشركون فيما فتحنا عليهم من العذاب حزانى نادمون على ما سلف منهم في تكذيبهم بآيات الله، في حين لا ينفعهم الندم والحزن
95
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون يقول تعالى ذكره: والله الذي أحدث لكم أيها المكذبون بالبعث بعد الممات، السمع الذي تسمعون به، والأبصار التي تبصرون بها، والأفئدة التي تفقهون بها، فكيف يتعذر على من
96
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون يقول تعالى ذكره: والله الذي خلقكم في الأرض وإليه تحشرون من بعد مماتكم، ثم تبعثون من قبوركم إلى موقف الحساب
96
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون يقول تعالى ذكره: والله الذي يحيي خلقه؛ يقول: يجعلهم أحياء بعد أن كانوا نطفا أمواتا، بنفخ الروح فيها بعد التارات التي تأتي عليها. ويميت يقول: ويميتهم بعد أن أحياهم
96
وقوله: أفلا تعقلون يقول: أفلا تعقلون أيها الناس أن الذي فعل هذه الأفعال ابتداء من غير أصل لا يمتنع عليه إحياء الأموات بعد فنائهم , وإنشاء ما شاء إعدامه بعد إنشائه
96
القول في تأويل قوله تعالى: بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون يقول تعالى ذكره: ما اعتبر هؤلاء المشركون بآيات الله ولا تدبروا ما احتج عليهم من الحجج والدلالة على قدرته على فعل كل ما يشاء؛ ولكن قالوا مثل ما قال
97
القول في تأويل قوله تعالى: لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين يقول تعالى ذكره: قالوا: لقد وعدنا هذا الوعد الذي تعدنا يا محمد، ووعد آباءنا من قبلنا قوم ذكروا أنهم لله رسل من قبلك، فلم نره حقيقة أن هذا يقول: ما هذا الذي تعدنا
97
القول في تأويل قوله تعالى: قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بالآخرة من قومك: لمن ملك الأرض ومن فيها من الخلق إن كنتم تعلمون من مالكها؟ ثم أعلمه
97
القول في تأويل قوله تعالى: قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد: من رب السماوات السبع، ورب العرش المحيط بذلك؟ سيقولون: ذلك كله لله، وهو ربه. فقل لهم: أفلا
98
القول في تأويل قوله تعالى: قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: من بيده خزائن كل شيء؟
99
وقوله: وهو يجير من أراد ممن قصده بسوء
100
ولا يجار عليه يقول: ولا أحد يمتنع ممن أراده هو بسوء فيدفع عنه عذابه وعقابه إن كنتم تعلمون من ذلك صفته، فإنهم يقولون: إن ملكوت كل شيء , والقدرة على الأشياء كلها لله. فقل لهم يا محمد: فأنى تسحرون يقول: فمن أي وجه تصرفون عن التصديق بآيات الله ,
100
القول في تأويل قوله تعالى: بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون يقول: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون بالله من أن
101
وقوله: ما اتخذ الله من ولد يقول تعالى ذكره: ما لله من ولد، ولا كان معه في القديم , ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته، ولو كان معه في القديم , أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته من إله إذا لذهب يقول: إذا لاعتزل كل إله منهم بما خلق من شيء، فانفرد
101
وقوله: سبحان الله عما يصفون يقول تعالى ذكره: تنزيها لله عما يصفه به هؤلاء المشركون من أن له ولدا، وعما قالوه من أن له شريكا، أو أن معه في القدم إلها يعبد، تبارك وتعالى
102
وقوله: عالم الغيب والشهادة يقول تعالى ذكره: هو عالم ما غاب عن خلقه من الأشياء، فلم يروه ولم يشاهدوه، وما رأوه وشاهدوه. إنما هذا من الله خبر عن هؤلاء الذين قالوا من المشركين: اتخذ الله ولدا , وعبدوا من دونه آلهة، أنهم فيما يقولون ويفعلون مبطلون
102
وقوله: فتعالى عما يشركون يقول تعالى ذكره: فارتفع الله وعلا عن شرك هؤلاء المشركين، ووصفهم إياه بما يصفون
103
القول في تأويل قوله تعالى: قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: رب إن تريني في هؤلاء المشركين ما تعدهم من عذابك فلا تهلكني بما تهلكهم به
103
وقوله وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون يقول تعالى ذكره: وإنا يا محمد على أن نريك في هؤلاء المشركين ما نعدهم من تعجيل العذاب لهم، لقادرون، فلا يحزننك تكذيبهم إياك بما نعدهم به، وإنما نؤخر ذلك ليبلغ الكتاب أجله
104
القول في تأويل قوله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون يقول تعالى ذكره لنبيه: ادفع يا محمد بالخلة التي هي أحسن، وذلك الإغضاء والصفح عن جهلة المشركين , والصبر على أذاهم، وذلك أمره
104
وقوله: نحن أعلم بما يصفون يقول تعالى ذكره: نحن أعلم بما يصفون الله به، وينحلونه من الأكاذيب , والفرية عليه، وبما يقولون فيك من السوء، ونحن مجازوهم على جميع ذلك، فلا يحزنك ما تسمع منهم من قبيح القول
105
وقوله: وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد: رب أستجير بك من خنق الشياطين وهمزاتها، والهمز: هو الغمز، ومن ذلك قيل للهمز في الكلام: همزة، والهمزات جمع همزة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
105
وقوله: وأعوذ بك رب أن يحضرون يقول: وقل أستجير بك رب أن يحضرون في أموري
106
القول في تأويل قوله تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون يقول تعالى ذكره: حتى إذا جاء أحد هؤلاء المشركين الموت، وعاين نزول أمر الله به قال لعظيم ما يعاين مما يقدم
106
وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ليس الأمر على ما قال هذا المشرك؛ لن يرجع إلى الدنيا ولن يعاد إليها
108
إنها كلمة هو قائلها يقول: هذه الكلمة، وهو قوله: رب ارجعون كلمة هو قائلها؛ يقول: هذا المشرك هو قائلها
108
القول في تأويل قوله تعالى: فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: فإذا نفخ في الصور من النفختين أيتهما عني بها؟ فقال بعضهم: عني بها النفخة الأولى
111
القول في تأويل قوله تعالى: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون يقول تعالى ذكره: فمن ثقلت موازينه موازين حسناته , وخفت موازين سيئاته فأولئك هم المفلحون يعني:
114
القول في تأويل قوله تعالى: ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين يقول تعالى ذكره: يقال لهم: ألم تكن آياتي تتلى عليكم يعني آيات القرآن تتلى عليكم في الدنيا، فكنتم بها تكذبون. وترك ذكر " يقال " لدلالة
116
وقوله: وكنا قوما ضالين يقول: كنا قوما ضللنا عن سبيل الرشاد , وقصد الحق
121
القول في تأويل قوله تعالى: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذين خفت موازين صالح أعمالهم يوم القيامة في جهنم: ربنا أخرجنا من النار، فإن عدنا لما تكره منا من عمل فإنا ظالمون
121
وقوله: قال اخسئوا فيها يقول تعالى ذكره: قال الرب لهم جل ثناؤه مجيبا: اخسئوا فيها أي اقعدوا في النار. يقال منه: خسأت فلانا أخسؤه خسأ وخسوءا، وخسئ هو يخسأ , وما كان خاسئا , ولقد خسئ. ولا تكلمون فعند ذلك أيس المساكين من الفرج , ولقد كانوا طامعين فيه
122
القول في تأويل قوله تعالى: إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين يقول تعالى ذكره: إنه وهذه الهاء في قوله " إنه " هي الهاء التي يسميها أهل العربية المجهولة. وقد بينت معناها فيما مضى قبل، ومعنى دخولها في الكلام،
125
القول في تأويل قوله تعالى: فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون يقول تعالى ذكره: فاتخذتم أيها القائلون لربهم ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين في الدنيا، القائلين فيها ربنا آمنا فاغفر لنا
126
وقوله: حتى أنسوكم ذكري يقول: لم يزل استهزاؤكم بهم، أنساكم ذلك من فعلكم بهم ذكري، فألهاكم عنه. وكنتم منهم تضحكون
128
وقوله: إني جزيتهم اليوم بما صبروا يقول تعالى ذكره: إني أيها المشركون بالله المخلدون في النار، جزيت الذين اتخذتموهم في الدنيا سخريا من أهل الإيمان بي، وكنتم منهم تضحكون اليوم بما صبروا على ما كانوا يلقون بينكم من أذى سخريتكم وضحككم منهم في الدنيا.
128
القول في تأويل قوله تعالى: قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين اختلفت القراء في قراءة قوله: كم لبثتم في الأرض عدد سنين وفي قوله: لبثنا يوما أو بعض يوم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة على وجه
129
القول في تأويل قوله تعالى: قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون اختلفت القراء في قراءة قوله: قال إن لبثتم إلا قليلا اختلافهم في قراءة قوله: قال كم لبثتم. والقول عندنا في ذلك في هذا الموضع نحو
132
وقوله: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا يقول تعالى ذكره: أفحسبتم أيها الأشقياء أنا إنما خلقناكم إذ خلقناكم لعبا وباطلا، وأنكم إلى ربكم بعد مماتكم لا تصيرون أحياء , فتجزون بما كنتم في الدنيا تعملون؟ وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قراء المدينة
132
القول في تأويل قوله تعالى: فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم يقول تعالى ذكره: فتعالى الله الملك الحق عما يصفه به هؤلاء المشركون من أن له شريكا، وعما يضيفون إليه من اتخاذ البنات. لا إله إلا هو يقول: لا معبود تنبغي له العبودة إلا
133
القول في تأويل قوله تعالى: ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون يقول تعالى ذكره: ومن يدع مع المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له معبودا آخر، لا حجة له بما يقول ويعمل من ذلك ولا بينة
134
وقوله: فإنما حسابه عند ربه يقول: فإنما حساب عمله السيئ عند ربه، وهو موفيه جزاءه إذا قدم عليه. إنه لا يفلح الكافرون يقول: إنه لا ينجح أهل الكفر بالله عنده , ولا يدركون الخلود والبقاء في النعيم
134
القول في تأويل قوله تعالى: وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد: رب استر علي ذنوبي بعفوك عنها , وارحمني بقبول توبتك , وتركك عقابي على ما اجترمت. وأنت خير الراحمين يقول: وقل: أنت يا رب خير من
135
سورة النور
136
القول في تأويل قوله تعالى: سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: سورة أنزلناها وهذه السورة أنزلناها. وإنما قلنا معنى ذلك كذلك، لأن العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذا لم تكن جوابا،
136
وأما قوله: وفرضناها فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأه بعض قراء الحجاز والبصرة: " وفرضناها " ويتأولونه: وفصلناها , ونزلنا فيها فرائض مختلفة. وكذلك كان مجاهد يقرؤه ويتأوله
136
وقوله: وأنزلنا فيها آيات بينات يقول تعالى ذكره: وأنزلنا في هذه السورة علامات , ودلالات على الحق بينات، يعني: واضحات لمن تأملها , وفكر فيها بعقل أنها من عند الله، فإنها الحق المبين، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم
138
القول في تأويل قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين يقول تعالى ذكره: من زنى من الرجال , أو زنت من النساء، وهو حر بكر غير محصن
139
وقوله: إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر يقول: إن كنتم تصدقون بالله ربكم وباليوم الآخر، وأنكم فيه مبعوثون لحشر القيامة , وللثواب والعقاب، فإن من كان بذلك مصدقا فإنه لا يخالف الله في أمره ونهيه خوف عقابه على معاصيه
144
وقوله: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين يقول تعالى ذكره: وليحضر جلد الزانيين البكرين وحدهما إذا أقيم عليهما طائفة من المؤمنين. والعرب تسمي الواحد فما زاد: طائفة. من المؤمنين يقول: من أهل الإيمان بالله ورسوله. وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ عدد
145
القول في تأويل قوله تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في بعض من استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كن معروفات
149
وقوله: وحرم ذلك على المؤمنين يقول: وحرم الزنا على المؤمنين بالله ورسوله، وذلك هو النكاح الذي قال جل ثناؤه: الزاني لا ينكح إلا زانية
161
القول في تأويل قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون يقول تعالى ذكره: والذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين، فيرمونهن بالزنا، ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك
161
القول في تأويل قوله تعالى: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا اختلف أهل التأويل في الذي استثني منه قوله: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فقال بعضهم: استثني من قوله: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون وقالوا: إذا تاب القاذف قبلت شهادته ,
162
وأما قوله: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا فقد وصل بالأبد , ولا يجوز قبولها أبدا
168
القول في تأويل قوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين يقول تعالى ذكره: والذين يرمون من الرجال أزواجهم بالفاحشة، فيقذفونهن بالزنا، ولم
176
القول في تأويل قوله تعالى: ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين يعني جل ذكره بقوله: ويدرأ عنها العذاب ويدفع عنها الحد واختلف أهل العلم في العذاب الذي عناه الله في هذا الموضع أنه
187
وقوله: أن تشهد أربع شهادات بالله يقول: ويدفع عنها العذاب أن تحلف بالله أربع أيمان: أن زوجها الذي رماها بما رماها به من الفاحشة، لمن الكاذبين فيما رماها من الزنا. وقوله: والخامسة أن غضب الله عليها الآية، يقول: والشهادة الخامسة: أن غضب الله عليها
188
القول في تأويل قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم يقول تعالى ذكره: ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم، وأنه عواد على خلقه بلطفه وطوله، حكيم في تدبيره إياهم , وسياسته لهم؛ لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم , وفضح أهل الذنوب
188
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم يقول تعالى ذكره: إن الذين جاءوا بالكذب والبهتان عصبة منكم يقول: جماعة منكم أيها الناس. لا
189
وقوله: لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم يقول: لكل امرئ من الذين جاءوا بالإفك جزاء ما اجترم من الإثم، بمجيئه بما جاء به، من الأولى: عبد الله. وقوله: والذي تولى كبره منهم يقول: والذي تحمل معظم ذلك الإثم والإفك منهم هو الذي بدأ بالخوض فيه
191
القول في تأويل قوله تعالى: لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين وهذا عتاب من الله تعالى ذكره أهل الإيمان به فيما وقع في أنفسهم من إرجاف من أرجف في أمر عائشة بما أرجف به. يقول لهم تعالى ذكره: هلا أيها الناس إذ سمعتم ما
211
وقوله: وقالوا هذا إفك مبين يقول: وقال المؤمنون والمؤمنات: هذا الذي سمعناه من القوم الذي رمي به عائشة من الفاحشة: كذب وإثم، يبين لمن عقل وفكر فيه أنه كذب , وإثم , وبهتان
213
القول في تأويل قوله تعالى: لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون يقول تعالى ذكره: هلا جاء هؤلاء العصبة الذين جاءوا بالإفك، ورموا عائشة بالبهتان، بأربعة شهداء يشهدون على مقالتهم فيها , وما رموها به فإذا لم
214
القول في تأويل قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم يقول تعالى ذكره: ولولا فضل الله عليكم أيها الخائضون في أمر عائشة، المشيعون فيها الكذب والإثم، بتركه تعجيل عقوبتكم ورحمته إياكم، لعفوه عنكم في
214
القول في تأويل قوله تعالى: إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم يقول تعالى ذكره: لمسكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم، حين تلقونه بألسنتكم. وإذ من صلة قوله لمسكم. ويعني بقوله: تلقونه تتلقون
215
قوله: وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم يقول تعالى ذكره: وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تروونه، فتقولون: سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا، ولا تعلمون حقيقة ذلك , ولا صحته. وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم , وتلقيكموه بعضكم عن
218
القول في تأويل قوله تعالى: ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يقول تعالى ذكره: فلولا أيها الخائضون في الإفك الذي جاءت به عصبة منكم، إذ سمعتموه ممن جاء به، قلتم ما يحل لنا أن نتكلم بهذا، وما ينبغي لنا أن نتفوه به
218
القول في تأويل قوله تعالى: يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم يقول تعالى ذكره: يذكركم الله , وينهاكم بآي كتابه، لئلا تعودوا لمثل فعلكم الذي فعلتموه في أمر عائشة من تلقيكم الإفك الذي روي عليها بألسنتكم
218
وقوله: ويبين الله لكم الآيات ويفصل الله لكم حججه عليكم بأمره ونهيه، ليتبين المطيع له منكم من العاصي، والله عليم بكم , وبأفعالكم، لا يخفى عليه شيء، وهو مجاز المحسن منكم بإحسانه , والمسيء بإساءته، حكيم في تدبير خلقه , وتكليفه ما كلفهم من الأعمال ,
219
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون يقول تعالى ذكره: إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدقوا بالله ورسوله , ويظهر ذلك فيهم، لهم عذاب أليم يقول: لهم
219
وقوله: والله يعلم وأنتم لا تعلمون يقول تعالى ذكره: والله يعلم كذب الذين جاءوا بالإفك من صدقهم، وأنتم أيها الناس لا تعلمون ذلك؛ لأنكم لا تعلمون الغيب، وإنما يعلم ذلك علام الغيوب. يقول: فلا ترووا ما لا علم لكم به من الإفك على أهل الإيمان بالله، ولا
220
القول في تأويل قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم يقول تعالى ذكره: ولولا أن تفضل الله عليكم أيها الناس ورحمكم، وأن الله ذو رأفة، ذو رحمة بخلقه، لهلكتم فيما أفضتم فيه , وعاجلتكم من الله العقوبة. وترك ذكر الجواب لمعرفة السامع
220
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا تسلكوا سبيل الشيطان وطرقه , ولا تقتفوا آثاره، بإشاعتكم الفاحشة
221
القول في تأويل قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم يقول تعالى ذكره: ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته لكم، ما تطهر منكم من أحد أبدا من دنس ذنوبه وشركه، ولكن الله يطهر من يشاء من
221
وقوله: والله سميع عليم يقول: والله سميع لما تقولون بأفواهكم , وتلقونه بألسنتكم وغير ذلك من كلامكم، عليم بذلك كله , وبغيره من أموركم، محيط به , محصيه عليكم، ليجازيكم بكل ذلك
222
القول في تأويل قوله تعالى: ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: ولا يحلف بالله ذوو الفضل منكم، يعني ذوي التفضل والسعة؛ يقول
222
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يقول تعالى ذكره: إن الذين يرمون بالفاحشة المحصنات يعني العفيفات الغافلات عن الفواحش المؤمنات بالله ورسوله، وما جاء به من عند الله لعنوا في
226
القول في تأويل قوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم ف اليوم الذي في قوله: يوم تشهد عليهم من صلة قوله: ولهم عذاب عظيم. وعني بقوله: يوم تشهد عليهم ألسنتهم يوم
230
القول في تأويل قوله تعالى: يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين يقول تعالى ذكره: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يوفيهم الله حسابهم وجزاءهم الحق على أعمالهم. والدين في هذا الموضع: الحساب والجزاء
231
وقوله: ويعلمون أن الله هو الحق المبين يقول: ويعلمون يومئذ أن الله هو الحق الذي يبين لهم حقائق ما كان يعدهم في الدنيا من العذاب، ويزول حينئذ الشك فيه عن أهل النفاق الذين كانوا فيما كان يعدهم في الدنيا يمترون
232
القول في تأويل قوله تعالى: الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معناه الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال
232
وقوله: والطيبات للطيبين يقول: الطيبات من القول للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول. نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان. ويقال: الخبيثات للخبيثين: الأعمال الخبيثة تكون للخبيثين، والطيبات من
233
وقوله: أولئك مبرءون يقول: الطيبون من الناس مبرءون من خبيثات القول، إن قالوها فإن الله يصفح لهم عنها , ويغفرها لهم، وإن قيلت فيهم ضرت قائلها ولم تضرهم، كما لو قال الطيب من القول الخبيث من الناس لم ينفعه الله به , لأن الله لا يتقبله، ولو قيلت له
238
وقوله: لهم مغفرة يقول: لهؤلاء الطيبين من الناس مغفرة من الله لذنوبهم، والخبيث من القول إن كان منهم ورزق كريم يقول: ولهم أيضا مع المغفرة عطية من الله كريمة، وذلك الجنة، وما أعد لهم فيها من الكرامة
239
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: تأويله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا
239
وقوله: ذلكم خير لكم يقول: استئناسكم وتسليمكم على أهل البيت الذي تريدون دخوله، فإن دخولكموه خير لكم؛ لأنكم لا تدرون أنكم إذا دخلتموه بغير إذن، على ماذا تهجمون؟ على ما يسوءكم أو يسركم؟ وأنتم إذا دخلتم بإذن، لم تدخلوا على ما تكرهون، وأديتم بذلك
246
وقوله: لعلكم تذكرون يقول: لتتذكروا بفعلكم ذلك أو الله عليكم، واللازم لكم من طاعته، فتطيعوه
246
القول في تأويل قوله تعالى: فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم يقول تعالى ذكره: فإن لم تجدوا في البيوت التي تستأذنون فيها أحدا يأذن لكم بالدخول إليها، فلا تدخلوها، لأنها ليست
246
وقوله: والله بما تعملون عليم يقول جل ثناؤه: والله بما تعملون من رجوعكم بعد استئذانكم في بيوت غيركم إذا قيل لكم ارجعوا , وترك رجوعكم عنها , وطاعتكم الله فيما أمركم ونهاكم في ذلك وغيره , من أمره ونهيه، ذو علم محيط بذلك كله، محص جميعه عليكم، حتى
248
القول في تأويل قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون يقول تعالى ذكره: ليس عليكم أيها الناس إثم وحرج أن تدخلوا بيوتا لا ساكن بها بغير استئذان. ثم اختلفوا في ذلك: أي البيوت عنى؟ فقال بعضهم:
248
وقوله: والله يعلم ما تبدون يقول تعالى ذكره: والله يعلم ما تظهرون أيها الناس بألسنتكم من الاستئذان إذا استأذنتم على أهل البيوت المسكونة، وما تكتمون يقول: وما تضمرونه في صدوركم عند فعلكم ذلك ما الذي تقصدون به: إطاعة الله والانتهاء إلى أمره، أم غير
254
القول في تأويل قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للمؤمنين بالله وبك يا محمد يغضوا من أبصارهم يقول: يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه مما
254
ذلك أزكى لهم يقول: فإن غضها من النظر عما لا يحل النظر إليه , وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين، أطهر لهم عند الله وأفضل إن الله خبير بما يصنعون يقول: إن الله ذو خبرة بما تصنعون أيها الناس فيما أمركم به من غض أبصاركم عما أمركم بالغض عنه , وحفظ
255
القول في تأويل قوله تعالى: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني
255
وقوله: ولا يبدين زينتهن يقول تعالى ذكره: ولا يظهرن للناس الذين ليسوا لهن بمحرم زينتهن، وهما زينتان: إحداهما: ما خفي، وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد والأخرى: ما ظهر منها، وذلك مختلف في المعنى منه بهذه الآية، فكان بعضهم يقول: زينة
256
وقوله: وليضربن بخمرهن على جيوبهن يقول تعالى ذكره: وليلقين خمرهن، وهي جمع خمار، على جيوبهن، ليسترن بذلك شعورهن , وأعناقهن وقرطهن
262
وقوله: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن يقول تعالى ذكره: ولا يبدين زينتهن التي هي غير ظاهرة بل الخفية منها، وذلك الخلخال والقرط والدملج، وما أمرت بتغطيته بخمارها من فوق الجيب، وما وراء ما أبيح لها كشفه , وإبرازه في الصلاة وللأجنبيين من الناس،
263
وقوله: أو ما ملكت أيمانهن اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: أو مماليكهن، فإنه لا بأس عليها أن تظهر لهم من زينتها ما تظهره لهؤلاء
265
القول في تأويل قوله تعالى: أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون يقول تعالى ذكره: والذين يتبعونكم لطعام يأكلونه عندكم،
266
وقوله: أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء يقول تعالى ذكره: أو الطفل الذين لم يكشفوا عن عورات النساء بجماعهن فيظهروا عليهن لصغرهن وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
271
وقوله: ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن يقول تعالى ذكره: ولا يجعلن في أرجلهن من الحلي ما إذا مشين أو حركنهن علم الناس الذين مشين بينهم ما يخفين من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
272
وقوله: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون يقول تعالى ذكره: وارجعوا أيها المؤمنون إلى طاعة الله فيما أمركم ونهاكم، من غض البصر , وحفظ الفرج , وترك دخول بيوت غير بيوتكم من غير استئذان ولا تسليم، وغير ذلك من أمره ونهيه لعلكم تفلحون يقول: لتفلحوا
273
القول في تأويل قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم يقول تعالى ذكره: وزوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم، ومن أهل الصلاح من عبيدكم ومماليككم. والأيامى:
274
وقوله: والله واسع عليم يقول جل ثناؤه: والله واسع الفضل , جواد بعطاياه، فزوجوا إماءكم، فإن الله واسع يوسع عليهم من فضله إن كانوا فقراء. عليم يقول: هو ذو علم بالفقير منهم والغني، لا يخفى عليه حال خلقه في شيء وتدبيرهم
275
القول في تأويل قوله تعالى: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم يقول تعالى ذكره: وليستعفف الذين لا يجدون ما ينكحون به النساء عن إتيان ما
275
وقوله: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم يقول جل ثناؤه: والذين يلتمسون المكاتبة منكم من مماليككم، فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا. واختلف أهل العلم في وجه مكاتبة الرجل عبده الذي قد علم فيه خيرا، وهل قوله: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا على وجه الفرض ,
276
وقوله: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم يقول تعالى ذكره: وأعطوهم من مال الله الذي أعطاكم. ثم اختلف أهل التأويل في المأمور بإعطائه من مال الله الذي أعطاه من هو؟ وفي المال: أي الأموال هو؟ فقال: بعضهم: الذي أمر الله بإعطاء المكاتب من مال الله هو مولى
282
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم يقول تعالى ذكره: زوجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم , ولا تكرهوا إماءكم على البغاء، وهو الزنا؛ إن أردن تحصنا
289
غفور رحيم قال: للمكرهات على الزنا، وفيها نزلت هذه الآية
292
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين يقول تعالى ذكره: ولقد أنزلنا إليكم أيها الناس دلالات وعلامات مبينات؛ يقول: مفصلات الحق من الباطل، وموضحات ذلك. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته
294
وقوله: ومثلا من الذين خلوا من قبلكم من الأمم، وموعظة لمن اتقى الله، فخاف عقابه , وخشي عذابه
295
القول في تأويل قوله تعالى: الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال
295
