مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
علوم القرآن
التجويد والقراءات
التفاسير
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
14
صفحه :
673
سورة الحجر
5
القول في تأويل قوله تعالى: الر. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين وأما قوله: تلك آيات الكتاب فإنه يعني: هذه الآيات، آيات الكتب التي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل وقرآن يقول: وآيات قرآن مبين يقول: يبين من تأمله وتدبره رشده وهداه، كما:
5
القول في تأويل قوله تعالى: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين اختلفت القراء في قراءة قوله ربما فقرأت ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض الكوفيين ربما بتخفيف الباء، وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة بتشديدها. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما
6
القول في تأويل قوله تعالى: ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل، فسوف يعلمون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ذر يا محمد هؤلاء المشركين يأكلوا في هذه الدنيا ما هم آكلوه، ويتمتعوا من لذاتها وشهواتهم فيها إلى أجلهم الذي أجلت لهم، ويلههم
13
القول في تأويل قوله تعالى: وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم يقول تعالى ذكره: وما أهلكنا يا محمد من أهل قرية من أهل القرى التي أهلكنا أهلها فيما مضى إلا ولها كتاب معلوم يقول: إلا ولها أجل مؤقت ومدة معروفة، لا نهلكهم حتى يبلغوها، فإذا بلغوها
14
القول في تأويل قوله تعالى: ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون يقول تعالى ذكره: ما يتقدم هلاك أمة قبل أجلها الذي جعله الله أجلا لهلاكها، ولا يستأخر هلاكها عن الأجل الذي جعل لها أجلا، كما:
14
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون. لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون لك من قومك يا محمد: يا أيها الذي نزل عليه الذكر وهو القرآن الذي ذكر الله فيه مواعظ خلقه إنك
15
القول في تأويل قوله تعالى: ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين اختلفت القراء في قراءة قوله: ما ننزل الملائكة فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة: (ما تنزل الملائكة) بالتاء تنزل وفتحها ورفع " الملائكة "، بمعنى: ما تنزل الملائكة، على أن
16
القول في تأويل قوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون يقول تعالى ذكره: إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن، وإنا له لحافظون قال: " وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه والهاء في قوله
18
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين. وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولقد أرسلنا يا محمد من قبلك في الأمم الأولين رسلا وترك ذكر الرسل اكتفاء بدلالة قوله: ولقد أرسلنا من
19
وقوله: وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون يقول: وما يأتي شيع الأولين من رسول من الله يرسله إليهم بالدعاء إلى توحيده والإذعان بطاعته إلا كانوا به يستهزئون يقول: إلا كانوا يسخرون بالرسول الذي يرسله الله إليهم، عتوا منهم وتمردا على ربهم
20
القول في تأويل قوله تعالى: كذلك نسلكه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين يقول تعالى ذكره: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله، لا يؤمنون به يقول: لا
20
وقوله: وقد خلت سنة الأولين يقول تعالى ذكره: لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت في قلوبهم التكذيب، حتى يروا العذاب الأليم أخذا منهم سنة أسلافهم من المشركين قبلهم من قوم عاد، وثمود، وضربائهم من الأمم التي كذبت رسلها، فلم تؤمن بما جاءها من عند الله
22
القول في تأويل قوله تعالى: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون. لقالوا إنما سكرت أبصارنا، بل نحن قوم مسحورون اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: فظلوا فيه يعرجون فقال بعضهم: معنى الكلام: ولو فتحنا على هؤلاء القائلين لك يا محمد لو ما
22
وأما قوله: يعرجون فإن معناه: يرقون فيه ويصعدون، يقال منه: عرج يعرج عروجا إذا رقي وصعد، وواحدة المعارج: معرج ومعراج، ومنه قول كثير: إلى حسب عود بنا المرء قبله أبوه له فيه معارج سلم وقد حكي: عرج يعرج بكسر الراء في الاستقبال وقوله: لقالوا إنما
25
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين يقول تعالى ذكره: ولقد جعلنا في السماء الدنيا منازل للشمس والقمر، وهي كواكب ينزلها الشمس والقمر وزيناها للناظرين يقول: وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرها. وبنحو الذي قلنا
30
القول في تأويل قوله تعالى: وحفظناها من كل شيطان رجيم. إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين يقول تعالى ذكره: وحفظنا السماء الدنيا من كل شيطان لعين قد رجمه الله ولعنه إلا من استرق السمع يقول: لكن قد يسترق من الشياطين السمع مما يحدث في السماء بعضها،
31
القول في تأويل قوله تعالى: والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون يعني تعالى ذكره بقوله: والأرض مددناها والأرض دحوناها فبسطناها، وألقينا فيها رواسي يقول: وألقينا في ظهورها رواسي، يعني جبالا ثابتة، كما:
33
قوله: وألقينا فيها رواسي رواسيها: جبالها، وقد بينا معنى الرسو فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته
34
وقوله: وأنبتنا فيها من كل شيء موزون يقول: وأنبتنا في الأرض من كل شيء، يقول: من كل شيء مقدر، وبحد معلوم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
34
القول في تأويل قوله تعالى: وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين يقول تعالى ذكره: وجعلنا لكم أيها الناس في الأرض معايش وهي جمع معيشة، ومن لستم له برازقين. اختلف أهل التأويل في المعني في قوله: ومن لستم له برازقين فقال بعضهم: عنى به الدواب
37
القول في تأويل قوله تعالى: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم يقول تعالى ذكره: وما من شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر، لكل أرض معلوم عندنا حده ومبلغه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
39
القول في تأويل قوله تعالى: وأرسلنا الرياح لواقح، فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه، وما أنتم له بخازنين اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة القراء: وأرسلنا الرياح لواقح وقرأه بعض قراء أهل الكوفة: (وأرسلنا الريح لواقح) " فوحد الريح وهي موصوفة
41
وقوله: فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه يقول تعالى ذكره: فأنزلنا من السماء مطرا فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم ولو كان معناه: أنزلناه لتشربوه، لقيل: فسقيناكموه، وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبنا أو غيره: " سقيته " بغير
46
وقوله: وما أنتم له بخازنين يقول: ولستم بخازني الماء الذي أنزلنا من السماء فأسقيناكموه فتمنعوه من أسقيه، لأن ذلك بيدي وإلي، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء، كما:
47
القول في تأويل قوله تعالى: وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون. ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين. وإن ربك هو يحشرهم، إنه حكيم عليم يقول تعالى ذكره: وإنا لنحن نحيي من كان ميتا إذا أردنا ونميت من كان حيا إذا شئنا ونحن الوارثون يقول:
47
وقوله: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: ولقد علمنا من مضى من الأمم فتقدم هلاكهم، ومن قد خلق وهو حي، ومن لم يخلق بعد ممن سيخلق
48
وقوله: وإن ربك هو يحشرهم يعني بذلك جل ثناؤه: وإن ربك يا محمد هو يجمع جميع الأولين والآخرين عنده يوم القيامة، أهل الطاعة منهم والمعصية، وكل أحد من خلقه، المستقدمين منهم والمستأخرين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
55
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا آدم وهو الإنسان من صلصال واختلف أهل التأويل في معنى الصلصال، فقال بعضهم: هو الطين اليابس لم تصبه نار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة
56
وأما قوله: من حمإ مسنون فإن الحمأ: جمع حمأة، وهو الطين المتغير إلى السواد، وقوله: مسنون يعني: المتغير. واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قوله: مسنون فكان بعض نحويي البصريين يقول: عني به: حمأ مصور تام، وذكر عن العرب أنهم قالوا: سن على مثال
59
القول في تأويل قوله تعالى: والجان خلقناه من قبل من نار السموم يقول تعالى ذكره: والجان، وقد بينا فيما مضى معنى الجان ولم قيل له جان وعني بالجان ههنا: إبليس أبا الجن، يقول تعالى ذكره: وإبليس خلقناه من قبل الإنسان من نار السموم، كما:
62
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون
65
القول في تأويل قوله تعالى: فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين. قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين يقول تعالى ذكره: فلما خلق الله ذلك البشر ونفخ فيه الروح بعد أن سواه، سجد الملائكة كلهم جميعا إلا إبليس فإنه أبى أن يكون
66
القول في تأويل قوله تعالى: قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون. قال فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين يقول تعالى ذكره: قال إبليس: لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون وهو من طين وأنا من نار، والنار تأكل
66
وقوله: وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين يقول: وإن غضب الله عليك بإخراجه إياك من السموات وطردك عنها إلى يوم المجازاة، وذلك يوم القيامة، وقد بينا معنى اللعنة في غير موضع بما أغنى عن إعادته ههنا
67
القول في تأويل قوله تعالى: قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم يقول تعالى ذكره: قال إبليس: رب فإذ أخرجتني من السموات ولعنتني، فأخرني إلى يوم تبعث خلقك من قبورهم فتحشرهم لموقف القيامة. قال الله له: فإنك ممن
68
القول في تأويل قوله تعالى: قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين يقول تعالى ذكره: قال إبليس: رب بما أغويتني بإغوائك لأزينن لهم في الأرض وكأن قوله: بما أغويتني خرج مخرج القسم، كما يقال: بالله، أو بعزة
68
القول في تأويل قوله تعالى: قال هذا صراط علي مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين اختلفت القراء في قراءة قوله: قال هذا صراط علي مستقيم، فقرأه عامة قراء الحجاز والمدينة والكوفة والبصرة: هذا صراط علي مستقيم بمعنى: هذا طريق إلي
69
وقوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين يقول تعالى ذكره: إن عبادي ليس لك عليهم حجة إلا من اتبعك على ما دعوته إليه من الضلالة ممن غوى وهلك
71
القول في تأويل قوله تعالى: وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم يقول تعالى ذكره لإبليس: وإن جهنم لموعد من تبعك أجمعين لها سبعة أبواب يقول: لجهنم سبعة أطباق، لكل طبق منهم: يعني من أتباع إبليس جزء، يعني: قسما ونصيبا مقسوما
72
القول في تأويل قوله تعالى: إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه، فتجنبوا معاصيه في جنات وعيون يقال لهم: ادخلوها بسلام آمنين من عقاب الله، أو
75
قوله: ونزعنا ما في صدورهم من غل يقول: وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض. واختلف أهل التأويل في الحال التي ينزع الله ذلك من صدورهم، فقال بعضهم: ينزل ذلك بعد دخولهم الجنة
75
القول في تأويل قوله تعالى: لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين. نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم يقول تعالى ذكره: لا يمس هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم في الجنات نصب، يعني تعب وما هم منها بمخرجين يقول: وما هم من الجنة
81
وقوله: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أخبر عبادي يا محمد، أني أنا الذي أستر على ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها، الرحيم بهم أن أعذبهم بعد توبتهم منها عليها وأن عذابي هو
81
القول في تأويل قوله تعالى: ونبئهم عن ضيف إبراهيم. إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما، قال إنا منكم وجلون. قالوا لا توجل، إنا نبشرك بغلام عليم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأخبر عبادي يا محمد عن ضيف إبراهيم، يعني الملائكة الذين دخلوا على
82
القول في تأويل قوله تعالى: قال أبشرتموني على أن مسني الكبر، فبم تبشرون يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة الذين بشروه بغلام عليم: أبشرتموني على أن مسني الكبر، فبم تبشرون يقول: فبأي شيء تبشرون، وكان مجاهد يقول في ذلك ما:
83
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين. قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون يقول تعالى ذكره: قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحق يقين، وعلم منا بأن الله قد وهب لك غلاما عليما، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه،
84
وقوله: قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطئوا سبيل الصواب وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله. واختلفت القراء في قراءة قوله
85
القول في تأويل قوله تعالى: قال فما خطبكم أيها المرسلون. قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين. إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين. إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة: فما شأنكم؟ ما أمركم أيها المرسلون؟ قالت الملائكة له
86
القول في تأويل قوله تعالى: فلما جاء آل لوط المرسلون. قال إنكم قوم منكرون. قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون يقول تعالى ذكره: فلما أتى رسل الله آل لوط أنكرهم لوط فلم يعرفهم وقال لهم: إنكم قوم منكرون أي ننكركم لا نعرفكم. فقالت له الرسل: بل نحن رسل
86
القول في تأويل قوله تعالى: وأتيناك بالحق وإنا لصادقون. فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم، ولا يلتفت منكم أحد، وامضوا حيث تؤمرون يقول تعالى ذكره: قالت الرسل للوط: وجئناك بالحق اليقين من عند الله، وذلك الحق هو العذاب الذي عذب الله به قوم لوط،
87
فأسر بأهلك بقطع من الليل يقول تعالى ذكره مخبرا عن رسله أنهم قالوا للوط: فأسر بأهلك ببقية من الليل، واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسري بهم، وكن من ورائهم، وسر خلفهم وهم أمامك، ولا يلتفت منكم وراءه أحد، وامضوا حيث يأمركم الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك
87
القول في تأويل قوله تعالى: وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين. وجاء أهل المدينة يستبشرون يقول تعالى ذكره: وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر، وأوحينا أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، يقول: إن آخر قومك وأولهم مجذوذ مستأصل صباح ليلتهم " وأن " من
89
وقوله: وجاء أهل المدينة يستبشرون يقول: وجاء أهل مدينة سدوم وهم قوم لوط لما سمعوا أن ضيفا قد ضاف لوطا مستبشرين بنزولهم مدينتهم، طمعا منهم في ركوب الفاحشة، كما:
90
القول في تأويل قوله تعالى: قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون. واتقوا الله ولا تخزون. قالوا أولم ننهك عن العالمين يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه: إن هؤلاء الذين جئتموهم تريدون منهم الفاحشة ضيفي، وحق على الرجل إكرام ضيفه، فلا تفضحون أيها القوم في ضيفي،
90
قالوا أولم ننهك عن العالمين يقول تعالى ذكره: قال للوط قومه: أولم ننهك أن تضيف أحدا من العالمين؟ كما:
90
القول في تأويل قوله تعالى: قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين. لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون. فأخذتهم الصيحة مشرقين يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه: تزوجوا النساء فأتوهن، ولا تفعلوا ما قد حرم الله عليكم من إتيان الرجال، إن كنتم فاعلين ما آمركم به
91
وقوله: لعمرك يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وحياتك يا محمد إن قومك من قريش لفي سكرتهم يعمهون يقول: لفي ضلالتهم وجهلهم يترددون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
91
وقوله: فأخذتهم الصيحة مشرقين يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب، وهي الصيحة مشرقين: يقول: إذ أشرقوا، ومعناه: إذ أشرقت الشمس ونصب " مشرقين " و " مصبحين " على الحال بمعنى: إذا أصبحوا، وإذ أشرقوا، يقال منه: صيح بهم، إذا أهلكوا. وبنحو الذي
93
القول في تأويل قوله تعالى: فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. إن في ذلك لآيات للمتوسمين يقول تعالى ذكره: فجعلنا عالي أرضهم سافلها، وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، كما:
94
وقوله: إن في ذلك لآيات للمتوسمين يقول: إن في الذي فعلنا بقوم لوط من إهلاكهم وأحللنا بهم من العذاب لعلامات ودلالات للمتفرسين المعتبرين بعلامات الله، وعبرة على عواقب أمور أهل معاصيه والكفر به وإنما يعني تعالى ذكره بذلك قوم نبي الله صلى الله عليه وسلم من
94
القول في تأويل قوله تعالى: وإنها لبسبيل مقيم. إن في ذلك لآية للمؤمنين يقول تعالى ذكره: وإن هذه المدينة مدينة سدوم لبطريق واضح مقيم يراها المجتاز بها لا خفاء بها، ولا يبرح مكانها، فيجهل ذو لب أمرها، وغب معصية الله، والكفر به. وبنحو الذي قلنا في
97
وقوله: إن في ذلك لآية للمؤمنين يقول تعالى ذكره: إن في صنيعنا بقوم لوط ما صنعنا بهم، لعلامة ودلالة بينة لمن آمن بالله على انتقامه من أهل الكفر به، وإنقاذه من عذابه، إذا نزل بقوم أهل الإيمان به منهم، كما:
99
القول في تأويل قوله تعالى: وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين. فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين يقول تعالى ذكره: وقد كان أصحاب الغيضة ظالمين، يقول: كانوا بالله كافرين. والأيكة: الشجر الملتف المجتمع، كما قال أمية: كبكا الحمام على فروع الأيك في الغصن
99
وقوله: فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من ظلمة أصحاب الأيكة. وقوله: وإنهما لبإمام مبين يقول: وإن مدينة أصحاب الأيكة ومدينة قوم لوط والهاء والميم في قوله: وإنهما من ذكر المدينتين لبإمام يقول: لبطريق يأتمون به في سفرهم
101
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين يقول تعالى ذكره: ولقد كذب سكان الحجر، وجعلوا لسكناهم فيها ومقامهم بها أصحابها، كما قال تعالى ذكره: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا
103
وقوله: وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين يقول: وأريناهم أدلتنا وحججنا على حقيقة ما بعثنا به إليهم رسولنا صالحا، فكانوا عن آياتنا التي آتيناهموها معرضين، لا يعتبرون بها ولا يتعظون
104
القول في تأويل قوله تعالى: وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين. فأخذتهم الصيحة مصبحين. فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون يقول تعالى ذكره: وكان أصحاب الحجر وهم ثمود قوم صالح ينحتون من الجبال بيوتا آمنين من عذاب الله، وقيل: آمنين من الخراب أن تخرب بيوتهم
104
القول في تأويل قوله تعالى: وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق، وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل. إن ربك هو الخلاق العليم يقول تعالى ذكره: وما خلقنا الخلائق كلها، سماءها وأرضها، ما فيهما وما بينهما يعني بقوله: وما بينهما مما في أطباق
105
وقوله: وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن الساعة، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة لجائية، فارض بها لمشركي قومك الذين كذبوك وردوا عليك ما جئتهم به من الحق. فاصفح الصفح الجميل يقول: فأعرض عنهم
105
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم اختلف أهل التأويل في معنى السبع الذي أتى الله نبيه صلى الله عليه وسلم من المثاني، فقال بعضهم عني بالسبع: السبع السور من أول القرآن اللواتي يعرفن بالطول. وقائلو هذه المقالة مختلفون
107
وأما قوله: والقرآن العظيم فإن القرآن معطوف على السبع، بمعنى: ولقد آتيناك سبع آيات من القرآن وغير ذلك من سائر القرآن كما:
126
القول في تأويل قوله تعالى: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تتمنين يا محمد ما جعلنا من زينة هذه الدنيا متاعا للأغنياء من قومك الذين لا يؤمنون بالله واليوم
126
وقوله: واخفض جناحك للمؤمنين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وألن لمن آمن بك واتبعك واتبع كلامك، وقربهم منك، ولا تجف بهم، ولا تغلظ عليهم يأمره تعالى ذكره بالرفق بالمؤمنين والجناحان من بني آدم: جنباه، والجناحان: الناحيتان، ومنه قول
128
القول في تأويل قوله تعالى: وقل إني أنا النذير المبين. كما أنزلنا على المقتسمين. الذين جعلوا القرآن عضين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد للمشركين إني أنا النذير الذي قد أبان إنذاره لكم من البلاء والعقاب أن ينزل بكم من الله
128
القول في تأويل قوله تعالى: فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون. فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فوربك يا محمد لنسألن هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا فيما
139
ويعني بقوله: فاصدع بما تؤمر فأمض وافرق، كما قال أبو ذؤيب: وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع يعني بقوله: " يصدع " يفرق بالقداح وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
142
القول في تأويل قوله تعالى: إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا كفيناك المستهزئين يا محمد، الذين يستهزئون بك ويسخرون منك، فاصدع بأمر الله، ولا تخف شيئا سوى الله، فإن
145
وقوله: الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون وعيد من الله تعالى ذكره، وتهديد للمستهزئين الذين أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قد كفاه أمرهم بقوله تعالى ذكره: إنا كفيناك يا محمد الساخرين منك، الجاعلين مع الله شريكا في عبادته، فسوف يعلمون ما
153
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولقد نعلم يا محمد أنك يضيق صدرك بما يقول هؤلاء المشركون من قومك من تكذيبهم إياك واستهزائهم بك وبما جئتهم به،
154
القول في تأويل قوله تعالى: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: واعبد ربك حتى يأتيك الموت، الذي هو موقن به. وقيل: يقين، وهو موقن به، كما قيل: خمر عتيق، وهي معتقة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
154
سورة النحل
158
القول في تأويل قوله تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه، سبحانه وتعالى عما يشركون يقول تعالى ذكره: أتى أمر الله فقرب منكم أيها الناس ودنا، فلا تستعجلوا وقوعه ثم اختلف أهل التأويل في الأمر الذي أعلم الله عباده مجيئه وقربه منهم ما هو، وأي شيء هو؟ فقال
158
وقوله سبحانه وتعالى: عما يشركون يقول تعالى ذكره: تنزيها لله وعلوا له عن الشرك الذي كانت قريش ومن كان من العرب على مثل ما هم عليه يدين به. واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: عما يشركون فقرأ ذلك أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين: عما يشركون بالياء
160
القول في تأويل قوله تعالى: ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون اختلفت القراء في قراءة قوله: ينزل الملائكة فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة: ينزل الملائكة بالياء وتشديد الزاي ونصب الملائكة، بمعنى
161
القول في تأويل قوله تعالى: خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون يقول تعالى ذكره معرفا خلقه حجته عليهم في توحيده، وأنه لا تصلح الألوهة إلا له: خلق ربكم أيها الناس السماوات والأرض بالعدل وهو الحق منفردا بخلقها لم يشركه في إنشائها وإحداثها شريك ولم
164
القول في تأويل قوله تعالى: خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيضا أيها الناس، أنه خلق الإنسان من نطفة، فأحدث من ماء مهين خلقا عجيبا، قلبه تارات خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعد ما تم خلقه
165
القول في تأويل قوله تعالى: والأنعام خلقها، لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها الناس ما خلق لكم من الأنعام، فسخرها لكم، وجعل لكم من أصوافها وأوبارها وأشعارها ملابس تدفئون بها، ومنافع من ألبانها، وظهورها تركبونها
165
القول في تأويل قوله تعالى: ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، إن ربكم لرءوف رحيم يقول تعالى ذكره: ولكم في هذه الأنعام والمواشي التي خلقها لكم جمال حين تريحون يعني: تردونها بالعشي من مسارحها
168
وقوله: وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس يقول: وتحمل هذه الأنعام أثقالكم إلى بلد آخر لم تكونوا بالغيه إلا بجهد من أنفسكم شديد، ومشقة عظيمة، كما:
169
وقوله: إن ربكم لرءوف رحيم يقول تعالى ذكره: إن ربكم أيها الناس ذو رأفة بكم ورحمة، من رحمته بكم، خلق لكم الأنعام لمنافعكم ومصالحكم، وخلق السماوات والأرض أدلة لكم على وحدانية ربكم ومعرفة إلهكم، لتشكروه على نعمه عليكم، فيزيدكم من فضله
172
القول في تأويل قوله تعالى: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، ويخلق ما لا تعلمون يقول تعالى ذكره: وخلق الخيل والبغال والحمير لكم أيضا لتركبوها وزينة يقول: وجعلها لكم زينة تتزينون بها مع المنافع التي فيها لكم، للركوب وغير ذلك، ونصب الخيل والبغال
172
وقوله: ويخلق ما لا تعلمون يقول تعالى ذكره: ويخلق ربكم مع خلقه هذه الأشياء التي ذكرها لكم ما لا تعلمون، مما أعد في الجنة لأهلها، وفي النار لأهلها، مما لم تره عين، ولا سمعته أذن، ولا خطر على قلب بشر
176
القول في تأويل قوله تعالى: وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين يقول تعالى ذكره: وعلى الله أيها الناس بيان طريق الحق لكم، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل، فإنما يضل عليها والسبيل: هي الطريق، والقصد من الطريق: المستقيم الذي لا اعوجاج فيه،
177
وقوله: ولو شاء لهداكم أجمعين يقول: ولو شاء الله للطف بجميعكم أيها الناس بتوفيقه، فكنتم تهتدون وتلزمون قصد السبيل، ولا تجورون عنه فتتفرقون في سبل عن الحق جائرة، كما:
180
القول في تأويل قوله تعالى: هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون يقول تعالى ذكره: والذي أنعم عليكم هذه النعم وخلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم، هو الرب الذي أنزل من السماء ماء، يعني: مطرا لكم من ذلك الماء
180
القول في تأويل قوله تعالى: ينبت لكم به الزرع، والزيتون، والنخيل، والأعناب، ومن كل الثمرات، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: ينبت لكم ربكم بالماء الذي أنزل لكم من السماء زرعكم، وزيتونكم، ونخيلكم، وأعنابكم. ومن كل الثمرات يعني من كل
183
القول في تأويل قوله تعالى: وسخر لكم الليل، والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون يقول تعالى ذكره: ومن نعمه عليكم أيها الناس مع التي ذكرها قبل أن سخر لكم الليل والنهار يتعاقبان عليكم، هذا لتصرفكم في معاشكم وهذا
184
القول في تأويل قوله تعالى: وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه، إن في ذلك لآية لقوم يذكرون يعني جل ثناؤه بقوله: وما ذرأ لكم وسخر لكم ما ذرأ: أي ما خلق لكم في الأرض مختلفا ألوانه من الدواب والثمار، كما:
184
القول في تأويل قوله تعالى: وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا، وتستخرجوا منه حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه، ولتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون يقول تعالى ذكره: والذي فعل هذه الأفعال بكم وأنعم عليكم أيها الناس هذه النعم، الذي سخر لكم البحر
185
وقوله: ولتبتغوا من فضله يقول تعالى ذكره: ولتتصرفوا في طلب معايشكم بالتجارة سخر لكم كما:
188
وقوله: ولعلكم تشكرون يقول: ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم من ذلك سخر لكم ما سخر من هذه الأشياء التي عددها في هذه الآيات
189
القول في تأويل قوله تعالى: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون يقول تعالى ذكره: ومن نعمه عليكم أيها الناس أيضا، أن ألقى في الأرض رواسي، وهي جمع راسية، وهي الثوابت في الأرض من الجبال وقوله: أن تميد بكم يعني: أن لا تميد بكم،
189
وقوله: وأنهارا يقول: وجعل فيها أنهارا، فعطف بالأنهار على الرواسي، وأعمل فيها ما أعمل في الرواسي، إذ كان مفهوما معنى الكلام والمراد منه، وذلك نظير قول الراجز: تسمع في أجوافهن صورا وفي اليدين حشة وبورا والحشة: اليبس، فعطف بالحشة على الصوت، والحشة
191
وقوله: وسبلا وهي جمع سبيل، كما الطرق جمع طريق، ومعنى الكلام: وجعل لكم أيها الناس في الأرض سبلا وفجاجا تسلكونها وتسيرون فيها في حوائجكم وطلب معايشكم رحمة بكم، ونعمة منه بذلك عليكم، ولو عماها عليكم لهلكتم ضلالا وحيرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
191
وقوله لعلكم تهتدون يقول: لكي تهتدوا بهذه السبل التي جعلها لكم في الأرض إلى الأماكن التي تقصدون، والمواضع التي تريدون، فلا تضلوا وتتحيروا
191
القول في تأويل قوله تعالى: وعلامات، وبالنجم هم يهتدون اختلف أهل التأويل في المعني بالعلامات، فقال بعضهم: عني بها معالم الطرق بالنهار
192
القول في تأويل قوله تعالى: أفمن يخلق كمن لا يخلق، أفلا تذكرون. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم يقول تعالى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام: أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم عليكم هذه النعم العظيمة، كمن لا يخلق شيئا
194
وقوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها لا تطيقوا أداء شكرها. إن الله لغفور رحيم يقول جل ثناؤه: إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم أن يعذبكم عليه بعد الإنابة إليه والتوبة
195
القول في تأويل قوله تعالى: والله يعلم ما تسرون وما تعلنون. والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون يقول تعالى ذكره: والله الذي هو إلهكم أيها الناس، يعلم ما تسرون في أنفسكم من ضمائركم، فتخفونه عن غيركم، فما تبدونه بألسنتكم وجوارحكم، وما
196
وقوله: (والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) يقول تعالى ذكره: وأوثانكم الذين تدعون من دون الله أيها الناس آلهة لا تخلق شيئا وهي تخلق، فكيف يكون إلها ما كان مصنوعا مدبرا لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا؟
196
القول في تأويل قوله تعالى: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش: والذين تدعون من دون الله أيها الناس أموات غير أحياء وجعلها جل ثناؤه أمواتا غير أحياء، إذ كانت لا أرواح فيها، كما:
196
وقوله: وما يشعرون يقول: وما تدري أصنامكم التي تدعون من دون الله متى تبعث. وقيل: إنما عنى بذلك الكفار، أنهم لا يدرون متى يبعثون
197
القول في تأويل قوله تعالى: إلهكم إله واحد، فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة، وهم مستكبرون يقول تعالى ذكره: معبودكم الذي يستحق عليكم العبادة وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء معبود واحد، لأنه لا تصلح العبادة إلا له، فأفردوا له الطاعة، وأخلصوا
197
القول في تأويل قوله تعالى: لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. إنه لا يحب المستكبرين يعني تعالى ذكره بقوله: لا جرم حقا أن الله يعلم ما يسر هؤلاء المشركون من إنكارهم ما ذكرنا من الأنباء في هذه السورة، واعتقادهم نكير قولنا لهم: إلهكم إله واحد،
198
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين: ماذا أنزل ربكم أي شيء أنزل ربكم؟ قالوا: الذي أنزل ما سطره الأولون من قبلنا من الأباطيل. وكان ذلك كما:
198
القول في تأويل قوله تعالى: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المشركون لمن سألهم ماذا أنزل ربكم: الذي أنزل ربنا فيما يزعم محمد عليه أساطير الأولين، لتكون لهم ذنوبهم التي
199
القول في تأويل قوله تعالى: قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين الذين يصدون عن سبيل الله من أراد اتباع دين الله، فراموا مغالبة
202
وقوله: فخر عليهم السقف من فوقهم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فخر عليهم السقف من فوقهم، أعالي بيوتهم من فوقهم
205
القول في تأويل قوله تعالى: ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين يقول تعالى ذكره: فعل الله بهؤلاء الذين مكروا الذين وصف الله جل ثناؤه أمرهم ما فعل بهم في الدنيا من تعجيل
207
القول في تأويل قوله تعالى: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء، بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: قال الذين أوتوا العلم: إن الخزي اليوم والسوء على من كفر بالله فجحد وحدانيته، الذين تتوفاهم الملائكة
208
وقوله: فألقوا السلم يقول: فاستسلموا لأمره، وانقادوا له حين عاينوا الموت قد نزل بهم ما كنا نعمل من سوء وفي الكلام محذوف استغني بفهم سامعيه ما دل عليه الكلام عن ذكره، وهو: قالوا ما كنا نعمل من سوء يخبر عنهم بذلك أنهم كذبوا وقالوا: ما كنا نعصي الله
209
القول في تأويل قوله تعالى: فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين يقول تعالى ذكره، يقول لهؤلاء الظلمة أنفسهم حين يقولون لربهم: ما كنا نعمل من سوء: ادخلوا أبواب جهنم، يعني: طبقات جهنم، خالدين فيها يعني: ماكثين فيها، فلبئس مثوى
209
القول في تأويل قوله تعالى: وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين يقول تعالى ذكره: وقيل للفريق الآخر الذين هم أهل إيمان وتقوى لله: ماذا أنزل ربكم، قالوا خيرا يقول: قالوا: أنزل
209
وقوله: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة يقول تعالى ذكره: للذين آمنوا بالله في هذه الدنيا ورسوله، وأطاعوه فيها، ودعوا عباد الله إلى الإيمان والعمل بما أمر الله به حسنة يقول: كرامة من الله، ولدار الآخرة خير يقول: ولدار الآخرة خير لهم من دار الدنيا،
210
القول في تأويل قوله تعالى: جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين يعني تعالى ذكره بقوله: جنات عدن بساتين للمقام، وقد بينا اختلاف أهل التأويل في معنى عدن فيما مضى بما أغنى عن إعادته يدخلونها يقول: يدخلون جنات
211
وقوله: تجري من تحتها الأنهار يقول: تجري من تحت أشجارها الأنهار لهم فيها ما يشاءون يقول: للذين أحسنوا في هذه الدنيا في جنات عدن ما يشاءون مما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم. كذلك يجزي الله المتقين يقول: كما يجزي الله هؤلاء الذين أحسنوا في هذه الدنيا بما
212
القول في تأويل قوله تعالى: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: كذلك يجزي الله المتقين الذين تقبض أرواحهم ملائكة الله، وهم طيبون بتطييب الله إياهم بنظافة الإيمان، وطهر الإسلام، في حال حياتهم
212
وقوله: يقولون سلام عليكم يعني جل ثناؤه أن الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتقين، وهي تقول لهم: سلام عليكم، صيروا إلى الجنة، بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة، كما:
213
وقوله: بما كنتم تعملون يقول: بما كنتم تصيبون في الدنيا أيام حياتكم فيها طاعة الله طلب مرضاته
214
القول في تأويل قوله تعالى: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة، أو يأتي أمر ربك، كذلك فعل الذين من قبلهم، وما ظلمهم الله، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون يقول تعالى ذكره: هل ينتظر هؤلاء المشركون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، أو يأتي أمر ربك بحشرهم
214
القول في تأويل قوله تعالى: فأصابهم سيئات ما عملوا، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون يقول تعالى ذكره: فأصاب هؤلاء الذين فعلوا من الأمم الماضية فعل هؤلاء المشركين من قريش سيئات ما عملوا، يعني عقوبات ذنوبهم، ونقم معاصيه التي اكتسبوها، وحاق بهم ما كانوا
215
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء، كذلك فعل الذين من قبلهم، فهل على الرسل إلا البلاغ المبين يقول تعالى ذكره: وقال الذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام من دون
215
وقوله: فهل على الرسل إلا البلاغ المبين يقول جل ثناؤه: فهل أيها القائلون لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا على رسلنا الذين نرسلهم بإنذاركم عقوبتنا على كفركم، إلا البلاغ المبين، يقول: إلا أن تبلغكم ما أرسلنا إليكم من الرسالة ويعني بقوله المبين الذي
216
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين يقول تعالى ذكره: ولقد بعثنا أيها الناس في كل أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا
216
فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: إن كنتم أيها الناس غير مصدقي رسولنا فيما يخبركم به عن هؤلاء الأمم الذين حل بهم ما حل من بأسنا بكفرهم بالله وتكذيبهم رسوله، فسيروا في الأرض التي كانوا يسكنونها والبلاد التي
217
القول في تأويل قوله تعالى: إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل، وما لهم من ناصرين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء المشركين إلى الإيمان بالله واتباع الحق فإن الله لا يهدي من يضل واختلفت القراء في قراءة
217
القول في تأويل قوله تعالى وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول تعالى ذكره: وحلف هؤلاء المشركون من قريش بالله جهد أيمانهم حلفهم، لا يبعث الله من يموت بعد مماته، وكذبوا وأبطلوا في أيمانهم التي
219
