responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 957
والنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كان يتهيَّأ للعَشر الأوَاخِر من رَمضان ما لا يتهيَّأ لغيره؛ فعَن عائِشَة -رضيَ اللهُ عنهَا-كما في «الصَّحيحَيْن» - قالَت: (كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- إذ دخلَ العشرُ؛ شَدَّ مِئزَرَهُ، وأحيا ليلَهُ، وأيقظَ أهلَهُ)، يعني أنه يعتزل نساءه ويبتعد عما أحل الله له من ذلِك -ليس للتحريم وإلا النَّص القُرآني واضح: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]-؛ ولكن مِن باب الإقبال والتعظيم لهذه الأيَّام المبارَكة.

أما علاماتُها:

فعَن أُبَيِّ بن كعب -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «صبيحة لَيلة القَدْر تطلع الشَّمس لا شُعاعَ لها، كأنها طَسْتٌ حتى تَرتفِع»، الطَّستُ: هو الإناء الذي يُغسَل فيه أو يُعجَن فيه، وهو دائري. يعني: أن دائرة الشَّمس وقُطرَها يكون واضحًا جدًّا وظاهرًا جدًّا حتى الشُّعاع لا يكون موجودًا عند أوَّل ظُهورِها.

وعن أبي هُرَيرَة قَالَ: تذاكرنا لَيلة القَدْر عند رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- فقَالَ: «أيُّكُم يَذكُرُ حين طَلَعَ القَمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ» (شِقِّ جَفْنَةٍ)؛ (الجفنة): هي القَصعةُ والوعاء الصَغير -أيضًا-، و (الشِّق): النِّصف. يعني: لا يكون القمرُ بهذا الوصف إلا في الأوَاخِر من الشَّهر القَمَري، لا يكونُ القمرُ تامًّا بدرًا -بطبيعة الحال- فهذا لا يكون إلا في وسط الشَّهر؛ ولكن: يبدأ ينحسر حتى يصبح كالنِّصفِ؛ أو كالشِّقِّ -حتى ليس نصفًا-، كالشِّق؛ يعني: هو أقرب ما يكونُ إلى الهلال.

وأيضًا: ورد عن ابن عبَّاس -رضيَ اللهُ عنهُ-كما في «صحيح ابن خُزيمَة» - أنه قَالَ: قال رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «لَيلة القَدْر لَيلةٌ سَمْحةٌ»؛ يعني: رَطْبة، «طَلِقَةٌ»؛ يعني: الجو فيها لطيف، «لا حارَّة ولا باردة، تصبحُ الشَّمس صبيحتَها ضعيفةً حمراء» كما في الحَديثِ الآخر: وهو أنها لا شُعاع لها، وأن قُرصَها ساطع وظاهر وواضِح.

قد يقول قائل أو يسأل سائل:

«لا حارَّة ولا باردة»؛ هُنالِك بلاد باردة جدًّا، وهُنالِك بلاد حارَّة جدًّا، وهُنالِك بلاد متوسِّطة؟

نقول: الأمر -هُنا- نسبِيٌّ؛ فما تُعامَلُ به البلادُ الحارَّة من التَّوسُّط؛ يكون هو الحُكمُ في مِثل هذا الوَصفِ، وكذلِك البلاد البارِدة، وكذلِك البلاد المتوسطة؛ كلٌّ بِحسَبِها.

الاعتِكاف:

الاعتكاف -أيضًا- سُنَّةٌ مِن سُنَن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- الَّتِي فعلها في رَمضان.

وذكر الإِمام ابنُ القيِّم في «زاد المعاد» أن مقصودَ الاعتكاف ورُوحَه: (عُكوفُ القَلب على الله -تعالى-، واجتِماعُه عليه، والخلوةُ به، والانقطاع عن الاشتِغال بالخلقِ)؛ هذه حِكمة الاعتكاف؛ لا أن نعتكفَ ثم نُضيِّع اعتكافَنا بالسَّمر والسَّهر والقول بغير فائدة!!

الاعتِكاف: هو العُكوفُ والإقبال. الاعتكاف: هو الانقطاع.

فبعض النَّاس يقضون نِصف الاعتكاف وهم يَشترون -مِن الأسواق- الطَّعام والشَّراب، ويَقضُون ليلة الاعتكاف -أو ليالي الاعتكاف- بِكلامٍ -وإن كان مُباحًا- لكنَّ المقام أعظَم مِن أن يُشتَغَل به في هذا الأمر.

والرَّسُول -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كما في حديث أبي هُرَيرَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ-والحَديثِ في «صحيح البخاري» - قَالَ: (كان رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- يَعتكف في كل رَمضان عشرة أيَّام، فلما كان العام الذي قُبض فيه؛ اعتَكف عِشرين يومًا)، وهذا من إِلهامِ الله -عزَّ وجلَّ- له، كأنَّهاوداع لهذه السُّنَّة الَّتِي يُقصِّر فيها كَثِير من النَّاس.

مع التَّنبيه: إلى أن الاعتكاف يكون جائزًا في السَّنَةِ -كلِّها-.

ومِن شَرط الاعتِكاف: أنه لا يكون إلا في المساجد.

وقد اختلف أهل العِلم: هل هو في أي مسجد؟ هل هو في مسجِد جماعة؟ هل هو في أحَدِ المساجد الثَّلاثة؟ يَذهب بعض أهلِ العِلمِ إلى هذا التَّخصيص لقوله -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «لا اعتكافَ إلا في المساجِدِ الثَّلاثة» وهو حديثٌ صحَّحه الإِمام الذَّهبِي -رَحِمهُ اللهُ-تَعالَى-.

أمَّا صلاة التَّراويح -وبها نختم-:

فهي من سُنَن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- الَّتِي فعلها وحضَّ عَليهِا بقولِه، وأقرَّها بِسُكوته الشَّريف -صلى الله عَليهِ وسلَّم-، وقد فعلها أيَّامًا، ثم تركها، فلما استقرَّ الأمرُ في عهد عُمر بنِ الخطَّاب -رضيَ اللهُ عنهُ- أحيا ما كان قد تَرَكَه رسولُ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، ولا يُقال في هذا الإحياء إنَّه إحداثٌ في الدِّين؛ كيف يكون إحداثًا في الدِّين شيء فَعَلَه رسول الله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- وحضَّ عَليهِ بقوله، وأقره بِتقريرِه الشَّريف -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، وخيرُ الهدي هديُ محمَّد -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-؛ فقد قَالَت عائِشَة -رضيَ اللهُ عنهَا-وهذا فيما يتعلَّق بِعدَدِ رَكعات التَّراويح- قَالَت: (ما كان رسولُ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- يَزيدُ في رَمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة)، قَالَ الحافظُ ابن حجر: (وهي أعلم النَّاس به -رضيَ اللهُ عنهَا- بِصلاتِه في ليلِه، في نهارِه، في نافِلتِه، في فريضته).

أسأل الله لي ولكم التَّوفيق والسَّداد والهُدى والرَّشاد، وأن يُعيدَ عَلينا وعليكم هذا الشَّهرَ الكريم بِمَنِّه وقُوَّتِه وفَضلِه، ونحن على عافيةٍ ودِيانةٍ وطاعة واستِقامةٍ؛ إنَّه -سُبحانَهُ- وليُّ ذلِك والقادر عَليهِ.

والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه

وتقبَّل الله منَّا ومنكُم الصِّيام والقِيام.

وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِين.

من هنا لسماع الحلقة الخامسة عشرة والأخيرة (http://www.ballighofiles.com/umzayd/fiqh-siyam-halabi-15.mp3)

(الحمد لله الذي بنعمته تتم الصَّالحات)

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 957
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست