مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
علوم القرآن
التجويد والقراءات
التفاسير
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
15
صفحه :
649
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا يقول تعالى ذكره: ولقد كرمنا بني آدم بتسليطنا إياهم على غيرهم من الخلق، وتسخيرنا سائر الخلق لهم وحملناهم في البر على ظهور
5
القول في تأويل قوله تعالى: يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا اختلفت أهل التأويل في معنى الإمام الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه يدعو كل أناس به، فقال بعضهم: هو نبيه، ومن كان يقتدى به في الدنيا ويأتم به
6
وقوله: فمن أوتي كتابه بيمينه يقول: فمن أعطي كتاب عمله بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ذلك حتى يعرفوا جميع ما فيه ولا يظلمون فتيلا يقول تعالى ذكره: ولا يظلمهم الله من جزاء أعمالهم فتيلا، وهو المنفتل الذي في شق بطن النواة. وقد مضى البيان عن الفتيل بما
9
القول في تأويل قوله تعالى: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه بقوله " هذه " فقال بعضهم: أشير بذلك إلى النعم التي عددها تعالى ذكره بقوله: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من
9
القول في تأويل قوله تعالى: وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا اختلف أهل التأويل في الفتنة التي كاد المشركون أن يفتنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عن الذي أوحى الله إليه إلى غيره، فقال بعضهم: ذلك الإلمام
13
وقوله: وإذا لاتخذوك خليلا يقول تعالى ذكره: ولو فعلت ما دعوك إليه من الفتنة عن الذي أوحينا إليك لاتخذوك إذا لأنفسهم خليلا، وكنت لهم وكانوا لك أولياء
15
القول في تأويل قوله تعالى ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا يقول تعالى ذكره: ولولا أن ثبتناك يا محمد بعصمتنا إياك عما دعاك إليه هؤلاء المشركون من الفتنة لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا يقول: لقد كدت تميل إليهم وتطمئن شيئا قليلا، وذلك ما كان
15
القول في تأويل قوله تعالى إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا يقول تعالى ذكره: لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
16
وقوله ثم لا تجد لك علينا نصيرا يقول: ثم لا تجد لك يا محمد إن نحن أذقناك لركونك إلى هؤلاء المشركين لو ركنت إليهم عذاب الحياة وعذاب الممات علينا نصيرا ينصرك علينا، ويمنعك من عذابك، وينقذك مما نالك منا من عقوبة
18
القول في تأويل قوله تعالى وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا يقول عز وجل: وإن كاد هؤلاء القوم ليستفزونك من الأرض: يقول: ليستخفونك من الأرض التي أنت بها ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا يقول: ولو أخرجوك
18
القول في تأويل قوله تعالى سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا يقول تعالى ذكره: لو أخرجوك لم يلبثوا خلافك إلا قليلا، ولأهلكناهم بعذاب من عندنا، سنتنا فيمن قد أرسلنا قبلك من رسلنا، فإنا كذلك كنا نفعل بالأمم إذا أخرجت رسلها من بين
21
القول في تأويل قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أقم الصلاة يا محمد لدلوك الشمس واختلف أهل التأويل في الوقت الذي عناه الله بدلوك الشمس، فقال بعضهم: هو
22
وأما قوله: وقرآن الفجر فإن معناه وأقم قرآن الفجر: أي ما تقرأ به صلاة الفجر من القرآن، والقرآن معطوف على الصلاة في قوله: أقم الصلاة لدلوك الشمس وكان بعض نحويي البصرة يقول: نصب قوله وقرآن الفجر على الإغراء، كأنه قال: وعليك قرآن الفجر إن قرآن الفجر
33
وأما قوله: كان مشهودا فإنه يقول: ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون تلك الصلاة
35
القول في تأويل قوله تعالى: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ومن الليل فاسهر بعد نومة يا محمد بالقرآن نافلة لك خالصة دون أمتك والتهجد: التيقظ والسهر بعد نومة من الليل. وأما الهجود
38
القول في تأويل قوله تعالى: وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا يقول تعالى ذكره لنبيه: وقل يا محمد يا رب أدخلني مدخل صدق. واختلف أهل التأويل في معنى مدخل الصدق الذي أمره الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرغب إليه في أن
54
وقوله: واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: واجعل لي ملكا ناصرا ينصرني على من ناوأني، وعزا أقيم به دينك، وأدفع به عنه من أراده بسوء
58
وأما قوله: نصيرا فإن ابن زيد كان يقول فيه، نحو قولنا الذي قلنا فيه
60
القول في تأويل قوله تعالى: وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا يقول تعالى ذكره: وقل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين كادوا أن يستفزونك من الأرض ليخرجوك منها: جاء الحق وزهق
60
وأما قوله عز وجل: وزهق الباطل فإن معناه: ذهب الباطل، من قولهم: زهقت نفسه: إذا خرجت وأزهقتها أنا، ومن قولهم: أزهق السهم: إذا جاوز الغرض فاستمر على جهته، يقال منه: زهق الباطل، يزهق زهوقا، وأزهقه الله: أي أذهبه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال
62
وقوله عز وجل: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين يقول تعالى ذكره: وننزل عليك يا محمد من القرآن ما هو شفاء يستشفى به من الجهل من الضلالة، ويبصر به من العمى للمؤمنين ورحمة لهم دون الكافرين به، لأن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله، ويحلون
62
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا يقول تبارك وتعالى: وإذا أنعمنا على الإنسان، فنجيناه من رب ما هو فيه في البحر، وهو ما قد أشرف فيه عليه من الهلاك بعصوف الريح عليه إلى البر، وغير ذلك من نعمنا
63
وقوله عز وجل: وإذا مسه الشر كان يئوسا يقول: وإذا مسه الشر والشدة كان قنوطا من الفرج والروح. وبنحو الذي قلنا في اليئوس، قال أهل التأويل
65
القول في تأويل قوله تعالى: قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا يقول عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للناس: كلكم يعمل على شاكلته: على ناحيته وطريقته فربكم أعلم بمن هو منكم أهدى سبيلا يقول: ربكم أعلم بمن هو منكم أهدى
65
القول في تأويل قوله تعالى: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ويسألك الكفار بالله من أهل الكتاب عن الروح ما هي؟ قل لهم: الروح من أمر ربي، وما أوتيتم أنتم وجميع الناس من
66
وأما قوله: من أمر ربي فإنه يعني: أنه من الأمر الذي يعلمه الله عز وجل دونكم، فلا تعلمونه ويعلم ما هو
71
وأما قوله: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني بقوله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فقال بعضهم: عنى بذلك: الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وجميع الناس غيرهم، ولكن لما ضم غير المخاطب إلى المخاطب، خرج الكلام
72
القول في تأويل قوله تعالى: ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا يقول تعالى ذكره: ولئن شئنا لنذهبن بالذي آتيناك من العلم الذي أوحينا إليك من هذا القرآن لنذهبن به، فلا تعلمه، ثم لا تجد لنفسك بما نفعل بك من ذلك وكيلا، يعني:
73
القول في تأويل قوله تعالى: إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا يقول عز وجل: ولئن شئنا لنذهبن يا محمد بالذي أوحينا إليك ولكنه لا يشاء ذلك، رحمة من ربك وتفضلا منه عليك إن فضله كان عليك كبيرا باصطفائه إياك لرسالته، وإنزاله عليك كتابه، وسائر نعمه
75
القول في تأويل قوله تعالى: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا يقول جل ثناؤه: قل يا محمد للذين قالوا لك: إنا نأتي بمثل هذا القرآن: لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، لا يأتون أبدا
75
وقوله عز وجل لا يأتون بمثله رفع، وهو جواب لقوله " لئن "، لأن العرب إذا أجابت لئن بلا رفعوا ما بعدها، لأن " لئن " كاليمين وجواب اليمين بلا مرفوع، وربما جزم لأن التي يجاب بها زيدت عليه لام، كما قال الأعشى لئن منيت بنا عن غب معركة لا تلفنا عن دماء
77
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا يقول تعالى ذكره: ولقد بينا للناس في هذا القرآن من كل مثل احتجاجا بذلك كله عليهم، وتذكيرا لهم، وتنبيها على الحق ليتبعوه ويعملوا به فأبى أكثر الناس إلا كفورا
77
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا يقول تعالى ذكره: وقال يا محمد المشركون بالله من قومك لك: لن نصدقك حتى تفجر لنا من أرضنا هذه عينا تنبع لنا بالماء. وقوله ينبوعا يفعول من قول القائل: نبع الماء: إذا ظهر وفار،
77
القول في تأويل قوله تعالى: أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقال لك يا محمد مشركو قومك: لن نصدقك حتى تستنبط لنا عينا من أرضنا، تدفق بالماء أو تفور، أو يكون لك بستان، وهو الجنة،
79
القول في تأويل قوله تعالى: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا اختلفت القراء في قراءة قوله: كسفا فقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة بسكون السين، بمعنى: (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) ، وذلك أن الكسف في كلام العرب:
79
القول في تأويل قوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقول تعالى ذكره عن قيل المشركين لنبي الله صلى الله عليه وسلم: أو تأتي بالله يا محمد والملائكة قبيلا. واختلف أهل التأويل في معنى القبيل في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: حتى يأتي الله والملائكة كل
82
القول في تأويل قوله تعالى: أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا يقول تعالى ذكره مخبرا عن المشركين الذين ذكرنا أمرهم في هذه الآيات: أو يكون لك يا محمد بيت من ذهب، وهو
84
وقوله أو ترقى في السماء يعني: أو تصعد في درج إلى السماء، وإنما قيل في السماء، وإنما يرقى إليها لا فيها، لأن القوم قالوا: أو ترقى في سلم إلى السماء، فأدخلت " في " في الكلام ليدل على معنى الكلام، يقال: رقيت في السلم، فأنا أرقى رقيا ورقيا ورقيا،
85
وقوله: ولن نؤمن لرقيك يقول: ولن نصدقك من أجل رقيك إلى السماء حتى تنزل علينا كتابا منشورا نقرؤه فيه أمرنا باتباعك والإيمان بك، كما:
86
وقوله: قل سبحان ربي يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك القائلين لك هذه الأقوال، تنزيها لله عما يصفونه به، وتعظيما له من أن يؤتى به وملائكته، أو يكون لي سبيل إلى شيء مما تسألونيه: هل كنت إلا بشرا رسولا
86
القول في تأويل قوله تعالى وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا يقول تعالى ذكره: وما منع يا محمد مشركي قومك الإيمان بالله، وبما جئتهم به من الحق إذ جاءهم الهدى يقول: إذ جاءهم البيان من عند الله بحقيقة ما تدعوهم وصحة
91
القول في تأويل قوله تعالى قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء الذين أبوا الإيمان بك وتصديقك فيما جئتهم به من عندي، استنكارا لأن يبعث الله رسولا من البشر: لو كان أيها الناس
91
القول في تأويل قوله تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد للقائلين لك: أبعث الله بشرا رسولا كفى بالله شهيدا بيني وبينكم فإنه نعم الكافي والحاكم إنه كان بعباده خبيرا يقول: إن الله بعباده ذو
92
القول في تأويل قوله تعالى ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا يقول تعالى ذكره: ومن يهد الله يا محمد للإيمان به ولتصديقك وتصديق ما جئت به من عند ربك
92
أما قوله: عميا فلا يرون شيئا يسرهم. وقوله: بكما لا ينطقون بحجة. وقوله: صما لا يسمعون شيئا يسرهم. وقوله: مأواهم جهنم يقول جل ثناؤه: ومصيرهم إلى جهنم، وفيها مساكنهم، وهم وقودها، كما
93
وقوله: كلما خبت زدناهم سعيرا يعني بقوله خبت: لانت وسكنت، كما قال عدي بن زيد العبادي في وصف مزنة: وسطه كاليراع أو سرج المجدل حينا يخبو وحينا ينير يعني بقوله: يخبو السرج: أنها تلين وتضعف أحيانا، وتقوى وتنير أخرى، ومنه قول القطامي: فيخبو ساعة ويهب
94
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصفنا من فعلنا يوم القيامة بهؤلاء المشركين، ما ذكرت أنا نفعل بهم من حشرهم على وجوههم عميا وبكما وصما، وإصلائنا
96
القول في تأويل قوله تعالى: أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أو لم ينظر هؤلاء القائلون من المشركين أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا
97
وقوله وجعل لهم أجلا لا ريب فيه يقول تعالى ذكره: وجعل الله لهؤلاء المشركين أجلا لهلاكهم، ووقتا لعذابهم لا ريب فيه. يقول: لا شك فيه أنه آتيهم ذلك الأجل. فأبى الظالمون إلا كفورا يقول: فأبى الكافرون إلا جحودا بحقيقة وعيده الذي أوعدهم وتكذيبا به
97
القول في تأويل قوله تعالى: قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: لو أنتم أيها الناس تملكون خزائن أملاك ربي من الأموال، وعنى بالرحمة في هذا الموضع: المال إذا
98
وقوله: وكان الإنسان قتورا يقول: وكان الإنسان بخيلا ممسكا، كما:
98
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى بن عمران تسع آيات بينات تبين لمن رآها أنها حجج لموسى شاهدة على صدقه وحقيقة نبوته. وقد اختلف
99
وأما قوله: فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فإن عامة قراء الإسلام على قراءته على وجه الأمر بمعنى: فاسأل يا محمد بني إسرائيل إذ جاءهم موسى وروي عن الحسن البصري في تأويله ما:
105
وقوله: فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا يقول: فقال لموسى فرعون: إني لأظنك يا موسى تتعاطى علم السحر، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك، وقد يجوز أن يكون مرادا به إني لأظنك يا موسى ساحرا، فوضع مفعول موضع فاعل، كما قيل: إنك مشئوم علينا وميمون،
106
القول في تأويل قوله تعالى: قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا اختلفت القراء في قراءة قوله لقد علمت فقرأ عامة قراء الأمصار ذلك لقد علمت بفتح التاء، على وجه الخطاب من موسى لفرعون. وروي عن علي بن أبي طالب
106
وقوله: وإني لأظنك يا فرعون مثبورا يقول: إني لأظنك يا فرعون ملعونا ممنوعا من الخير. والعرب تقول: ما ثبرك عن هذا الأمر: أي ما منعك منه، وما صدك عنه؟ وثبره الله فهو يثبره ويثبره لغتان، ورجل مثبور: محبوس عن الخيرات هالك، ومنه قول الشاعر: إذ أجاري
108
القول في تأويل قوله تعالى: فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا يقول تعالى ذكره: فأراد فرعون أن يستفز موسى وبني إسرائيل من الأرض فأغرقناه في البحر ومن معه من جنده
111
القول في تأويل قوله تعالى: وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا يقول تعالى ذكره: وبالحق أنزلنا هذا القرآن: يقول: أنزلناه نأمر فيه بالعدل والإنصاف والأخلاق الجميلة، والأمور
113
وقوله: وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك يا محمد إلى من أرسلناك إليه من عبادنا، إلا مبشرا بالجنة من أطاعنا، فانتهى إلى أمرنا ونهينا، ومنذرا لمن عصانا وخالف أمرنا ونهينا
113
وقرآنا فرقناه لتقرأه اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار فرقناه بتخفيف الراء من فرقناه، بمعنى: أحكمناه وفصلناه وبيناه. وذكر عن ابن عباس، أنه كان يقرؤه بتشديد الراء " فرقناه " بمعنى: نزلناه شيئا بعد شيء، آية بعد آية، وقصة بعد قصة
113
وقوله: ونزلناه تنزيلا يقول تعالى ذكره: فرقنا تنزيله، وأنزلناه شيئا بعد شيء، كما:
118
القول في تأويل قوله تعالى: قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء القائلين لك لن نؤمن لك حتى
119
وقوله: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا يقول جل ثناؤه: ويقول هؤلاء الذين أوتوا العلم من قبل نزول هذا القرآن، إذ خروا للأذقان سجودا عند سماعهم القرآن يتلى عليهم: تنزيها لربنا وتبرئة له مما يضيف إليه المشركون به، ما كان وعد ربنا من ثواب وعقاب، إلا
120
القول في تأويل قوله تعالى: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا. يقول تعالى ذكره: ويخر هؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين من قبل نزول الفرقان، إذا يتلى عليهم القرآن لأذقانهم يبكون، ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا، يعني خضوعا
122
القول في تأويل قوله تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لمشركي قومك المنكرين دعاء الرحمن: ادعوا الله أيها القوم أو ادعوا الرحمن أيا ما
123
وقوله: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا اختلف أهل التأويل في الصلاة، فقال بعضهم: عنى بذلك: ولا تجهر بدعائك، ولا تخافت به، ولكن بين ذلك. وقالوا: عنى بالصلاة في هذا الموضع: الدعاء
125
القول في تأويل قوله تعالى: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا فيكون مربوبا لا ربا، لأن رب الأرباب لا ينبغي
137
سورة الكهف
140
القول في تأويل قوله تعالى: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الحمد لله الذي خص برسالته محمدا وانتخبه لبلاغها عنه، فابتعثه إلى خلقه نبيا مرسلا، وأنزل عليه كتابه قيما، ولم يجعل له عوجا. وعنى
140
القول في تأويل قوله تعالى: لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا يقول تعالى ذكره: أنزل على عبده القرآن معتدلا مستقيما لا عوج فيه لينذركم أيها الناس بأسا من الله شديدا. وعنى بالبأس العذاب العاجل
144
وقوله: من لدنه يعني: من عند الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
145
وقوله: ويبشر المؤمنين يقول: ويبشر المصدقين الله ورسوله الذين يعملون الصالحات وهو العمل بما أمر الله بالعمل به، والانتهاء عما نهى الله عنه أن لهم أجرا حسنا يقول: ثوابا جزيلا لهم من الله على إيمانهم بالله ورسوله، وعملهم في الدنيا الصالحات من الأعمال،
146
وقوله: ماكثين فيه أبدا خالدين، لا ينتقلون عنه، ولا ينقلون، ونصب ماكثين على الحال من قوله: أن لهم أجرا حسنا في هذه الحال في حال مكثهم في ذلك الأجر. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
146
القول في تأويل قوله تعالى: وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا يقول تعالى ذكره: ويحذر أيضا محمد القوم الذين قالوا اتخذ الله ولدا من مشركي قومه وغيرهم بأس الله وعاجل نقمته، وآجل
146
وقوله: ما لهم به من علم يقول: ما لقائلي هذا القول، يعني قولهم اتخذ الله ولدا به يعني بالله من علم، والهاء في قوله به من ذكر الله. وإنما معنى الكلام: ما لهؤلاء القائلين هذا القول بالله إنه لا يجوز أن يكون له ولد من علم، فلجهلهم بالله وعظمته قالوا
147
وقوله ولا لآبائهم يقول: ولا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم على مثل الذي هم عليه اليوم، كان لهم بالله وبعظمته علم
147
وقوله: كبرت كلمة تخرج من أفواههم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدنيين والكوفيين والبصريين: كبرت كلمة بنصب كلمة بمعنى: كبرت كلمتهم التي قالوها كلمة على التفسير، كما يقال: نعم رجلا عمرو، ونعم الرجل رجلا قام، ونعم رجلا قام. وكان
147
وقوله: إن يقولون إلا كذبا يقول عز ذكره: ما يقول هؤلاء القائلون اتخذ الله ولدا بقيلهم ذلك إلا كذبا وفرية افتروها على الله
148
القول في تأويل قوله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا يعني تعالى ذكره بذلك: فلعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا
148
وأما قوله: أسفا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث غضبا
149
وقوله: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها يقول عز ذكره: إنا جعلنا ما على الأرض زينة للأرض لنبلوهم أيهم أحسن عملا يقول: لنختبر عبادنا أيهم أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
151
وأما قوله: لنبلوهم أيهم أحسن عملا فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو قولنا فيه
152
وقوله: وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا يقول عز ذكره: وإنما لمخربوها بعد عمارتناها بما جعلنا عليها من الزينة، فمصيروها صعيدا جرزا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس. وقد قيل: إنه أريد بالصعيد في هذا الموضع: المستوي بوجه الأرض، وذلك هو شبيه بمعنى قولنا
153
القول في تأويل قوله تعالى: أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا، فإن ما خلقت من السماوات والأرض، وما فيهن من العجائب أعجب من أمر
155
القول في تأويل قوله تعالى: إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا حين أوى الفتية أصحاب الكهف إلى كهف الجبل، هربا
161
القول في تأويل قوله تعالى: فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا يعني جل ثناؤه بقوله: فضربنا على آذانهم في الكهف فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف: أي ألقينا عليهم النوم، كما يقول القائل لآخر: ضربك الله
176
وأما قوله: أمدا فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: بعيدا
177
القول في تأويل قوله تعالى نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: نحن يا محمد نقص عليك خبر
178
وقوله: إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض يقول: حين قاموا بين يدي الجبار دقينوس، فقالوا له إذ عاتبهم على تركهم عبادة آلهته: ربنا رب السموات والأرض يقول: قالوا ربنا ملك السماوات والأرض وما فيهما من شيء، وآلهتك مربوبة، وغير جائز لنا أن نترك
179
القول في تأويل قوله تعالى: هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا يقول عز ذكره مخبرا عن قيل الفتية من أصحاب الكهف: هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونها من دونه لولا يأتون عليهم بسلطان بين
180
القول في تأويل قوله تعالى وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل بعض الفتية لبعض: وإذا اعتزلتم أيها الفتية قومكم الذين اتخذوا من دون الله آلهة وما يعبدون إلا الله
181
وأما قوله: فأووا إلى الكهف فإنه يعني به: فصيروا إلى غار الجبل الذي يسمى بنجلوس ينشر لكم ربكم من رحمته يقول: يبسط لكم ربكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي قد رميتم به من الكافر دقينوس وطلبه إياكم لعرضكم على الفتنة
182
وقوله: فأووا إلى الكهف جواب لإذ، كأن معنى الكلام: وإذ اعتزلتم أيها القوم قومكم، فأووا إلى الكهف، كما يقال: إذ أذنبت فاستغفر الله وتب إليه
182
وقوله: ويهيئ لكم من أمركم مرفقا يقول: وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغم والكرب خوفا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقا، ويعني بالمرفق: ما ترتفقون به من شيء. وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان: كسر الميم وفتح الفاء، وفتح الميم وكسر الفاء. وكان
182
القول في تأويل قوله تعالى وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا يقول تعالى ذكره وترى الشمس يا محمد إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات
183
وقوله: وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال يقول تعالى ذكره: وإذا غربت الشمس تتركهم من ذات شمالهم. وإنما معنى الكلام: وترى الشمس إذا طلعت تعدل عن كهفهم، فتطلع عليه من ذات اليمين، لئلا تصيب الفتية، لأنها لو طلعت عليهم قبالهم لأحرقتهم وثيابهم، أو أشحبتهم.
186
وقوله: وهم في فجوة منه يقول: والفتية الذين أووا إليه في متسع منه يجمع: فجوات، وفجاء ممدودا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
188
وقوله: ذلك من آيات الله يقول عز ذكره: فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلاء الفتية الذين قصصنا عليكم أمرهم من تصييرناهم، إذ أردنا أن نضرب على آذانهم بحيث تزاور الشمس عن مضاجعهم ذات اليمين إذا هي طلعت، وتقرضهم ذات الشمال إذا هي غربت، مع كونهم في المتسع من
189
وقوله من يهد الله فهو المهتد يقول عز وجل: من يوفقه الله للاهتداء بآياته وحججه إلى الحق التي جعلها أدلة عليه، فهو المهتدي. يقول: فهو الذي قد أصاب سبيل الحق. ومن يضلل يقول: ومن أضله الله عن آياته وأدلته، فلم يوفقه للاستدلال بها على سبيل الرشاد فلن
190
القول في تأويل قوله تعالى: وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وتحسب يا محمد هؤلاء الفتية الذين قصصنا عليك
190
وقوله: وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بقوله: وكلبهم باسط ذراعيه فقال بعضهم: هو كلب من كلابهم كان معهم. وقد ذكرنا كثيرا ممن قال ذلك فيما مضى. وقال بعضهم: كان إنسانا من الناس طباخا لهم تبعهم. وأما الوصيد، فإن أهل
191
وقوله: لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا يقول: لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارا ولملئت منهم رعبا يقول: ولملئت نفسك من اطلاعك عليهم فزعا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يد
194
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا
195
وقوله: ليتساءلوا بينهم يقول: ليسأل بعضهم بعضا قال قائل منهم كم لبثتم يقول عز ذكره: فتساءلوا فقال قائل منهم لأصحابه: كم لبثتم وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم يقول: فأجابه الآخرون فقالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم.
196
وقوله: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة يعني مدينتهم التي خرجوا منها هرابا، التي تسمى أفسوس فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ذكر أنهم هبوا من رقدتهم جياعا، فلذلك طلبوا الطعام
196
وأما قوله: فلينظر أيها أزكى طعاما فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه فلينظر أي أهل المدينة أكثر طعاما
212
وقوله: فليأتكم برزق منه يقول: فليأتكم بقوت منه تقتاتونه، وطعام تأكلونه، كما:
214
وقوله: وليتلطف يقول: وليترفق في شرائه ما يشتري، وفي طريقه ودخوله المدينة. ولا يشعرن بكم أحدا يقول: ولا يعلمن بكم أحدا من الناس. وقوله: إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم يعنون بذلك: دقينوس وأصحابه، قالوا: إن دقينوس وأصحابه إن يظهروا عليكم، فيعلموا
214
وقوله: أو يعيدوكم في ملتهم يقول: أو يردوكم في دينهم، فتصيروا كفارا بعبادة الأوثان. ولن تفلحوا إذا أبدا يقول: ولن تدركوا الفلاح، وهو البقاء الدائم والخلود في الجنان، إذن: أي إن أنتم عدتم في ملتهم. أبدا: أيام حياتكم
215
القول في تأويل قوله تعالى: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا يقول تعالى ذكره: وكما بعثناهم بعد طول رقدتهم
215
وقوله: إذ يتنازعون بينهم أمرهم. يعني: الذين أعثروا على الفتية. يقول تعالى: وكذلك أعثرنا هؤلاء المختلفين في قيام الساعة، وإحياء الله الموتى بعد مماتهم من قوم تيذوسيس، حين يتنازعون بينهم أمرهم فيما الله فاعل بمن أفناه من عباده، فأبلاه في قبره بعد
216
وقوله: فقالوا ابنوا عليهم بنيانا يقول: فقال الذين أعثرناهم على أصحاب الكهف: ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم يقول: رب الفتية أعلم بالفتية وشأنهم. وقوله: قال الذين غلبوا على أمرهم يقول جل ثناؤه: قال القوم الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف لنتخذن
216
القول في تأويل قوله تعالى: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا يقول تعالى ذكره: سيقول بعض الخائضين في
217
وقوله: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم يقول: ويقول بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لقائلي هذه الأقوال في عدد الفتية من أصحاب الكهف رجما منهم بالغيب: ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم يقول:
218
وقوله: فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تمار يا محمد: يقول: لا تجادل أهل الكتاب فيهم، يعني في عدة أهل الكهف، وحذفت العدة اكتفاء بذكرهم فيها لمعرفة السامعين بالمراد. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل
220
وقوله: إلا مراء ظاهرا اختلف أهل التأويل في معنى المراء الظاهر الذي استثناه الله، ورخص فيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو ما قص الله في كتابه أبيح له أن يتلوه عليهم، ولا يماريهم بغير ذلك
220
وقوله: ولا تستفت فيهم منهم أحدا يقول تعالى ذكره: ولا تستفت في عدة الفتية من أصحاب الكهف منهم، يعني من أهل الكتاب أحدا، لأنهم لا يعلمون عدتهم، وإنما يقولون فيهم رجما بالغيب، لا يقينا من القول. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
222
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا وهذا تأديب من الله عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة، إلا
223
وقوله: وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا يقول عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل ولعل الله أن يهديني فيسددني لأسد مما وعدتكم وأخبرتكم أنه سيكون، إن هو شاء. وقد قيل: إن ذلك مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله إذا نسي الاستثناء في كلامه،
227
القول في تأويل قوله تعالى: ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا اختلف أهل التأويل في معنى قوله ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا
228
وقوله: له غيب السموات والأرض يقول تعالى ذكره: لله علم غيب السماوات والأرض، لا يعزب عنه علم شيء منه، ولا يخفى عليه شيء، يقول: فسلموا له علم مبلغ ما لبثت الفتية في الكهف إلى يومكم هذا، فإن ذلك لا يعلمه سوى الذي يعلم غيب السماوات والأرض وليس ذلك إلا
233
وقوله: أبصر به وأسمع يقول: أبصر بالله وأسمع، وذلك بمعنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه. وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكل موجود، وأسمعه لكل مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء، كما:
233
وقوله: ما لهم من دونه من ولي يقول جل ثناؤه: ما لخلقه دون ربهم الذي خلقهم ولي، يلي أمرهم وتدبيرهم، وصرفهم فيما هم فيه مصرفون. ولا يشرك في حكمه أحدا يقول: ولا يجعل الله في قضائه، وحكمه في خلقه أحدا سواه شريكا، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم،
234
القول في تأويل قوله تعالى: واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واتبع يا محمد ما أنزل إليك من كتاب ربك هذا، ولا تتركن تلاوته واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه، والعمل بحلاله
234
وقوله: ولن تجد من دونه ملتحدا يقول: وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتم به، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده، لن تجد من دون الله موئلا تئل إليه ومعدلا تعدل عنه إليه، لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه، لا يقدر
234
القول في تأويل قوله تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واصبر يا محمد نفسك
236
وقوله: ولا تعد عيناك عنهم يقول جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: ولا تصرف عيناك عن هؤلاء الذين أمرتك يا محمد أن تصبر نفسك معهم إلى غيرهم من الكفار، ولا تجاوزهم إليه، وأصله من قولهم: عدوت ذلك، فأنا أعدوه: إذا جاوزته. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال
237
وقوله: تريد زينة الحياة الدنيا يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تعد عيناك عن هؤلاء المؤمنين الذين يدعون ربهم إلى أشراف المشركين، تبغي بمجالستهم الشرف والفخر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك، وقال
239
وقوله: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: ولا تطع يا محمد من شغلنا قلبه من الكفار الذين سألوك طرد الرهط الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي عنك، عن ذكرنا، بالكفر وغلبة الشقاء عليه، واتبع هواه، وترك
241
وأما قوله: وكان أمره فرطا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وكان أمره ضياعا
242
القول في تأويل قوله تعالى: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد لهؤلاء
243
وقوله: إنا أعتدنا للظالمين نارا يقول تعالى ذكره: إنا أعددنا، وهو من العدة. للظالمين: الذين كفروا بربهم. كما:
245
وقوله: أحاط بهم سرادقها يقول: أحاط سرادق النار التي أعدها الله للكافرين بربهم، وذلك فيما قيل: حائط من نار يطيف بهم كسرادق الفسطاط، وهي الحجرة التي تطيف بالفسطاط، كما قال رؤبة: يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق الفضل عليك ممدود وكما قال سلامة بن
245
وقوله: وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يقول تعالى ذكره: وإن يستغث هؤلاء الظالمون يوم القيامة في النار من شدة ما بهم من العطش، فيطلبون الماء يغاثوا بماء المهل. واختلف أهل التأويل في المهل، فقال بعضهم: هو كل شيء أذيب وانماع
248
وقوله: يشوي الوجوه بئس الشراب يقول جل ثناؤه: يشوي ذلك الماء الذي يغاثون به وجوههم. كما:
251
وقوله: بئس الشراب يقول تعالى ذكره: بئس الشراب، هذا الماء الذي يغاث به هؤلاء الظالمون في جهنم الذي صفته ما وصف في هذه الآية
252
وقوله: وساءت مرتفقا يقول تعالى ذكره: وساءت هذه النار التي أعتدناها لهؤلاء الظالمين مرتفقا، والمرتفق في كلام العرب: المتكأ، يقال منه: ارتفقت إذا اتكأت، كما قال الشاعر: قالت له وارتفقت ألا فتى يسوق بالقوم غزالات الضحى أراد: واتكأت على مرفقها، وقد
252
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بطاعة الله، وانتهوا إلى أمره ونهيه، إنا لا نضيع ثواب من أحسن عملا، فأطاع الله، واتبع أمره ونهيه، بل نجازيه
254
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات عدن، يعني بساتين
254
وقوله: نعم الثواب يقول: نعم الثواب جنات عدن، وما وصف جل ثناؤه أنه جعل لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وحسنت مرتفقا يقول: وحسنت هذه الأرائك في هذه الجنان التي وصف تعالى ذكره في هذه الآية متكأ. وقال جل ثناؤه: وحسنت مرتفقا فأنث الفعل بمعنى:
256
القول في تأويل قوله تعالى: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا يقول تعالى ذكره
257
وقوله: وفجرنا خلالهما نهرا يقول تعالى ذكره: وسيلنا خلال هذين البستانين نهرا، يعني بينها وبين أشجارهما نهرا. وقيل: وفجرنا فثقل الجيم منه، لأن التفجير في النهر كله، وذلك أنه يميد ماء فيسيل بعضه بعضا
258
وقوله: وكان له ثمر اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق: (وكان له ثمر) بضم الثاء والميم. واختلف قارئو ذلك كذلك، فقال بعضهم: كان له ذهب وفضة، وقالوا: ذلك هو الثمر، لأنها أموال مثمرة، يعني مكثرة
259
القول في تأويل قوله تعالى: ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا يقول تعالى ذكره: هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب دخل جنته وهي بستانه وهو ظالم لنفسه وظلمه نفسه: كفره بالبعث
262
القول في تأويل قوله تعالى: قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا يقول تعالى ذكره: قال لصاحب الجنتين صاحبه الذي هو أقل منه مالا وولدا وهو يحاوره يقول: وهو يخاطبه ويكلمه: أكفرت
263
القول في تأويل قوله تعالى: ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا يقول عز ذكره: وهلا إذ دخلت بستانك، فأعجبك ما رأيت منه، قلت ما شاء الله كان، وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر عليه منه، وهو جواب الجزاء
264
وقوله: إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا وهو قول المؤمن الذي لا مال له، ولا عشيرة، مثل صاحب الجنتين وعشيرته، وهو مثل سلمان وصهيب وخباب، يقول: قال المؤمن للكافر: إن ترن أيها الرجل أنا أقل منك مالا وولدا، فإذا جعلت أنا عمادا نصبت أقل، وبه القراءة
265
القول في تأويل قوله تعالى: فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن الموقن للمعاد إلى الله للكافر المرتاب في قيام الساعة: إن ترن أيها الرجل
265
وقوله: فتصبح صعيدا زلقا يقول عز ذكره: فتصبح جنتك هذه أيها الرجل أرضا ملساء لا شيء فيها، قد ذهب كل ما فيها من غرس ونبت، وعادت خرابا بلاقع زلقا، لا يثبت في أرضها قدم لاملساسها، ودروس ما كان نابتا فيها
266
وقوله: أو يصبح ماؤها غورا يقول: أو يصبح ماؤها غائرا، فوضع الغور وهو مصدر مكان الغائر، كما قال الشاعر: تظل جياده نوحا عليه مقلدة أعنتها صفونا بمعنى نائحة، وكما قال الآخر: هريقي من دموعهما سجاما ضباع وجاوبي نوحا قياما والعرب توحد الغور مع الجمع
267
وقوله: فلن تستطيع له طلبا يقول: فلن تطيق أن تدرك الماء الذي كان في جنتك بعد غوره، بطلبك إياه
268
القول في تأويل قوله تعالى: وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا يقول تعالى ذكره: وأحاط الهلاك والجوائح بثمره، وهي صنوف ثمار جنته التي كان يقول لها: ما أظن أن تبيد هذه أبدا فأصبح هذا الكافر
268
القول في تأويل قوله تعالى: ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا يقول تعالى ذكره: ولم يكن لصاحب هاتين الجنتين فئة، وهم الجماعة، كما قال العجاج: كما يحوز الفئة الكمي وبنحو ما قلنا في ذلك، قال
268
وقوله: ينصرونه من دون الله يقول: يمنعونه من عقاب الله وعذاب الله إذا عاقبه وعذبه. وقوله وما كان منتصرا يقول: ولم يكن ممتنعا من عذاب الله إذا عذبه، كما:
269
وقوله: هنالك الولاية لله الحق يقول عز ذكره: ثم وذلك حين حل عذاب الله بصاحب الجنتين في القيامة. واختلفت القراء في قراءة قوله: الولاية فقرأ بعض أهل المدينة والبصرة والكوفة هنالك الولاية بفتح الواو من الولاية، يعنون بذلك هنالك الموالاة لله، كقول الله
270
وقوله: هو خير ثوابا يقول عز ذكره: خير للمنيبين في العاجل والآجل ثوابا وخير عقبا يقول: وخيرهم عاقبة في الآجل إذا صار إليه المطيع له، العامل بما أمره الله، والمنتهي عما نهاه الله عنه. والعقب هو العاقبة، يقال: عاقبة أمر كذا وعقباه وعقبه، وذلك آخره
271
القول في تأويل قوله تعالى: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واضرب لحياة هؤلاء المستكبرين الذين قالوا لك: اطرد عنك
272
القول في تأويل قوله تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا يقول تعالى ذكره: المال والبنون أيها الناس التي يفخر بها عيينة والأقرع، ويتكبران بها على سلمان وخباب وصهيب، مما يتزين به في الحياة الدنيا،
273
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا يقول تعالى ذكره: ويوم نسير الجبال عن الأرض، فنبسها بسا، ونجعلها هباء منبثا وترى
281
وقوله: وعرضوا على ربك صفا يقول عز ذكره: وعرض الخلق على ربك يا محمد صفا. لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة يقول عز ذكره: يقال لهم إذ عرضوا على الله: لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكم حين خلقناكم أول مرة، وحذف يقال من الكلام لمعرفة السامعين بأنه
283
وقوله: بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب الله به الجميع، والمراد منه الخصوص، وذلك أنه قد يرد القيامة خلق من الأنبياء والرسل، والمؤمنين بالله ورسله وبالبعث. ومعلوم أنه لا يقال يومئذ لمن وردها من أهل التصديق بوعد الله في
283
القول في تأويل قوله تعالى: ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا يقول عز ذكره: ووضع الله يومئذ كتاب أعمال عباده في أيديهم، فأخذ واحد بيمينه
283
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا يقول تعالى ذكره مذكرا هؤلاء المشركين حسد إبليس أباهم ومعلمهم ما كان منه من كبره واستكباره
285
وقوله: كان من الجن كان ابن عباس يقول: قال الله كان من الجن لأنه كان خازنا على الجنان، كما يقال للرجل: مكي، ومدني، وبصري، وكوفي. وقال آخرون: كان اسم قبيلة إبليس الجن، وهم سبط من الملائكة يقال لهم الجن، فلذلك قال الله عز وجل كان من الجن فنسبه
289
وقوله: ففسق عن أمر ربه يقول: فخرج عن أمر ربه، وعدل عنه ومال، كما قال رؤبة: يهوين في نجد وغورا غائرا فواسقا عن قصدها جوائرا يعني بالفواسق: الإبل المنعدلة عن قصد نجد، وكذلك الفسق في الدين إنما هو الانعدال عن القصد، والميل عن الاستقامة. ويحكى عن
290
وقوله: أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو يقول تعالى ذكره: أفتوالون يا بني آدم من استكبر على أبيكم وحسده، وكفر نعمتي عليه، وغره حتى أخرجه من الجنة ونعيم عيشه فيها إلى الأرض وضيق العيش فيها، وتطيعونه وذريته من دون الله مع عدواته لكم قديما
292
وقوله: بئس للظالمين بدلا يقول عز ذكره: بئس البدل للكافرين بالله اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دون الله، وهم لكم عدو من تركهم اتخاذ الله وليا باتباعهم أمره ونهيه، وهو المنعم عليهم وعلى أبيهم آدم من قبلهم، المتفضل عليهم من الفواضل ما لا يحصى بدلا.
293
القول في تأويل قوله تعالى: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا يقول عز ذكره: ما أشهدت إبليس وذريته خلق السموات والأرض يقول: ما أحضرتهم ذلك فأستعين بهم على خلقها ولا خلق أنفسهم يقول: ولا أشهدت بعضهم أيضا خلق بعض منهم
294
وقوله: وما كنت متخذ المضلين عضدا يقول: وما كنت متخذ من لا يهدي إلى الحق، ولكنه يضل، فمن تبعه يجور به عن قصد السبيل أعوانا وأنصارا، وهو من قولهم: فلان يعضد فلانا إذا كان يقويه ويعينه. وبنحو ذلك قال بعض أهل التأويل
294
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا يقول عز ذكره ويوم يقول الله عز ذكره للمشركين به الآلهة والأنداد نادوا شركائي الذين
295
وقوله: ورأى المجرمون النار يقول: وعاين المشركون النار يومئذ فظنوا أنهم مواقعوها يقول: فعلموا أنهم داخلوها، كما:
299
وقوله: ولم يجدوا عنها مصرفا يقول: ولم يجدوا عن النار التي رأوا معدلا يعدلون عنها إليه. يقول: لم يجدوا من مواقعتها بدا، لأن الله قد حتم عليهم ذلك. ومن المصرف بمعنى المعدل قول أبي كبير الهذلي: أزهير هل عن شيبة من مصرف أم لا خلود لباذل متكلف
299
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا يقول عز ذكره: ولقد مثلنا في هذا القرآن للناس من كل مثل، ووعظناهم فيه من كل عظة، واحتججنا عليهم فيه بكل حجة ليتذكروا فينيبوا، ويعتبروا فيتعظوا، وينزجروا
299
القول في تأويل قوله تعالى: وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا يقول عز ذكره: وما منع هؤلاء المشركين يا محمد الإيمان بالله إذ جاءهم الهدى بيان الله، وعلموا صحة ما تدعوهم إليه وحقيقته،
300
القول في تأويل قوله تعالى: وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا يقول عز ذكره: وما نرسل إلا ليبشروا أهل الإيمان والتصديق بالله بجزيل ثوابه في الآخرة، ولينذروا أهل الكفر به
302
وقوله: واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا يقول: واتخذوا الكافرون بالله حججه التي احتج بها عليهم، وكتابه الذي أنزله إليهم، والنذر التي أنذرهم بها سخريا يسخرون بها، يقولون: إن هذا إلا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ولو شئنا لقلنا مثل هذا
303
القول في تأويل قوله تعالى: ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا يقول عز ذكره: وأي الناس أوضع للإعراض والصد في غير موضعهما ممن ذكره بآياته
303
وقوله: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا على قلوب هؤلاء الذين يعرضون عن آيات الله إذا ذكروا بها أغطية لئلا يفقهوه، لأن المعنى أن يفقهوا ما ذكروا به
303
وقوله: وفي آذانهم وقرا يقول: في آذانهم ثقلا لئلا يسمعوه وإن تدعهم إلى الهدى يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن تدع يا محمد هؤلاء المعرضين عن آيات الله عند التذكير بها إلى الاستقامة على محجة الحق والإيمان بالله، وما جئتهم به من عند ربك
303
القول في تأويل قوله تعالى: وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وربك الساتر يا محمد على ذنوب عباده بعفوه عنهم إذا تابوا منهم ذو الرحمة بهم لو
304
القول في تأويل قوله تعالى: وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا يقول تعالى ذكره: وتلك القرى من عاد وثمود وأصحاب الأيكة أهلكنا أهلها لما ظلموا، فكفروا بالله وآياته وجعلنا لمهلكهم موعدا يعني ميقاتا وأجلا، حين بلغوه جاءهم عذاب فأهلكناهم به
306
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا يقول عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد إذ قال موسى بن عمران لفتاه يوشع: لا أبرح يقول: لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين كما:
308
وقوله: أو أمضي حقبا يقول: أو أسير زمانا ودهرا، وهو واحد، ويجمع كثيره وقليله: أحقاب. وقد تقول العرب: كنت عنده حقبة من الدهر: ويجمعونها حقبا. وكان بعض أهل العربية يوجه تأويل قوله لا أبرح أي لا أزول، ويستشهد لقوله ذلك ببيت الفرزدق: فما برحوا حتى
309
القول في تأويل قوله تعالى: فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا يعني تعالى ذكره: فلما بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين، كما:
311
وقوله: نسيا حوتهما يعني بقوله: نسيا: تركا، كما:
312
وأما قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فإن القول في ذلك عندنا بخلاف ما قال فيه، وسنبينه إن شاء الله تعالى إذا انتهينا إليه
313
وأما قوله: فاتخذ سبيله في البحر سربا فإنه يعني أن الحوت اتخذ طريقه الذي سلكه في البحر سربا، كما:
313
القول في تأويل قوله تعالى: فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا يقول تعالى ذكره: فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين قال موسى لفتاه يوشع آتنا غداءنا يقول: جئنا بغدائنا وأعطناه، وقال: آتنا غداءنا، كما يقال: أتى الغداء وأتيته،
316
القول في تأويل قوله تعالى: قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا يقول تعالى ذكره: قال فتى موسى لموسى حين قال له: آتنا غداءنا لنطعم: أرأيت إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت هنالك
316
القول في تأويل قوله تعالى: قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما يقول تعالى ذكره: ف قال موسى لفتاه ذلك يعني بذلك: نسيانك الحوت ما كنا نبغ يقول: الذي كنا نلتمس ونطلب، لأن موسى كان
319
وقوله: فارتدا على آثارهما قصصا يقول: فرجعا في الطريق الذي كانا قطعاه ناكصين على أدبارهما يقصان آثارهما التي كانا سلكاهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
319
وقوله: فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا يقول: وهبنا له رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما يقول: وعلمناه من عندنا أيضا علما. كما:
321
القول في تأويل قوله تعالى: قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا يقول تعالى ذكره: قال موسى للعالم: هل أتبعك على أن تعلمن من العلم الذي علمك الله ما هو رشاد إلى الحق، ودليل على هدى؟ قال إنك لن تستطيع معي صبرا يقول
333
القول في تأويل قوله تعالى: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا يقول عز ذكره مخبرا عن قول العالم لموسى: وكيف تصبر يا موسى على ما ترى مني من الأفعال التي لا علم لك بوجوه صوابها، وتقيم معي عليها، وأنت إنما تحكم
334
القول في تأويل قوله تعالى: قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا يقول تبارك وتعالى: قال العالم لموسى: فإن اتبعتني الآن فلا تسألني عن شيء أعمله مما تستنكره، فإني قد أعلمتك أني أعمل العمل على الغيب الذي لا تحيط به علما حتى أحدث لك منه
334
القول في تأويل قوله تعالى: فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا يقول تعالى ذكره: فانطلق موسى والعالم يسيران يطلبان سفينة يركبانها، حتى إذا أصاباها ركبا في السفينة، فلما ركباها، خرق العالم السفينة، قال له
335
القول في تأويل قوله تعالى: قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا يقول عز ذكره: قال العالم لموسى إذ قال له ما قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا على ما ترى من أفعالي، لأنك ترى ما لم تحط به خبرا. قال له موسى
338
وقوله: ولا ترهقني من أمري عسرا يقول: لا تغشني من أمري عسرا، يقول: لا تضيق علي أمري معك، وصحبتي إياك
339
القول في تأويل قوله تعالى: فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا يقول تعالى ذكره: فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله العالم، فقال له موسى: أقتلت نفسا زكية واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز
339
وقوله: لقد جئت شيئا نكرا يقول: لقد جئت بشيء منكر، وفعلت فعلا غير معروف. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل:
342
القول في تأويل قوله تعالى: قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا يقول تعالى ذكره: قال العالم لموسى ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا على ما ترى من أفعالي التي لم تحط بها خبرا. قال موسى له: إن
342
القول في تأويل قوله تعالى: فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا يقول تعالى ذكره: فانطلق موسى والعالم حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها من الطعام فلم يطعموهما
345
وقوله: قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا يقول: قال موسى لصاحبه: لو شئت لم تقم لهؤلاء القوم جدارهم حتى يعطوك على إقامتك أجرا، فقال بعضهم: إنما عنى موسى بالأجر الذي قال له لو شئت لاتخذت عليه أجرا القرى: أي حتى يقرونا، فإنهم قد أبوا أن يضيفونا. وقال آخرون
351
القول في تأويل قوله تعالى: قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا يقول تعالى ذكره: قال صاحب موسى لموسى: هذا الذي قلته وهو قوله لو شئت لاتخذت عليه أجرا فراق بيني وبينك يقول: فرقة ما بيني وبينك: أي مفرق بيني وبينك. سأنبئك يقول:
352
القول في تأويل قوله تعالى: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا يقول: أما فعلي ما فعلت بالسفينة، فلأنها كانت لقوم مساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها بالخرق الذي خرقتها، كما:
353
وقوله: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وكان أمامهم وقدامهم ملك. كما:
354
وقوله: يأخذ كل سفينة غصبا فيقول القائل: فما أغنى خرق هذا العالم السفينة التي ركبها عن أهلها، إذ كان من أجل خرقها يأخذ السفن كلها، معيبها وغير معيبها، وما كان وجه اعتلاله في خرقها بأنه خرقها، لأن وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا؟ قيل: إن معنى ذلك،
355
القول في تأويل قوله تعالى: وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما يقول تعالى ذكره: وأما الغلام، فإنه كان كافرا، وكان أبواه مؤمنين، فعلمنا أنه يرهقهما. يقول: يغشيهما طغيانا،
356
وقوله: فأردنا أن يبدلهما ربهما اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قراء المكيين والمدنيين والبصريين: " فأردنا أن يبدلهما ربهما " وكان بعضهم يعتل لصحة ذلك بأنه وجد ذلك مشددا في عامة القرآن، كقول الله عز وجل: فبدل الذين ظلموا وقوله: وإذا بدلنا
358
وقوله: خيرا منه زكاة يقول: خيرا من الغلام الذي قتله صلاحا ودينا، كما:
360
وقوله: وأقرب رحما اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأقرب رحمة بوالديه وأبر بهما من المقتول
360
القول في تأويل قوله تعالى: وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قول صاحب موسى:
362
وقوله: وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما يقول: فأراد ربك أن يدركا ويبلغا قوتهما وشدتهما ويستخرجا حينئذ كنزهما المكنوز تحت الجدار الذي أقمته رحمة من ربك بهما، يقول: فعلت فعل هذا بالجدار، رحمة من ربك لليتيمين. وكان ابن عباس يقول في ذلك ما:
366
وقوله: وما فعلته عن أمري يقول: وما فعلت يا موسى جميع الذي رأيتني فعلته عن رأيي ومن تلقاء نفسي، وإنما فعلته عن أمر الله إياي به، كما:
366
وقوله: ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا يقول: هذا الذي ذكرت لك من الأسباب التي من أجلها فعلت الأفعال التي استنكرتها مني، تأويل. يقول: ما تئول إليه وترجع الأفعال التي لم تسطع على ترك مسألتك إياي عنها، وإنكارك لها صبرا. وهذه القصص التي أخبر الله عز
367
القول في تأويل قوله تعالى: ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ويسألك يا محمد هؤلاء المشركون عن ذي القرنين ما كان شأنه؟ وما كانت قصته؟
368
وقوله: إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا يقول: إنا وطأنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا يقول وآتيناه من كل شيء: يعني ما يتسبب إليه وهو العلم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
371
وقوله: فأتبع سببا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: (فاتبع) بوصل الألف، وتشديد التاء، بمعنى: سلك وسار، من قول القائل: اتبعت أثر فلان: إذا قفوته، وسرت وراءه. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة فأتبع بهمز، وتخفيف التاء،
372
القول في تأويل قوله تعالى: حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا يقول تعالى ذكره: حتى إذا بلغ ذو القرنين مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة فاختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه
374
وقوله: ووجد عندها قوما ذكر أن أولئك القوم يقال لهم: ناسك
378
وقوله: قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب يقول: إما أن تقتلهم إن هم لم يدخلوا في الإقرار بتوحيد الله، ويذعنوا لك بما تدعوهم إليه من طاعة ربهم وإما أن تتخذ فيهم حسنا يقول: وإما أن تأسرهم فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد
379
القول في تأويل قوله تعالى: قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا يقول جل ثناؤه قال أما من ظلم فسوف نعذبه يقول: أما من كفر فسوف نقتله كما
379
وقوله: ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا يقول: ثم يرجع إلى الله تعالى بعد قتله، فيعذبه عذابا عظيما، وهو النكر، وذلك عذاب جهنم
379
القول في تأويل قوله تعالى: وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا يقول: وأما من صدق الله منهم ووحده، وعمل بطاعته، فله عند الله الحسنى، وهي الجنة جزاء يعني ثوابا على إيمانه، وطاعته ربه. وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك،
379
وقوله: وسنقول له من أمرنا يسرا يقول: وسنعلمه نحن في الدنيا ما تيسر لنا تعليمه مما يقر به إلى الله ويلين له من القول. وكان مجاهد يقول نحوا مما قلنا في ذلك
380
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا يقول تعالى ذكره: ثم سار وسلك ذو القرنين طرقا ومنازل، كما:
381
حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا يقول تعالى ذكره: ووجد ذو القرنين الشمس تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا، وذلك أن أرضهم لا جبل فيها ولا شجر، ولا تحتمل بناء، فيسكنوا البيوت، وإنما يغورون في المياه، أو يسربون
381
وأما قوله: كذلك فإن معناه: ثم اتبع سببا كذلك، حتى إذا بلغ مطلع الشمس، وكذلك: من صلة أتبع. وإنما معنى الكلام: ثم أتبع سببا، حتى بلغ مطلع الشمس، كما أتبع سببا حتى بلغ مغربها
383
وقوله: وقد أحطنا بما لديه خبرا يقول: وقد أحطنا بما عند مطلع الشمس علما، لا يخفى علينا مما هنالك من الخلق وأحوالهم وأسبابهم، ولا من غيرهم شيء. وبالذي قلنا في معنى الخبر، قال أهل التأويل
384
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا يقول تعالى ذكره: ثم سار طرقا ومنازل، وسلك سبلا.
384
وقوله وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا يقول عز ذكره: وجد من دون السدين قوما لا يكادون يفقهون قول قائل سوى كلامهم. وقد اختلفت القراء في قراءة قوله يفقهون فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة يفقهون قولا بفتح القاف والياء، من فقه
387
وقوله: إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض اختلفت القراء في قراءة قوله إن يأجوج ومأجوج فقرأت القراء من أهل الحجاز والعراق وغيرهم: (إن ياجوج وماجوج) بغير همز على فاعول من يججت ومججت، وجعلوا الألفين فيهما زائدتين، غير عاصم بن أبي النجود والأعرج، فإنه
388
وقوله: مفسدون في الأرض اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد الذي وصف الله به هاتين الأمتين، فقال بعضهم: كانوا يأكلون الناس
389
وقوله فهل نجعل لك خرجا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: فهل نجعل لك خرجا كأنهم نحوا به نحو المصدر من خرج الرأس، وذلك جعله. وقرأته عامة قراء الكوفيين: (فهل نجعل لك خراجا) بالألف، وكأنهم نحوا به نحو
401
القول في تأويل قوله تعالى: قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما يقول تعالى ذكره: قال ذو القرنين: الذي مكنني في عمل ما سألتموني من السد بينكم وبين هؤلاء القوم ربي ووطأه لي، وقواني عليه، خير من جعلكم والأجرة التي تعرضونها علي
403
القول في تأويل قوله تعالى: آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا يقول عز ذكره: قال ذو القرنين للذين سألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا آتوني أي
404
وقوله: حتى إذا ساوى بين الصدفين يقول عز ذكره: فآتوه زبر الحديد، فجعلها بين الصدفين حتى إذا ساوى بين الجبلين بما جعل بينهما من زبر الحديد، ويقال: سوى. والصدفان: ما بين ناحيتي الجبلين ورءوسهما، ومنه قول الراجز: قد أخذت ما بين عرض الصدفين ناحيتيها
406
وقوله: قال انفخوا يقول عز ذكره، قال للفعلة: انفخوا النار على هذه الزبر من الحديد
408
وقوله: حتى إذا جعله نارا وفي الكلام متروك، وهو فنفخوا، حتى إذا جعل ما بين الصدفين من الحديد نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا فاختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: قال آتوني بمد الألف من آتوني بمعنى: أعطوني
408
وقوله: أفرغ عليه قطرا يقول: أصب عليه قطرا، والقطر: النحاس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
409
وقوله: فما اسطاعوا أن يظهروه يقول عز ذكره: فما اسطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا الردم الذي جعله ذو القرنين حاجزا بينهم وبين من دونهم من الناس، فيصيروا فوقه وينزلوا منه إلى الناس. يقال منه: ظهر فلان فوق البيت: إذا علاه، ومنه قول الناس: ظهر فلان على
410
القول في تأويل قوله تعالى: قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا يقول عز ذكره: فلما رأى ذو القرنين أن يأجوج ومأجوج لا يستطيعون أن يظهروا ما بنى من الردم، ولا يقدرون على نقبه، قال: هذا الذي بنيته وسويته حاجزا بين هذه الأمة،
412
وقوله: فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء يقول: فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم، جعله دكاء، يقول: سواه بالأرض، فألزقه بها، من قولهم: ناقة دكاء: مستوية الظهر لا سنام لها. وإنما معنى الكلام: جعله مدكوكا،
412
القول في تأويل قوله تعالى: وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا يقول تعالى ذكره: وتركنا عبادنا يوم يأتيهم وعدنا الذي وعدناهم، بأنا ندك الجبال وننسفها عن الأرض نسفا، فنذرها قاعا صفصفا، بعضهم يموج
415
ونفخ في الصور قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل فيما مضى في الصور، وما هو، وما عني به. واخترنا الصواب من القول في ذلك بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر في ذلك الموضع من الأخبار
416
وقوله: فجمعناهم جمعا يقول: فجمعنا جميع الخلق حينئذ لموقف الحساب جميعا
419
وقوله: وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا يقول: وأبرزنا جهنم يوم ينفخ في الصور، فأظهرناها للكافرين بالله، حتى يروها ويعاينوها كهيئة السراب، ولو جعل الفعل لها قيل: أعرضت إذا استبانت، كما قال عمرو بن كلثوم: وأعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصلتينا
419
القول في تأويل قوله تعالى: الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا يقول تعالى: وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين الذين كانوا لا ينظرون في آيات الله، فيتفكرون فيها ولا يتأملون حججه، فيعتبرون بها، فيتذكرون وينيبون إلى توحيد الله، وينقادون
420
القول في تأويل قوله تعالى: أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا يقول عز ذكره: أفظن الذين كفروا بالله من عبدة الملائكة والمسيح، أن يتخذوا عبادي الذين عبدوهم من دون الله أولياء، يقول كلا بل هم لهم أعداء. وبنحو
421
وقوله: إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا يقول: أعددنا لمن كفر بالله جهنم منزلا
422
القول في تأويل قوله تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء الذين يبغون عنتك ويجادلونك بالباطل، ويحاورونك بالمسائل من أهل
423
وقوله: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا يقول: هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل على كفر منهم به وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا يقول: وهم يظنون أنهم بفعلهم
428
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، الأخسرون أعمالا، الذين كفروا بحجج ربهم وأدلته، وأنكروا لقاءه فحبطت أعمالهم يقول: فبطلت أعمالهم،
429
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا يقول تعالى ذكره: أولئك ثوابهم جهنم بكفرهم بالله، واتخاذهم آيات كتابه، وحجج رسله سخريا، واستهزائهم برسله
430
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا بالله ورسوله، وأقروا بتوحيد الله وما أنزل من كتبه وعملوا بطاعته، كانت لهم بساتين الفردوس، والفردوس:
430
وقوله: نزلا يقول: منازل ومساكن، والمنزل: من النزول، وهو من نزول بعض الناس على بعض. وأما النزل: فهو الريع، يقال: ما لطعامكم هذا نزل، يراد به الريع، وما وجدنا عندكم نزلا: أي نزولا
436
وقوله: خالدين يقول: لابثين فيها أبدا لا يبغون عنها حولا يقول: لا يريدون عنها تحولا، وهو مصدر تحولت، أخرج إلى أصله، كما يقال: صغر يصغر صغرا، وعاج يعوج عوجا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
437
القول في تأويل قوله تعالى: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: لو كان البحر مدادا للقلم الذي يكتب به كلمات ربي لنفد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات
437
القول في تأويل قوله تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا يقول تعالى ذكره: قل لهؤلاء المشركين يا محمد: إنما أنا بشر مثلكم من بني آدم لا علم لي إلا ما علمني الله وإن
439
وقوله: ولا يشرك بعبادة ربه أحدا يقول: ولا يجعل له شريكا في عبادته إياه، وإنما يكون جاعلا له شريكا بعبادته إذا راءى بعمله الذي ظاهره أنه لله وهو مريد به غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
440
سورة مريم
443
القول في تأويل قوله تعالى: كهيعص اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى ذكره: كاف من كهيعص فقال بعضهم: تأويل ذلك أنها حرف من اسمه الذي هو كبير، دل به عليه، واستغني بذكره عن ذكر باقي الاسم
443
القول في تأويل قوله تعالى: ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا اختلف أهل العربية في الرافع للذكر، والناصب للعبد، فقال بعض نحويي البصرة في معنى ذلك كأنه قال: مما نقص عليك ذكر
452
وقوله: إذ نادى ربه نداء خفيا يقول حين دعا ربه، وسأله بنداء خفي، يعني: وهو مستسر بدعائه ومسألته إياه ما سأل كراهته منه للرياء، كما:
453
وقوله: قال رب إني وهن العظم مني يقول تعالى ذكره، فكان نداؤه الخفي الذي نادى به ربه أن قال: رب إني وهن العظم مني يعني بقوله وهن ضعف ورق من الكبر، كما:
454
وقوله: ولم أكن بدعائك رب شقيا يقول: ولم أشق يا رب بدعائك، لأنك لم تخيب دعائي قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك، بل كنت تجيب وتقضي حاجتي قبلك. كما:
455
القول في تأويل قوله تعالى: وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يقول: وإني خفت بني عمي وعصبتي من ورائي. يقول: من بعدي أن يرثوني، وقيل: عنى بقوله من ورائي من قدامي ومن بين يدي، وقد
455
وقوله: وكانت امرأتي عاقرا يقول: وكانت زوجتي لا تلد، يقال منه: رجل عاقر، وامرأة عاقر بلفظ واحد، كما قال الشاعر: لبئس الفتى أن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر
457
وقوله: فهب لي من لدنك وليا يقول: فارزقني من عندك ولدا وارثا ومعينا
457
وقوله: يرثني ويرث من آل يعقوب يقول: يرثني من بعد وفاتي مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، وذلك أن زكريا كان من ولد يعقوب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
457
وقوله: واجعله رب رضيا يقول: واجعل يا رب الولي الذي تهبه لي مرضيا ترضاه أنت ويرضاه عبادك دينا وخلقا وخلقا. والرضي: فعيل صرف من مفعول إليه
461
القول في تأويل قوله تعالى: يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا يقول تعالى ذكره: فاستجاب له ربه، فقال له: يا زكريا إنا نبشرك بهبتنا لك غلاما اسمه يحيى. كان قتادة يقول: إنما سماه الله يحيى لإحيائه إياه بالإيمان
461
وقوله: لم نجعل له من قبل سميا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم معناه لم تلد مثله عاقر قط
461
القول في تأويل قوله تعالى: قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا يقول تعالى ذكره: قال زكريا لما بشره الله بيحيى: رب أنى يكون لي غلام ومن أي وجه يكون لي ذلك، وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء أبأن
463
وقوله: وقد بلغت من الكبر عتيا يقول: وقد عتوت من الكبر فصرت نحل العظام يابسها، يقال منه للعود اليابس: عود عات وعاس، وقد عتا يعتو عتيا وعتوا، وعسى يعسو عسيا وعسوا، وكل متناه إلى غايته في كبر أو فساد، أو كفر، فهو عات وعاس. وبنحو الذي قلنا في ذلك
464
القول في تأويل قوله تعالى: قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا يقول تعالى ذكره: قال الله لزكريا مجيبا له قال كذلك يقول: هكذا الأمر كما تقول من أن امرأتك عاقر، وإنك قد بلغت
466
وقوله: وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا يقول تعالى ذكره: وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك، وعقم زوجتك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك، فأنشأتك بشرا سويا من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا،
467
وقوله: قال رب اجعل لي آية يقول تعالى ذكره: قال زكريا: يا رب اجعل لي علما ودليلا على ما بشرتني به ملائكتك من هذا الغلام عن أمرك ورسالتك، ليطمئن إلى ذلك قلبي. كما:
467
القول في تأويل قوله تعالى: فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا يقول تعالى ذكره: فخرج زكريا على قومه من مصلاه حين حبس لسانه عن كلام الناس آية من الله له على حقيقة وعده إياه ما وعد. فكان ابن جريج يقول في معنى خروجه من محرابه، ما:
470
وقوله: فأوحى إليهم يقول: أشار إليهم، وقد تكون تلك الإشارة باليد وبالكتاب وبغير ذلك، مما يفهم به عنه ما يريد. وللعرب في ذلك لغتان: وحى، وأوحى فمن قال: وحى، قال في يفعل: يحي، ومن قال: أوحى، قال: يوحي، وكذلك أومى وومى، فمن قال: ومى، قال في
471
وقوله: أن سبحوا بكرة وعشيا قد بينت فيما مضى الوجوه التي ينصرف فيها التسبيح، وقد يجوز في هذا الموضع أن يكون عنى به التسبيح الذي هو ذكر الله، فيكون أمرهم بالفراغ لذكر الله في طرفي النهار بالتسبيح، ويجوز أن يكون عنى به الصلاة، فيكون أمرهم بالصلاة في
473
القول في تأويل قوله تعالى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا يقول تعالى ذكره: فولد لزكريا يحيى، فلما ولد، قال الله له: يا يحيى، خذ هذا الكتاب بقوة، يعني كتاب الله الذي أنزله على موسى وهو التوراة بقوة، يقول:
473
وقوله: وآتيناه الحكم صبيا يقول تعالى ذكره: وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال. وقد:
474
وقوله: وحنانا من لدنا يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيا. وقد اختلف أهل التأويل في معنى الحنان، فقال بعضهم: معناه: الرحمة، ووجهوا الكلام إلى نحو المعنى الذي وجهناه إليه
475
وقوله: وزكاة يقول تعالى ذكره: وآتينا يحيى الحكم صبيا، وزكاة: وهو الطهارة من الذنوب، واستعمال بدنه في طاعة ربه، فالزكاة عطف على الحكم من قوله: وآتيناه الحكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
479
وقوله: وكان تقيا يقول تعالى ذكره: وكان لله خائفا مؤديا فرائضه، مجتنبا محارمه مسارعا في طاعته. كما:
480
القول في تأويل قوله تعالى: وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا يقول تعالى ذكره: وكان برا بوالديه، مسارعا في طاعتهما ومحبتهما، غير عاق بهما ولم يكن جبارا عصيا يقول جل ثناؤه: ولم يكن مستكبرا عن طاعة ربه وطاعة
480
وقوله: عصيا فعيل بمعنى أنه ذو عصيان، من قول القائل: عصى فلان ربه، فهو يعصيه عصيا
481
وقوله: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا يقول: وأمان من الله يوم ولد من أن يناله الشيطان من السوء، بما ينال به بني آدم، وذلك أنه
481
وقوله: ويوم يموت يقول: وأمان من الله تعالى ذكره له من فتاني القبر، ومن هول المطلع ويوم يبعث حيا يقول: وأمان له من عذاب الله يوم القيامة، يوم الفزع الأكبر، من أن يروعه شيء، أو أن يفزعه ما يفزع الخلق. وقد ذكر ابن عيينة في ذلك ما:
481
القول في تأويل قوله تعالى: واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في كتاب الله الذي أنزله عليك بالحق مريم ابنة عمران
482
وقوله: مكانا شرقيا يقول: فتنحت واعتزلت من أهلها في موضع قبل مشرق الشمس دون مغربها، كما:
483
وقوله: فاتخذت من دونهم حجابا يقول: فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس. وذكر عن ابن عباس، أنها صارت بمكان يلي المشرق، لأن الله أظلها بالشمس، وجعل لها منها حجابا
485
وقوله: فأرسلنا إليها روحنا يقول تعالى ذكره: فأرسلنا إليها حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، واتخذت من دونهم حجابا: جبريل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
485
القول في تأويل قوله تعالى: قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا يقول تعالى ذكره: فخافت مريم رسولنا، إذ تمثل لها بشرا سويا، وظنته رجلا يريدها على نفسها
486
القول في تأويل قوله تعالى: قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا يقول تعالى ذكره: قالت مريم لجبريل: أنى يكون لي غلام من أي وجه يكون لي غلام؟ أمن قبل زوج أتزوج، فأرزقه
488
قال كذلك قال ربك هو علي هين يقول تعالى ذكره: قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا، ولكن ربك قال: هو علي هين: أي خلق الغلام الذي قلت أن أهبه لك علي هين لا يتعذر علي خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك
489
ولنجعله آية للناس يقول: وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك ورحمة منا يقول: ورحمة منا لك، ولمن آمن به وصدقه أخلقه منك وكان أمرا مقضيا يقول: وكان خلقه منك أمرا قد قضاه الله، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك. كما:
489
القول في تأويل قوله تعالى: فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا وفي هذا الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه عنه فنفخنا فيه من روحنا بغلام فحملته فانتبذت به مكانا قصيا وبذلك جاء
490
وقوله: فانتبذت به مكانا قصيا يقول: فاعتزلت بالذي حملته، وهو عيسى، وتنحت به عن الناس مكانا قصيا يقول: مكانا نائيا قاصيا عن الناس، يقال: هو بمكان قاص، وقصي بمعنى واحد، كما قال الراجز: لتقعدن مقعد القصي مني ذي القاذورة المقلي يقال منه: قصا المكان
491
وقوله: فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة يقول تعالى ذكره: فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة، ثم قيل: لما أسقطت الباء منه أجاءها، كما يقال: أتيتك بزيد، فإذا حذفت الباء قيل آتيتك زيدا، كما قال جل ثناؤه: آتوني زبر الحديد والمعنى: ائتوني بزبر الحديد،
492
وقوله: يا ليتني مت قبل هذا ذكر أنها قالت ذلك في حال الطلق استحياء من الناس، كما:
498
القول في تأويل قوله تعالى: فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق فناداها من تحتها بمعنى: فناداها جبرائيل من بين يديها على اختلاف منهم في
500
قوله: وهزي إليك بجذع النخلة ذكر أن الجذع كان جذعا يابسا، وأمرها أن تهزه، وذلك في أيام الشتاء، وهزها إياه كان تحريكه، كما:
510
وقوله: جنيا يعني مجنيا، وإنما كان أصله مفعولا فصرف إلى فعيل، والمجني: المأخوذ طريا، وكل ما أخذ من ثمرة، أو نقل من موضعه بطراوته فقد اجتني، ولذلك قيل: فلان يجتني الكمأة، ومنه قول ابن أخت جذيمة: هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه
514
القول في تأويل قوله تعالى: فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا يقول تعالى ذكره: فكلي من الرطب الذي يتساقط عليك، واشربي من ماء السري الذي جعله ربك تحتك، لا تخشي جوعا ولا عطشا وقري عينا يقول:
515
وقوله: فإما ترين من البشر أحدا يقول: فإن رأيت من بني آدم أحدا يكلمك أو يسألك عن شيء من أمرك وأمر ولدك وسبب ولادتكه فقولي إني نذرت للرحمن صوما يقول: فقولي: إني أوجبت على نفسي لله صمتا ألا أكلم أحدا من بني آدم اليوم فلن أكلم اليوم إنسيا وبنحو الذي قلنا
516
القول في تأويل قوله تعالى: فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يقول تعالى ذكره: فلما قال ذلك عيسى لأمه اطمأنت نفسها، وسلمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها. كما:
520
وقوله: قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يقول تعالى ذكره: فلما رأوا مريم، ورأوا معها الولد الذي ولدته، قالوا لها: يا مريم لقد جئت بأمر عجيب، وأحدثت حدثا عظيما. وكل عامل عملا أجاده وأحسنه فقد فراه، كما قال الراجز: قد أطعمتني دقلا حجريا وقد كنت
521
القول في تأويل قوله تعالى: يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لها: يا أخت هارون، ومن كان هارون هذا الذي ذكره الله، وأخبر أنهم نسبوا مريم إلى أنها أخته، فقال بعضهم: قيل لها يا أخت هارون
522
وقوله: ما كان أبوك امرأ سوء يقول: ما كان أبوك رجل سوء يأتي الفواحش وما كانت أمك بغيا يقول: وما كانت أمك زانية، كما:
525
القول في تأويل قوله تعالى: فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا يقول تعالى ذكره: فلما قال قومها ذلك لها قالت لهم ما أمرها عيسى بقيله لهم، ثم أشارت لهم إلى عيسى أن كلموه، كما:
526
وقوله: قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا يقول تعالى ذكره: قال قومها لها: كيف نكلم من وجد في المهد؟ وكان في قوله من كان في المهد صبيا معناها التمام، لا التي تقتضي الخبر، وذلك شبيه المعنى بكان التي في قوله هل كنت إلا بشرا رسولا وإنما معنى ذلك: هل
526
القول في تأويل قوله تعالى: قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا يقول تعالى ذكره: فلما قال قوم مريم لها كيف نكلم من كان في المهد صبيا وظنوا أن ذلك منها استهزاء بهم، قال عيسى لها متكلما عن
527
وقوله: آتاني الكتاب يقول القائل: أو آتاه الكتاب والوحي قبل أن يخلق في بطن أمه فإن معنى ذلك بخلاف ما يظن، وإنما معناه: وقضى يوم قضى أمور خلقه إلى أن يؤتيني الكتاب، كما:
529
وقوله: وجعلني نبيا وقد بينت معنى النبي واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيه عندنا بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته. وكان مجاهد يقول في معنى النبي وحده ما:
529
وقوله وجعلني مباركا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وجعلني نفاعا
530
وقوله: وأوصاني بالصلاة والزكاة يقول: وقضى أن يوصيني بالصلاة والزكاة، يعني المحافظة على حدود الصلاة وإقامتها على ما فرضها علي. وفي الزكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤديها. والآخر: تطهير الجسد من دنس الذنوب، فيكون معناه: وأوصاني بترك الذنوب
531
وقوله: ما دمت حيا يقول: ما كنت حيا في الدنيا موجودا، وهذا يبين عن أن معنى الزكاة في هذا الموضع: تطهير البدن من الذنوب، لأن الذي يوصف به عيسى صلوات الله وسلامه عليه أنه كان لا يدخر شيئا لغد، فتجب عليه زكاة المال، إلا أن تكون الزكاة التي كانت فرضت
531
القول في تأويل قوله تعالى: وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا يقول تعالى ذكره: مخبرا عن قول عيسى للقوم: وجعلني مباركا وبرا: أي جعلني برا بوالدتي. والبر هو البار، يقال: هو بر بوالده، وبار به، وبفتح
532
وقوله: ولم يجعلني جبارا شقيا يقول: ولم يجعلني مستكبرا على الله فيما أمرني به، ونهاني عنه شقيا ولكن ذللني لطاعته، وجعلني متواضعا، كما:
532
وقوله: والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا يقول: والأمنة من الله علي من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا مني ما ينالون ممن يولد عند الولادة، من الطعن فيه، ويوم أموت، من هول المطلع، ويوم أبعث حيا يوم القيامة أن ينالني الفزع الذي ينال الناس
533
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون يقول تعالى ذكره: هذا الذي بينت لكم صفته، وأخبرتكم خبره، من أمر الغلام الذي حملته مريم، هو عيسى ابن مريم، وهذه الصفة صفته، وهذا الخبر خبره، وهو قول الحق يعني أن هذا الخبر الذي
534
وأما قوله تعالى ذكره: الذي فيه يمترون فإنه يعني: الذي فيه يختصمون ويختلفون، من قولهم: ماريت فلانا: إذا جادلته وخاصمته: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
536
القول في تأويل قوله تعالى ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم يقول تعالى ذكره: لقد كفرت الذين قالوا: إن عيسى ابن الله، وأعظموا الفرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا، ولا
538
وقوله: إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون يقول جل ثناؤه: إنما ابتدأ الله خلق عيسى ابتداء، وأنشأه إنشاء من غير فحل افتحل أمه، ولكنه قال له: كن فيكون لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول: إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه: كن فيكون موجودا حادثا،
539
وقوله: وإن الله ربي وربكم فاعبدوه اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: (وأن الله ربي وربكم) واختلف أهل العربية في وجه فتح " أن " إذا فتحت، فقال بعض نحويي الكوفة: فتحت ردا على عيسى وعطفا عليه، بمعنى: ذلك عيسى ابن مريم
539
وقوله: هذا صراط مستقيم يقول: هذا الذي أوصيتكم به، وأخبرتكم أن الله أمرني به هو الطريق المستقيم، الذي من سلكه نجا، ومن ركبه اهتدى، لأنه دين الله الذي أمر به أنبياءه
541
القول في تأويل قوله تعالى: فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم يقول تعالى ذكره: فاختلف المختلفون في عيسى، فصاروا أحزابا متفرقين من بين قومه، كما:
541
وقوله: فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم يقول: فوادي جهنم الذي يدعى ويلا للذين كفروا بالله، من الزاعمين أن عيسى لله ولد، وغيرهم من أهل الكفر به من شهودهم يوما عظيما شأنه، وذلك يوم القيامة. وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما:
542
القول في تأويل قوله تعالى: أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين يقول تعالى ذكره مخبرا عن حال الكافرين به، الجاعلين له أندادا، والزاعمين أن له ولدا يوم ورودهم عليه في الآخرة: لئن كانوا في الدنيا عميا عن إبصار الحق، والنظر إلى
543
وقوله: لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين يقول تعالى ذكره: لكن الكافرون الذين أضافوا إليه ما ليس من صفته، وافتروا عليه الكذب اليوم في الدنيا، في ضلال مبين يقول: في ذهاب عن سبيل الحق، وأخذ على غير استقامة، مبين أنه جائر عن طريق الرشد والهدى، لمن
544
القول في تأويل قوله تعالى: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر يا محمد هؤلاء المشركين بالله يوم حسرتهم وندمهم، على ما فرطوا في جنب الله، وأورثت مساكنهم من الجنة أهل الإيمان
544
وقوله: إذ قضي الأمر يقول: إذ فرغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها، بذبح الموت
547
وقوله: وهم في غفلة يقول: وهؤلاء المشركون في غفلة عما الله فاعل بهم يوم يأتونه خارجين إليه من قبورهم، من تخليده إياهم في جهنم، وتوريثه مساكنهم من الجنة غيرهم وهم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: وهم لا يصدقون بالقيامة والبعث، ومجازاة الله إياهم على سيئ
547
القول في تأويل قوله تعالى: إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يحزنك تكذيب هؤلاء المشركين لك يا محمد فيما أتيتهم به من الحق، فإن إلينا مرجعهم ومصيرهم ومصير جميع الخلق غيرهم، ونحن وارثو الأرض ومن
548
القول في تأويل قوله تعالى: واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يقول تعالى ذكره لنبيه: واذكر يا محمد في كتاب الله إبراهيم خليل الرحمن، فاقصص على هؤلاء المشركين قصصه وقصص أبيه إنه
548
وقوله: إذ قال لأبيه يقول: اذكره حين قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع يقول: ما تصنع بعبادة الوثن الذي لا يسمع ولا يبصر شيئا ولا يغني عنك شيئا يقول: ولا يدفع عنك ضر شيء، إنما هو صورة مصورة لا تضر ولا تنفع. يقول ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد
549
القول في تأويل قوله تعالى: يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لأبيه: يا أبت إني قد آتاني الله من العلم ما لم يؤتك فاتبعني: يقول: فاقبل مني نصيحتي أهدك صراطا سويا يقول: أبصرك هدى الطريق
550
القول في تأويل قوله تعالى: يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يقول تعالى ذكره: يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان لله عاصيا. والعصي هو ذو العصيان، كما العليم ذو العلم. وقد قال قوم من أهل العربية: العصي: هو العاصي، والعليم هو
550
القول في تأويل قوله تعالى: يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا يقول: يا أبت إني أعلم أنك إن مت على عبادة الشيطان أنه يمسك عذاب من عذاب الله فتكون للشيطان وليا يقول: تكون له وليا دون الله ويتبرأ الله منك فتهلك، والخوف في هذا
551
القول في تأويل قوله تعالى: قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا يقول تعالى ذكره: قال أبو إبراهيم لإبراهيم، حين دعاه إبراهيم إلى عبادة الله وترك عبادة الشيطان، والبراءة من الأوثان والأصنام: أراغب أنت يا إبراهيم عن عبادة
551
وأما قوله: واهجرني مليا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: واهجرني حينا طويلا ودهرا. ووجهوا معنى الملي إلى الملاوة من الزمان، وهو الطويل منه
552
القول في تأويل قوله تعالى: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لأبيه حين توعده على نصيحته إياه ودعائه إلى الله بالقول السيئ والعقوبة: سلام عليك
555
وقوله: وأعتزلكم وما تدعون من دون الله يقول: وأجتنبكم وما تدعون من دون الله من الأوثان والأصنام وأدعو ربي يقول: وأدعو ربي، بإخلاص العبادة له، وإفراده بالربوبية عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا يقول: عسى أن لا أشقى بدعاء ربي، ولكن يجيب دعائي، ويعطيني ما
556
القول في تأويل قوله تعالى: فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا يقول تعالى ذكره: فلما اعتزل إبراهيم قومه وعبادة ما كانوا يعبدون من دون الله من الأوثان آنسنا وحشته من
556
ووهبنا لهم من رحمتنا يقول جل ثناؤه: ورزقنا جميعهم، يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب من رحمتنا، وكان الذي وهب لهم من رحمته، ما بسط لهم في عاجل الدنيا من سعة رزقه، وأغناهم بفضله
557
وقوله وجعلنا لهم لسان صدق عليا يقول تعالى ذكره: ورزقناهم الثناء الحسن، والذكر الجميل من الناس
557
القول في تأويل قوله تعالى: واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في كتابنا الذي أنزلناه إليك موسى بن عمران، واقصص على قومك أنه كان مخلصا. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة
558
القول في تأويل قوله تعالى: وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا يقول تعالى ذكره: ونادينا موسى من ناحية الجبل، ويعني بالأيمن: يمين موسى، لأنه الجبل لا يمين له ولا شمال، وإنما ذلك كما يقال: قام عن يمين
558
وقوله: وقربناه نجيا يقول تعالى ذكره: وأدنيناه مناجيا، كما يقال: فلان نديم فلان ومنادمه، وجليس فلان ومجالسه. وذكر أن الله جل ثناؤه أدناه حتى سمع صريف القلم
559
وقوله: ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون يقول: ووهبنا لموسى رحمة منا أخاه هارون نبيا يقول: أيدناه بنبوته، وأعناه بها:
561
القول في تأويل قوله تعالى: واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم، فاقصص خبره إنه كان لا يكذب وعده، ولا يخلف، ولكنه كان إذا وعد ربه، أو
561
القول في تأويل قوله تعالى: وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا يقول تعالى ذكره: وكان يأمر أهله ب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكان عند ربه مرضيا عمله، محمودا فيما كلفه ربه، غير مقصر في طاعته
562
القول في تأويل قوله تعالى: واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد في كتابنا هذا إدريس إنه كان صديقا لا يقول الكذب نبيا نوحي إليه من أمرنا ما نشاء. ورفعناه مكانا عليا ذكر أن الله رفعه وهو حي إلى
562
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الذين اقتصصت عليك
565
القول في تأويل قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا يقول تعالى ذكره: فحدث من بعد هؤلاء الذين ذكرت من الأنبياء الذين أنعمت عليهم، ووصفت صفتهم في هذه السورة، خلف سوء خلفوهم في الأرض أضاعوا الصلاة. ثم اختلف أهل
567
وأما قوله: فسوف يلقون غيا فإنه يعني أن هؤلاء الخلف الذين خلفوا بعد أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين سيدخلون غيا، وهو اسم واد من أودية جهنم، أو اسم بئر من آبارها
571
القول في تأويل قوله تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا يقول تعالى ذكره: فسوف يلقى هؤلاء الخلف السوء الذين وصف صفتهم غيا، إلا الذين تابوا فراجعوا أمر الله والإيمان به وبرسوله وعمل صالحا يقول: وأطاع الله فيما أمره
574
القول في تأويل قوله تعالى: جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا يقول تعالى ذكره: فأولئك يدخلون الجنة جنات عدن وقوله: جنات عدن نصب ترجمة عن الجنة. ويعني بقوله: جنات عدن بساتين إقامة. وقد بينت ذلك فيما مضى قبل بشواهده المغنية عن
575
القول في تأويل قوله تعالى: لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا يقول تعالى ذكره: لا يسمع هؤلاء الذين يدخلون الجنة فيها لغوا، وهو الهذي والباطل من القول والكلام إلا سلاما وهذا من الاستثناء المنقطع، ومعناه: ولكن يسمعون سلاما، وهو
576
القول في تأويل قوله تعالى: تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا يقول تعالى ذكره: هذه الجنة التي وصفت لكم أيها الناس صفتها، هي الجنة التي نورثها، يقول: نورث مساكن أهل النار فيها من عبادنا من كان تقيا يقول: من كان ذا اتقاء عذاب الله بأداء فرائضه
578
القول في تأويل قوله تعالى: وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ذكر أن هذه الآية نزلت من أجل استبطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل بالوحي، وقد ذكرت بعض الرواية، ونذكر إن شاء الله باقي ما حضرنا ذكره مما
578
القول في تأويل قوله تعالى: رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا يقول تعالى ذكره: لم يكن ربك يا محمد رب السماوات والأرض وما بينهما نسيا، لأنه لو كان نسيا لم يستقم ذلك، ولهلك لولا حفظه إياه، فالرب مرفوع ردا على قوله ربك
585
القول في تأويل قوله تعالى: ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا يقول تعالى ذكره: ويقول الإنسان الكافر الذي لا يصدق بالبعث بعد الموت: أخرج حيا، فأبعث بعد الممات وبعد البلاء والفناء إنكارا منه ذلك.
586
القول في تأويل قوله تعالى: فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فوربك يا محمد لنحشرن هؤلاء القائلين: أئذا متنا لسوف نخرج أحياء يوم القيامة من قبورهم، مقرنين بأوليائهم من الشياطين ثم
587
القول في تأويل قوله تعالى: ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا يقول تعالى ذكره، ثم لنأخذن من كل جماعة منهم أشدهم على الله عتوا وتمردا فلنبدأ بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
587
القول في تأويل قوله تعالى: ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا يقول تعالى ذكره: ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننزعهم من كل شيعة أولاهم بشدة العذاب، وأحقهم بعظيم العقوبة. وذكر عن ابن جريج أنه كان يقول في ذلك:
589
القول في تأويل قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا يقول تعالى ذكره: وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها قضاء مقضيا، قد قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب. واختلف أهل العلم في معنى الورود الذي ذكره الله في
590
وأما قوله: كان على ربك حتما مقضيا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم معناه: كان على ربك قضاء مقضيا
605
القول في تأويل قوله تعالى ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا يقول تعالى ذكره: ثم ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها، الذين اتقوا فخافوه، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ونذر الظالمين فيها جثيا يقول جل ثناؤه: وندع الذين ظلموا أنفسهم، فعبدوا غير
606
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا يقول تعالى ذكره: وإذا تتلى على الناس آياتنا التي أنزلناها على رسولنا محمد بينات، يعني واضحات لمن تأملها وفكر فيها أنها أدلة على ما
607
القول في تأويل قوله تعالى وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا يقول تعالى ذكره: وكم أهلكنا يا محمد قبل هؤلاء القائلين من أهل الكفر للمؤمنين، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن أي الفريقين خير مقاما، وأحسن نديا، مجالس من قرن هم أكثر متاع منازل من هؤلاء
610
القول في تأويل قوله تعالى قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم، القائلين: إذا تتلى
614
وقوله: حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة يقول تعالى ذكره: قل لهم: من كان منا ومنكم في الضلالة، فليمدد له الرحمن في ضلالته إلى أن يأتيهم أمر الله، إما عذاب عاجل، أو يلقوا ربهم عند قيام الساعة التي وعد الله خلقه أن يجمعهم لها، فإنهم إذا
615
القول في تأويل قوله تعالى: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا يقول تعالى ذكره: ويزيد الله من سلك قصد المحجة، واهتدى لسبيل الرشد، فآمن بربه، وصدق بآياته، فعمل بما أمره به، وانتهى عما نهاه عنه هدى بما يتجدد له
615
القول في تأويل قوله تعالى أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أفرأيت يا محمد الذي كفر بآياتنا حججنا فلم يصدق بها، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر وقال وهو بالله كافر
617
وقوله: أطلع الغيب يقول عز ذكره: أعلم هذا القائل هذا القول علم الغيب، فعلم أن له في الآخرة مالا وولدا باطلاعه على علم ما غاب عنه أم اتخذ عند الرحمن عهدا يقول: أم آمن بالله وعمل بما أمر به، وانتهى عما نهاه عنه، فكان له بذلك عند الله عهدا أن يؤتيه ما
621
القول في تأويل قوله تعالى كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا يعني تعالى ذكره بقوله كلا ليس الأمر كذلك، ما اطلع الغيب، فعلم صدق ما يقول، وحقيقة ما يذكر، ولا اتخذ عند الرحمن عهدا بالإيمان بالله ورسوله، والعمل بطاعته،
621
وقوله: ونرثه ما يقول يقول عز ذكره: ونسلب هذا القائل: لأوتين في الآخرة مالا وولدا، ماله وولده، ويصير لنا ماله وولده دونه، ويأتينا هو يوم القيامة فردا، وحده لا مال معه ولا ولد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
622
القول في تأويل قوله تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا يقول تعالى ذكره: واتخذ يا محمد هؤلاء المشركون من قومك آلهة يعبدونها من دون الله، لتكون هؤلاء الآلهة لهم عزا، يمنعونهم من عذاب الله، ويتخذون
623
وقوله: كلا يقول عز ذكره: ليس الأمر كما ظنوا وأملوا من هذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله، في أنها تنقذهم من عذاب الله، وتنجيهم منه، ومن سوء إن أراده بهم ربهم. وقوله: سيكفرون بعبادتهم يقول عز ذكره: ولكن سيكفر الآلهة في الآخرة بعبادة هؤلاء
623
وأما قوله: ويكونون عليهم ضدا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وتكون آلهتهم عليهم عونا، وقالوا: الضد: العون
623
القول في تأويل قوله تعالى ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد أنا أرسلنا الشياطين على أهل الكفر بالله تؤزهم يقول: تحركهم بالإغواء والإضلال،
626
وقوله: فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا يقول عز ذكره: فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك، يا محمد إنما نعد لهم عدا يقول: فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثما، ونحن نعد أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها، ولم نترك تعجيل
628
القول في تأويل قوله تعالى: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا يقول تعالى ذكره: يوم نجمع الذين اتقوا في الدنيا فخافوا عقابه، فاجتنبوا لذلك معاصيه، وأدوا فرائضه إلى ربهم وفدا يعني بالوفد: الركبان. يقال: وفدت على فلان: إذا
628
وقوله: ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا يقول تعالى ذكره: ونسوق الكافرين بالله الذين أجرموا إلى جهنم عطاشا. والورد: مصدر من قول القائل: وردت كذا أرده وردا، ولذلك لم يجمع، وقد وصف به الجمع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
631
القول في تأويل قوله تعالى: لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا يقول تعالى ذكره: لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفدا الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض إلا من اتخذ منهم عند
632
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الكافرون بالله اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا يقول تعالى ذكره للقائلين ذلك من خلقه: لقد جئتم أيها
635
وقوله: تكاد السموات يتفطرن منه يقول تعالى ذكره: تكاد السماوات يتشققن قطعا من قيلهم: اتخذ الرحمن ولدا ومنه قيل: فطر نابه: إذا انشق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
637
وقوله: وتنشق الأرض يقول: وتكاد الأرض تنشق فتنصدع من ذلك وتخر الجبال هدا يقول: وتكاد الجبال يسقط بعضها على بعض سقوطا. والهد: السقوط، وهو مصدر هددت، فأنا أهد هدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
638
القول في تأويل قوله تعالى: أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا يقول تعالى ذكره: وتكاد الجبال أن تخر انقضاضا، لأن دعوا للرحمن ولدا. ف " أن " في موضع نصب في قول بعض أهل العربية، لاتصالها
639
القول في تأويل قوله تعالى: لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا يقول تعالى ذكره: لقد أحصى الرحمن خلقه كلهم، وعدهم عدا، فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم، وعرف عددهم فلا يعزب عنه منهم أحد. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا يقول: وجميع خلقه سوف يرد
641
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا يقول تعالى ذكره: إن الذين آمنوا بالله ورسله، وصدقوا بما جاءهم من عند ربهم، فعملوا به، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه
641
وقوله: فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين يقول تعالى ذكره: فإنما يسرنا يا محمد هذا القرآن بلسانك تقرؤه، لتبشر به المتقين الذين اتقوا عقاب الله، بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، بالجنة. وتنذر به قوما لدا يقول: ولتنذر بهذا القرآن عذاب الله قومك من
645
القول في تأويل قوله تعالى: وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا يقول تعالى ذكره: وكثيرا أهلكنا يا محمد قبل قومك من مشركي قريش، من قرن، يعني من جماعة من الناس، إذا سلكوا في خلافي وركوب معاصي مسلكهم، هل تحس منهم من أحد: يقول:
647
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
15
صفحه :
649
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir