نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 945
لو حصل هذا الأمر في صِيام نافِلة؟ نقول: لو حَصل في صِيام نافلة؛ فالرَّسُول -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «الصَّائمُ المتطوِّع أميرُ نَفسِه: إن شاءَ صَام، وإن شاءَ أفطَر»، لكن لا يَجوز هذا في صِيام الفَريضَة، في صِيام شهر رَمضان؛ فرَمضان له حُرمتُه، وله حِكمتُه، وله مَهابتُه، وله مَنزلتُه، لا يَجوز هذا -بأي حالٍ من الأحوال، ولا تحت أي ظرفٍ من الظُّروف-، فمَن فعل؛ فهو آثم، ويقضي يومًا، ويُكفِّر -عن فعله الشَّنيع- بصِيام شهرين مُتتاليين.
والله -عزَّ وجلَّ-يقول: {فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} [البقرة: 187] يعني: كما قَالَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- في الآية الأخرى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] {لَيْلَةَ الصِّيَامِ} في اللَّيل هذا شيء أباحه الله -عزَّ وجلَّ-، أما في نهار رَمضان من وقت الفَجر إلى وقت المَغرِب؛ فهذا لا يَجوز -بأي حال من الأحوال-.
وهنا حديث فيه طُرفة، وفيه لُطف، وفيه -يعني- جَمال، وبيان للرَّحمة الإلهية، وهو في «الصَّحيحَيْن»:
عن أبي هُرَيرَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ-: أتاه رجل فقَالَ: يا رسولَ اللهِ! هلكتُ -وفي رواية: احترقتُ-، قَالَ: «وما أهلككَ؟» قَالَ: وقعتُ على امرأتي في رَمضان! قَالَ: «هل تستطيع أن تُعتِقَ رقبةً؟»، رسول الله -عليه الصلاةُ والسَّلام- يقول له: «هل تستطيع أن تُعتِقَ رقبةً؟»؛ يعني: مِن العبيد الذين هم ليسوا بأحرار، هل تَستطيع أن تُنفِق نفقةً تُحرِّر بها هذا العَبد؟ قَالَ: لا. قَالَ: «هل تَستطيع أن تصوم شهرَين مُتتابعين؟» قَالَ: لا. قَالَ: «هل تَستطيعُ أن تُطعِمَ سِتِّين مِسكينًا؟» قَالَ: لا، فقَالَ له -عَليهِ الصَّلاة والسَّلام-: «اجلِس» فجلس، فأُتي النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- بِعَرَق فيه تَمر؛ يعني: وعاء مليءٌ بالتَّمر، قَالَ: «فتصدَّق بهذا»؛ من الذي أعطاه؟ رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، ومَن الذي أمره بالصَّدقة؟ رسولُ الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-، قَالَ: يا رسولَ اللهِ! ما بين لابَتَيْها أحدٌ أفقر مِنا! يعني ما بين طرفي المدينة أفقر مني ومِن زوجتي! قَالَ: فضحك النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- حتى بدت نَواجذُه.
النَّواجِذ: هي الأسنان الظاهرة في الإِمام، بعض النَّاس يتصوَّر النَّواجذ هي الطَّواحين أو الأضراس الدَّاخلية، لا؛ النَّواجذ هي الأسنان الَّتِي تبدو من طرفي واجهة الفم.
قَالَ: فضحك النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- حتى بدتْ نَواجذُه؛ فقَالَ له -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «خُذهُ فَأطْعِمْهُ أهلَك»؛ هذه هي رحمة رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- الذي وصفه ربُّه -سُبحانه وتعالى- بأنه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.
نقطةٌ أخرى نذكرُها -مِن باب الأمانة العِلميَّة-:
وهي حقن التَّغذية، أو إبر التَّغذية، أشرنا -في مجلس ماضٍ- أن هذه مسألة عصريَّة خلافيَّة، ورجَّحنا أن القولَ بأن الإبرَ التَّغذويَّة لا تُفطِّر؛ ولكنَّني أقولُ -الآن-: في غالب الأمر ومُعظمِه لا يَحتاج هذه الإبرَ التَّغذوية -أو المغذِّيَة- إلا مَن وجب عَليهِ الفِطرُ؛ لأنه إنْ لم يُفطِر؛ فإنه يكونُ -والحالة هذه- يكونُ مُوقِعًا نفسَه في التهلكة! وهذا لا يَجوز -بأي حال من الأحوال-.
إذًا: يَحتاط الإنسَان لنفسه -في هذا الباب- بأن لا يتصرَّف مثل هذا التصرُّف إلا في الوقت الذي يكون فيه هذه الحاجة الَّتِي تُبيح له -أصلًا- الفِطر؛ حينئذٍ: تكون المسألةُ صُوريَّةً أكثر منها حقيقيَّة.
هذا هو الإسلام، هذه هي رحمةُ الإسلام، هذه رحمةُ نبيِّ الإسلام -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- الذي قَالَ فيه ربُّه: {وَمَا أَرْسَلْناكَ إِلا رَحْمَةً لِلعالَمينَ} [الأنبياء: 107]، والذي قَالَ عن نفسِه -صلواتُ ربي وسَلامُه عَليهِ-: «إنَّما أنَا رَحمةٌ مُهداةٌ».
نسألُ الله العظيم، ربَّ العرش العظيم؛ أن يوفِّقَنا -وإياكم، وإياكن، وجميع المُسلِمين- لما فيه هُداه، واتِّباع نبيِّه ومُصطفاه -صلى الله عَليهِ، وعلى آله، وصحبه-أجمعيَّن-.
وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِين.
والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 945