وكان يتراءى لي شبح أخي في يقظتي ونومي. يحوم حولي يريد أن يقتلني، فكنت العنه بأشنع اللعنات. وفي الفجر غلبني نعاس عميق، لم أصحو منه الا عند الظهر. وفتحت عيني وأردت النهوض فخانتني قواي، إذ كنت أشعر بآلام شديدة وضعف هائل.
فجلست مستندا إلى جذع شجرة خلفي وأخذت استعيد قواي شيئا فشيئا. وكان الغم يخيم على قلبي، وشعور الندم الشديد يكتسح نفسي. فقمت مهرولا نحو الجامع، واعتذرت لأخي عن تأخيري بمختلف الأعذار ثم هبطت على يده اقبلها، وأنا أقول له:
أني احبك يا أخي!. واقسم بالله أني احبك حبا لم يضمره ابن لأبيه. أريد دائما أن أنال رضاك وعفوك. قل لي أتحبني!.
فأجابني:.!
- ما هذا الكلام يا سرحان. هل رأيت مني غير الحب الكبير؟. أنت ابني بل أنت افضل من ابني:.
ونظرت إلى أخي فوجدت آيات الإخلاص مرتسمة على وجهه. فأندفعت اقبل يديه من جديد؛ وأنا ابكي بصوت عال. وأنتابتني نوبة عصبية شديدة، فارتميت على الأرض في حالة تشبه الصرع. ولما أفقت وجدت نفسي ممددا في ركن من أركان الجامع وأخي بجانبي مهموم الخاطر من اجلي؛ يمرضني ويحنو عليّ.
ومضى أسبوع وأنا لا اقصد الدار الا في أوقات قليلة. وكثيرا ما كنت أتناول الطعام في الجامع، وأنام ليلا فيه، ولو استطعت لأمتنعت تماما عن الذهاب إلى المنزل. ولكني كنت احتاط للأمر حتى لا يشك أخي في سلوكي. وكنت أجاهد ما أمكن في سبيل ضبط عواطفي وأكلم (هنية) أمام أخي كلاما عاديا متحاشيا دائما النظر إليها. وإذا تصادف وخلونا نحن الاثنان برهة صغيرة ظللنا صامتين منكسي الرأس وإذا تقابلت الأعين اهتزت منا الأجسام كأن مستها الكهرباء.
ومضت الأيام والنار تأكلني أكلا، أنام نوماً سيئاً، وأقضي يقظتي في شبه أحلام مشوشة. وإذ أديت صلاتي أخطأت الأداء وكان قلبي مسرحا لمختلف الاحساسات المتباينة، الغضب والرحمة، والكفران، والتوبة والحب والبغض تتطاحن كلها باختلاط.
وتركت الدار (يوماً) بعد منتصف الليل بقليل وخرجت أعدو كالوحش المطعون وأنا أردد: