فارتجفت. ولكني تغلبت على ضعفي وقلت:
- لعلها تكون قد خرجت لتملأ جرتها من الترعة
- ربما. . إنما. . . .
ثم ابتلع ريقه وتمتم بكلمات لم أفهمها وقام وقال:
- هيا نصل الصبح!
وقمنا إلى الصلاة. ولكن أي صلاة هذه التي أديتها في ذلك الوقت. كانت صلاة للشيطان لا لله! وأنتهت الصلاة. وبدأ الناس يفدون على الجامع وأصبحت في حالة يرثى لها. وأخيراً خرج أخي عائداً إلى الدار. وما كاد يفعل حتى انسللت صاعدا إلى سطح الجامع لأدبر حيلة لهرب هنية. وما كانت أشد دهشتي حينما رأيت السطح خالياً. ودرت فيه وأنا كالمخبول، ابحث هنا وهناك. وشعرت بإحساس غريب يجذبني نحو حافة السطح. وما كدت أشرف منه إلى الأرض حتى صرخت مرتاعاً. ووجدت نفسي بعد لحظة على الأرض ولا أدري كيف نزلت. وكانت هنية ملقاة بجوار الجدار تئن أنينا خافتا فدنوت منها وأنا في جزع ولهفة وأمسكت بها وسألتها عما أصابها ففتحت عينيها بصعوبة وقالت:
- لقد انكسرت يا سرحان. انكسرت!
وكانت تعض على شفتيها محاولة كتم تأوهاتها!
فاحتضنتها وأنا أواسيها وأشجعها. وسمعتها تقول:
- آلامي لا تطاق. . أني أموت!
وحملتها بكل عناية واحتراس. وأنا أكاد اجن من الحزن، وذهبت بها إلى دار أم عبد الجليل. وكانت امرأة وفية ولي محبة. وأخبرتها بشيء من الحقيقة ورجوتها أن تذهب إلى أخي لتبلغه خبرا ملفقاً. فقامت المرأة من فورها إلى داره.
ونقلوا هنية إلى دارنا وقد أشاعت أم عبد الجليل أنها سقطت من سطح منزلها بينما كانت تأتي بوقود لها!
ومضى يومان وهنية تعيش في أتون متقد من آلام لا يتصورها العقل. أما أنا فكنت أذهب إلى زريبة المواشي، وأحكم أقفالها عليّ. ثم انهال على وجهي باللطم. وأنفجر في نواح طويل وأنا أقول: