أيصح أن تتركنا ننتظرك. تعال يا ملعون وشاركنا الطعام!. أريد أن أقص عليك كيف أجْرت الفدادين هذا العام بقيمة لم اكن احلم بها.
وجاءت (هنية) ووضعت العيش أمامنا. وجلست مبتعدة قليلا عنا. وبدأنا نأكل. وكنت منهمكا في تفكيري، لا أفهم شيئاً مما يرويه لي أخي، مع تظاهري بالإصغاء إليه. وكنت أرفع بصري بين وقت وآخر نحو (هنية) فأجدها مسبلة الأجفان في شبه ذهول تأكل بحركات ميكانيكية، ووجهها ممتقع. وحدث مرة أن رفعت نظرها إليّ واشتبكت عينانا. وخيل لي أن وجهي يدنو من وجهها، وأن شفتينا على وشك التلاقي. وبغتة سمعت صرخة اهتزت لها الدار فارتعت، وتنبهت لنفسي فرأيت (هنية) تشهق بالبكاء قائلة:
لا أستطيع! لا أستطيع!
وهب أخي فزعا نحوها. وضمها إلى صدره وهو يقول:
- ما لك يا هنية؟. ما لك؟.
ليس لي رغبة في الأكل. دايخة. أريد أن أنام.
- قومي يا حبيبتي لتستريحي. .
وقامت متجهة نحو حجرتها، وهي معتمدة على ذراع أخي. وكنت شاهد هذا المنظر وأنا في شبه خبل. أشعر بأني قد تحجرت وصرت جزءاً من الأرض التي كنت أنا جالس عليها.
وعاد أخي بعد هنيهة، وقال لي:
- المسكينة أجهدت نفسها اليوم في أعمال الدار.
وكنت لا أطيق أن أنظر إلى أخي في هذه اللحظة فقمت من فوري ووجهتي الباب. وسألني أخي؛
- إلى أين؟
- إلى الجامع. أريد أن اصلي العشاء. ثم أقفله أعود.
وخرجت أعدو إلى مأواي المختار (الذي قابلت فيه (هنية) منذ وقت قريب) وارتميت على الأرض أمرغ وجهي في الموضع الذي كانت جالسة فيه، وأنا أنشج نشيجا حارا وأمضيت ليلتي هناك، وأنا لا يهنأ لي مضجع. أبكي وأغفو وأحلم، ثم أصحو برجفة تزلزل جسمي،