نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 873
17 - تكلم المؤلف وفقه الله بعد ذلك بكلام طويل عمد فيه إلى تبرئة الإمام أحمد رحمه الله من ذهابه إلى هذا القول اعتمادا على عمل الناس المجرد، وأورد لذلك أدلة ثلاثة!!!. الأول: أن الإمام أحمد هو الإمام في السنة المجاهد في حمايتها المجتهد في علومها ... الثاني: أن مصادر التشريع وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما يرجع إليها، وهي لا تخفى على صغار الطلبة فضلا عن الإمام رحمه الله. الثالث: أنه من الإمام أحمد رحمه الله تعلمنا أن فعل الناس ليس بحجة، وأنه من الإمام أحمد عرفنا أن الاستحباب لا يثبت بمجرد اجتهاد مجتهد ولا باستحسان جاهل أو عالم ... قلت: الإمام أحمد رحمه الله علم في السنة، وأنا أقل من أكتب حرفا في فضله، لكن لا بد من تقرير أمر مهم، وهو أنه لا تلازم بين فضل العالم وعدم الخطأ في الاجتهاد، ولا تلازم بين الإمامة في الدين، وخفاء آحاد المسائل عن العالم، وقد حصل ذلك للأئمة الخلفاء عليهم رضوان الله تعالى، وأعلق على الأمر الثالث أو الدليل الثالث: بأن العبرة في مذهب العالم بقوله لا بفعله، فإذا كان الإمام أحمد يقرر عدم جواز الاعتماد على عمل الناس، كما يقول الشيخ وفقه الله، فينبغي إضافته مذهبا للإمام أحمد رحمه الله، وتقديمه على فعله. هذا على فرض اعتماده رحمه الله على العمل المجرد، وقد تقدم أن بينت احتمال كونه رحمه الله قاله تقليدا لسفيان، وأهل العلم من أهل مكة.
18 - زاد المؤلف وفقه الله أمر رابعا في تقرير تبرئة الإمام أحمد رحمه الله من اعتماده على عمل الناس المجرد، وهو أن القول بهذا يعد إضافة أصل من أصول التلقي لا تعرفه مصادر أهل السنة والجماعة، والذي وصل حد المخالفة في مصادر التلقي، إن وقع ... فلا يقع إلا من رؤوس أهل البدع وعتاتهم ... قلت: هذا منه حفظه الله مبالغة في التقرير، ففرق بين تقرير الأصل وتبنيه، وبين القول به مرة واحدة مثلا، فقد يكون ذلك من باب الخطأ ونحوه. وقصد المؤلف من وراء هذه المبالغة تقوية المقدمة الأولى في استدلاله، ألا وهي أن الإمام أحمد رحمه الله لم يعتمد على العمل المجرد، وإنما على شيء آخر، ولا شيء آخر غير أنه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: فرضنا جدلا أن الإمام أحمد رحمه الله ظن اعتماد أهل مكة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يلزم من ذلك أنها سنة، وأنهم اعتمدوا في ذلك على سماع قاطع؟ الجواب: لا، لأن الرواية يتوقف إثباتها على النقل المضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس الأمر كذلك هنا، ولو كان في المسألة نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لبينه الإمام أحمد رحمه الله واعتمد عليه، ولا سيما وقد زار أحمد رحمه الله مكة، وأخذ عن علمائها كسفيان بن عيينة رحمه الله وغيره. وأنا أسأل ما الفرق بين مكة والبقاع الأخرى عدا المدينة في هذا الاحتمال، وهو الاعتماد على رواية؟!، لا أعلم فرقا غير سكن بعض الصحابة لها، وقد سكن الصحابة غيرها، وعليه فيلزم أن تكون تلك الأمصار كذلك، ولأظن المؤلف يقول بمثل هذا!!!. ومثل هذا الظن غير مقبول في إثبات الشرع، ودعوى الرواية، قال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، وقال: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطنا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقال: (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون)، وقال: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون). وقال: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى). وقال: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً). وقال: (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون)، وقال: حكاية عن الذين كفروا، على وجه الذم لهم: (إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين)، وأمثال هذه الآيات كثير.
19 - اعتمد المؤلف في تقرير الاحتجاج لعمل أهل مكة بالقياس على عمل أهل المدينة، حيث قال: (فالاحتجاج به صحيح كالاحتجاج الصحيح بعمل أهل المدينة الذي كان عليه الإمام مالك ...). قلت: نقل الشيخ حفظه الله في مبحث أقوال العلماء في المسألة عن الإمام مالك رحمه الله، أنه سئل عن الذي يقرأ القرآن فيختمه، ثم يدعو؟ فقال ما سمعت أنه يدعا عند ختم القرآن، وما هو من عمل الناس ...). قلت: وعليه فعمل أهل المدينة لا دعاء للختم، وعمل أهل مكة الدعاء للختم فأيهما سيقدم الكاتب؟!، وكيف سيفعل في حل هذا التعارض؟! ...
20 - تأملت المبحث الذي ذكره الشيخ حفظه الله وعنون له بقوله: مدى حجية عمل أهل مكة ... فوجدته مجرد نقول عن بعض العلماء لا يصح التعويل عليها في استفادة حجية عمل أهل مكة ومن الأصول المقررة: لا حجة في قول أحد من العلماء. ورأيته استدل بدليل واحد وهو حديث: (الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة). قلت: هذا الحديث لا دلالة فيه على حجية عمل أهل مكة، بل غاية ما فيه أن الوزن معتبر بوزنهم يعني من كان منهم في زمانه صلى الله عليه وسلم، لأن غير الموجودين في ذلك الزمان لا يشملهم هذا اللفظ العام على ما تقرر في الأصول.
21 - ذكر المؤلف وفقه الله في ص: 59 أن الإمام أحمد احتج بعمل أهل مكة في مسألة أخرى غير مسألة دعاء الختم في الترويح، وهي مسألة الأذان، وقد فهم ذلك من رواية أحمد حيث جاء فيها: (أذان أبي محذورة أعجب إلي، وعليه أهل مكة إلى اليوم). قلت: الذي يظهر أن هذا الفهم غلطٌ، فهذا ليس تأسيسا لحكم بعمل أهل مكة، إذ أذان أبي محذورة ثابت براوية، وأحمد رحمه الله من رواتها، ولا يبعد أن يكون قوله: (وعليه أهل مكة إلى اليوم) من باب الإخبار ليس إلا.
وأكتفي بهذا القدر، والله تعالى أعلم.
كتبه / جلال بن علي حمدان السلمي.
غفر الله له ولوالديه وأهله.
10/ 9 / 1432 هـ.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 873