وهو يلقي للإنسان كلمة الشر والسوء ويهيج غضبه ليقوله، ويهيج السامع ليقول مثلها، وهكذا حتى يشتد المراء ويقع الضر والفساد. ولون آخر من نزغه، وهو أنه يحسن للمرء قول الكلمة التي يكون فيها احتمال السوء، ويلح عليه في قولها، ويبالغ في تحسين الوجه السالم منه، وفي تهوين أمر وجهها القبيح، حتى يقولها، فإذا قالها عاد لسامعه بالنزغ يطمس عنه الوجه السالم منها، ويكبر له الوجه القبيح، ولا يزال به يثير نخوته ويهيج غضبه حتى يثور فيقع الشر والفساد بينه وبين صاحبه.
فحذر الله تعالى عباده من كيده حتى يحترسوا منه إذا تكلموا وإذا سمعوا فيتباعدون عمَّا فيه احتمال السوء فضلاً عن صريحة ويحملون الكلام على وجهه الحسن عند احتماله له ويتجاوزون عن سيئه الصريح ما أمكن التجاوز.
المحاسنة على الحال والظاهر- والتفويض إلى الله تعالى في العواقب والسرائر:
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}
أقوى الأحوال مظنة لكلمة السوء هي حالة المناظرة والمجادلة، وأقرب ما تكون إلى ذلك إذا كان الجدال في أمر الدين والعقيدة، فما أكثر ما يضلل بعض بعضاً أو يفسقه أو يكفره فيكون ذلك سبباً لزيادة شقة الخلاف اتّساعاً، وتمسك كل برأيه ونفوره من قول خصمه. دع ما يكون عن ذلك من البغض والشر. فذكر الله تعالى عباده بأنه هو العالم ببواطن خلقه وسرائرهم وعواقب أمرهم، فيرحم من يشاء ويعذب من يشاء بحكمته وعدله. فلا يقطع لأحد بأنه من أهل النار لجهل العاقبة سواء كان من أهل الكفر أو كان من أهل الفسق