القول في تأويل قوله تعالى ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين يقول تعالى ذكره: بل ليبعثن الله من يموت وعدا عليه حقا، ليبين لهؤلاء الذين يزعمون أن الله لا يبعث من يموت ولغيرهم الذي يختلفون فيه من إحياء الله خلقه بعد فنائهم،
221
القول في تأويل قوله تعالى إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون. والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة، ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون يقول تعالى ذكره: إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في
222
وقوله: والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة يقول تعالى ذكره: والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم من بعد ما ظلموا يقول: من بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله لنبوئنهم في
223
وقوله: ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون يقول: ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه في الآخرة أكبر، لأن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
225
القول في تأويل قوله تعالى الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، وآتيناهم الثواب الذي ذكرناه، الذين صبروا في الله على ما نابهم في الدنيا وعلى ربهم يتوكلون يقول: وبالله يثقون في أمورهم، وإليه يستندون في نوائب الأمور
226
القول في تأويل قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلى أمة من الأمم، للدعاء إلى توحيدنا والانتهاء إلى أمرنا ونهينا، إلا
226
القول في تأويل قوله تعالى بالبينات والزبر، وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون يقول تعالى ذكره: أرسلنا بالبينات والزبر رجالا نوحي إليهم. فإن قال قائل: وكيف قيل بالبينات والزبر؟ وما الجالب لهذه الباء في قوله بالبينات فإن قلت
229
وقوله: وأنزلنا إليك الذكر يقول: وأنزلنا إليك يا محمد هذا القرآن تذكيرا للناس وعظة لهم لتبين للناس يقول: لتعرفهم ما أنزل إليهم من ذلك ولعلهم يتفكرون يقول: وليتذكروا فيه ويعتبروا به، أي بما أنزلنا إليك، وقد:
232
القول في تأويل قوله تعالى: أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون يقول تعالى ذكره: أفأمن الذين ظلموا المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراموا أن يفتنوهم عن دينهم من مشركي قريش الذين قالوا إذ
232
القول في تأويل قوله تعالى: أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين. أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم يعني تعالى ذكره بقوله: أو يأخذهم في تقلبهم أو يهلكهم في تصرفهم في البلاد وترددهم في أسفارهم فما هم بمعجزين يقول جل ثناؤه: فإنهم لا يعجزون الله من
233
وأما قوله: أو يأخذهم على تخوف فإنه يعني: أو يهلكهم بتخوف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم، يقال منه: تخوف مال فلان الإنفاق: إذا انتقصه، ونحو تخوفه من التخوف بمعنى التنقص، قول الشاعر: تخوف السير منها تامكا قردا كما
234
وقوله: فإن ربكم لرءوف رحيم يقول: فإن ربكم إن لم يأخذ هؤلاء الذين مكروا السيئات بعذاب معجل لهم، وأخذهم بموت وتنقص بعضهم في أثر بعض، لرءوف بخلقه، رحيم بهم، ومن رأفته ورحمته بهم لم يخسف بهم الأرض، ولم يعجل لهم العذاب، ولكن يخوفهم وينقصهم بموت
238
القول في تأويل قوله تعالى: أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون اختلفت القراء في قراءة: أولم يروا بالياء على الخبر عن الذين مكروا السيئات وقرأ ذلك بعض قراء الكوفيين (أولم تروا) بالتاء على الخطاب. وأولى
239
وقوله: وهم داخرون يعني: وهم صاغرون يقال منه: دخر فلان لله يدخر دخرا ودخورا: إذا ذل له وخضع، ومنه قول ذي الرمة: فلم يبق إلا داخر في مخيس ومنجحر في غير أرضك في جحر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
242
القول في تأويل قوله تعالى: ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يقول تعالى ذكره: ولله يخضع ويستسلم لأمره ما في السماوات وما في الأرض من دابة يدب عليها، والملائكة التي في السماوات، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بالطاعة
245
القول في تأويل قوله تعالى: يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون يقول تعالى ذكره: يخاف هؤلاء الملائكة التي في السماوات وما في الأرض من دابة ربهم من فوقهم أن يعذبهم إن عصوا أمره ويفعلون ما يؤمرون يقول: ويفعلون ما أمرهم الله به، فيؤدون حقوقه،
246
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحد فإياي فارهبون يقول تعالى ذكره: وقال الله لعباده: لا تتخذوا لي شريكا أيها الناس، ولا تعبدوا معبودين، فإنكم إذا عبدتم معي غيري جعلتم لي شريكا، ولا شريك لي، إنما هو إله
246
القول في تأويل قوله تعالى: وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا، أفغير الله تتقون يقول تعالى ذكره: ولله ملك ما في السماوات والأرض من شيء، لا شريك له في شيء من ذلك، هو الذي خلقهم، وهو الذي يرزقهم، وبيده حياتهم وموتهم. وقوله: وله الدين واصبا
246
وقوله: أفغير الله تتقون يقول تعالى ذكره: أفغير الله أيها الناس تتقون، أي ترهبون وتحذرون أن يسلبكم نعمة الله عليكم بإخلاصكم العبادة لربكم، وإفرادكم الطاعة له، وما لكم نافع سواه
250
القول في تأويل قوله تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله، ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون اختلف أهل العربية في وجه دخول الفاء في قوله: فمن الله فقال بعض البصريين: دخلت الفاء، لأن " ما " بمنزلة " من " فجعل الخبر بالفاء وقال بعض الكوفيين: " ما " في معنى
250
ثم إذا مسكم الضر يقول: إذا أصابكم في أبدانكم سقم ومرض وعلة عارضة وشدة من عيش، فإليه تجأرون يقول: فإلى الله تصرخون بالدعاء وتستغيثون به، ليكشف ذلك عنكم وأصله: من جؤار الثور، يقال منه: جأر الثور يجأر جؤارا، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره،
251
القول في تأويل قوله تعالى: ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون. ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون يقول تعالى ذكره: ثم إذا وهب لكم ربكم العافية، ورفع عنكم ما أصابكم من المرض في أبدانكم ومن الشدة في معاشكم، وفرج البلاء عنكم، إذا
252
القول في تأويل قوله تعالى: ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم، تالله لتسألن عما كنتم تفترون يقول تعالى ذكره: ويجعل هؤلاء المشركون من عبدة الأوثان لما لا يعلمون منه ضرا ولا نفعا نصيبا يقول: حظا وجزاء مما رزقناهم من الأموال، إشراكا منهم له، الذي
253
وقوله: تالله لتسألن عما كنتم تفترون يقول تعالى ذكره: والله أيها المشركون الجاعلون الآلهة والأنداد نصيبا فيما رزقناكم شركا بالله وكفرا، ليسألنكم الله يوم القيامة عما كنتم في الدنيا تفترون، يعني: تختلقون من الباطل والإفك على الله بدعواكم له شريكا،
254
القول في تأويل قوله تعالى: ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون. وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يقول تعالى ذكره: ومن جهل هؤلاء المشركين وخبث فعلهم وقبح فريتهم على ربهم، أنهم يجعلون لمن خلقهم ودبرهم وأنعم عليهم، فاستوجب بنعمه عليهم
254
وقوله: وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا يقول: وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة ما يضيفه إليه من ذلك له، ظل وجهه مسودا من كراهته له وهو كظيم يقول قد كظم الحزن، وامتلأ غما بولادته له، فهو لا يظهر ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
255
القول في تأويل قوله تعالى: يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون يقول تعالى ذكره: يتوارى هذا المبشر بولادة الأنثى من الولد له من القوم، فيغيب عن أبصارهم، من سوء ما بشر به يعني: من مساءته إياه مميلا
256
وقوله: ألا ساء ما يحكمون يقول: ألا ساء الحكم الذي يحكم هؤلاء المشركون، وذلك أن جعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم، وجعلوا لما لا ينفعهم ولا يضرهم شركا فيما رزقهم الله، وعبدوا غير من خلقهم وأنعم عليهم
257
القول في تأويل قوله تعالى: للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم وهذا خبر من الله جل ثناؤه أن قوله: وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، والآية التي بعدها مثل ضربه الله لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله البنات
258
وقوله: وهو العزيز الحكيم يقول تعالى ذكره: والله ذو العزة التي لا يمتنع عليه معها عقوبة هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم في هذه الآيات، ولا عقوبة من أراد عقوبته على معصيته إياه، ولا يتعذر عليه شيء أراده وشاءه، لأن الخلق خلقه، والأمر أمره، الحكيم في
259
القول في تأويل قوله تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون يقول تعالى ذكره: ولو يؤاخذ الله عصاة بني آدم بمعاصيهم، ما ترك عليها يعني على الأرض من دابة تدب عليها
259
القول في تأويل قوله تعالى: ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون يقول تعالى ذكره: ويجعل هؤلاء المشركون لله ما يكرهونه لأنفسهم وتصف ألسنتهم الكذب يقول: وتقول ألسنتهم الكذب وتفتريه أن لهم الحسنى فأن في
261
وقوله: لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون يقول تعالى ذكره: حقا واجبا أن لهؤلاء القائلين لله البنات، الجاعلين له ما يكرهونه لأنفسهم، ولأنفسهم الحسنى عند الله يوم القيامة، النار. وقد بينا تأويل قول الله: لا جرم في غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بما
262
وقوله: لا جرم كان بعض أهل العربية يقول: لم تنصب جرم ب " لا " كما نصبت الميم من قول: لا غلام لك، قال: ولكنها نصبت لأنها فعل ماض، مثل قول القائل: قعد فلان وجلس، والكلام: لا رد لكلامهم أي ليس الأمر هكذا، جرم: كسب، مثل قوله: لا أقسم، ونحو ذلك
263
وقوله: وأنهم مفرطون يقول تعالى ذكره: وأنهم مخلفون متروكون في النار، منسيون فيها. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال أكثرهم بنحو ما قلنا في ذلك
263
القول في تأويل قوله تعالى: تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم يقول تعالى ذكره مقسما بنفسه عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: والله يا محمد لقد أرسلنا رسلا من قبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك إلى
267
القول في تأويل قوله تعالى: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وما أنزلنا يا محمد عليك كتابنا وبعثناك رسولا إلى خلقنا إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله،
268
القول في تأويل قوله تعالى: والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، إن في ذلك لآية لقوم يسمعون يقول تعالى ذكره منبه خلقه على حججه عليهم في توحيده، وأنه لا تنبغي الألوهة إلا له، ولا تصلح العبادة لشيء سواه: أيها الناس، معبودكم الذي له
269
القول في تأويل قوله تعالى: وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين يقول تعالى ذكره: وإن لكم أيها الناس لعظة في الأنعام التي نسقيكم مما في بطونه. واختلفت القراء في قراءة قوله: نسقيكم فقرأته عامة أهل مكة
269
وأما قوله: مما في بطونه وقد ذكر الأنعام قبل ذلك، وهي جمع والهاء في البطون موحدة، فإن لأهل العربية في ذلك أقوالا، فكان بعض نحويي الكوفة يقول: النعم والأنعام شيء واحد، لأنهما جميعا جمعان، فرد الكلام في قوله: مما في بطونه إلى التذكير مرادا به معنى
271
وقوله: من بين فرث ودم لبنا خالصا يقول: نسقيكم لبنا، نخرجه لكم من بين فرث ودم خالصا، يقول: خلص من مخالطة الدم والفرث فلم يختلطا به سائغا للشاربين يقول: يسوغ لمن شربه فلا يغص به كما يغص الغاص ببعض ما يأكله من الأطعمة، وقيل: إنه لم يغص أحد باللبن قط
274
القول في تأويل قوله تعالى: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا، إن في ذلك لآية لقوم يعقلون يقول تعالى ذكره: ولكم أيضا أيها الناس عبرة فيما نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا مع ما نسقيكم من بطون الأنعام من
274
وقوله: إن في ذلك لآية لقوم يعقلون يقول: فيما إن وصفنا لكم من نعمنا التي آتيناكم أيها الناس من الأنعام والنخل والكرم، لدلالة واضحة وآية بينة لقوم يعقلون عن الله حججه، ويفهمون عنه مواعظه فيتعظون بها
285
القول في تأويل قوله تعالى: وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون يقول تعالى ذكره: وألهم ربك يا محمد النحل إيحاء إليها أن اتخذي من الجبال بيوتا، ومن الشجر ومما يعرشون يعني: مما يبنون من السقوف، فرفعوها بالبناء. وبنحو
286
القول في تأويل قوله تعالى: ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: ثم كلي أيتها النحل من الثمرات، فاسلكي سبل ربك يقول: فاسلكي طرق ربك ذللا يقول: مذللة لك،
287
وقوله: يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه يقول تعالى ذكره: يخرج من بطون النحل شراب، وهو العسل، مختلف ألوانه، لأن فيها أبيض، وأحمر، وأسحر، وغير ذلك من الألوان قال أبو جعفر: " أسحر ": ألوان مختلفة مثل أبيض، يضرب إلى الحمرة
289
وقوله: فيه شفاء للناس اختلف أهل التأويل فيما عادت عليه الهاء التي في قوله: فيه، فقال بعضهم: عادت على القرآن، وهو المراد بها
289
وقوله: إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: إن في إخراج الله من بطون هذه النحل: الشراب المختلف، الذي هو شفاء للناس، لدلالة وحجة واضحة على من سخر النحل وهداها لأكل الثمرات التي تأكل، واتخاذها البيوت التي تنحت من الجبال والشجر والعروش، وأخرج
291
القول في تأويل قوله تعالى: والله خلقكم ثم يتوفاكم، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا، إن الله عليم قدير يقول تعالى ذكره: والله خلقكم أيها الناس وأوجدكم ولم تكونوا شيئا، لا الآلهة التي تعبدون من دونه، فاعبدوا الذي خلقكم دون غيره
291
وقوله: لكي لا يعلم بعد علم شيئا يقول: إنما نرده إلى أرذل العمر ليعود جاهلا كما كان في حال طفولته وصباه بعد علم شيئا يقول: لئلا يعلم شيئا بعد علم كان يعلمه في شبابه، فذهب ذلك بالكبر ونسي، فلا يعلم منه شيئا، وانسلخ من عقله، فصار من بعد عقل كان له لا
292
القول في تأويل قوله تعالى: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق، فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء، أفبنعمة الله يجحدون يقول تعالى ذكره: والله أيها الناس فضل بعضكم على بعض في الرزق الذي رزقكم في الدنيا، فما الذين فضلهم الله
292
وقوله: أفبنعمة الله يجحدون يقول تعالى ذكره: أفبنعمة الله التي أنعمها على هؤلاء المشركين من الرزق الذي رزقهم في الدنيا يجحدون بإشراكهم غير الله من خلقه في سلطانه وملكه؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
293
القول في تأويل قوله تعالى: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون يقول تعالى ذكره: والله الذي جعل لكم أيها الناس من أنفسكم أزواجا يعني أنه خلق من آدم زوجته حواء، وجعل
295
وقوله: ورزقكم من الطيبات يقول: ورزقكم من حلال المعاش والأرزاق والأقوات
304
أفبالباطل يؤمنون يقول تعالى ذكره: يحرم عليهم أولياء الشيطان من البحائر والسوائب والوصائل، فيصدق هؤلاء المشركون بالله وبنعمة الله هم يكفرون يقول: وبما أحل الله لهم من ذلك وأنعم عليهم بإحلاله، يكفرون يقول: ينكرون تحليله، ويجحدون أن يكون الله أحله
304
القول في تأويل قوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ولا يستطيعون. فلا تضربوا لله الأمثال، إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه أوثانا لا تملك لهم رزقا من السماوات،
304
إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون يقول: والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الأشياء، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه. واختلف أهل العربية في الناصب قوله: " شيئا " فقال بعض البصريين: هو منصوب على البدل من الرزق
306
القول في تأويل قوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوون، الحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: وشبه لكم شبها أيها الناس للكافر من عبيده، والمؤمن به منهم، فأما مثل
307
وقوله: الحمد لله يقول: الحمد الكامل لله خالصا دون ما تدعون أيها القوم من دونه من الأوثان فإياه فاحمدوا دونها. وقوله: بل أكثرهم لا يعلمون يقول: ما الأمر كما تفعلون، ولا القول كما تقولون، ما للأوثان عندهم من يد ولا معروف فتحمد عليه، إنما الحمد لله
309
القول في تأويل قوله تعالى: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه، أينما يوجهه لا يأت بخير، هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تعبد من دونه، فقال تعالى ذكره: وضرب
309
القول في تأويل قوله تعالى: ولله غيب السموات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير يقول تعالى ذكره: ولله أيها الناس ملك ما غاب عن أبصاركم في السماوات والأرض دون آلهتكم التي تدعون من دونه، ودون كل ما سواه، لا يملك ذلك
314
وقوله: إن الله على كل شيء قدير يقول: إن الله على إقامة الساعة في أقرب من لمح البصر قادر، وعلى ما يشاء من الأشياء كلها، لا يمتنع عليه شيء أراده
314
القول في تأويل قوله تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع، والأبصار، والأفئدة، لعلكم تشكرون يقول تعالى ذكره: والله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم
315
القول في تأويل قوله تعالى: ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء، ما يمسكهن إلا الله، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين: ألم تروا أيها المشركون بالله إلى الطير مسخرات في جو السماء، يعني: في هواء السماء بينها وبين الأرض،
315
القول في تأويل قوله تعالى: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا، وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين يقول تعالى ذكره: والله جعل لكم أيها الناس من بيوتكم التي هي من الحجر والمدر،
317
وقوله: ومتاعا إلى حين فإنه يعني: أنه جعل ذلك لهم بلاغا، يتبلغون ويكتفون به إلى حين آجالهم للموت كما:
319
القول في تأويل قوله تعالى: والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم، كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون يقول تعالى ذكره: ومن نعمة الله عليكم أيها الناس أن جعل لكم مما خلق من الأشجار وغيرها
320
وقوله: وجعل لكم من الجبال أكنانا يقول: وجعل لكم من الجبال مواضع تسكنون فيها، وهي جمع كن كما:
321
وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر يعني ثياب القطن، والكتان، والصوف، وقمصها، كما:
321
وقوله: سرابيل تقيكم بأسكم يقول: ودروعا تقيكم بأسكم، والبأس: هو الحرب، والمعنى: تقيكم في بأسكم السلاح أن يصل إليكم، كما:
321
وقوله: كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون يقول تعالى ذكره: كما أعطاكم ربكم هذه الأشياء التي وصفها في هذه الآيات نعمة منه بذلك عليكم، فكذا يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون يقول: لتخضعوا لله بالطاعة، وتذل منكم بتوحيده النفوس، وتخلصوا له العبادة وقد روي عن
322
القول في تأويل قوله تعالى: فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين. يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإن أدبر هؤلاء المشركون يا محمد عما أرسلتك به إليهم من الحق، فلم يستجيبوا لك وأعرضوا عنه، فما
324
وأما قوله: يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني بالنعمة التي أخبر الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها، فقال بعضهم: هو النبي صلى الله عليه وسلم، عرفوا نبوته ثم جحدوها وكذبوه
325
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون يقول تعالى ذكره: يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها اليوم ويستنكرون يوم نبعث من كل أمة شهيدا وهو الشاهد عليها بما أجابت داعي الله، وهو رسولهم الذي أرسل إليهم ثم لا
327
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون يقول تعالى ذكره: وإذا عاين الذين كذبوك يا محمد وجحدوا نبوتك والأمم الذين كانوا على منهاج مشركي قومك عذاب الله، فلا ينجيهم من عذاب الله شيء، لأنهم لا يؤذن لهم فيعتذرون
328
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك، فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المشركون بالله يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون الله من الآلهة والأوثان وغير ذلك،
328
القول في تأويل قوله تعالى: وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون يقول تعالى ذكره: وألقى المشركون إلى الله يومئذ السلم يقول: استسلموا يومئذ وذلوا لحكمه فيهم، ولم تغن عنهم آلهتهم التي كانوا يدعون في الدنيا من دون الله، وتبرأت منهم، ولا
329
القول في تأويل قوله تعالى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون يقول تعالى ذكره: الذين جحدوا يا محمد نبوتك وكذبوك فيما جئتهم به من عند ربك، وصدوا عن الإيمان بالله وبرسوله ومن أراده، زدناهم عذابا يوم القيامة في جهنم
330
وقوله: بما كانوا يفسدون يقول: زدناهم ذلك العذاب على ما بهم من العذاب بما كانوا يفسدون، بما كانوا في الدنيا يعصون الله ويأمرون عباده بمعصيته، فذلك كان إفسادهم، اللهم إنا نسألك العافية، يا مالك الدنيا والآخرة الباقية
332
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين يقول تعالى ذكره: ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم يقول: نسأل نبيهم الذي بعثناه إليهم
333
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون يقول تعالى ذكره: إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل، وهو الإنصاف ومن الإنصاف: الإقرار بمن
334
وقوله: والإحسان فإن الإحسان الذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته: الصبر لله على طاعته فيما أمر ونهى، في الشدة والرخاء، والمكره والمنشط، وذلك هو أداء فرائضه، كما:
335
وقوله: وإيتاء ذي القربى يقول: وإعطاء ذي القربى الحق الذي أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم، كما:
335
وقوله: وينهى عن الفحشاء قال: " الفحشاء في هذا الموضع: الزنا
336
القول في تأويل قوله تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا، إن الله يعلم ما تفعلون يقول تعالى ذكره: وأوفوا بميثاق الله إذا واثقتموه، وعقده إذا عاقدتموه، فأوجبتم به على أنفسكم حقا لمن عاقدتموه
338
وقوله: إن الله يعلم ما تفعلون يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الناس يعلم ما تفعلون في العهود التي تعاهدون الله من الوفاء بها والأحلاف والأيمان التي تؤكدونها على أنفسكم، أتبرون فيها أم تنقضونها وغير ذلك من أفعالكم، محص ذلك كله عليكم، وهو مسائلكم عنها
341
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، أن تكون أمة هي أربى من أمة، إنما يبلوكم الله به، وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون يقول تعالى ذكره ناهيا عباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها
341
وقوله: أنكاثا يعني: أنقاضا، وكل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث، واحدها: نكث حبلا كان ذلك أو غزلا، يقال منه: نكث فلان هذا الحبل فهو ينكثه نكثا، والحبل منتكث: إذا انتقضت قواه وإنما عني به في هذا الموضع نكث العهد والعقد
343
وقوله: تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة يقول تعالى ذكره: تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتموه دخلا بينكم يقول: خديعة وغرورا ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنقلة عنهم
344
وقوله: إنما يبلوكم الله به يقول تعالى ذكره: إنما يختبركم الله بأمره إياكم بالوفاء بعهد الله إذا عاهدتم، ليتبين المطيع منكم المنتهى إلى أمره ونهيه من العاصي المخالف أمره ونهيه. وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون. يقول تعالى ذكره: وليبينن
347
القول في تأويل قوله تعالى: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ولتسألن عما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربكم أيها الناس للطف بكم بتوفية من عنده، فصرتم جميعا جماعة واحدة وأهل ملة واحدة لا تختلفون ولا تفترقون،
347
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله، ولكم عذاب عظيم يقول تعالى ذكره: ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دخلا وخديعة بينكم، تغرون بها الناس فتزل قدم بعد ثبوتها يقول: فتهلكوا بعد أن
348
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا، إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون. ما عندكم ينفد وما عند الله باق، ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: ولا تنقضوا عهودكم أيها الناس وعقودكم التي عاقدتموها
349
القول في تأويل قوله تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: من عمل بطاعة الله، وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهو مؤمن يقول: وهو مصدق بثواب الله
350
القول في تأويل قوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا كنت يا محمد قارئا
357
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر، بل أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم أخرى، والله أعلم بما ينزل يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدل ويغير من
362
القول في تأويل قوله تعالى: قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للقائلين لك إنما أنت مفتر فيما تتلو عليهم من آي كتابنا: أنزله روح القدس، يقول: قل جاء به جبرئيل
363
وقوله: ليثبت الذين آمنوا يقول تعالى ذكره: قل نزل هذا القرآن، ناسخه ومنسوخه، روح القدس علي من ربي، تثبيتا للمؤمنين وتقوية لإيمانهم، ليزدادوا بتصديقهم لناسخه ومنسوخه إيمانا لإيمانهم، وهدى لهم من الضلالة، وبشرى للمسلمين الذين استسلموا لأمر الله،
364
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين يقول تعالى ذكره: ولقد نعلم أن هؤلاء المشركين يقولون جهلا منهم: إنما يعلم محمدا هذا الذي يتلوه بشر من بني آدم، وما هو من عند الله يقول
364
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم. إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون يقول تعالى: إن الذين لا يؤمنون بحجج الله وأدلته فيصدقون بما دلت عليه، لا يهديهم الله يقول: لا
370
القول في تأويل قوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا، فعليهم غضب من الله، ولهم عذاب عظيم اختلف أهل العربية في العامل في " من " من قوله: من كفر بالله ومن قوله: ولكن من شرح بالكفر صدرا، فقال
371
القول في تأويل قوله تعالى: ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، وأن الله لا يهدي القوم الكافرين يقول تعالى ذكره: حل بهؤلاء المشركين غضب الله ووجب لهم العذاب العظيم، من أجل أنهم اختاروا زينة الحياة الدنيا على نعيم الآخرة، ولأن الله لا يوفق
376
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين طبع الله على قلوبهم، وسمعهم، وأبصارهم، وأولئك هم الغافلون. لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون يقول تعالى ذكره: هؤلاء المشركون الذين وصفت لكم صفتهم في هذه الآيات أيها الناس، هم القوم الذين طبع الله على قلوبهم،
376
القول في تأويل قوله تعالى: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا، ثم جاهدوا وصبروا، إن ربك من بعدها لغفور رحيم يقول تعالى ذكره: ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين، وانتقلوا عنهم إلى ديار أهل الإسلام ومساكنهم وأهل
377
القول في تأويل قوله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها، وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون يقول تعالى ذكره: إن ربك من بعدها لغفور رحيم يوم تأتي كل نفس تخاصم عن نفسها، وتحتج عنها بما أسلفت في الدنيا من خير أو شر، أو إيمان أو كفر وتوفى كل نفس ما
381
القول في تأويل قوله تعالى: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون يقول الله تعالى ذكره ومثل الله مثلا لمكة التي سكانها أهل الشرك بالله هي القرية التي كانت
382
وقوله: فكفرت بأنعم الله يقول: فكفر أهل هذه القرية بأنعم الله التي أنعم عليها. واختلف أهل العربية في واحد " الأنعم "، فقال بعض نحويي البصرة: جمع النعمة على أنعم، كما قال الله: حتى إذا بلغ أشده، فزعم أنه جمع الشدة وقال آخر منهم الواحد نعم، وقال:
385
وقوله: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف يقول تعالى ذكره: فأذاق الله أهل هذه القرية لباس الجوع، وذلك جوع خالط أذاه أجسامهم، فجعل الله تعالى ذكره ذلك لمخالطته أجسامهم بمنزلة اللباس لها وذلك أنهم سلط عليهم الجوع سنين متوالية بدعاء رسول الله صلى الله عليه
385
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه، فأخذهم العذاب وهم ظالمون يقول تعالى ذكره: ولقد جاء أهل هذه القرية التي وصف الله صفتها في هذه الآية التي قبل هذه الآية رسول منهم يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، يقول: من أنفسهم يعرفونه
386
القول في تأويل قوله تعالى: فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا، واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون يقول تعالى ذكره: فكلوا أيها الناس مما رزقكم الله من بهائم الأنعام التي أحلها لكم حلالا طيبا مذكاة غير محرمة عليكم واشكروا نعمة الله يقول: واشكروا الله
387
القول في تأويل قوله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم يقول تعالى ذكره مكذبا المشركين الذين كانوا يحرمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك: ما حرم الله عليكم أيها الناس
388
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق ولا تقولوا لما تصف
389
القول في تأويل قوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل، وما ظلمناهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون يقول تعالى ذكره: وحرمنا من قبلك يا محمد على اليهود ما أنبأناك به من قبل في سورة الأنعام، وذاك كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم
391
القول في تأويل قوله تعالى: ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة، ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا، إن ربك من بعدها لغفور رحيم يقول تعالى ذكره: إن ربك للذين عصوا الله فجهلوا بركوبهم ما ركبوا من معصية الله، وسفهوا بذلك، ثم راجعوا طاعة الله، والندم عليها،
392
القول في تأويل قوله تعالى: إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه، اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم يقول تعالى ذكره: إن إبراهيم خليل الله كان معلم خير يأتم به أهل الهدى قانتا يقول: مطيعا لله حنيفا يقول: مستقيما على دين
392
القول في تأويل قوله تعالى: وآتيناه في الدنيا حسنة، وإنه في الآخرة لمن الصالحين يقول تعالى ذكره: وآتينا إبراهيم على قنوته لله وشكره على نعمه وإخلاصه العبادة له في هذه الدنيا ذكرا حسنا وثناء جميلا باقيا على الأيام وإنه في الآخرة لمن الصالحين يقول: وإنه
397
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه، وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ثم أوحينا إليك يا
398
وقوله: إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه يقول تعالى ذكره: ما فرض الله أيها الناس تعظيم يوم السبت إلا على الذين اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو أعظم الأيام، لأن الله تعالى فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة، ثم سبت يوم السبت. وقال آخرون: بل أعظم الأيام
398
وقوله: وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد ليحكم بين هؤلاء المختلفين بينهم في استحلال السبت وتحريمه عند مصيرهم إليه يوم القيامة، فيقضي بينهم في ذلك وفي غيره مما كانوا فيه يختلفون في الدنيا بالحق،
400
القول في تأويل قوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ادع يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى طاعته إلى سبيل
400
وقوله: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد هو أعلم بمن جار عن قصد السبيل من المختلفين في السبت وغيره من خلقه، وحاد الله، وهو أعلم بمن كان منهم سالكا قصد السبيل ومحجة الحق، وهو مجاز جميعهم
401
القول في تأويل قوله تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين يقول تعالى ذكره للمؤمنين: وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته واحتسبتم عند
401
القول في تأويل قوله تعالى: واصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واصبر يا محمد على ما أصابك من أذى في الله وما صبرك إلا بالله يقول: وما صبرك إن صبرت إلا بمعونة الله وتوفيقه
407
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون يقول تعالى ذكره: إن الله يا محمد مع الذين اتقوا الله في محارمه فاجتنبوها، وخافوا عقابه عليها، فأحجموا عن التقدم عليها والذين هم محسنون يقول: وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضه والقيام
409
سورة الإسراء
411
القول في تأويل قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: يعني تعالى ذكره بقوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا تنزيها للذي أسرى
411
وأما قوله: من المسجد الحرام فإنه اختلف فيه وفي معناه، فقال بعضهم: يعني من الحرم، وقال: الحرم كله مسجد. وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا. وقال: وقد ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان نائما في بيت أم
413
وقوله: الذي باركنا حوله يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم
448
وقوله: لنريه من آياتنا يقول تعالى ذكره: كي نري عبدنا محمدا من آياتنا، يقول: من عبرنا وأدلتنا وحججنا، وذلك هو ما قد ذكرت في الأخبار التي رويتها آنفا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أريه في طريقه إلى بيت المقدس، وبعد مصيره إليه من عجائب العبر
448
وقوله: إنه هو السميع البصير يقول تعالى ذكره: إن الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة في مسرى محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ولغير ذلك من قولهم وقول غيرهم، البصير بما يعملون من الأعمال، لا يخفى عليه شيء من ذلك
448
القول في تأويل قوله تعالى: وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا يقول تعالى ذكره: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا وآتى موسى الكتاب، ورد الكلام إلى وآتينا وقد ابتدأ بقوله أسرى، لما قد ذكرنا قبل فيما مضى من فعل العرب في نظائر
449
وجعلناه هدى لبني إسرائيل يقول: وجعلنا الكتاب الذي هو التوراة بيانا للحق، ودليلا لهم على محجة الصواب فيما افترض عليهم، وأمرهم به، ونهاهم عنه
449
وقوله: ألا تتخذوا من دوني وكيلا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة ألا تتخذوا بالتاء بمعنى: وآتينا موسى الكتاب بأن لا تتخذوا يا بني إسرائيل من دوني وكيلا. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة: (ألا يتخذوا) بالياء على الخبر عن بني
449
القول في تأويل قوله تعالى: ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا يقول تعالى ذكره: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا
451
وقوله: إنه كان عبدا شكورا يعني بقوله تعالى ذكره: " إنه " إن نوحا، والهاء من ذكر نوح، كان عبدا شكورا لله على نعمه. وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي سماه الله من أجله شكورا، فقال بعضهم: سماه الله بذلك لأنه كان يحمد الله على طعامه إذا طعمه
452
القول في تأويل قوله تعالى: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى القضاء: الفراغ من الشيء، ثم
454
وأما قوله: ولتعلن علوا كبيرا فقد ذكرنا قول من قال: يعني به: استكبارهم على الله بالجراءة عليه، وخلافهم أمره. وكان مجاهد يقول في ذلك:
469
وأما قوله: فإذا جاء وعد أولاهما يعني: فإذا جاء وعد أولى المرتين اللتين يفسدون بهما في الأرض كما:
469
وقوله: بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا يعني تعالى ذكره بقوله: بعثنا عليكم وجهنا إليكم، وأرسلنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد يقول: ذوي بطش في الحروب شديد
470
وقوله: فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا يقول: فترددوا بين الدور والمساكن، وذهبوا وجاءوا. يقال فيه: جاس القوم بين الديار وجاسوا بمعنى واحد، وجست أنا أجوس جوسا وجوسانا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، روي الخبر عن ابن عباس:
470
القول في تأويل قوله تعالى ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا يقول تعالى ذكره: ثم أدلناكم يا بني إسرائيل على هؤلاء القوم الذين وصفهم جل ثناؤه أنه يبعثهم عليهم، وكانت تلك الإدالة والكرة لهم عليهم، فيما ذكر السدي في خبره
476
وأمددناكم بأموال وبنين يقول: وزدنا فيما أعطيناكم من الأموال والبنين
477
وقوله: وجعلناكم أكثر نفيرا يقول: وصيرناكم أكثر عدد نافر منهم وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
477
القول في تأويل قوله تعالى إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا يقول تعالى ذكره لبني إسرائيل فيما قضى إليهم في التوراة: إن أحسنتم يا بني إسرائيل، فأطعتم الله
477
وقوله: فإذا جاء وعد الآخرة يقول: فإذا جاء وعد المرة الآخرة من مرتي إفسادكم يا بني إسرائيل في الأرض ليسوءوا وجوهكم يقول: ليسوء مجيء ذلك الوعد للمرة الآخرة وجوهكم فيقبحها. وقد اختلف القراء في قراءة قوله ليسوءوا وجوهكم فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة
478
وقوله: وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة يقول: وليدخل عدوكم الذي أبعثه عليكم مسجد بيت المقدس قهرا منهم لكم وغلبة، كما دخلوه أول مرة حين أفسدتم الفساد الأول في الأرض
504
وأما قوله: وليتبروا ما علوا تتبيرا فإنه يقول: وليدمروا ما غلبوا عليه من بلادكم تدميرا. يقال منه: دمرت البلد: إذا خربته وأهلكت أهله. وتبر تبرا وتبارا، وتبرته أتبره تتبيرا. ومنه قول الله تعالى ذكره ولا تزد الظالمين إلا تبارا يعني: هلاكا. وبنحو
504
القول في تأويل قوله تعالى: عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا يقول تعالى ذكره: لعل ربكم يا بني إسرائيل أن يرحمكم بعد انتقامه منكم بالقوم الذين يبعثهم الله عليكم ليسوء مبعثه عليكم وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة،
505
وقوله: وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: وجعلنا جهنم للكافرين سجنا يسجنون فيها
507
القول في تأويل قوله تعالى: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرشد
510
وقوله: ويبشر المؤمنين يقول: ويبشر أيضا مع هدايته من اهتدى به للسبيل الأقصد الذين يؤمنون بالله ورسوله، ويعملون في دنياهم بما أمرهم الله به، وينتهون عما نهاهم عنه بأن لهم أجرا من الله على إيمانهم وعملهم الصالحات كبيرا يعني ثوابا عظيما، وجزاء جزيلا،
511
قوله: وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة يقول تعالى ذكره: وأن الذين لا يصدقون بالمعاد إلى الله، ولا يقرون بالثواب والعقاب في الدنيا، فهم لذلك لا يتحاشون من ركوب معاصي الله أعتدنا لهم يقول: أعددنا لهم، لقدومهم على ربهم يوم القيامة عذابا أليما يعني موجعا،
512
القول في تأويل قوله تعالى: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا يقول تعالى ذكره مذكرا عباده أياديه عندهم، ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشر، فيقول: اللهم أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه، كدعائه بالخير: يقول: كدعائه ربه بأن يهب له
512
القول في تأويل قوله تعالى: وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا يقول تعالى ذكره: ومن نعمته عليكم أيها الناس، مخالفته بين علامة الليل وعلامة النهار،
514
القول في تأويل قوله تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا يقول تعالى ذكره: وكل إنسان ألزمناه ما قضي له أنه عامله، وهو صائر إليه من شقاء أو سعادة بعمله في عنقه لا يفارقه. وإنما قوله ألزمناه طائره مثل لما كانت
518
القول في تأويل قوله تعالى: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا يقول تعالى ذكره: ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا فيقال له: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا فترك ذكر قوله: فنقول له، اكتفاء بدلالة الكلام عليه. وعنى بقوله: اقرأ كتابك
525
القول في تأويل قوله تعالى: من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا يقول تعالى ذكره: من استقام على طريق الحق فاتبعه، وذلك دين الله الذي ابتعث به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فإنما يهتدي
525
وقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا يقول تعالى ذكره: وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم. كما:
526
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا اختلف القراء في قراءة قوله أمرنا مترفيها فقرأت ذلك عامة قراء الحجاز والعراق أمرنا بقصر الألف وغير مدها وتخفيف الميم وفتحها. وإذا قرئ ذلك كذلك،
527
القول في تأويل قوله تعالى وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا وهذا وعيد من الله تعالى ذكره مكذبي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من مشركي قريش، وتهديده لهم بالعقاب، وإعلام منه لهم أنهم إن لم ينتهوا عما هم عليه مقيمون من
533
وقوله: وكفى بربك أدخلت الباء في قوله: بربك وهو في محل رفع، لأن معنى الكلام: وكفاك ربك، وحسبك ربك بذنوب عباده خبيرا، دلالة على المدح، وكذلك تفعل العرب في كل كلام كان بمعنى المدح أو الذم، تدخل في الاسم الباء والاسم المدخلة عليه الباء في موضع رفع
535
القول في تأويل قوله تعالى: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا يقول تعالى ذكره: من كان طلبه الدنيا العاجلة ولها يعمل ويسعى، وإياها يبتغي، لا يوقن بمعاد ولا يرجو ثوابا ولا عقابا من ربه على عمله
535
القول في تأويل قوله تعالى: ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا يقول تعالى ذكره: من أراد الآخرة وإياها طلب، ولها عمل عملها الذي هو طاعة الله وما يرضيه عنه، وأضاف السعي إلى الهاء والألف وهي كناية عن الآخرة، فقال: وسعى
537
القول في تأويل قوله تعالى: كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا يقول تعالى ذكره: يمد ربك يا محمد كلا الفريقين من مريدي العاجلة ومريدي الآخرة، الساعي لها سعيها وهو مؤمن في هذه الدنيا من عطائه فيرزقهما جميعا من رزقه إلى بلوغهما الأمد
537
القول في تأويل قوله تعالى انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر يا محمد بعين قلبك إلى هذين الفريقين اللذين هم أحدهما الدار العاجلة، وإياها يطلب ولها يعمل، والآخر الذي يريد
539
القول في تأويل قوله تعالى: لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تجعل يا محمد مع الله شريكا في ألوهته وعبادته، ولكن أخلص له العبادة، وأفرد له الألوهة، فإنه لا إله غيره، فإنك إن تجعل معه إلها
540
القول في تأويل قوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما يعني بذلك تعالى ذكره حكم ربك يا محمد بأمره إياكم ألا تعبدوا إلا الله، فإنه لا ينبغي أن يعبد
541
وقوله: وبالوالدين إحسانا يقول: وأمركم بالوالدين إحسانا أن تحسنوا إليهما وتبروهما. ومعنى الكلام: وأمركم أن تحسنوا إلى الوالدين، فلما حذفت " أن " تعلق القضاء بالإحسان، كما يقال في الكلام: آمرك به خيرا، وأوصيك به خيرا، بمعنى: آمرك أن تفعل به خيرا
543
وقوله: فلا تقل لهما أف يقول: فلا تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما، واحتسب في الأجر صبرك عليه منهما، كما صبرا عليك في صغرك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
545
وقوله: ولا تنهرهما يقول جل ثناؤه: ولا تزجرهما. كما:
548
وأما قوله: وقل لهما قولا كريما فإنه يقول جل ثناؤه: وقل لهما قولا جميلا حسنا. كما:
548
القول في تأويل قوله تعالى: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا يقول تعالى ذكره: وكن لهما ذليلا رحمة منك بهما تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
550
وأما قوله: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا فإنه يقول: ادع الله لوالديك بالرحمة، وقل رب ارحمهما وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك كما تعطفا علي في صغري، فرحماني وربياني صغيرا، حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما. كما:
553
القول في تأويل قوله تعالى ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا يقول تعالى ذكره ربكم أيها الناس أعلم منكم بما في نفوسكم من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم والبر بهم، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم، والعقوق لهم،
555
القول في تأويل قوله تعالى: وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا اختلف أهل التأويل في المعني بقوله وآت ذا القربى فقال بعضهم: عنى به: قرابة الميت من قبل أبيه وأمه، أمر الله جل
562
وأما قوله إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين فإنه يعني: إن المفرقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين، وكذلك تقول العرب لكل ملازم سنة قوم وتابع أثرهم: هو أخوهم. وكان الشيطان لربه كفورا يقول: وكان الشيطان لنعمة ربه التي
568
القول في تأويل قوله تعالى وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا يقول تعالى ذكره: وإن تعرض يا محمد عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم حقوقهم إذا وجدت إليها السبيل بوجهك عند مسألتهم إياك، ما لا تجد إليه سبيلا، حياء منهم ورحمة لهم
569
القول في تأويل قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا وهذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى للممتنع من الإنفاق في الحقوق التي أوجبها في أموال ذوي الأموال، فجعله كالمشدودة يده إلى عنقه، الذي لا يقدر على الأخذ بها
573
القول في تأويل قوله تعالى إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد يبسط رزقه لمن يشاء من عباده، فيوسع عليه، ويقدر على من يشاء، يقول: ويقتر على من يشاء منهم، فيضيق
576
القول في تأويل قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا. يقول تعالى ذكره: وقضى ربك يا محمد ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق فموضع تقتلوا نصب عطفا على ألا تعبدوا. ويعني بقوله
577
وأما قوله: إن قتلهم كان خطئا كبيرا فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والعراق إن قتلهم كان خطئا كبيرا بكسر الخاء من الخطء وسكون الطاء. وإذا قرئ ذلك كذلك، كان له وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون اسما من قول القائل: خطئت فأنا
578
القول في تأويل قوله تعالى ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا. يقول تعالى ذكره: وقضى أيضا أن لا تقربوا أيها الناس الزنا إنه كان فاحشة يقول: إن الزنا كان فاحشة وساء سبيلا يقول: وساء طريق الزنا طريقا، لأن طريق أهل معصية الله، والمخالفين أمره،
581
القول في تأويل قوله تعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا يقول جل ثناؤه: وقضى أيضا أن لا تقتلوا أيها الناس النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وحقها أن لا تقتل إلا بكفر بعد
581
قوله: ومن قتل مظلوما يقول: ومن قتل بغير المعاني التي ذكرنا أنه إذا قتل بها كان قتلا بحق فقد جعلنا لوليه سلطانا يقول: فقد جعلنا لولي المقتول ظلما سلطانا على قاتل وليه، فإن شاء استقاد منه فقتله بوليه، وإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذ الدية. وقد اختلف
583
وقوله: فلا يسرف في القتل اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: (فلا تسرف) بمعنى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد به هو والأئمة من بعده، يقول: فلا تقتل بالمقتول ظلما غير قاتله، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك إذا
584
وأما قوله: إنه كان منصورا فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عنى بالهاء التي في قوله إنه وعلى ما هي عائدة، فقال بعضهم: هي عائدة على ولي المقتول، وهو المعني بها، وهو المنصور على القاتل
588
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا يقول تعالى ذكره: وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل إسرافا وبدارا أن يكبروا، ولكن اقربوه بالفعلة التي هي أحسن، والخلة التي هي أجمل
590
وقوله: حتى يبلغ أشده يقول: حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل، وتدبير ماله، وصلاح حاله في دينه
590
وأوفوا بالعهد يقول: وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام، وفيما بينكم أيضا، والبيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود
590
إن العهد كان مسئولا يقول: إن الله جل ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه، يقول: فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك. وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا، يقال في الكلام: ليسألن فلان عهد فلان
591
القول في تأويل قوله تعالى وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا يقول تعالى ذكره: وقضى أن أوفوا الكيل للناس إذا كلتم لهم حقوقهم قبلكم، ولا تبخسوهم وزنوا بالقسطاس المستقيم يقول: وقضى أن زنوا أيضا إذا وزنتم لهم بالميزان
591
وقوله: ذلك خير يقول: إيفاؤكم أيها الناس من تكيلون له الكيل، ووزنكم بالعدل لمن توفون له خير لكم من بخسكم إياهم ذلك، وظلمكموهم فيه
592
وقوله: وأحسن تأويلا يقول: وأحسن مردودا عليكم وأولى إليه فيه فعلكم ذلك، لأن الله تبارك وتعالى يرضى بذلك عليكم، فيحسن لكم عليه الجزاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
592
القول في تأويل قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ولا تقف ما ليس لك به علم فقال بعضهم. معناه: ولا تقل ما ليس لك به علم
593
وأما قوله إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فإن معناه: إن الله سائل هذه الأعضاء عما قال صاحبها، من أنه سمع أو أبصر أو علم، تشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحق، وقال " أولئك "، ولم يقل " تلك " كما قال الشاعر: ذم المنازل بعد منزلة اللوى
596
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا يقول تعالى ذكره: ولا تمش في الأرض مختالا مستكبرا إنك لن تخرق الأرض يقول: إنك لن تقطع الأرض باختيالك، كما قال رؤبة: وقاتم الأعماق خاوي المخترق يعني بالمخترق:
597
وقوله: كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها فإن القراء اختلفت فيه، فقرأه بعض قراء المدينة وعامة قراء الكوفة كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها على الإضافة بمعنى: كل هذا الذي ذكرنا من هذه الأمور التي عددنا من مبتدإ قولنا وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه. . إلى
599
القول في تأويل قوله تعالى ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا يقول تعالى ذكره: هذا الذي بينا لك يا محمد من الأخلاق الجميلة التي أمرناك بجميلها، ونهيناك عن قبيحها مما أوحى إليك ربك من الحكمة يقول: من
600
القول في تأويل قوله تعالى: أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما يقول تعالى ذكره للذين قالوا من مشركي العرب: الملائكة بنات الله أفأصفاكم أيها الناس ربكم بالبنين يقول: أفخصكم ربكم بالذكور من الأولاد واتخذ من الملائكة
602
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا يقول تعالى ذكره: ولقد صرفنا لهؤلاء المشركين المفترين على الله في هذا القرآن العبر والآيات والحجج، وضربنا لهم فيه الأمثال، وحذرناهم فيه وأنذرناهم ليذكروا يقول: ليتذكروا
602
القول في تأويل قوله تعالى: قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر: لو كان الأمر كما تقولون: من أن معه آلهة وليس ذلك كما
603
القول في تأويل قوله تعالى: سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا وهذا تنزيه من الله تعالى ذكره نفسه عما وصفه به المشركون، الجاعلون معه آلهة غيره،
604
وقوله: ولكن لا تفقهون تسبيحهم يقول تعالى ذكره: ولكن لا تفقهون تسبيح ما عدا تسبيح من كان يسبح بمثل ألسنتكم إنه كان حليما يقول: إن الله كان حليما لا يعجل على خلقه الذين يخالفون أمره، ويكفرون به، ولولا ذلك لعاجل هؤلاء المشركين الذين يدعون معه الآلهة
607
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا يقول تعالى ذكره: وإذا قرأت يا محمد القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالبعث، ولا يقرون بالثواب والعقاب، جعلنا بينك وبينهم حجابا، يحجب قلوبهم عن
607
القول في تأويل قوله تعالى: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا يقول تعالى ذكره: وجعلنا على قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة عند قراءتك عليهم القرآن أكنة، وهي جمع كنان، وذلك ما يتغشاها
609
القول في تأويل قوله تعالى: نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا يقول تعالى ذكره: نحن أعلم يا محمد بما يستمع به هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي قومك، إذ يستمعون إليك وأنت تقرأ كتاب الله
611
وقوله إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا يقول: حين يقول المشركون بالله ما تتبعون إلا رجلا مسحورا. وعنى فيما ذكر بالنجوى: الذين تشاوروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
611
القول في تأويل قوله تعالى: انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا يقول تعالى ذكره: انظر يا محمد بعين قلبك فاعتبر كيف مثلوا لك الأمثال، وشبهوا لك الأشباه، بقولهم: هو مسحور، وهو شاعر، وهو مجنون فضلوا يقول: فجاروا عن قصد السبيل بقيلهم ما
613
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي قريش، وقالوا بعنتهم: أئذا كنا عظاما لم نتحطم ولم نتكسر بعد مماتنا وبلانا ورفاتا يعني ترابا في قبورنا،
614
وقوله: أئنا لمبعوثون خلقا جديدا قالوا: إنكارا منهم للبعث بعد الموت: إنا لمبعوثون بعد مصيرنا في القبور عظاما غير منحطمة، ورفاتا منحطمة، وقد بلينا فصرنا فيها ترابا، خلقا منشأ كما كنا قبل الممات جديدا، نعاد كما بدئنا؟ فأجابهم جل جلاله يعرفهم قدرته
615
القول في تأويل قوله تعالى: قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للمكذبين بالبعث
615
وأما قوله: فسيقولون من يعيدنا فإنه يقول: فسيقول لك يا محمد هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من يعيدنا خلقا جديدا إن كنا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدورنا؟ فقل لهم: يعيدكم الذي فطركم أول مرة يقول: يعيدكم كما كنتم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا
619
وقوله: ويقولون متى هو يقول جل ثناؤه: ويقولون متى البعث؟ وفي أي حال ووقت يعيدنا خلقا جديدا كما كنا أول مرة؟ قال الله عز وجل لنبيه: قل لهم يا محمد إذ قالوا لك: متى هو، متى هذا البعث الذي تعدنا؟ : عسى أن يكون قريبا وإنما معناه: هو قريب، لأن عسى من
621
القول في تأويل قوله تعالى: يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا يقول تعالى ذكره: قل عسى أن يكون بعثكم أيها المشركون قريبا، ذلك يوم يدعوكم ربكم
621
وقوله: وتظنون إن لبثتم إلا قليلا يقول: وتحسبون عند موافاتكم القيامة من هول ما تعاينون فيها ما لبثتم في الأرض إلا قليلا، كما قال جل ثناؤه قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
623
وقوله: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة. كما:
623
وقوله: إن الشيطان ينزغ بينهم يقول: إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا ينزغ بينهم، يقول: يفسد بينهم، يهيج بينهم الشر إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا يقول: إن الشيطان كان لآدم وذريته عدوا، قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد، وغروره إياه حتى
624
القول في تأويل قوله تعالى: ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش الذين قالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ربكم أيها القوم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم فيتوب عليكم برحمته
624
وقوله: وما أرسلناك عليهم وكيلا يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك يا محمد على من أرسلناك إليه لتدعوه إلى طاعتنا ربا ولا رقيبا، إنما أرسلناك إليهم لتبلغهم رسالاتنا وبأيدينا صرفهم وتدبيرهم، فإن شئنا رحمناهم، وإن شئنا عذبناهم
625
القول في تأويل قوله تعالى: وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وربك يا محمد أعلم بمن في السماوات والأرض وما يصلحهم فإنه هو خالقهم ورازقهم ومدبرهم، وهو أعلم بمن هو
625
القول في تأويل قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك الذين يعبدون من دون الله من خلقه: ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دونه
626
القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يدعوهم هؤلاء المشركون أربابا يبتغون إلى ربهم الوسيلة يقول: يبتغي المدعون أربابا إلى ربهم
627
القول في تأويل قوله تعالى: وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا يقول تعالى ذكره: وما من قرية من القرى إلا نحن مهلكو أهلها بالفناء، فمبيدوهم استئصالا قبل يوم القيامة، أو معذبوها، إما ببلاء من قتل
632
القول في تأويل قوله تعالى: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون يقول تعالى ذكره: وما منعنا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك، إلا أن كان من قبلهم من الأمم المكذبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم، فلما آتاهم ما سألوا منه كذبوا رسلهم، فلم
634
القول في تأويل قوله تعالى: وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا يقول تعالى ذكره: وقد سأل الآيات يا محمد من قبل قومك ثمود فآتيناها ما سألت، وحملنا تلك الآية ناقة مبصرة. جعل الإبصار للناقة، كما تقول للشجة: موضحة، وهذه حجة
637
وقوله: فظلموا بها يقول عز وجل: فكان بها ظلمهم، وذلك أنهم قتلوها وعقروها، فكان ظلمهم بعقرها وقتلها. وقد قيل: معنى ذلك: فكفروا بها، ولا وجه لذلك إلا أن يقول قائله أراد: فكفروا بالله بقتلها، فيكون ذلك وجها
638
وأما قوله: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا فإنه يقول: وما نرسل بالعبر والذكر إلا تخويفا للعباد، كما:
638
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا وهذا حض من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، على تبليغ رسالته، وإعلام منه
639
وقوله: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: هو رؤيا عين، وهي ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به من مكة إلى بيت المقدس
641
وقوله: ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا يقول: ونخوف هؤلاء المشركين بما نتوعدهم من العقوبات والنكال، فما يزيدهم تخويفنا إلا طغيانا كبيرا، يقول: إلا تماديا وغيا كبيرا في كفرهم، وذلك أنهم لما خوفوا بالنار التي طعامهم فيها الزقوم دعوا بالتمر والزبد
652
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد تمادي هؤلاء
653
ويعني بقوله وإذ قلنا للملائكة واذكر إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس فإنه استكبر وقال أأسجد لمن خلقت طينا يقول: لمن خلقته من طين، فلما حذفت " من " تعلق به قوله خلقت فنصب، يفتخر عليه الجاهل بأنه خلق من نار، وخلق آدم من طين. كما:
653
وقوله: أرأيتك هذا الذي كرمت علي يقول تعالى ذكره: أرأيت هذا الذي كرمته علي، فأمرتني بالسجود له، ويعني بذلك آدم لئن أخرتن أقسم عدو الله، فقال لربه: لئن أخرت إهلاكي إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا يقول: لأستولين عليهم، ولأستأصلنهم،
654
القول في تأويل قوله تعالى قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا يقول تعالى ذكره قال الله لإبليس إذ قال له لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا اذهب فقد أخرتك، فمن تبعك منهم، يعني من ذرية آدم عليه السلام فأطاعك، فإن جهنم جزاؤك
655
القول في تأويل قوله تعالى واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا يقول تعالى ذكره بقوله واستفزز واستخفف واستجهل، من قولهم: استفز فلانا كذا وكذا فهو يستفزه من استطعت منهم بصوتك
656
وقوله: وأجلب عليهم بخيلك ورجلك يقول: وأجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من يجلب عليها بالدعاء إلى طاعتك، والصرف عن طاعتي. يقال منه: أجلب فلان على فلان إجلابا: إذا صاح عليه. والجلبة: الصوت، وربما قيل: ما هذا الجلب، كما يقال: الغلبة والغلب،
658
وأما قوله: وشاركهم في الأموال والأولاد فإن أهل التأويل اختلفوا في المشاركة التي عنيت بقوله وشاركهم في الأموال والأولاد فقال بعضهم: هو أمره إياهم بإنفاق أموالهم في غير طاعة الله واكتسابهموها من غير حلها
660
وقوله: وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا يقول تعالى ذكره لإبليس: وعد أتباعك من ذرية آدم النصرة على من أرادهم بسوء. يقول الله: وما يعدهم الشيطان إلا غرورا لأنه لا يغني عنهم من عقاب الله إذا نزل بهم شيئا، فهم من عداته في باطل وخديعة، كما قال لهم عدو
666
القول في تأويل قوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا يقول تعالى ذكره لإبليس: إن عبادي الذين أطاعوني فاتبعوا أمري وعصوك يا إبليس ليس لك عليهم حجة. وقوله وكفى بربك وكيلا يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وكفاك يا محمد ربك
666
القول في تأويل قوله تعالى: ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما يقول تعالى ذكره للمشركين به: ربكم أيها القوم هو الذي يسير لكم السفن في البحر. فيحملكم فيها لتبتغوا من فضله لتوصلوا بالركوب فيها إلى أماكن تجاراتكم ومطالبكم
666
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا يقول تعالى ذكره: وإذا نالتكم الشدة والجهد في البحر ضل من تدعون: يقول فقدتم من تدعون من دون الله من الأنداد والآلهة، وجار عن طريقكم
668
القول في تأويل قوله تعالى: أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا يقول تعالى ذكره: أفأمنتم أيها الناس من ربكم، وقد كفرتم نعمته بتنجيته إياكم من هول ما كنتم فيه في البحر، وعظيم ما كنتم قد أشرفتم عليه من الهلاك، فلما
668
القول في تأويل قوله تعالى: أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا يقول تعالى ذكره: أم أمنتم أيها القوم من ربكم، وقد كفرتم به بعد إنعامه عليكم النعمة التي قد علمتم أن يعيدكم في البحر
670
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
14
صفحه :
673
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir