يكفي أن ينكر ويجلس لأنه يكون ببقائه معهم، قد أظل ما يدلُّ على الرضا بفعلهم ونقض بالفعل إنكاره عليهم بالقول، وروى الطبراني والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: (لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه ولا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه). فأخبر أن اللعنة تنزل على الحاضرين لعدم دفعهم، واقتضى أنهم غير راضين بقلوبهم، وأحرى إذا رضوا فلا يجوز من هذا الحديث وغيره حضور الظلم والقبائح مع عدم دفعها، ولو مع عدم الرضا بها. وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال لأصحابه: لما وصلوا الحجر ديار ثمود- ((لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم)) فإذا كان هذا فيمن ماتوا من أهل العذاب فمثلهم مجالس أهل السوء والفساد، فإذا نزلت اللعنة والعذاب عمتهم ومن كان معهم، وشهادة الزور المرادة بالنص على الوجه الثاني أو اللزوم على الوجه الأول من أكبر الذنوب إثما، وشر الكبائر مفسدة تنقلب بها الحقائق وتضيع بها الحقوق وتبطل المعاملات وتزول الثقة بين الناس وتتعرض النفوس والأموال والأعراض للأذى والشر، وتنعدم طمأنينة الناس على ما يعلمون من أنفسهم. وصح عنه عليه وآله الصلاة والسلام أنه قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله وعقوق الوالدين ألا وشهادة الزور وقول الزور) وكان متكئا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا (شفقة عليه) ليته سكت. فجلس لها وبقي يكررها لعظم شرها وكبر مفسدتها وعظم الإثم فيها
(4) 6/ 68 الأنعام.