وقوله: كمشكاة اختلف أهل التأويل في معنى المشكاة , والمصباح , وما المراد بذلك، وبالزجاجة، فقال بعضهم: المشكاة كل كوة لا منفذ لها، وقالوا: هذا مثل ضربه الله لقلب محمد صلى الله عليه وسلم
301
قوله: يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية قال: هي شجرة لا يفيء عليهما ظل شرق , ولا ظل غرب، ضاحية، ذلك أصفى للزيت. يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. قال معمر: وقال الحسن: ليست من شجر الدنيا، ليست شرقية ولا غربية. وقال آخرون: هو مثل
304
وقوله: يكاد زيتها يضيء يقول تعالى ذكره: يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء من صفائه , وحسن ضيائه. ولو لم تمسسه نار يقول: فكيف إذا مسته النار؟ . وإنما أريد بقوله: يوقد من شجرة مباركة أن هذا القرآن من عند الله , وأنه كلامه، جعل مثله , ومثل كونه من عنده مثل
313
وقوله: يهدي الله لنوره من يشاء يقول تعالى ذكره: يوفق الله لاتباع نوره، وهو هذا القرآن، من يشاء من عباده وقوله يهدي الله لنوره من يشاء يقول تعالى ذكره: يوفق الله لاتباع نوره وهو هذا القرآن من يشاء من عباده
314
وقوله: ويضرب الله الأمثال للناس يقول: ويمثل الله الأمثال والأشباه للناس , كما مثل لهم مثل هذا القرآن في قلب المؤمن بالمصباح في المشكاة , وسائر ما في هذه الآية من الأمثال
315
والله بكل شيء عليم يقول: والله يضرب الأمثال وغيرها من الأشياء كلها، ذو علم
315
القول في تأويل قوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله
315
وقوله: ويذكر فيها اسمه يقول: وأذن لعباده أن يذكروا اسمه فيها وقد قيل: عني به أنه أذن لهم بتلاوة القرآن فيها
319
وقوله: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله اختلفت القراء في قراءة قوله: يسبح له فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار: يسبح له بضم الياء , وكسر الباء، بمعنى يصلي له فيها رجال، وبجعل يسبح فعلا ل (الرجال) وخبرا عنهم، وترفع به
319
وقوله: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله يقول تعالى ذكره: لا يشغل هؤلاء الرجال الذين يصلون في هذه المساجد التي أذن الله أن ترفع عن ذكر الله فيها وإقام الصلاة، تجارة ولا بيع
321
قوله: وإقام الصلاة يقول: ولا يشغلهم ذلك أيضا عن إقام الصلاة بحدودها في أوقاتها. وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل
323
وقوله: وإيتاء الزكاة قيل: معناه: وإخلاص الطاعة لله
324
وقوله: يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار يقول: يخافون يوما تتقلب فيه القلوب من هوله، بين طمع بالنجاة وحذر بالهلاك. والأبصار أي ناحية يؤخذ بهم: أذات اليمين؟ أم ذات الشمال؟ ومن أين يؤتون كتبهم: أمن قبل الأيمان , أو من قبل الشمائل؟ وذلك يوم
325
وقوله: ليجزيهم الله أحسن ما عملوا يقول: فعلوا ذلك، يعني: أنهم لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وأقاموا الصلاة , وآتوا الزكاة , وأطاعوا ربهم، مخافة عذابه يوم القيامة؛ كي يثيبهم الله يوم القيامة بأحسن أعمالهم التي عملوها في الدنيا، ويزيدهم على
325
وقوله: والله يرزق من يشاء بغير حساب يقول تعالى ذكره: يتفضل على من شاء وأراد من طوله وكرامته، مما لم يستحقه بعمله , ولم يبلغه بطاعته؛ بغير حساب يقول: بغير محاسبة على ما بذل له , وأعطاه
325
القول في تأويل قوله تعالى: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب وهذا مثل ضربه الله لأعمال أهل الكفر به، فقال: والذين جحدوا توحيد ربهم وكذبوا بهذا القرآن وبمن جاء به،
325
وقوله: بقيعة وهي جمع قاع، كالجيرة جمع جار، والقاع ما انبسط من الأرض واتسع، وفيه يكون السراب
326
وقوله: يحسبه الظمآن ماء يقول: يظن العطشان من الناس السراب ماء حتى إذا جاءه والهاء من ذكر السراب، والمعنى: حتى إذا جاء الظمآن السراب ملتمسا ماء يستغيث به من عطشه لم يجده شيئا يقول: لم يجد السراب شيئا، فكذلك الكافرون بالله من أعمالهم التي عملوها في
326
والله سريع الحساب يقول: والله سريع حسابه؛ لأنه تعالى ذكره لا يحتاج إلى عقد أصابع , ولا حفظ بقلب، ولكنه عالم بذلك كله قبل أن يعمله العبد , ومن بعد ما عمله
329
القول في تأويل قوله تعالى: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وهذا مثل آخر ضربه الله لأعمال الكفار، يقول تعالى ذكره: ومثل أعمال هؤلاء الكفار في
329
وقوله: إذا أخرج يده لم يكد يراها يقول: إذا أخرج الناظر يده في هذه الظلمات، لم يكد يراها. فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: لم يكد يراها، مع شدة هذه الظلمة التي وصف، وقد علمت أن قول القائل: لم أكد أرى فلانا، إنما هو إثبات منه لنفسه رؤيته بعد جهد وشدة
331
القول في تأويل قوله تعالى: ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ولله ملك السموات والأرض وإلى الله المصير يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك فتعلم
333
وقوله: والله عليم بما يفعلون يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بما يفعل كل مصل ومسبح منهم، لا يخفى عليه شيء من أفعالهم، طاعتها ومعصيتها، محيط بذلك كله، وهو مجازيهم على ذلك كله
334
وقوله: ولله ملك السموات والأرض يقول جل ثناؤه: ولله سلطان السماوات والأرض وملكها، دون كل من هو دونه من سلطان وملك، فإياه فارهبوا أيها الناس، وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإن بيده خزائن السماوات والأرض، لا يخشى بعطاياكم منها فقرا. وإلى الله المصير
335
القول في تأويل قوله تعالى: ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي
335
وقوله: فترى الودق يخرج من خلاله يقول: فترى المطر يخرج من بين السحاب، وهو الودق قال الشاعر: فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها والهاء في قوله: من خلاله من ذكر السحاب، والخلال: جمع خلل. وذكر عن ابن عباس وجماعة أنهم كانوا يقرءون ذلك: " من
336
وقوله: وينزل من السماء من جبال فيها من برد قيل في ذلك قولان: أحدهما: أن معناه: وأن الله ينزل من السماء من جبال في السماء من برد، مخلوقة هنالك خلقه. كأن الجبال على هذا القول، هي من برد، كما يقال: جبال من طين. والقول الآخر: أن الله ينزل من
337
وقوله: فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يقول: فيعذب بذلك الذي ينزل من السماء من جبال فيها من برد من يشاء فيهلكه، أو يهلك به زروعه وماله. ويصرفه عن من يشاء من خلقه، يعني عن زروعهم وأموالهم
338
وقوله: يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقول: يكاد شدة ضوء برق هذا السحاب يذهب بأبصار من لاقى بصره. والسنا: مقصور، وهو ضوء البرق
338
وقوله: يقلب الله الليل والنهار يقول: يعقب الله بين الليل والنهار ويصرفهما، إذا أذهب هذا , جاء هذا، وإذا أذهب هذا , جاء هذا. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار يقول: إن في إنشاء الله السحاب , وإنزاله منه الودق , ومن السماء البرد , وفي تقليبه الليل
339
القول في تأويل قوله تعالى: والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير اختلفت القراء في قراءة قوله: والله خلق كل دابة من ماء فقرأته عامة قراء الكوفة غير عاصم:
339
وقوله: خلق كل دابة من ماء يعني: من نطفة فمنهم من يمشي على بطنه كالحيات وما أشبهها. وقيل: إنما قيل: فمنهم من يمشي على بطنه والمشي لا يكون على البطن؛ لأن المشي إنما يكون لما له قوائم، على التشبيه، وأنه لما خالط ما له قوائم ما لا قوائم له، جاز،
340
القول في تأويل قوله تعالى: لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم يقول تعالى ذكره: لقد أنزلنا أيها الناس علامات واضحات، دالات على طريق الحق، وسبيل الرشاد. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم: يقول: والله يرشد من يشاء من خلقه
340
القول في تأويل قوله تعالى: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون يقول تعالى ذكره: ويقول المنافقون: صدقنا بالله وبالرسول وأطعنا الله وأطعنا الرسول
341
وقوله: وإذا دعوا إلى الله ورسوله يقول: وإذا دعي هؤلاء المنافقون إلى كتاب الله وإلى رسوله ليحكم بينهم فيما اختصموا فيه بحكم الله، إذا فريق منهم معرضون عن قبول الحق والرضا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
341
القول في تأويل قوله تعالى: وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون يقول تعالى ذكره: وإن يكن الحق لهؤلاء الذين يدعون إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، فيأبون ويعرضون عن الإجابة
341
وقوله: أفي قلوبهم مرض يقول تعالى ذكره: أفي قلوب هؤلاء الذين يعرضون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، شك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لله رسول , فهم يمتنعون من الإجابة إلى حكمه والرضا به؟ . أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله إذا احتكموا
342
وقوله: أن يحيف الله عليهم ورسوله والمعنى: أن يحيف رسول الله عليهم، فبدأ بالله تعالى ذكره تعظيما لله، كما يقال: ما شاء الله ثم شئت، بمعنى شئت. ومما يدل على أن معنى ذلك كذلك قوله: وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم فأفرد الرسول بالحكم، ولم يقل
342
وقوله: بل أولئك هم الظالمون يقول: ما خاف هؤلاء المعرضون عن حكم الله وحكم رسوله، إذ أعرضوا عن الإجابة إلى ذلك، مما دعوا إليه، أن يحيف عليهم رسول الله، فيجور في حكمه عليهم؛ ولكنهم قوم أهل ظلم لأنفسهم بخلافهم أمر ربهم , ومعصيتهم الله فيما أمرهم من
342
القول في تأويل قوله تعالى: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون يقول تعالى ذكره: إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دعوا إلى حكم الله وإلى حكم رسوله، ليحكم بينهم وبين خصومهم، أن
343
القول في تأويل قوله تعالى: ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون يقول تعالى ذكره: ومن يطع الله ورسوله فيما أمره ونهاه، ويسلم لحكمهما له وعليه، ويخف عاقبة معصية الله , ويحذره، ويتق عذاب الله بطاعته إياه في أمره ونهيه؛ فأولئك يقول:
343
القول في تأويل قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون يقول تعالى ذكره: وحلف هؤلاء المعرضون عن حكم الله وحكم رسوله إذ دعوا إليه بالله جهد أيمانهم يقول: أغلظ أيمانهم وأشدها: لئن أمرتهم
344
إن الله خبير بما تعملون يقول: إن الله ذو خبرة بما تعملون من طاعتكم الله ورسوله، أو خلافكم أمرهما أو غير ذلك من أموركم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو مجازيكم بكل ذلك
344
القول في تأويل قوله تعالى: قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين يقول تعالى ذكره قل يا محمد , لهؤلاء المقسمين بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن , وغيرهم من أمتك
344
وقوله: وإن تطيعوه تهتدوا يقول تعالى ذكره: وإن تطيعوا أيها الناس رسول الله فيما يأمركم وينهاكم، ترشدوا وتصيبوا الحق في أموركم. وما على الرسول إلا البلاغ المبين يقول: وغير واجب على من أرسله الله إلى قوم برسالة إلا أن يبلغهم رسالته بلاغا يبين لهم ذلك
345
القول في تأويل قوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون يقول تعالى ذكره
345
وقوله: يعبدونني يقول: يخضعون لي بالطاعة , ويتذللون لأمري ونهيي
347
لا يشركون بي شيئا يقول: لا يشركون في عبادتهم إياي الأوثان والأصنام ولا شيئا غيرها، بل يخلصون لي العبادة فيفردونها إلي دون كل ما عبد من شيء غيري. وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل شكاية بعض أصحابه إليه في بعض الأوقات التي
347
القول في تأويل قوله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير يقول تعالى ذكره: وأقيموا أيها الناس الصلاة بحدودها , فلا تضيعوها. وآتوا الزكاة التي فرضها الله عليكم
350
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض
351
وقوله: ثلاث عورات لكم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: (ثلاث عورات لكم) برفع (الثلاث) ، بمعنى الخبر عن هذه الأوقات التي ذكرت. كأنه عندهم قيل: هذه الأوقات الثلاثة التي أمرناكم بأن لا يدخل عليكم فيها من ذكرنا إلا بإذن
355
وقوله: طوافون عليكم رفع (الطوافون) بمضمر، وذلك (هم) . يقول لهؤلاء المماليك والصبيان الصغار: هم طوافون عليكم أيها الناس، ويعني بالطوافين: أنهم يدخلون ويخرجون على مواليهم وأقربائهم في منازلهم غدوة وعشية بغير إذن، يطوفون عليهم , بعضكم على بعض في
357
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم يقول تعالى ذكره: إذا بلغ الصغار من أولادكم وأقربائكم ويعني بقوله: منكم من أحراركم الحلم يعني الاحتلام , واحتلموا.
357
وقوله: كما استأذن الذين من قبلهم يقول: كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقربائه الأحرار. وخص الله تعالى ذكره في هذه الآية الأطفال بالذكر وتعريف حكمهم عباده في الاستئذان دون ذكر ما ملكت أيماننا، وقد تقدمت الآية التي قبلها بتعريفهم حكم الأطفال الأحرار
358
كذلك يبين الله لكم آياته يقول: هكذا يبين الله لكم آياته، أحكامه وشرائع دينه، كما بين لكم أمر هؤلاء الأطفال في الاستئذان بعد البلوغ. والله عليم حكيم يقول: والله عليم بما يصلح خلقه وغير ذلك من الأشياء، حكيم في تدبيره خلقه
359
القول في تأويل قوله تعالى: والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم يقول تعالى ذكره: واللواتي قد قعدن عن الولد من الكبر من النساء، فلا يحضن ولا يلدن؛ واحدتهن قاعد.
359
وقوله: غير متبرجات بزينة يقول: ليس عليهن جناح في وضع أرديتهن إذا لم يردن بوضع ذلك عنهن أن يبدين ما عليهن من الزينة للرجال. والتبرج: هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تستره
364
وقوله: وأن يستعففن خير لهن يقول: وإن تعففن عن وضع جلابيبهن وأرديتهن، فيلبسنها، خير لهن من أن يضعنها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
364
والله سميع ما تنطقون بألسنتكم. عليم بما تضمره صدوركم، فاتقوه أن تنطقوا بألسنتكم ما قد نهاكم عن أن تنطقوا بها، أو تضمروا في صدوركم ما قد كرهه لكم، فتستوجبوا بذلك منه عقوبة
365
القول في تأويل قوله تعالى: ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما
365
وقوله: فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معناه: فإذا دخلتم أيها الناس بيوت أنفسكم، فسلموا على أهليكم وعيالكم
378
وقوله: تحية من عند الله ونصب تحية، بمعنى: تحيون أنفسكم تحية من عند الله السلام تحية، فكأنه قال: فليحي بعضكم بعضا تحية من عند الله وقد كان بعض أهل العربية يقول: إنما نصبت بمعنى: أمركم بها تفعلونها تحية منه، ووصف جل ثناؤه هذه التحية المباركة الطيبة
384
وقوله: كذلك يبين الله لكم الآيات يقول تعالى ذكره: هكذا يفصل الله لكم معالم دينكم فيبينها لكم، كما فصل لكم في هذه الآية ما أحل لكم فيها، وعرفكم سبيل الدخول على من تدخلون عليه. لعلكم تعقلون يقول: لكي تفقهوا عن الله أمره ونهيه وأدبه
384
القول في تأويل قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم يقول
384
وقوله: إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله يقول تعالى ذكره: إن الذين لا ينصرفون يا محمد إذا كانوا معك في أمر جامع، عنك إلا بإذنك لهم، طاعة منهم لله ولك , وتصديقا بما أتيتهم به من عندي؛ أولئك الذين يصدقون الله ورسوله حقا، لا من خالف
387
وقوله: فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم يقول تعالى ذكره: فإذا استأذنك يا محمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك في هذه المواطن لبعض شأنهم يعني لبعض حاجاتهم التي تعرض لهم فأذن لمن شئت منهم في الانصراف عنك لقضائها. واستغفر لهم يقول: وادع الله لهم
387
القول في تأويل قوله تعالى: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم يقول تعالى ذكره لأصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا أيها المؤمنون
388
وقوله: قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المنصرفون عن نبيكم بغير إذنه، تسترا وخفية منه، وإن خفي أمر من يفعل ذلك منكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله يعلم ذلك , ولا يخفى عليه، فليتق من يفعل ذلك منكم الذين
390
فليحذر الذين يخالفون عن أمره الذين يصنعون هذا، أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. الفتنة هاهنا: الكفر، واللواذ: مصدر لاوذت بفلان ملاوذة ولواذا، ولذلك ظهرت الواو، ولو كان مصدرا للذت لقيل: لياذا، كما يقال: قمت قياما، وإذا قيل: قاومتك، قيل:
391
وقوله: أو يصيبهم عذاب أليم يقول: أو يصيبهم في عاجل الدنيا عذاب من الله موجع، على صنيعهم ذلك , وخلافهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
391
وقوله: فليحذر الذين يخالفون عن أمره وأدخلت (عن) لأن معنى الكلام: فليحذر الذين يلوذون عن أمره ويدبرون عنه معرضين
392
القول في تأويل قوله تعالى: ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم يقول تعالى ذكره: ألا إن لله ملك جميع السموات والأرض يقول: فلا ينبغي لمملوك أن يخالف أمر مالكه فيعصيه، فيستوجب بذلك
392
ويوم يرجعون إليه يقول: ويوم يرجع إلى الله الذين يخالفون عن أمره. فينبئهم يقول: فيخبرهم حينئذ، بما عملوا في الدنيا، ثم يجازيهم على ما أسلفوا فيها، من خلافهم على ربهم. والله بكل شيء عليم يقول: والله ذو علم بكل شيء عملتموه أنتم وهم وغيركم وغير ذلك
392
سورة الفرقان
394
القول في تأويل قوله تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا قال أبو جعفر: تبارك: تفاعل من البركة
394
القول في تأويل قوله تعالى: الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا يقول تعالى ذكره: تبارك الذي نزل الفرقان الذي له ملك السموات والأرض ف " الذي " من نعت " الذي " الأولى، وهما جميعا في موضع رفع، الأولى
395
وقوله: وخلق كل شيء يقول تعالى ذكره: وخلق الذي نزل على محمد الفرقان كل شيء، فالأشياء كلها خلقه وملكه، وعلى المماليك طاعة مالكهم , وخدمة سيدهم دون غيره. يقول: وأنا خالقكم , ومالككم، فأخلصوا لي العبادة دون غيري
396
وقوله: فقدره تقديرا يقول: فسوى كل ما خلق وهيأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت
396
القول في تأويل قوله تعالى: واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون , ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا , ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا يقول تعالى ذكره مقرعا مشركي العرب بعبادتهما ما دونه من الآلهة، ومعجبا أولي النهى منهم، ومنبههم على موضع
396
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الكافرون بالله الذين اتخذوا من دونه آلهة: ما هذا القرآن الذي جاءنا به محمد إلا إفك يعني: إلا كذب وبهتان، افتراه
397
وقوله: فقد جاءوا ظلما وزورا يقول تعالى ذكره: فقد أتى قائلو هذه المقالة، يعني الذين قالوا: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ظلما، يعني بالظلم: نسبتهم كلام الله , وتنزيله إلى أنه إفك افتراه محمد صلى الله عليه وسلم. وقد بينا فيما مضى أن
398
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما ذكر أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث، وأنه المعني بقوله: وقالوا أساطير الأولين
399
وقوله: قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بآيات الله من مشركي قومك: ما الأمر كما تقولون من أن هذا القرآن أساطير الأولين , وأن محمدا صلى الله عليه وسلم افتراه وأعانه عليه قوم آخرون، بل هو الحق، أنزله
401
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ذكر أن هاتين الآيتين نزلتا على رسول الله صلى الله عليه
402
وقوله: وقال الظالمون يقول: وقال المشركون للمؤمنين بالله ورسوله: إن تتبعون أيها القوم، باتباعكم محمدا إلا رجلا به سحر
404
القول في تأويل قوله تعالى: انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر يا محمد إلى هؤلاء المشركين الذين شبهوا لك
404
وقوله: تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار يقول تعالى ذكره: تقدس الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك واختلف أهل التأويل في المعني ب ذلك التي في قوله: جعل لك خيرا من ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: خيرا مما قال هؤلاء المشركون لك يا
405
وقوله: ويجعل لك قصورا يعني بالقصور: البيوت المبنية وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل
407
القول في تأويل قوله تعالى: بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا يقول تعالى ذكره: ما كذب هؤلاء المشركون بالله , وأنكروا ما جئتهم به يا محمد من الحق، من أجل أنك تأكل الطعام , وتمشي في الأسواق،
408
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا يقول تعالى ذكره: وإذا ألقي هؤلاء المكذبون بالساعة من النار مكانا ضيقا، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال؛ دعوا هنالك ثبورا
410
القول في تأويل قوله تعالى: قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بالساعة: أهذه النار التي وصف لكم ربكم صفتها وصفة أهلها خير، أم
413
وقوله: كانت لهم جزاء ومصيرا يقول: كانت جنة الخلد للمتقين جزاء أعمالهم لله في الدنيا بطاعته , وثواب تقواهم إياه , ومصيرا لهم، يقول: ومصيرا للمتقين , يصيرون إليها في الآخرة. وقوله: لهم فيها ما يشاءون يقول: لهؤلاء المتقين في جنة الخلد التي وعدهموها
413
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل يقول تعالى ذكره: ويوم نحشر هؤلاء المكذبين بالساعة العابدين الأوثان , وما يعبدون من دون الله من الملائكة والإنس والجن
414
وقوله: فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء يقول: فيقول الله للذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون الله: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء؟ يقول: أنتم أزلتموهم عن طريق الهدى , ودعوتموهم إلى الغي والضلالة حتى تاهوا وهلكوا، أم هم ضلوا السبيل؟ يقول: أم عبادي هم
415
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا يقول تعالى ذكره: قالت الملائكة الذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون الله وعيسى: تنزيها لك يا ربنا , وتبرئة مما
416
القول في تأويل قوله تعالى: فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا يقول تعالى ذكره مخبرا عما هو قائل للمشركين عند تبري من كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله منهم: قد كذبوكم أيها الكافرون من زعمتم أنهم أضلوكم , ودعوكم إلى عبادتهم بما تقولون
419
القول في تأويل قوله تعالى: ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: ومن يظلم منكم أيها المؤمنون يعني بقوله: ومن يظلم ومن يشرك بالله فيظلم نفسه فذلك نذقه عذابا كبيرا، كالذي ذكرنا أن نذيقه الذين كذبوا بالساعة وبنحو الذي قلنا في ذلك
422
القول في تأويل قوله تعالى: وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا وهذا احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه على مشركي قومه الذين قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق
423
وقوله: وكان ربك بصيرا يقول: وربك يا محمد بصير بمن يجزع ومن يصبر على ما امتحن به من المحن
425
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يقول تعالى ذكره: وقال المشركون الذين لا يخافون لقاءنا، ولا يخشون عقابنا هلا أنزل الله علينا ملائكة، فتخبرنا أن محمدا
426
القول في تأويل قوله تعالى: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين، ويقولون حجرا محجورا يقول تعالى ذكره: يوم يرى هؤلاء الذين قالوا: لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا بتصديق محمد الملائكة، فلا بشرى لهم يومئذ بخير يقولون حجرا محجورا يعني أن
427
القول في تأويل قوله تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا. أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا يقول تعالى ذكره: وقدمنا وعمدنا إلى ما عمل هؤلاء المجرمون من عمل، ومنه قول الراجز: وقدم الخوارج الضلال إلى عباد ربهم وقالوا إن دماءكم
430
وقوله: فجعلناه هباء منثورا يقول: فجعلناه باطلا، لأنهم لم يعملوه لله , وإنما عملوه للشيطان. والهباء: هو الذي يرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشمس من كوة , يحسبه الناظر غبارا، ليس بشيء، تقبض عليه الأيدي ولا تمسه، ولا يرى ذلك في الظل، واختلف أهل
431
وقوله جل ثناؤه: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا يقول تعالى ذكره: أهل الجنة يوم القيامة خير مستقرا، وهو الموضع الذي يستقرون فيه من منازلهم في الجنة من مستقر هؤلاء المشركين الذين يفتخرون بأموالهم وما أوتوا من عرض هذه الدنيا في الدنيا، وأحسن
433
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن، وكان يوما على الكافرين عسيرا اختلف القراء في قراءة قوله تشقق فقرأته عامة قراء الحجاز: (ويوم تشقق) ، بتشديد الشين بمعنى: تتشقق، فأدغموا إحدى التاءين
436
وقوله: ونزل الملائكة تنزيلا يقول: ونزل الملائكة إلى الأرض تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن يقول: الملك الحق يومئذ خالص للرحمن دون كل من سواه، وبطلت الممالك يومئذ سوى ملكه. وقد كان في الدنيا ملوك فبطل الملك يومئذ سوى ملك الجبار. وكان يوما على الكافرين
439
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا يقول تعالى ذكره: ويوم يعض الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندما وأسفا
439
وقوله لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني يقول جل ثناؤه مخبرا عن هذا النادم على ما سلف منه في الدنيا من معصية ربه في طاعة خليله: لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن، وهو الذكر، بعد إذ جاءني من عند الله، فصدني عنه
442
يقول الله: وكان الشيطان للإنسان خذولا يقول: مسلما لما ينزل به من البلاء غير منقذه ولا منجيه
442
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا. وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين، وكفى بربك هاديا ونصيرا يقول تعالى ذكره: وقال الرسول يوم يعض الظالم على يديه: يا رب إن قومي الذين بعثتني إليهم لأدعوهم إلى توحيدك
442
وقوله: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك، كذلك جعلنا لكل من نبأناه من قبلك عدوا من مشركي قومه، فلم تخصص بذلك من بينهم. يقول: فاصبر لما نالك منهم كما صبر من
444
وقوله: وكفى بربك هاديا ونصيرا يقول تعالى ذكره لنبيه: وكفاك يا محمد بربك هاديا يهديك إلى الحق، ويبصرك الرشد، ونصيرا: يقول: ناصرا لك على أعدائك، يقول: فلا يهولنك أعداؤك من المشركين، فإني ناصرك عليهم، فاصبر لأمري، وامض لتبليغ رسالتي إليهم
445
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة، كذلك لنثبت به فؤادك، ورتلناه ترتيلا يقول تعالى ذكره: وقال الذين كفروا بالله لولا نزل عليه القرآن يقول: هلا نزل على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن جملة واحدة كما أنزلت
445
وقوله ورتلناه ترتيلا يقول: وشيئا بعد شيء علمناكه حتى تحفظنه، والترتيل في القراءة: الترسل والتثبت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
446
القول في تأويل قوله تعالى: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا. الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم، أولئك شر مكانا وأضل سبيلا يقول تعالى ذكره: ولا يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون بمثل يضربونه إلا جئناك من الحق بما نبطل به ما جاءوا به، وأحسن منه
447
وقوله: الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا يقول تعالى ذكره لنبيه: هؤلاء المشركون يا محمد القائلون لك: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ومن كان على مثل الذي هم عليه من الكفر بالله، الذين يحشرون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم فيساقون إلى
448
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يتوعد مشركي قومه على كفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله ويخوفهم من حلول نقمته
450
القول في تأويل قوله تعالى: وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما يقول تعالى ذكره: وقوم نوح لما كذبوا رسلنا، وردوا عليهم ما جاءوهم به من الحق، أغرقناهم بالطوفان. وجعلناهم للناس آية يقول: وجعلنا تغريقنا
451
القول في تأويل قوله تعالى: وعادا، وثمود، وأصحاب الرس، وقرونا بين ذلك كثيرا. وكلا ضربنا له الأمثال، وكلا تبرنا تتبيرا يقول تعالى ذكره: ودمرنا أيضا عادا وثمود وأصحاب الرس، واختلف أهل التأويل في أصحاب الرس، فقال بعضهم: أصحاب الرس من ثمود
451
وقرونا بين ذلك كثيرا يقول: ودمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سميناها لكم أمما كثيرة
455
وقوله وكلا ضربنا له الأمثال يقول تعالى ذكره: وكل هذه الأمم التي أهلكناها التي سميناها لكم أو لم نسمها ضربنا لها الأمثال، يقول: مثلنا لها الأمثال ونبهناها على حججنا عليها، وأعذرنا إليها بالعبر والمواعظ، فلم نهلك أمة إلا بعد الإبلاغ إليهم في المعذرة.
455
وقوله: وكلا تبرنا تتبيرا يقول تعالى ذكره: وكل هؤلاء الذين ذكرنا لكم أمرهم استأصلناهم، فدمرناهم بالعذاب إبادة، وأهلكناهم جميعا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
456
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء، أفلم يكونوا يرونها، بل كانوا لا يرجون نشورا يقول تعالى ذكره: ولقد أتى هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجورا على القرية التي أمطرها الله مطر السوء وهي سدوم قرية قوم لوط. ومطر السوء هو
457
وقوله: أفلم يكونوا يرونها يقول جل ثناؤه. أولم يكن هؤلاء المشركون الذين قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء يرون تلك القرية وما نزل بها من عذاب الله بتكذيب أهلها رسلهم فيعتبروا ويتذكروا، فيراجعوا التوبة من كفرهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم
457
بل كانوا لا يرجون نشورا يقول تعالى ذكره: ما كذبوا محمدا فيما جاءهم به من عند الله، لأنهم لم يكونوا رأوا ما حل بالقرية التي وصفت، ولكنهم كذبوه من أجل أنهم قوم لا يخافون نشورا بعد الممات، يعني أنهم لا يوقنون بالعقاب والثواب، ولا يؤمنون بقيام الساعة
458
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رآك هؤلاء المشركون الذين قصصت عليك قصصهم إن يتخذونك إلا هزوا يقول: ما يتخذونك إلا سخرية يسخرون منك، يقولون: أهذا
458
القول في تأويل قوله تعالى: إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها، وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء المشركين الذين كانوا يهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم يقولون إذا رأوه: قد كاد هذا يضلنا عن
458
القول في تأويل قوله تعالى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا يعني تعالى ذكره: أرأيت يا محمد من اتخذ إلهه شهوته التي يهواها؛ وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر،
459
القول في تأويل قوله تعالى: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا، ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا يقول تعالى ذكره: ألم تر يا محمد كيف مد ربك الظل وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
460
قوله: ولو شاء لجعله ساكنا يقول: ولو شاء لجعله دائما لا يزول، ممدودا لا تذهبه الشمس، ولا تنقصه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
462
وقوله: ثم جعلنا الشمس عليه دليلا يقول جل ثناؤه: ثم دللناكم أيها الناس بنسخ الشمس إياه عند طلوعها عليه أنه خلق من خلق ربكم، يوجده إذا شاء، ويفنيه إذا أراد؛ والهاء في قوله عليه من ذكر الظل. ومعناه: ثم جعلنا الشمس على الظل دليلا. قيل: معنى دلالتها
462
وقوله: ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا يقول تعالى ذكره: ثم قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظل إلينا قبضا خفيا سريعا بالفيء الذي نأتي به بالعشي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
464
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا يقول تعالى ذكره: الذي مد الظل ثم جعل الشمس عليه دليلا هو الذي جعل لكم أيها الناس الليل لباسا. وإنما قال جل ثناؤه: جعل لكم الليل لباسا لأنه جعله لخلقه جنة يجتنون
465
وقوله والنوم سباتا يقول: وجعل لكم النوم راحة تستريح به أبدانكم، وتهدأ به جوارحكم
466
وقوله وجعل النهار نشورا يقول تعالى ذكره: وجعل النهار يقظة وحياة، من قولهم: نشر الميت، كما قال الأعشى: حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر ومنه قول الله: لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا
466
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، وأنزلنا من السماء ماء طهورا. لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا يقول تعالى ذكره: والله الذي أرسل الرياح الملقحة بشرا حياة أو من الحيا والغيث الذي هو منزله على
467
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد صرفناه بينهم ليذكروا، فأبى أكثر الناس إلا كفورا يقول تعالى ذكره: ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنزلناه من السماء طهورا لنحيي به الميت من الأرض بين عبادي ليتذكروا نعمي عليهم، ويشكروا أيادي عندهم وإحساني إليهم، فأبى أكثر
468
القول في تأويل قوله تعالى: ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا. فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا يقول تعالى ذكره: ولو شئنا يا محمد لأرسلنا في كل مصر ومدينة نذيرا ينذرهم بأسنا على كفرهم بنا، فيخف عنك كثير من أعباء ما حملناك منه، ويسقط عنك بذلك
470
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات، وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا يقول تعالى ذكره: والله الذي خلط البحرين، فأمرج أحدهما في الآخر، وأفاضه فيه. وأصل المرج الخلط، ثم يقال للتخلية: مرج، لأن الرجل إذا خلى
471
وقوله هذا عذب فرات الفرات: شديد العذوبة، يقال: هذا ماء فرات: أي شديد العذوبة
472
وقوله وهذا ملح أجاج يقول: وهذا ملح مر. يعني بالعذب الفرات: مياه الأنهار والأمطار، وبالملح الأجاج: مياه البحار وإنما عنى بذلك أنه من نعمته على خلقه، وعظيم سلطانه، يخلط ماء البحر العذب بماء البحر الملح الأجاج، ثم يمنع الملح من تغيير العذب عن عذوبته
473
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا يقول تعالى ذكره: والله الذي خلق من النطف بشرا إنسانا فجعله نسبا، وذلك سبعة، وصهرا، وهو خمسة
476
وقوله: وكان ربك قديرا يقول: وربك يا محمد ذو قدرة على خلق ما يشاء من الخلق، وتصريفهم فيما شاء وأراد
476
القول في تأويل قوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم، وكان الكافر على ربه ظهيرا يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهة لا تنفعهم فتجلب إليهم نفعا إذا هم عبدوها، ولا تضرهم إن تركوا عبادتها، ويتركون عبادة من أنعم
476
وكان الكافر على ربه ظهيرا يقول تعالى ذكره: وكان الكافر معينا للشيطان على ربه، مظاهرا له على معصيته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
477
القول في تأويل قوله تعالى: وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك يا محمد إلى من أرسلناك إليه إلا مبشرا بالثواب الجزيل من آمن بك وصدقك، وآمن
479
قل ما أسألكم عليه من أجر يقول له: قل لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم، ما أسألكم يا قوم على ما جئتكم به من عند ربي أجرا، فتقولون: إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه، فلا نتبعه فيه، ولا نعطيه من أموالنا شيئا
479
إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا يقول: لكن من شاء منكم اتخذ إلى ربه سبيلا، طريقا بإنفاقه من ماله في سبيله، وفيما يقربه إليه من الصدقة والنفقة في جهاد عدوه، وغير ذلك من سبل الخير
479
القول في تأويل قوله تعالى: وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده، وكفى به بذنوب عباده خبيرا يقول تعالى ذكره: وتوكل يا محمد على الذي له الحياة الدائمة التي لا موت معها. فثق به في أمر ربك، وفوض إليه، واستسلم له، واصبر على ما نابك فيه
479
قوله: وسبح بحمده يقول: واعبده شكرا منك له على ما أنعم به عليك
480
قوله: وكفى به بذنوب عباده خبيرا يقول: وحسبك بالحي الذي لا يموت خابرا بذنوب خلقه، فإنه لا يخفى عليه شيء منها، وهو محص جميعها عليهم حتى يجازيهم بها يوم القيامة
480
القول في تأويل قوله تعالى: الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، الرحمن فاسأل به خبيرا يقول تعالى ذكره: وتوكل على الحي الذي لا يموت , الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام فقال: وما بينهما وقد ذكر السموات والأرض
480
وقوله: في ستة أيام قيل: كان ابتداء ذلك يوم الأحد، والفراغ يوم الجمعة. ثم استوى على العرش الرحمن وعلا عليه، وذلك يوم السبت فيما قيل
480
وقوله: فاسأل به خبيرا يقول: فاسأل يا محمد خبيرا بالرحمن، خبيرا بخلقه، فإنه خالق كل شيء، ولا يخفى عليه ما خلق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
481
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن، أنسجد لما تأمرنا، وزادهم نفورا يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم: اسجدوا للرحمن أي اجعلوا سجودكم لله خالصا دون الآلهة والأوثان ,
481
وقوله: وزادهم نفورا يقول: وزاد هؤلاء المشركين قول القائل لهم اسجدوا للرحمن من إخلاص السجود لله , وإفراد الله بالعبادة بعدا مما دعوا إليه من ذلك فرارا
482
القول في تأويل قوله تعالى: تبارك الذي جعل في السماء بروجا، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا يقول تعالى ذكره: تقدس الرب الذي جعل في السماء بروجا؛ ويعني بالبروج: القصور في قول بعضهم
482
قوله: وجعل فيها سراجا اختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: وجعل فيها سراجا على التوحيد , ووجهوا تأويل ذلك إلى أنه جعل فيها الشمس , وهي السراج التي عني عندهم بقوله: وجعل فيها سراجا
484
وقوله: وقمرا منيرا يعني بالمنير: المضيء
485
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: جعل الليل والنهار خلفة فقال بعضهم: معناه: أن الله جعل كل واحد منهما خلفا من الآخر , في أن ما فات أحدهما من عمل يعمل فيه لله
485
وقوله لمن أراد أن يذكر يقول تعالى ذكره: جعل الليل والنهار , وخلوف كل واحد منهما الآخر حجة وآية لمن أراد أن يذكر أمر الله , فينيب إلى الحق أو أراد شكورا أو أراد شكر نعمة الله التي أنعمها عليه في اختلاف الليل والنهار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
488
القول في تأويل قوله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما يقول تعالى ذكره: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا بالحلم والسكينة والوقار غير مستكبرين , ولا متجبرين , ولا ساعين فيها بالفساد ومعاصي الله.
489
وقوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما يقول: وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول أجابوهم بالمعروف من القول , والسداد من الخطاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
493
القول في تأويل قوله تعالى: والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما. والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم، إن عذابها كان غراما. إنها ساءت مستقرا ومقاما يقول تعالى ذكره: والذين يبيتون لربهم يصلون لله , يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام. وقوله: وقياما جمع
494
وقوله: إن عذابها كان غراما يقول: إن عذاب جهنم كان غراما ملحا دائما لازما غير مفارق من عذب به من الكفار , ومهلكا له. ومنه قولهم: رجل مغرم , من الغرم والدين. ومنه قيل للغريم غريم لطلبه حقه وإلحاحه على صاحبه فيه. ومنه قيل للرجل المولع للنساء: إنه
495
وقوله إنها ساءت مستقرا ومقاما يقول: إن جهنم ساءت مستقرا ومقاما , يعني بالمستقر: القرار , وبالمقام: الإقامة؛ كأن معنى الكلام: ساءت جهنم منزلا ومقاما. وإذا ضمت الميم من المقام فهو من الإقامة , وإذا فتحت فهو من: قمت , ويقال: المقام إذا فتحت الميم
496
القول في تأويل قوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواما يقول تعالى ذكره: والذين إذا أنفقوا أموالهم لم يسرفوا في إنفاقها. ثم اختلف أهل التأويل في النفقة التي عناها الله في هذا الموضع , وما الإسراف فيها والإقتار. فقال
497
وأما قوله: وكان بين ذلك قواما فإنه النفقة بالعدل والمعروف , على ما قد بينا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
502
القول في تأويل قوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاما , يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. إلا من تاب، وآمن، وعمل عملا صالحا، فأولئك يبدل الله سيئاتهم
505
قوله: يضاعف له العذاب يوم القيامة اختلفت القراء في قراءته , فقرأته عامة قراء الأمصار سوى عاصم يضاعف جزما ويخلد جزما. وقرأه عاصم: (يضعف) رفعا، (ويخلد) رفعا كلاهما على الابتداء , وأن الكلام عنده قد تناهى عند: يلق أثاما ثم ابتدأ قوله: (يضاعف له
515
وقوله: ويخلد فيه مهانا ويبقى فيه إلى ما لا نهاية في هوان
516
وقوله: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا يقول تعالى ذكره: ومن يفعل هذه الأفعال التي ذكرها جل ثناؤه يلق أثاما إلا من تاب يقول: إلا من راجع طاعة الله تبارك وتعالى بتركه ذلك , وإنابته إلى ما يرضاه الله وآمن يقول: وصدق بما جاء به محمد نبي الله وعمل عملا
516
قوله: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم: معناه: فأولئك يبدل الله بقبائح أعمالهم في الشرك , محاسن الأعمال في الإسلام , فيبدله بالشرك إيمانا , وبقيل أهل الشرك بالله قيل أهل الإيمان به , وبالزنا عفة وإحصانا
516
وقوله: وكان الله غفورا رحيما يقول تعالى ذكره: وكان الله ذا عفو عن ذنوب من تاب من عباده وراجع طاعته , وذا رحمة به أن يعاقبه على ذنوبه بعد توبته منها
521
قوله: ومن تاب يقول: ومن تاب من المشركين , فآمن بالله ورسوله وعمل صالحا يقول: وعمل بما أمره الله فأطاعه , فإن الله فاعل به من إبداله سيئ أعماله في الشرك , بحسنها في الإسلام , مثل الذي فعل من ذلك بمن تاب وآمن وعمل صالحا قبل نزول هذه الآية من أصحاب رسول
521
القول في تأويل قوله تعالى: والذين لا يشهدون الزور، وإذا مروا باللغو مروا كراما اختلف أهل التأويل في معنى الزور الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنهم لا يشهدونه , فقال بعضهم: معناه الشرك بالله
521
وقوله: وإذا مروا باللغو مروا كراما اختلف أهل التأويل في معنى اللغو الذي ذكر في هذا الموضع , فقال بعضهم: معناه: ما كان المشركون يقولونه للمؤمنين , ويكلمونهم به من الأذى. ومرورهم به كراما إعراضهم عنهم وصفحهم
523
القول في تأويل قوله تعالى: والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا يقول تعالى ذكره: والذين إذا ذكرهم مذكر بحجج الله , لم يكونوا صما لا يسمعون , وعميا لا يبصرونها. ولكنهم يقاظ القلوب , فهماء العقول , يفهمون عن الله ما يذكرهم به , ويفهمون
527
القول في تأويل قوله تعالى: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما يقول تعالى ذكره: والذين يرغبون إلى الله في دعائهم ومسألتهم بأن يقولوا: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ما تقر به أعيننا من أن تريناهم يعملون
529
وقوله: واجعلنا للمتقين إماما اختلف أهل التأويل في تأويله , فقال بعضهم: معناه: اجعلنا أئمة يقتدي بنا من بعدنا
532
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، ويلقون فيها تحية وسلاما يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم من عبادي , وذلك من ابتداء قوله: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا. إلى قوله: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا. .
534
وقوله: ويلقون فيها تحية وسلاما اختلفت القراء في قراءته , فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: ويلقون مضمومة الياء , مشددة القاف , بمعنى: وتتلقاهم الملائكة فيها بالتحية. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: (ويلقون) ، بفتح الياء وتخفيف القاف. والصواب من
534
القول في تأويل قوله تعالى: خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما. قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم، فقد كذبتم فسوف يكون لزاما يقول تعالى ذكره: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا , خالدين في الغرفة , يعني أنهم ماكثون فيها , لابثون إلى غير أمد , حسنت تلك الغرفة قرارا
535
وقوله: قل ما يعبأ بكم ربي يقول جل ثناؤه لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلت إليهم: أي شيء يعدكم , وأي شيء يصنع بكم ربي؟ يقال منه: عبأت به أعبأ عبئا , وعبأت الطيب أعبؤه: إذا هيأته , كما قال الشاعر: كأن بنحره وبمنكبيه عبيرا بات يعبؤه عروس يقول:
535
وقوله: لولا دعاؤكم يقول: لولا عبادة من يعبده منكم , وطاعة من يطيعه منكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
536
وقوله فقد كذبتم يقول تعالى ذكره لمشركي قريش قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذبتم أيها القوم رسولكم الذي أرسل إليكم وخالفتم أمر ربكم الذي أمر بالتمسك به. لو تمسكتم به , كان يعبأ بكم ربي؛ فسوف يكون تكذيبكم رسول ربكم , وخلافكم أمر بارئكم عذابا لكم
537
سورة الشعراء
542
القول في تأويل قوله تعالى: طسم , تلك آيات الكتاب المبين , لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين قال أبو جعفر: وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيما في ابتداء فواتح سور القرآن من حروف الهجاء، وما انتزع به كل قائل منهم لقوله ومذهبه من العلة. وقد بينا الذي هو أولى
542
وقوله: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين يقول تعالى ذكره: لعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها إن لم يؤمن قومك بك، ويصدقوك على ما جئتهم به , والبخع: هو القتل والإهلاك في كلام العرب؛ ومنه قول ذي الرمة: ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر
543
القول في تأويل قوله تعالى: إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فظلت أعناقهم. الآية، فقال بعضهم: معناه: فظل القوم الذين أنزل عليهم من السماء آية خاضعة أعناقهم لها من الذلة
544
القول في تأويل قوله تعالى: وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين يقول تعالى ذكره: وما يجيء هؤلاء المشركين الذين يكذبونك ويجحدون ما أتيتهم به يا محمد من عند ربك من تذكير وتنبيه على مواضع حجج الله عليهم على صدقك وحقيقة ما تدعوهم إليه مما
549
القول في تأويل قوله تعالى: فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون يقول تعالى ذكره: فقد كذب يا محمد هؤلاء المشركون بالذكر الذي أتاهم من عند الله وأعرضوا عنه فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون يقول: فسيأتيهم أخبار الأمر الذي كانوا يسخرون، وذلك
549
القول في تأويل قوله تعالى: أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم يقول تعالى ذكره: أولم ير هؤلاء المشركون المكذبون بالبعث والنشر إلى الأرض، كم أنبتنا فيها بعد أن كانت ميتة لا نبات فيها من كل زوج كريم يعني بالكريم: الحسن، كما يقال للنخلة
549
القول في تأويل قوله تعالى: إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين , وإن ربك لهو العزيز الرحيم يقول تعالى ذكره: إن في إنباتنا في الأرض من كل زوج كريم لآية. يقول: لدلالة لهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث على حقيقته، وأن القدرة التي بها أنبت الله في الأرض
550
وقوله: وما كان أكثرهم مؤمنين يقول: وما كان أكثر هؤلاء المكذبين بالبعث الجاحدين نبوتك يا محمد بمصدقيك على ما تأتيهم به من عند الله من الذكر. يقول جل ثناؤه: وقد سبق في علمي أنهم لا يؤمنون، فلا يؤمن بك أكثرهم للسابق من علمي فيهم
550
وقوله: وإن ربك لهو العزيز الرحيم يقول: وإن ربك يا محمد لهو العزيز في نقمته، لا يمتنع عليه أحد أراد الانتقام منه. يقول تعالى ذكره: وإني إن أحللت بهؤلاء المكذبين بك يا محمد المعرضين عما يأتيهم من ذكر من عندي عقوبتي بتكذيبهم إياك، فلن يمنعهم مني مانع
551
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين , قوم فرعون ألا يتقون يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد إذ نادى ربك موسى بن عمران أن ائت القوم الظالمين يعني الكافرين قوم فرعون، ونصب القوم الثاني ترجمة عن القوم الأول، وقوله ألا يتقون
551
القول في تأويل قوله تعالى: قال رب إني أخاف أن يكذبون , ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون , ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون يقول تعالى ذكره: قال موسى لربه: رب إني أخاف من قوم فرعون الذين أمرتني أن آتيهم أن يكذبون بقيلي لهم: إنك أرسلتني إليهم.
552
وقوله: ولا ينطلق لساني يقول: ولا ينطلق بالعبارة عما ترسلني به إليهم، للعلة التي كانت بلسانه. وقوله: ولا ينطلق لساني كلام معطوف به على يضيق
552
وقوله: فأرسل إلى هارون يعني هارون أخاه، ولم يقل: فأرسل إلي هارون ليؤازرني وليعينني، إذ كان مفهوما معنى الكلام، وذلك كقول القائل: لو نزلت بنا نازلة لفزعنا إليك، بمعنى: لفزعنا إليك لتعيننا.
553
وقوله: ولهم علي ذنب يقول: ولقوم فرعون علي دعوى ذنب أذنبت إليهم، وذلك قتله النفس التي قتلها منهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
553
وقوله: فأخاف أن يقتلون يقول: فأخاف أن يقتلوني قودا بالنفس التي قتلت منهم
553
القول في تأويل قوله تعالى قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل يقول تعالى ذكره كلا أي لن يقتلك قوم فرعون. فاذهبا بآياتنا يقول: فاذهب أنت وأخوك بآياتنا، يعني بأعلامنا وحججنا التي
554
وقوله: إنا معكم مستمعون من قوم فرعون ما يقولون لكم، ويجيبونكم به.
554
وقوله: فأتيا فرعون فقولا يقول: فأت أنت يا موسى وأخوك هارون فرعون. فقولا إنا رسول رب العالمين إليك ب أن أرسل معنا بني إسرائيل وقال رسول رب العالمين، وهو يخاطب اثنين بقوله فقولا لأنه أراد به المصدر من أرسلت، يقال: أرسلت رسالة ورسولا، كما قال الشاعر
554
القول في تأويل قوله تعالى: قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين , وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين وفي هذا الكلام محذوف استغنى بدلالة ما ظهر عليه منه، وهو: فأتيا فرعون فأبلغاه رسالة ربهما إليه، فقال فرعون: ألم نربك فينا يا موسى
554
وقوله: وأنت من الكافرين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنت من الكافرين بالله على ديننا
556
القول في تأويل قوله تعالى: قال فعلتها إذا وأنا من الضالين. ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين يقول تعالى ذكره: قال موسى لفرعون: فعلت تلك الفعلة التي فعلت، أي قتلت تلك النفس التي قتلت إذن وأنا من الضالين. يقول: وأنا من
557
وقوله ففررت منكم لما خفتكم الآية يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل موسى لفرعون: ففررت منكم معشر الملأ من قوم فرعون لما خفتكم أن تقتلوني بقتلي القتيل منكم. فوهب لي ربي حكما يقول: فوهب لي ربي نبوة وهي الحكم
559
وقوله: وجعلني من المرسلين يقول: وألحقني بعداد من أرسله إلى خلقه، مبلغا عنه رسالته إليهم بإرساله إياي إليك يا فرعون
559
القول في تأويل قوله تعالى: وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه موسى صلى الله عليه وسلم لفرعون وتلك نعمة تمنها علي يعني بقوله: وتلك تربية
559
وقول قال فرعون وما رب العالمين يقول: وأي شيء رب العالمين؟ قال موسى هو رب السموات والأرض ومالكهن وما بينهما يقول: ومالك ما بين السموات والأرض من شيء إن كنتم موقنين يقول: إن كنتم موقنين أن ما تعاينونه كما تعاينونه، فكذلك فأيقنوا أن ربنا هو رب السموات
562
القول في تأويل قوله تعالى: قال لمن حوله ألا تستمعون. قال ربكم ورب آبائكم الأولين. قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين يعني تعالى ذكره بقوله قال لمن حوله
563
القول في تأويل قوله تعالى: قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين يقول تعالى ذكره: قال موسى لفرعون لما عرفه ربه، وأنه رب المشرق والمغرب، ودعاه إلى عبادته وإخلاص الألوهة له،
564
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين يقول جل ثناؤه: فألقى موسى عصاه فتحولت ثعبانا، وهي الحية الذكر كما قد بينت فيما مضى قبل من صفته , وقوله مبين يقول: يبين لفرعون والملأ من قومه أنه ثعبان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
565
القول في تأويل قوله تعالى: قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون. قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك بكل سحار عليم يقول تعالى ذكره: قال فرعون لما أراه موسى من عظيم قدرة الله وسلطانه حجة عليه لموسى
566
وقوله: فماذا تأمرون يقول: فأي شيء تأمرون في أمر موسى وما به تشيرون من الرأي فيه؟ قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يقول تعالى ذكره: فأجاب فرعون الملأ حوله بأن قالوا له: أخر موسى وأخاه وأنظره، وابعث في بلادك وأمصار مصر حاشرين يحشرون إليك كل
567
القول في تأويل قوله تعالى: فجمع السحرة لميقات يوم معلوم. وقيل للناس هل أنتم مجتمعون. لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين يقول تعالى ذكره: فجمع الحاشرون الذين بعثهم فرعون بحشر السحرة لميقات يوم معلوم يقول: لوقت واعد فرعون لموسى الاجتماع معه فيه من
567
القول في تأويل قوله تعالى: فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين. قال نعم، وإنكم إذا لمن المقربين. قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون. فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون يقول تعالى ذكره: فلما جاء السحرة
568
القول في تأويل قوله تعالى: فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون. فألقي السحرة ساجدين. قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون. قال آمنتم له قبل أن آذن لكم، إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، فلسوف تعلمون يقول تعالى ذكره: فألقى موسى عصاه حين ألقت
569
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم يقول جل ثناؤه: قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا: آمنتم لموسى بأن ما جاء به حق قبل أن آذن لكم في الإيمان به إنه لكبيركم الذي علمكم السحر. يقول: إن موسى لرئيسكم في السحر، وهو الذي علمكموه، ولذلك آمنتم به فلسوف تعلمون عند
570
القول في تأويل قوله تعالى: لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين. قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون يقول لأقطعن أيديكم وأرجلكم مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل، وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، ثم اليد اليسرى والرجل
570
القول في تأويل قوله تعالى: إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين. وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي، إنكم متبعون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة: إنا نطمع: إنا نرجو أن يصفح لنا ربنا عن خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا به، فلا
571
أن كنا أول المؤمنين يقول: لأن كنا أول من آمن بموسى وصدقه بما جاء به من توحيد الله وتكذيب فرعون في ادعائه الربوبية في دهرنا هذا وزماننا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
571
وقوله: وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي يقول: وأوحينا إلى موسى إذ تمادى فرعون في غيه وأبى إلا الثبات على طغيانه بعد ما أريناه آياتنا، أن أسر بعبادي: يقول: أن سر ببني إسرائيل ليلا من أرض مصر. إنكم متبعون، إن فرعون وجنده متبعوك وقومك من بني إسرائيل
572
القول في تأويل قوله تعالى: فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون يقول تعالى ذكره: فأرسل فرعون في المدائن يحشر له جنده وقومه. ويقول لهم إن هؤلاء يعني بهؤلاء: بني إسرائيل لشرذمة قليلون يعني بالشرذمة:
572
وقوله: وإنهم لنا لغائظون يقول: وإن هؤلاء الشرذمة لنا لغائظون، فذكر أن غيظهم إياهم كان قتل الملائكة من قتلت من أبكارهم
576
وقوله وإنا لجميع حاذرون اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة وإنا لجميع حاذرون بمعنى: أنهم معدون مؤدون ذوو أداة وقوة وسلاح. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة: (وإنا لجميع حذرون) ، بغير ألف. وكان الفراء يقول: كأن الحاذر الذي يحذرك
576
القول في تأويل قوله تعالى: فأخرجناهم من جنات وعيون. وكنوز ومقام كريم. كذلك وأورثناها بني إسرائيل. فأتبعوهم مشرقين يقول تعالى ذكره: فأخرجنا فرعون وقومه من بساتين وعيون ماء، وكنوز ذهب وفضة، ومقام كريم. قيل: إن ذلك المقام الكريم المنابر
578
وقوله كذلك يقول: هكذا أخرجناهم من ذلك كما وصفت لكم في هذه الآية والتي قبلها. وأورثناها يقول: وأورثنا تلك الجنات التي أخرجناهم منها والعيون والكنوز والمقام الكريم عنهم بهلاكهم بني إسرائيل
578
وقوله: فأتبعوهم مشرقين فأتبع فرعون وأصحابه بني إسرائيل، مشرقين حين أشرقت الشمس، وقيل حين أصبحوا
579
القول في تأويل قوله تعالى: فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين. فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم يقول تعالى ذكره: فلما تناظر الجمعان: جمع موسى وهم بنو إسرائيل، وجمع فرعون وهم
580
وقوله: كلا، إن معي ربي سيهدين قال موسى لقومه: ليس الأمر كما ذكرتم، كلا لن تدركوا إن معي ربي سيهدين، يقول: سيهدين لطريق أنجو فيه من فرعون وقومه
581
وقوله فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق ذكر أن الله كان قد أمر البحر أن لا ينفلق حتى يضربه موسى بعصاه
582
وقوله: فكان كل فرق كالطود العظيم يقول تعالى ذكره: فكان كل طائفة من البحر لما ضربه موسى كالجبل العظيم. وذكر أنه انفلق اثنتى عشرة فلقة على عدد الأسباط، لكل سبط منهم فرق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
583
القول في تأويل قوله تعالى: وأزلفنا ثم الآخرين. وأنجينا موسى ومن معه أجمعين. ثم أغرقنا الآخرين. إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم يعني بقول تعالى ذكره: وأزلفنا ثم الآخرين وقربنا هنالك آل فرعون من البحر، وقدمناهم إليه
585
وقوله: وأنجينا موسى ومن معه أجمعين يقول تعالى ذكره: وأنجينا موسى مما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق في البحر ومن مع موسى من بني إسرائيل أجمعين
588
وقوله: ثم أغرقنا الآخرين يقول: ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط في البحر بعد أن أنجينا موسى منه ومن معه
588
وقوله: إن في ذلك لآية يقول تعالى ذكره: إن فيما فعلت بفرعون ومن معه تغريقي إياهم في البحر إذ كذبوا رسولي موسى، وخالفوا أمري بعد الإعذار إليهم، والإنذار لدلالة بينة يا محمد لقومك من قريش على أن ذلك سنتي فيمن سلك سبيلهم من تكذيب رسلي، وعظة لهم وعبرة أن
588
وما كان أكثرهم مؤمنين يقول: وما كان أكثر قومك يا محمد مؤمنين بما آتاك الله من الحق المبين، فسابق في علمي أنهم لا يؤمنون. وإن ربك لهو العزيز في انتقامه ممن كفر به وكذب رسله من أعدائه، الرحيم بمن أنجي من رسله وأتباعهم من الغرق والعذاب الذي عذب به الكفرة
588
القول في تأويل قوله تعالى: واتل عليهم نبأ إبراهيم. إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون. قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين يقول تعالى ذكره: واقصص على قومك من المشركين يا محمد خبر إبراهيم حين قال لأبيه وقومه: أي شيء تعبدون؟ قالوا له: نعبد أصناما فنظل لها
589
القول في تأويل قوله تعالى: قال هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون. قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لهم: هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟ واختلف أهل العربية في معنى ذلك: فقال بعض نحويي البصرة معناه: هل
589
وقوله: أو ينفعونكم أو يضرون يقول: أو تنفعكم هذه الأصنام، فيرزقونكم شيئا على عبادتكموها، أو يضرونكم فيعاقبونكم على ترككم عبادتها بأن يسلبوكم أموالكم، أو يهلكوكم إذا هلكتم وأولادكم قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. وفي الكلام متروك استغنى بدلالة ما
590
القول في تأويل قوله تعالى: قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون. فإنهم عدو لي إلا رب العالمين يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أفرأيتم أيها القوم ما كنتم تعبدون من هذه الأصنام أنتم وآباؤكم الأقدمون، يعني بالأقدمين: الأقدمين من
591
وقوله: إلا رب العالمين نصبا على الاستثناء، والعدو بمعنى الجمع، ووحد لأنه أخرج مخرج المصدر، مثل القعود والجلوس. ومعنى الكلام: أفرأيتم كل معبود لكم ولآبائكم، فإني منه بريء لا أعبده، إلا رب العالمين.
591
القول في تأويل قوله تعالى: الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين يقول: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين للصواب من القول والعمل، ويسددني للرشاد. والذي هو يطعمني ويسقين يقول: والذي يغذوني بالطعام والشراب
591
القول في تأويل قوله تعالى: والذي يميتني ثم يحيين. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين يقول: والذي يميتني إذا شاء ثم يحييني إذا أراد بعد مماتي. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين فربي هذا الذي بيده نفعي وضري، وله القدرة والسلطان، وله الدنيا
592
القول في تأويل قوله تعالى: رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين. واجعل لي لسان صدق في الآخرين يقول تعالى ذكره مخبرا عن مسألة خليله إبراهيم إياه رب هب لي حكما يقول: رب هب لي نبوة. وألحقني بالصالحين يقول: واجعلني رسولا إلى خلقك، حتى تلحقني بذلك بعداد من
593
وقوله: واجعل لي لسان صدق في الآخرين يقول: واجعل لي في الناس ذكرا جميلا، وثناء حسنا باقيا فيمن يجيء من القرون بعدي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
593
القول في تأويل قوله تعالى: واجعلني من ورثة جنة النعيم. واغفر لأبي إنه كان من الضالين. ولا تخزني يوم يبعثون. يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم يعني إبراهيم صلوات الله عليه بقوله: واجعلني من ورثة جنة النعيم أورثني يا رب من منازل من
594
وقوله: ولا تخزني يوم يبعثون يقول: ولا تذلني بعقابك إياي يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة. يوم لا ينفع مال ولا بنون يقول: لا تخزني يوم لا ينفع من كفر بك وعصاك في الدنيا مال كان له في الدنيا، ولا بنوه الذين كانوا له فيها، فيدفع ذلك عنه عقاب
595
وقوله: إلا من أتى الله بقلب سليم يقول: ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع إلا القلب السليم. والذي عني به من سلامة القلب في هذا الموضع: هو سلامة القلب من الشك في توحيد الله، والبعث بعد الممات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
595
القول في تأويل قوله تعالى: وأزلفت الجنة للمتقين. وبرزت الجحيم للغاوين. وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون. من دون الله، هل ينصرونكم أو ينتصرون. فكبكبوا فيها هم والغاوون , وجنود إبليس أجمعون يعني جل ثناؤه بقوله: وأزلفت الجنة للمتقين وأدنيت الجنة وقربت
597
وقوله: فكبكبوا فيها هم والغاوون يقول: فرمي ببعضهم في الجحيم على بعض، وطرح بعضهم على بعض منكبين على وجوههم. وأصل كبكبوا: كببوا، ولكن الكاف كررت كما قيل: بريح صرصر يعني به صر، ونهنهني ينهنهني، يعني به: نههني. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
597
وقوله: وجنود إبليس أجمعون يقول: وكبكب فيها مع الأنداد والغاوين جنود إبليس أجمعون. وجنوده: كل من كان من أتباعه، من ذريته كان أو من ذرية آدم.
598
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا وهم فيها يختصمون. تالله إن كنا لفي ضلال مبين. إذ نسويكم برب العالمين يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء الغاوون والأنداد التي كانوا يعبدونها من دون الله، وجنود إبليس، وهم في الجحيم يختصمون. تالله إن كنا لفي ضلال مبين يقول
598
وقوله: إذ نسويكم برب العالمين يقول الغاوون للذين يعبدونهم من دون الله: تالله إن كنا لفي ذهاب عن الحق حين نعدلكم برب العالمين فنعبدكم من دونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
599
القول في تأويل قوله تعالى: وما أضلنا إلا المجرمون. فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم. فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الغاوين في الجحيم: وما أضلنا إلا المجرمون يعني بالمجرمين إبليس، وابن آدم الذي سن القتل.
599
وقوله فما لنا من شافعين يقول: فليس لنا شافع فيشفع لنا عند الله من الأباعد، فيعفو عنا، وينجينا من عقابه. ولا صديق حميم من الأقارب. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالشافعين، وبالصديق الحميم، فقال بعضهم: عني بالشافعين: الملائكة، وبالصديق الحميم
600
وقوله فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين يقول: فلو أن لنا رجعة إلى الدنيا فنؤمن بالله فنكون بإيماننا به من المؤمنين.
600
القول في تأويل قوله تعالى: إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم يقول تعالى ذكره: إن فيما احتج به إبراهيم على قومه من الحجج التي ذكرنا له لدلالة بينة واضحة لمن اعتبر، على أن سنة الله في خلقه الذين يستنون بسنة قوم إبراهيم من
601
القول في تأويل قوله تعالى: كذبت قوم نوح المرسلين. إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون. إني لكم رسول أمين يقول تعالى ذكره: كذبت قوم نوح رسل الله الذين أرسلهم إليهم لما قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون فتحذروا عقابه على كفركم به، وتكذيبكم رسله. إني لكم رسول من
601
القول في تأويل قوله تعالى: فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر، إن أجري إلا على رب العالمين. فاتقوا الله وأطيعون يقول تعالى ذكره: فاتقوا عقاب الله أيها القوم على كفركم به، وأطيعوني في نصيحتي لكم، وأمري إياكم باتقائه. وما أسألكم عليه من
601
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون. قال وما علمي بما كانوا يعملون. إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون يقول تعالى ذكره: قال قوم نوح له مجيبيه عن قيله لهم: إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعون قالوا: أنؤمن لك يا نوح، ونقر
602
القول في تأويل قوله تعالى: وما أنا بطارد المؤمنين. إن أنا إلا نذير مبين. قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه: وما أنا بطارد من آمن بالله واتبعني على التصديق بما جئت به من عند الله. إن أنا إلا نذير مبين
603
القول في تأويل قوله تعالى: قال رب إن قومي كذبون. فافتح بيني وبينهم فتحا، ونجني ومن معي من المؤمنين. فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون. ثم أغرقنا بعد الباقين يقول تعالى ذكره: قال نوح: رب إن قومي كذبون فيما أتيتهم به من الحق من عندك، وردوا علي
603
وقوله فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون يقول: فأنجينا نوحا ومن معه من المؤمنين حين فتحنا بينهم وبين قومهم، وأنزلنا بأسنا بالقوم الكافرين في الفلك المشحون، يعني في السفينة الموقرة المملوءة. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله الفلك المشحون قال أهل التأويل.
604
وقوله: ثم أغرقنا بعد الباقين من قومه الذين كذبوه، وردوا عليه النصيحة.
605
القول في تأويل قوله تعالى: إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم يقول تعالى ذكره: إن فيما فعلنا يا محمد بنوح ومن معه من المؤمنين في الفلك المشحون، حين أنزلنا بأسنا وسطوتنا بقومه الذين كذبوه، لآية لك ولقومك المصدقيك منهم
605
القول في تأويل قوله تعالى: كذبت عاد المرسلين. إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين يقول تعالى ذكره: كذبت عاد رسل الله إليهم. إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون عقاب
606
القول في تأويل قوله تعالى: أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وإذا بطشتم بطشتم جبارين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: أتبنون بكل ريع آية تعبثون والريع: كل مكان مشرف من الأرض مرتفع، أو طريق أو واد؛ ومنه قول ذي الرمة:
606
وقوله: تعبثون قال: تلعبون. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل
610
وقوله: وتتخذون مصانع اختلف أهل التأويل في معنى المصانع، فقال بعضهم: هي قصور مشيدة
610
وقوله: لعلكم تخلدون يقول: كأنكم تخلدون، فتبقون في الأرض. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
612
وقوله: وإذا بطشتم بطشتم جبارين يقول: وإذا سطوتم سطوتم قتلا بالسيوف، وضربا بالسياط كما:
613
القول في تأويل قوله تعالى: فاتقوا الله وأطيعون. واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون. أمدكم بأنعام وبنين. وجنات وعيون. إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه من عاد: اتقوا عقاب الله أيها القوم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم،
613
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين. وما نحن بمعذبين يقول تعالى ذكره: قالت عاد لنبيهم هود صلى الله عليه وسلم: معتدل عندنا وعظك إيانا وتركك الوعظ، فلن نؤمن لك ولن نصدقك على ما جئتنا به.
614
وقوله: إن هذا إلا خلق الأولين اختلفت القراء في قراءة ذلك؛ فقرأته عامة قراء المدينة سوى أبي جعفر، وعامة قراء الكوفة المتأخرين منهم: إن هذا إلا خلق الأولين من قبلنا، وقرأ ذلك أبو جعفر، وأبوعمرو بن العلاء: (إن هذا إلا خلق الأولين) ، بفتح الخاء
614
القول في تأويل قوله تعالى فكذبوه فأهلكناهم، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم يقول تعالى ذكره: فكذبت عاد رسول ربهم هودا، والهاء في قوله فكذبوه من ذكر هود. فأهلكناهم يقول: فأهلكنا عادا بتكذيبهم رسولنا. إن في ذلك لآية
617
القول في تأويل قوله تعالى: كذبت ثمود المرسلين , إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر، إن أجري إلا على رب العالمين يقول تعالى ذكره: كذبت ثمود رسل الله، إذ دعاهم صالح أخوهم إلى الله، فقال
617
القول في تأويل قوله تعالى: أتتركون في ما هاهنا آمنين. في جنات وعيون. وزروع ونخل طلعها هضيم. وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين. فاتقوا الله وأطيعون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود: أيترككم يا قوم ربكم في هذه الدنيا آمنين، لا تخافون
618
وقوله: وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين يقول تعالى ذكره: وتتخذون من الجبال بيوتا. فاختلفت القراء في قراءة قوله فارهين فقرأته عامة قراء أهل الكوفة: فارهين بمعنى: حاذقين بنحتها. وقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: (فرهين) ، بغير ألف، بمعنى:
621
وقوله: فاتقوا الله وأطيعون يقول تعالى ذكره: فاتقوا عقاب الله أيها القوم على معصيتكم ربكم وخلافكم أمره، وأطيعون في نصيحتي لكم، وإنذاري إياكم عقاب الله ترشدوا.
624
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تطيعوا أمر المسرفين , الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون , قالوا إنما أنت من المسحرين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود: لا تطيعوا أيها القوم أمر المسرفين على أنفسهم في تماديهم في معصية الله، واجترائهم على
624
وقوله: إنما أنت من المسحرين اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه إنما أنت من المسحورين.
625
القول في تأويل قوله تعالى: ما أنت إلا بشر مثلنا، فأت بآية إن كنت من الصادقين. قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ثمود لنبيها صالح: ما أنت يا صالح إلا بشر مثلنا من بني آدم،
627
وقوله: قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم يقول تعالى ذكره: قال صالح لثمود لما سألوه آية يعلمون بها صدقه، فأتاهم بناقة أخرجها من صخرة أو هضبة: هذه ناقة يا قوم، لها شرب ولكم مثله شرب يوم آخر معلوم، ما لكم من الشرب، ليس لكم في يوم وردها أن
627
وقوله: ولا تمسوها بسوء يقول: لا تمسوها بما يؤذيها من عقر وقتل ونحو ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
628
وقوله: فيأخذكم عذاب يوم عظيم يقول: فيحل بكم من الله عذاب يوم عظيم عذابه.
628
القول في تأويل قوله تعالى: فعقروها فأصبحوا نادمين. فأخذهم العذاب، إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم يقول تعالى ذكره، فخالفت ثمود أمر نبيها صالح صلى الله عليه وسلم، فعقروا الناقة التي قال لهم صالح: لا تمسوها بسوء،
628
القول في تأويل قوله تعالى: كذبت قوم لوط المرسلين. إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر، إن أجري إلا على رب العالمين يقول تعالى ذكره: كذبت قوم لوط من أرسله الله إليهم من الرسل حين قال لهم
629
القول في تأويل قوله تعالى: أتأتون الذكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، بل أنتم قوم عادون يعني بقوله: أتأتون الذكران من العالمين أتنكحون الذكران من بني آدم في أدبارهم. وقوله: وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم يقول: وتدعون الذي
629
وقوله: بل أنتم قوم عادون يقول: بل أنتم قوم تتجاوزون ما أباح لكم ربكم، وأحله لكم من الفروج إلى ما حرم عليكم منها.
630
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين. قال إني لعملكم من القالين يقول تعالى ذكره: قال قوم لوط: لئن لم تنته يا لوط عن نهينا عن إتيان الذكران لتكونن من المخرجين من بين أظهرنا وبلدنا. قال إني لعملكم من القالين يقول لهم
631
القول في تأويل قوله تعالى: رب نجني وأهلي مما يعملون. فنجيناه وأهله أجمعين. إلا عجوزا في الغابرين يقول تعالى ذكره: فاستغاث لوط حين توعده قومه بالإخراج من بلدهم إن هو لم ينته عن نهيهم عن ركوب الفاحشة، فقال رب نجني وأهلي من عقوبتك إياهم على ما يعملون
631
القول في تأويل قوله تعالى: ثم دمرنا الآخرين. وأمطرنا عليهم مطرا، فساء مطر المنذرين. إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم يقول تعالى ذكره: ثم أهلكنا الآخرين من قوم لوط بالتدمير. وأمطرنا عليهم مطرا وذلك إرسال الله عليهم
632
القول في تأويل قوله تعالى: كذب أصحاب الأيكة المرسلين. إذ قال لهم شعيب ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقوا الله وأطيعون يقول تعالى ذكره: كذب أصحاب الأيكة. والأيكة: الشجر الملتف، وهي واحدة الأيك، وكل شجر ملتف فهو عند العرب أيكة؛ ومنه قول نابغة
632
وقوله إذ قال لهم شعيب ألا تتقون يقول تعالى ذكره: قال لهم شعيب: ألا تتقون عقاب الله على معصيتكم ربكم. إني لكم من الله رسول أمين على وحيه. فاتقوا عقاب الله على خلافكم أمره وأطيعون ترشدوا.
633
القول في تأويل قوله تعالى: وما أسألكم عليه من أجر، إن أجري إلا على رب العالمين. أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين يقول: وما أسألكم على نصحي لكم من جزاء وثواب، ما جزائي وثوابي على ذلك إلا على رب العالمين , أوفوا الكيل يقول: أوفوا الناس حقوقهم من
634
القول في تأويل قوله تعالى: وزنوا بالقسطاس المستقيم. ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين يعني بقوله وزنوا بالقسطاس وزنوا بالميزان المستقيم الذي لا بخس فيه على من وزنتم له ولا تبخسوا الناس أشياءهم. يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في
634
القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين. قالوا إنما أنت من المسحرين. وما أنت إلا بشر مثلنا، وإن نظنك لمن الكاذبين. فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين يقول تعالى ذكره: واتقوا أيها القوم عقاب ربكم الذي خلقكم وخلق
634
وقوله: قالوا إنما أنت من المسحرين يقول: قالوا: إنما أنت يا شعيب معلل تعلل بالطعام والشراب، كما نعلل بهما، ولست ملكا وما أنت إلا بشر مثلنا تأكل وتشرب وإن نظنك لمن الكاذبين. يقول: وما نحسبك فيما تخبرنا وتدعونا إليه إلا ممن يكذب فيما يقول، فإن كنت
636
القول في تأويل قوله تعالى: قال ربي أعلم بما تعملون , فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة، إنه كان عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: ربي أعلم بما تعملون يقول: بأعمالهم هو بها محيط، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم بها جزاءكم. فكذبوه يقول:
637
وقوله: إنه كان عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره: إن عذاب يوم الظلة كان عذاب يوم لقوم شعيب عظيم
640
القول في تأويل قوله تعالى: إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم يقول تعالى ذكره: إن في تعذيبنا قوم شعيب عذاب يوم الظلة بتكذيبهم نبيهم شعيبا، لآية لقومك يا محمد، وعبرة لمن اعتبر، إن اعتبروا، أن سنتنا فيهم بتكذيبهم إياك
640
القول في تأويل قوله تعالى: وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن لتنزيل رب العالمين والهاء في قوله وإنه كناية الذكر الذي في قوله: وما يأتيهم من ذكر من الرحمن.
641
وقوله على قلبك يقول: نزل به الروح الأمين فتلاه عليك يا محمد، حتى وعيته بقلبك.
642
وقوله: لتكون من المنذرين يقول: لتكون من رسل الله الذين كانوا ينذرون من أرسلوا إليه من قومهم، فتنذر بهذا التنزيل قومك المكذبين بآيات الله.
643
وقوله: بلسان عربي مبين يقول: لتنذر قومك بلسان عربي مبين، يبين لمن سمعه أنه عربي، وبلسان العرب نزل، والباء من قوله بلسان من صلة قوله: نزل، وإنما ذكر تعالى ذكره أنه نزل هذا القرآن بلسان عربي مبين في هذا الموضع، إعلاما منه مشركي قريش أنه أنزله كذلك
643
القول في تأويل قوله تعالى: وإنه لفي زبر الأولين. أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل. ولو نزلناه على بعض الأعجمين. فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين. كذلك سلكناه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم يقول تعالى ذكره: وإن هذا
643
وقوله: أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل يقول تعالى ذكره: أولم يكن لهؤلاء المعرضين عما يأتيك يا محمد من ذكر ربك دلالة على أنك رسول رب العالمين، أن يعلم حقيقة ذلك وصحته علماء بني إسرائيل. وقيل: عني بعلماء بني إسرائيل في هذا الموضع: عبد
644
وقوله: ولو نزلناه على بعض الأعجمين يقول تعالى ذكره: ولو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم التي لا تنطق، وإنما قيل على بعض الأعجمين، ولم يقل على بعض الأعجميين، لأن العرب تقول إذا نعتت الرجل بالعجمة وأنه لا يفصح بالعربية: هذا رجل أعجم، وللمرأة: هذه
645
وقوله فقرأه عليهم يقول: فقرأ هذا القرآن على كفار قومك يا محمد الذين حتمت عليهم أن لا يؤمنوا ذلك الأعجم ما كانوا به مؤمنين. يقول: لم يكونوا ليؤمنوا به، لما قد جرى لهم في سابق علمي من الشقاء، وهذا تسلية من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن قومه،
647
وقوله: لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم يقول: فعلنا ذلك بهم لئلا يصدقوا بهذا القرآن، حتى يروا العذاب الأليم في عاجل الدنيا، كما رأت ذلك الأمم الذين قص الله قصصهم في هذه السورة. ورفع قوله لا يؤمنون لأن العرب من شأنها إذا وضعت في موضع مثل هذا
649
القول في تأويل قوله تعالى: فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون. فيقولوا هل نحن منظرون. أفبعذابنا يستعجلون يقول تعالى ذكره: فيأتي هؤلاء المكذبين بهذا القرآن العذاب الأليم بغتة، يعني فجأة وهم لا يشعرون يقول: لا يعلمون قبل ذلك بمجيئه حتى يفجأهم بغتة. فيقولوا
650
وقوله: أفبعذابنا يستعجلون يقول تعالى ذكره: أفبعذابنا هؤلاء المشركون يستعجلون بقولهم: لن نؤمن لك حتى تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا.
650
القول في تأويل قوله تعالى: أفرأيت إن متعناهم سنين. ثم جاءهم ما كانوا يوعدون. ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون يقول تعالى ذكره: ثم جاءهم العذاب الذي كانوا يوعدون على كفرهم بآياتنا، وتكذيبهم رسولنا. ما أغنى عنهم يقول: أي شيء أغنى عنهم التأخير الذي أخرنا
650
القول في تأويل قوله تعالى: وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون. ذكرى وما كنا ظالمين. وما تنزلت به الشياطين. وما ينبغي لهم وما يستطيعون. إنهم عن السمع لمعزولون يقول تعالى ذكره: وما أهلكنا من قرية من هذه القرى التي وصفت في هذه السور إلا لها منذرون يقول
651
قوله: وما كنا ظالمين يقول: وما كنا ظالميهم في تعذيبناهم وإهلاكهم، لأنا إنما أهلكناهم، إذ عتوا علينا، وكفروا نعمتنا، وعبدوا غيرنا بعد الإعذار عليهم والإنذار ومتابعة الحجج عليهم بأن ذلك لا ينبغي أن يفعلوه، فأبوا إلا التمادي في الغي.
652
وقوله: وما تنزلت به الشياطين يقول تعالى ذكره: وما تنزلت بهذا القرآن الشياطين على محمد، ولكنه ينزل به الروح الأمين. وما ينبغي لهم يقول: وما ينبغي للشياطين أن ينزلوا به عليه، ولا يصلح لهم ذلك. وما يستطيعون يقول: وما يستطيعون أن ينزلوا به، لأنهم لا
652
القول في تأويل قوله تعالى: فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين , وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تدع يا محمد مع الله إلها آخر أي لا تعبد معه معبودا غيره فتكون من
653
وقوله: وأنذر عشيرتك الأقربين يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر عشيرتك من قومك الأقربين إليك قرابة، وحذرهم من عذابنا أن ينزل بهم بكفرهم. وذكر أن هذه الآية لما نزلت، بدأ ببني جده عبد المطلب وولده، فحذرهم وأنذرهم.
654
وقوله: واخفض جناحك يقول: وألن جانبك وكلامك لمن اتبعك من المؤمنين
665
القول في تأويل قوله تعالى: فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون. وتوكل على العزيز الرحيم. الذي يراك حين تقوم. وتقلبك في الساجدين. إنه هو السميع العليم يقول تعالى ذكره: فإن عصتك يا محمد عشيرتك الأقربون الذين أمرتك بإنذارهم، وأبوا إلا الإقامة على عبادة
665
وتقلبك في الساجدين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ويرى تقلبك في صلاتك حين تقوم، ثم تركع، وحين تسجد
666
وقوله: إنه هو السميع العليم يقول تعالى ذكره: إن ربك هو السميع تلاوتك يا محمد، وذكرك في صلاتك ما تتلو وتذكر، العليم بما تعمل فيها ويعمل فيها من يتقلب فيها معك مؤتما بك، يقول: فرتل فيها القرآن، وأقم حدودها، فإنك بمرأى من ربك ومسمع.
670
القول في تأويل قوله تعالى: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. تنزل على كل أفاك أثيم. يلقون السمع وأكثرهم كاذبون يقول تعالى ذكره: هل أنبئكم أيها الناس على من تنزل الشياطين من الناس؟ تنزل على كل أفاك يعني كذاب بهات أثيم يعني: آثم. وبنحو الذي قلنا في
670
وقوله: يلقون السمع يقول تعالى ذكره: يلقي الشياطين السمع، وهو ما يسمعون مما استرقوا سمعه من حين حدث من السماء، إلى كل أفاك أثيم من أوليائهم من بني آدم. وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
671
وقوله: وأكثرهم كاذبون يقول: وأكثر من تنزل عليه الشياطين كاذبون فيما يقولون ويخبرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
672
القول في تأويل قوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون , وأنهم يقولون ما لا يفعلون , إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون يقول تعالى ذكره: والشعراء
672
قوله: ألم تر أنهم في كل واد يهيمون يقول تعالى ذكره: ألم تر يا محمد أنهم، يعني الشعراء في كل واد يذهبون، كالهائم على وجهه على غير قصد، بل جائرا على الحق، وطريق، الرشاد، وقصد السبيل. وإنما هذا مثل ضربه الله لهم في افتنانهم في الوجوه التي يفتنون
676
وقوله: وأنهم يقولون ما لا يفعلون يقول: وأن أكثر قيلهم باطل وكذب.
677
وقوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهذا استثناء من قوله والشعراء يتبعهم الغاوون. . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وذكر أن هذا الاستثناء نزل في شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ثم هو لكل من كان بالصفة التي وصفه
678
وقوله: وذكروا الله كثيرا اختلف أهل التأويل في حال الذكر الذي وصف الله به هؤلاء المستثنين من الشعراء، فقال بعضهم: هي حال منطقهم ومحاورتهم الناس، قالوا: معنى الكلام: وذكروا الله كثيرا في كلامهم.
680
وقوله: وانتصروا من بعد ما ظلموا يقول: وانتصروا ممن هجاهم من شعراء المشركين ظلما بشعرهم وهجائهم إياهم، وإجابتهم عما هجوهم به. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
681
وقوله: وسيعلم الذين ظلموا يقول تعالى ذكره: وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بشركهم بالله من أهل مكة أي منقلب ينقلبون يقول: أي مرجع يرجعون إليه، وأي معاد يعودون إليه بعد مماتهم، فإنهم يصيرون إلى نار لا يطفأ سعيرها، ولا يسكن لهبها. وبنحو الذي قلنا في ذلك،
682
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
17
صفحه :
684
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir